قَالَ الله تعالىٰ: {وَٱصبِر نَفسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِٱلغَدَوٰةِ وَٱلعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُۥ وَلَا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم} [الكهف: 28].
1) فضل الاجتماع عَلَىٰ الذكر والدعاء، وفق الهدي المتبع.
2) مدار العبودية علىٰ الإخلاص، فهؤلاء مَا اجتمعوا إلَّا وهم يريدون وجه الله تعالىٰ.
3) الموفَّق من عباد الله من عرف حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، فلزم الهدىٰ وترك الهوىٰ.
1/1447 ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للهِ تعالىٰ ملائكةً يطُوفُون في الطُّرُق يلْتَمسُون أهلَ الذِّكر، فإذا وجَدُوا قوماً يذكُرُونَ اللهَ _عز وجل_ تَنَادَوا: هلُمُّوا إلىٰ حاجَتِكُمْ، فيحُفُّونَهُمْ بأجْنحتِهِمْ إلىٰ السَّماء الدُّنيا، فيسألُهم ربُّهُم ــ وهوَ أعلمُ: مَا يقولُ عبادي؟ قَالَ: يقولون: يُسبِّحونَكَ، ويكبِّرُونَكَ، ويحمدُونَكَ، ويَمُجِّدُونَكَ، فيقول: هل رَأَوْني؟ فيقولون: لا، واللهِ مَا رَأَوْكَ، فيقُولُ: كيفَ لو رَأَوْني؟! قَالَ: يقُولون: لو رَأَوْكَ كانُوا أشدَّ لك عبادَةً، وأشدَّ لك تمجيداً، وأكثرَ لك تَسْبيحاً، فيقولُ: فماذا يسألُونَ؟ قَالَ: يقولون: يسألونكَ الجَنَّةَ، قَالَ: يقولُ: وهل رَأَوْهَا؟ قَالَ: يقولون: لا، واللهِ يا ربِّ مَا رأوْهَا، قَالَ: يقولُ: فكيف لو رَأَوْها؟! قَالَ: يقولون: لو أنَّهُمْ رَأَوْهَا كانوا أشدَّ عليها حرصاً، وأشدَّ لها طلباً، وأعظمَ فيها رَغْبَة، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يتَعَوَّذُونَ منَ النَّار، قَالَ: فيقولُ: وهلْ رأَوْهَا؟ قَالَ: يقولون: لا، واللهِ مَا رَأَوْهَا، فيقولُ: كيفَ لو رأَوْها؟! قَالَ: يقولون: لو رأَوْهَا كانُوا أشَدَّ منها فرَاراً، وأشدَّ لها مَخَافَةً، قَالَ: فيقُولُ: فأُشهدُكُمْ أنِّي قد غَفَرْتُ لهم. قَالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ الملائكةِ: فيهم فلانٌ ليْسَ منهم، إنَّما جاءَ لحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الجُلساءُ لا يَشْقَىٰ بهم جليسُهم». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ لله ملائكةً سيَّارةً فُضُلاً يتتبّعون مجالسَ الذِّكرِ، فإذا وجدُوا مجلساً فيه ذكرٌ قعدُوا مَعَهُم، وحفَّ بعضُهُمْ بعضاً بأجنحتِهِمْ حتىٰ يملؤوا مَا بينهم وبين السَّماءِ الدُّنيا، فإذا تفرَّقُوا عرَجُوا وصَعدُوا إلىٰ السَّمَاء، فيسألُهُمُ اللهُ _عز وجل_ ــ وهو أعْلَمُ: من أين جئتُمْ؟ فيقُولُون: جئنا مِن عندِ عَبادٍ لكَ في الأرض: يُسبِّحُونَكَ، ويُكبِّرُونَكَ، ويُهَلِّلُونَكَ، ويَحْمَدُونَكَ، ويسألُونكَ. قَالَ: وماذا يسألُوني؟ قالوا: يسألونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وهَلْ رأَوْا جنَّتي؟ قالُوا: لا، أيْ ربِّ، قَالَ: فكيفَ لو رأَوْا جَنَّتي؟! قالُوا: ويستجيرونَكَ. قَالَ: ومِمَّ يَسْتَجيرُوني؟ قالوا: مِن نارِكَ يارَبِّ، قَالَ: وهلْ رَأَوْا ناري؟ قالوا: لا، قَالَ: فكيف لوْ رَأَوْا نَاري؟! قالُوا: ويستغفرُونكَ، فيقول: قدْ غَفَرْتُ لهُمْ، وأعْطَيْتُهُمْ مَا سَألُوا، وأجرْتُهُمْ ممَّا استجَارُوا. قَالَ: فيقُولُون: ربِّ فيهمْ فُلانٌ، عبدٌ خطَّاءٌ، إنَّما مَرَّ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ، فيقولُ: وله غَفَرْتُ، هُمُ القومُ لا يشقىٰ بهم جليسُهُمْ».
سيّارة: يطوفون في الطرق كما ورد مفسَّراً في الرواية الأولىٰ، والحديث النبوي يفسّر بعضه بعضاً.
فضلاً: زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق، فهم مخصصون لحلق الذكر.
1) فضيلة مجالسة الصالحين، فالجليس الصالح يعم نفعه لمن جلس معه.
2) استحباب الاجتماع عَلَىٰ الذكر كقراءة القرآن مثلاً، أوْ تعلّم العلم وتعليمه، ونحو ذلك؛ ومن الاجتماعِ: الاجتماعُ عَلَىٰ الصلوات في المساجد.
3) الترغيب في الجنة لما اشتملت عليها من المكرُمات، وأنواع النعيم المقيم، والترهيب من النار، لما اشتملت عليها من المخوفات، وأنواع العذاب الأليم.
2/1448 ــ وعنهُ، وعن أبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَقْعُدُ قومٌ يذكُرُونَ الله _عز وجل_ إلَّا حفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وغَشيتْهُمُ الرَّحْمَةُ، ونَزلَتْ عليهمُ السَّكينَةُ، وذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عنْدَهُ». رواه مسلم.
حفّتهم: كانوا حولهم من كل جانب.
غشيتهم: غطّتهم وأحاطت بهم.
1) مجالس الذكر تحوِّطها الملائكة، وتتنزل عليها السكينة، وتملؤها الرحمة، لِمَا يكون فيها من البركات.
2) من أعظم مجالس الذكر: الاجتماع عَلَىٰ مدارسة القرآن والحديث، لفظاً ومعنىً.
3) الجزاء من جنس العمل، فمن ذكر اللهَ تعالىٰ فإنه سبحانه يذكره.
3/1449ــ وعن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بينما هُوَ جالسٌ في المسجد، والنَّاسُ معهُ، إذْ أقبلَ ثلاثَةُ نَفَرٍ، فأقبلَ اثنان إلىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وذَهَبَ واحدٌ، فوقَفَا عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فأمَّا أحَدُهُما فرأىٰ فُرجَةً في الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فيها، وأمَّا الآخرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُم، وأمَّا الثالثُ فأدبَرَ ذَاهباً. فلمَّا فرغَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ألا أخبرُكُمْ عن النَّفَرِ الثَّلاثةِ؟ أما أحدُهم فأوىٰ إلىٰ الله، فآواهُ اللهُ إليه، وأمَّا الآخرُ فاسْتَحْيا، فاسْتَحْيا الله منهُ، وأمَّا الآخَرُ فأعرَضَ، فأعرضَ اللهُ عَنْهُ». متفق عليه.
1) فضل الاجتماع عَلَىٰ مجالس الذكر، فهو هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من قوله، وفعله.
2) الإعراض عن مجالس الذكر والعلم، من غير عذر، سببٌ لإعراض الله عن العبد.
3) الترغيب في المصافَّة والمسارعة إلىٰ الخيرات، ومن ذلك سَدّ الفُرَج والخلل في الصفوف، وفي حِلق العلم.
4/1450ــ وعن أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه قَالَ: خرجَ معاويةُ رضي الله عنه عَلَىٰ حَلْقَةٍ في المسجد، فَقَالَ: مَا أجْلسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ: آللهِ، مَا أجْلَسَكُمْ إلَّا ذاك؟ قالوا: ما أجلسَنَا إلَّا ذَاكَ، قَالَ: أما إنِّي لم أستحْلفْكُمْ تُهْمَةً لَكُم، ومَا كَانَ أحدٌ بمنزلتي من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عَنْهُ حديثاً منِّي: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ عَلَىٰ حَلْقة من أصحابه، فَقَالَ: «مَا أجْلَسَكُمْ؟» قالوا: جَلَسْنَا نذْكُرُ الله، ونَحْمَدُهُ عَلَىٰ مَا هَدَانا للإسْلام، ومَنَّ به عَلَيْنا. قَالَ: «آلله، مَا أجْلَسَكُم إلَّا ذَاكَ؟» قالوا: والله مَا أجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قَالَ: «أمَا إنِّي لم أسْتَحْلفْكُمْ تُهْمةً لَكُمْ، ولكنَّه أتَاني جبريلُ فأخْبَرَني أنَّ الَله يُبَاهي بكُمُ المَلائكَةَ». رواه مسلم.
1) استحباب مجالس الذكرِ، لأن الله يحبُّها، ويباهي بها الملائكة المقربين.
2) لا بد أن يكون الاجتماع عَلَىٰ حِلَق الذكر وفق الطريقة النبوية، وطريقة الصحابة، ومن بعدهم من أئمة الهدىٰ والعلم، وليس اجتماعاً عَلَىٰ ذكر جماعي ورقص وتمايل، لم يرد فيه هديٌ ولا سنّة.