اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

كتاب رَوْحٌ وَرَيَاحِينُ شَرْح رِيَاضِ الصَّالحِينَ

بسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الحمد لله المحمود علىٰ ما لَهُ من الأسماء الحسنىٰ، والصفات الكاملة العظيمة العليا، وعلىٰ آثارها الشاملة للأولىٰ والأخرى، ونُصليِّ ونُسلِّم علىٰ سيد المرسلين؛ أجمع الخلق لكل وصف حميد، وخُلق رشيد، وقول سديد، وعلىٰ آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد.

أما بعد:

فليس بعد كلام الله تعالىٰ أصدق ولا أنفع ولا أجمع لخير الدنيا والآخرة من كلام رسوله وخليله محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ هو أعلم الخلق، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم نصحاً وإرشاداً، وأبلغهم بياناً، وأحسنهم تعليماً، وقد أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً.

ومن هنا نعلم اضطرارَ العباد إلىٰ معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهىٰ عنه وزجر، وألا يُعبد الله تعالىٰ إلا بما شرع؛ فإنه لاسبيل إلىٰ السعادة والفلاح لهذه الأمة المرحومة إلا باتباع نبيِّها صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، إذ لا طريق إلىٰ الله والجنة إلا بهدي الكتاب والسُّنَّة.

ولذلك يجب علىٰ من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه المبارك ما يخرجه عن الجاهلين به، ويُدخله في عداد أتباعه وأهل سنته. والناس في هذا بين محروم ومستقلّ ومستكثر، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وإن مما يعين علىٰ معرفة ذلك العناية بالكتب الجامعة، النافعة، المختصرة، في معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسُنَنه، ومنها:

كتاب (رياض الصالحين من أحاديث سيد المرسلين) تصنيف العلَّامة الزاهد أبي زكريا يحيىٰ بن شرف النووي (631 ــ 676هـ) ــ رحمه الله تعالىٰ ــ جمع فيه مختصراً من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً علىٰ ما يكون زاداً لصاحبه إلىٰ الآخرة، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين؛ من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من المقاصد.

وقد عظمت وصية العلماء بالكتاب، واعتنوا به شرحاً وتدريساً لعموم المسلمين. وهذا دالٌّ علىٰ إخلاص مؤلفه، وعلىٰ حاجة ا لناس لمثل هذا الكتاب النافع الجامع.

واقتداءً بطريقة علمائنا وجرياً علىٰ صالح فعالهم، كانت هذه المشاركة في تيسير كتاب (رياض الصالحين) لعموم الراغبين، قصدنا من ورائها:

1) أن تكون نصيحة للمؤمنين في امتثال هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فإنه خير الهدي.

2) أن نتأسّىٰ بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسارعتهم إلىٰ تعظيم أمر الله تعالىٰ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالصحابة هم الجيل الأمثل الذي صدق في اتِّباع هدي النَّبِّي المُرسَل صلى الله عليه وسلم .

3) أن يعلم العباد عظمة هذه الشريعة الحنيفيّة السَّمحة التي أغاث الله بها العَالَمَ، فَعَمَّ خيرها البشرية كلَّها، وخصَّ الأُمة المحمدية ببركات ورحمات وتيسيرات تنالها الأمة ببركة اقتدائها بهدي الكتاب والسُّنَّة.

وقد تلَّخص سعينا في خمس نقاط:

1 ــ توضيح الكلمات التي لا يفهمها القارئ من الحديث، مما تركه المؤلف ولم يُبيَّن معناه، وهو ما يسمى: (غريب الحديث).

2 ــ استخراجُ هدايةٍ من الأبواب وأدلة الكتاب، نرجو منها أن تكون رسائل نصح وإرشاد في امتثال هدي سيد العباد عليه الصلاة والسلام. وحرصنا أن تكون وقفات الهداية بما يناسب أدلة كل باب، وقد أفردنا فوائد مهمات، وتنبيهات نافعات، لبعض الأدلة، وجاءت بلفظ «فائدة» أو «تنبيه» لتتميز عن كلام المصنف.

3 ــ عند تكرار الأحاديث في الأبواب أعدنا شرح غريبها واستخراج هدايتها بما يتناسب مع الباب، جرياً علىٰ هدي القرآن الكريم {ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ} [الزمر: 23] أي تُثنَّىٰ فيه الأخبار والقصص والأحكام وجميع المواضيع النافعة لحِكمٍ عظيمة، منها: تثبيت هذه المعاني في قلوب العباد بتكرارها، لأن الشيء إذا تكرر تقرر، فأعدنا معاني الأحاديث المكررة لتثبت في الأفئدة. علماً أن في كتاب (رياض الصالحين) مئة وثماني وستين (168) حديثاً مكرراً.

4 ــ نبَّهنا القارئ الكريم علىٰ جملة الأحاديث التي ضعّفها أهل العلم في هذا الكتاب المبارك، وهي قليلة بالنسبة لمجموع أحاديثه، حيث يرىٰ الناظر الإشارة إلىٰ ضعف الحديث، في حاشية الكتاب، وقد اعتمدنا في ذلك على مطبوعة محققة مُجوَّدة للكتاب اعتنى بها الشيخ عصام هادي، وصدرت عن مؤسسة الريَّان، ومن رغب في بيان سبب الضعف فلينظر كتب التخريج المختصة بذلك.

ومعلومٌ أخي ــ هدانا الله وإياك ــ أن الواجب علىٰ عموم المسلمين التعبد لله ربِّ العالمين بما صح من أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ففي الصحيح ما يغني عن الضعيف، وما يذكره بعض الأئمة في كتبهم من الحديث الضعيف ــ اليسير ضعفه ــ ؛ فلأن لهذه الأحاديث أصولاً صحيحة من الكتاب والسنة، فهي صحيحة المعاني وإن كانت ضعيفة الإسناد.

ولذلك جعلنا جملة الأحاديث الضعيفة مع عموم أحاديث الكتاب في شرح غريبها، واستخراج هدايتها، لأن لها ما يقوي معانيها، إلا النادر اليسير مما يكون معناه منكراً فنُعرض عنه، (والنادر لا حكم له).

5 ــ ألحقنا الكتاب بثلاثة فهارس معينة للقارئ، وهي:

أولاً: فهرس الأحاديث والآثار، وفيه:

ذكر أطراف الأحاديث النبوية، والآثار المروية عن الصحابة؛ ليَسْهُل علىٰ الناظر الوصول إلىٰ أي حديث أو أثر في الكتاب.

ثانياً: فهرس الأحاديث المكررة، وفيه:

الإشارة إلىٰ موضع تكرار الحديث في الكتاب، والغاية منه أن يقف القارئ علىٰ حسن صنيع المؤلف ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في جعل الحديث الواحد لأبواب كثيرة، وبذلك يُعلم معنىٰ جوامع الكلم الذي اختُصّ به نبيُّنا عليه الصلاة والسلام، حيث يتكلم بالكلام القليل لفظُه، الكثير معناه، فيصلح الحديث الواحد لمناسبات عدَّة.

ثالثاً: فهرس موضوعات الكتاب، وفيه:

حصر موضوعات الكتاب مرتبة علىٰ أبواب بلغت (372) باباً، يحوي كل باب جملةً من الأدلة الشرعية، ويندرج في أغلب الأبواب آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، بلغ مجموع الأحاديث في تلكم الأبواب (1896) حديثاً علىٰ المشهور من طبعات الكتاب.

هذا، وقد اعتمدنا في إخراج كتاب (رياض الصالحين) علىٰ المطبوعة التي اعتنىٰ بها الشيخ المحقق شعيب الأرناؤوط، وصدرت عن مؤسسة الرسالة، مع تصحيح أخطاء يسيرة وقعت فيها، بالرجوع إلىٰ الكتب الأصول.

وقد قدمنا بين يدي الكتاب ترجمة مختصرة للنووي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ، ونبذة يسيرة من كلام العلماء في منزلة كتاب (رياض الصالحين)، ووصيتهم به.

وختاماً: فهذا نصحنا أسميناه: (رَوْحٌ وَرَيَاحِينُ شَرْح رِيَاضِ الصَّالحِينَ).

نهديه لكل مؤمن راغب في امتثال هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وسبيل السابقين الأولين، رضي الله عنهم أجمعين. ونسأل الله سبحانه أن ينفع به ويبارك، كما نفع بأصله وبارك. وما كان فيه من صواب فمن الله تعالىٰ وتوفيقه، وما كان من خطأ فهو من تقصيرنا وجهلنا وذنوبنا، التي حالت بيننا وبين كرامات ربِّنا.

فنسأل الله تعالىٰ العظيم، رب العرش الكريم، ألا يحرمنا خير ما عنده، بشرِّ ما عندنا إنه جواد كريم.

والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وصلىٰ الله علىٰ نبيِّنا محمد، وعلىٰ آله وصحبه وسلم.

الشام المُبارك

دمشق

الطبعة الثالثة/رجب/ 1434هجرية[1]

[1]() صدر كتاب (روح ورياحين شرح رياض الصالحين) أول مرة عام 1426هـ، ثم أعدنا طبعه مصححاً مزيداً في محرم عام 1427هـ ، وهذه الطبعة الثالثة بإضافات نافعة، يفرح بها كل محبٍّ للتوحيد والسنَّة، والله المسؤول أن يبارك عليها، ويهدي بها، إنه سميع الدعاء.