قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5 ]، وَقَالَ تَعَالَىٰ: {لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ} [الحج: 37] وَقَالَ تَعَالَىٰ: {قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ} [آل عمران: 29].
1) النية: هي القصد، ومحلها القلب، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم ــ وهو قدوتنا وأسوتنا ــ كَانَ يتوضَّأ ويصلِّي ويصوم ويتصدق ويحج، ولم يكن ينطق بالنية.
2) علىٰ العبد أن يستحضر النية في جميع العبادات؛ فينوي نية العبادة، ونية أن تكون لله، ونية أنه قام بها امتثالاً لأمر الله تعالىٰ. وهذا أكمل ما يكون، فينوي مثلاً: الوضوء، وأنه توضأ لله، وأنه توضأ امتثالاً لأمر الله تعالىٰ.
1/1ــ وعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبدِ الْعُزَّىٰ بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ قُرْطِ بْنِ رزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَي بنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّـيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجرَتُهُ إِلَىٰ الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرتُهُ إلَىٰ الله وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَىٰ مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». مُتفَقٌ عَلَىٰ صِحَّتِهِ. رَوَاهُ إِمَاما الْمُحَدِّثِينَ: أَبُو عَبْدِ الله مُحَمدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُغِيرَةِ ابْنِ بَرْدِزْبَةَ الْجُعْفيُّ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ رضي الله عنهما فِي كِتَابيهِما اللَّذَيْنِ هُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ.
الهجرة: الانتقال من بلد الكفر إلىٰ بلد الإسلام.
ينكحها: يتزوجها.
1) الحديث ميزان يزن العبد به كل أعماله الباطنة، هل هو مخلص فيها لله تعالىٰ أم لا؟.
2) تفاوت الناس بالأعمال بحسب تفاوتهم في النيات؛ فمِن الناس مَن نيته قد بلغت غاية في الإخلاص والمتابعة من أعمال الخير والصلاح، ومِنهم مَن نيته دون ذلك.
3) الانتقال من بلاد الكفر إلىٰ بلاد الإسلام واجبة علىٰ كل قادر، كما هو حال المؤمنين الأوائل من الصحابة الكرام، الذين هاجروا من مكة إلىٰ المدينة قبل أن تصبح مكة دار إسلام وإيمان.
الهجرة تكون للعمل، وللعامل، وللمكان.
الأول: هجرة العمل، أن يهجر العبد ما نهاه الله عَنْهُ ورسوله من أنواع المعاصي، كما في الحديث: «المهاجر من هجر ما نهىٰ الله عَنْهُ» رواه البخاري.
الثاني: هجرة العامل، مثل هجر الرجل المجاهر والمعلن بالمعاصي، فإن كَانَ في هجرته مصلحة ومنفعة: كأن يترك ما نهىٰ الله عَنْهُ، فإنه يُهْجَر.
الثالث: هجرة المكان، بأن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي والفسوق إلىٰ بلد لا توجد فيه، أو توجد بقلَّة؛ لأن العبد يتأثر بالمكان المحيط به، إما خيراً أو شراً.
ما حكم سفر المسلم إلىٰ بلاد الكفار؟
سفر المسلم إلىٰ بلاد الكفار غير جائز؛ وهو حرام إلَّا إذا توفرت شروط خاصة فيجوز، وهي:
1) أن يكون عند المسلم علم راسخ يدفع به الشبهات عن نفسه؛ لأن الكفار قد يوردون عليه إشكالات ومسائل صعبة في أمر الدين، والكتاب، والرسول، ونحو ذلك، ولا يعرف لها جواباً.
2) أن يكون عنده دين وتقوىٰ تحميه من الشهوات المحرمة المنتشرة، كالخمر والزنىٰ والسهر المحرم ونحو ذلك.
3) أن يكون محتاجاً إلىٰ ذلك السفر. أما مجرد الذهاب للسياحة فلا يجوز. ومثال الحاجة: أن يكون مسافراً لطلب علاج، أو طلب علم، لا يوجد في بلاد المسلمين، أو تجارة، فيها منفعة له ولعامة المؤمنين.
ومن السفر المستحب أو الواجب: ما يكون في حق الدعاة وأهل العلم إذا سافروا لدعوة الناس إلىٰ دين الله تعالىٰ.
2/2 ــ وَعَنْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْد الله عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ». قَالَتْ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله ، كَيْفَ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيسَ مِنْهُمْ!؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأوَلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَىٰ نِيَّاتِهِمْ»،. مُتَفَقٌ عَلَيْهِ، هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
بيداء: أرض واسعة.
يخسف: يُقال خسفت بهم الأرض: إذا ذهبوا وغابوا فيها.
أسواقهم: الذين جاؤوا للبيع والشراء.
1) من شارك أهل الباطل وأهل البغي والعدوان فهو معهم في العقوبة؛ لأن العقوبة تعمُّ.
2) هذا الحديث مما يوافق ويُوضِّح حديث: «إنما الأعمال بالنيات»؛ فكلٌ يُجَازَىٰ بحسب نيته.
3) العقوبة إذا وقعت تعمُّ الصالح والفاسد، ثُمَّ يوم القيامة يبعثون علىٰ نياتهم. فعلىٰ أهل الإيمان أن يتواصوا فيما بينهم بالحق؛ لئلا تنزل بهم العقوبات، فإن الطاعات سبب لرفع البلاء والعقوبات، والمعاصي سبب لحلول النكبات والمصيبات.
3/3 ــ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». مُـتَّـفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَاهُ: لا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ، لأنَهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلاَمٍ.
استنفرتم: طُلب منكم النفير، وهو الخروج للجهاد في سبيل الله تعالىٰ.
1) بشرىٰ للمؤمنين أن مكة المكرمة لن تعود بلاد كفر، بل ستبقىٰ بلاد إسلام إلىٰ أن تقوم الساعة.
2) المسلم يدافع عن دين الله، ويجاهد أعداء الله، لتكون كلمة الله هي العليا، فيدافع عن وطنه؛ لأنه بلد إسلامي، فدفاعه عنه؛ حمايةً للإسلام، ودفاعاً عن حرمات المسلمين.
ــ المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : «لا هجرة بعد الفتح» لمن لم يكن قد هاجر قِبَلَه صلى الله عليه وسلم ، أما الهجرة من بلاد الكفر فباقية إلىٰ قيام الساعة، لأن المسلم يهاجر إلىٰ البلد الذي يستطيع فيه إقامة شعائر الله، والمحافظة علىٰ دينه، قال تعالىٰ: {إنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} [النساء: 97].
ــ متىٰ يكون الجهاد فرض عين؟
في حالات:
1) إذا استنفر ولي الأمر الناس للجهاد في سبيل الله .
2) إذا حصر العدو بلدة صار الجهاد فرض عين، ووجب علىٰ كل أحد قادرٍ من أهلها أن يقاتل؛ لأن هذا القتال دفاع عن الحرمات.
3) إذا التقىٰ الصفان ـ صفُّ الكفار وصفُّ المسلمين ـ فلا يجوز لأحد أن ينصرف {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} [الأنفال: 15]. وقد جعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم «التولي يوم الزحف من السبع الموبقات». متفق عليه.
4) إذا كَانَ الإنسان محتاجاً إليه في الجهاد، بحيث لا يكون غيره قائماً بالواجب، فإنه يتعين عليه أن يجاهد، كحال رجل مُحتاجٌ إليه في معرفة سلاح معين، فإنه يتعين عليه أن يجاهد.
4/4 ــ وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأنصَارِيِّ رضي الله عنهما قَالَ: كُـنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَ كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ». وَفِي رِوَايَةٍ: «إلاَ شَرَكُوكُمْ فِي الأجْرِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إنَّ أَقْوَاماً خَلْفَنَا بِالمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ».
1) من خرج في سبيل الله في الغزو والجهاد فإن له أجر ممشاه ، وهذا من فضل الله أن يكون لوسائل العمل مثل أجر العمل، فالوسائل لها أحكام المقاصد.
2) إذا نوىٰ الإنسان العمل الصالح، ثُمَّ حُبِسَ عَنْهُ، فإنه يُكتبَ له أجر ما نوى.
5/5 ــ وَعَنْ أَبِي يَزِيدَ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ رضي الله عنهم، وَهُوَ وأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابيِّونَ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَزِيدُ أخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُه إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1) الأعمال بالنيات؛ فالإنسان يكتب له أجر ما نوى، وإن وقع الأمر علىٰ خلاف ما نوى.
2) جواز أن يتصدق الرجل علانية، إذا كان في إظهار الصدقة مصلحة.
3) يجوز للأب أن يعطي ولده من الزكاة إن كان الابن من مستحقي الزكاة، بشرط ألا يقصد الأب بهذا العطاء إسقاط أمر النفقة الواجبة عليه نحو ابنه.
6/6 ــ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بْنِ أُهَيْب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بن زَهْرَةَ بْنِ كِلاَبِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِب الْقُرَشِيِّ الزُهْرِيّ رضي الله عنه، أَحَدِ الْعَشَرَةَ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّة، رضي الله عنهم، قَالَ: «جَاءني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَاَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: لا، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ــ أَوْ كَبِيرٌ ــ، إِنَّكَ إنْ تَذَرَ وَرَثتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتكَفَّفُونَ النَاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله إلَّا أُجرْتَ بِهَا، حَتَّىٰ مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِك. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الله إِلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَىٰ يَنْتَفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. اللهم أَمْضِ لأَصْحَابِي هجْرَتَهُم، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِهِمْ، لكِن الْبَائسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ» ـ يَرْثي لَهُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ ــ مُتفَقٌ عَلَيْهِ.
يتكففون: أي يسألون بأكفهم عطاءَ الناس.
عالة: فقراء، جمع عائل.
أُخَلّف بعد أصحابي؟: هل أتأخر عنهم؟.
تُخلّف: تُعَمَّر في الدنيا.
يرثي له: يحزن لحاله.
1) حسن خلق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أصحابه؛ يزورهم، ويتفقد أحوالهم، ويدعو لهم.
2) مشروعية عيادة المريض واستحبابه، لما في ذلك من الهداية للزائر والمريض.
3) يُستحب للعبد مشاورة أهل العلم، لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه استشار النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يتصرف بشيء من ماله، وهذه من طرق توثيق الصلة بين العامَّة وعلماء الأُمة.
4) ما من إنسان يعمل عملاً يبتغي به وجه الله إلا ازداد به رفعة ودرجة، حتىٰ النفقة علىٰ أهله وزوجته ونفسه. فعلىٰ العبد أن يستحضر نية التقرب إلىٰ الله في كل ما ينفق حتىٰ يكون له تمام الأجر.
7/7 ــــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَحْمن بْنِ صَخْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلَىٰ أَجْسَامِكُمْ، وَلاَ إِلىٰ صُوَرِكُمْ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَىٰ قُلُوبِكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِم.
1) العِبرة في الحب والرضا علىٰ الأعمال الصالحة، والنيات الصادقة، فهما ميزان قَبول العبد عند ربه، فرُبّ عمل صغير تكثره النية، ورُبَّ عمل كثير تصغره النية.
2) من دلائل توفيق الله للعبد: سعيه في إصلاح نيته، وتطهير قلبه بصالح الأعمال.
8/8 ــ وَعَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَريِّ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله». مُتـَفَقٌ عَلَيْهِ.
حمية: عصبية لقومه أو بلده.
1) بيان تفاوت الناس في النيات عند القتال، فأصلحهم نية من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
2) سبيل الله واحد، وسبل الشيطان كثيرة، والمهتدي من هداه الله تعالىٰ لسلوك سبيله. كما قال سبحانه: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦ} [الأنعام: 153].
9/9ــ وَعَنْ أَبِي بكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ الثَقَفِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا الْتَقَىٰ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ، هذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ّ قَالَ: «إِنَهُ كَانَ حَرِيصاً عَلَىٰ قَتْلِ صَاحِبِهِ». مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1) التنبيه علىٰ القاعدة العظيمة: «الأعمال بالنيات»؛ فإن هذا لمّا نوىٰ قتل صاحبه، وعمل السبب الموصل إليه، وحال دون ذلك تفوُّقُ الآخر عليه، صار كالفاعل للقتل.
2) التنبية علىٰ الفرق بين من قاتل دفاعاً ليصد المعتدي الصائل، وبين من قاتل ينوي قتل صاحبه.
3) الترهيب من عظم القتل، فهو من أسباب دخول النار.
4) طريقة الصحابة رضي الله عنهم في طلب العلم، أنهم كانوا يوردون الإشكال علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجيبهم عنه. وليس في الكتاب أو السنة شيء مشتبه إلا وُجد حلّه ابتداءً، أو جواباً علىٰ سؤال.
10/10ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم : «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَماعَةٍ تَزِيدُ عَلَىٰ صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؛ وَذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءِ، ثُمَّ أتَىٰ الْمَسْجِدَ لا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَلاَةُ، لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَىٰ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِد كَانَ فِي الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلاَئِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَىٰ أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذي صَلَّىٰ فِيهِ يَقُولُونَ: اللهم ارْحَمْهُ، اللهم اغْفِرْ لَهُ، اللهم تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». مُـتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهذَا لَفْظُ مُسْلِم.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : «يَنْهَزُه» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَبالزَّايِ: أيْ يُخْرِجُهُ وَيُنْهِضُهُ.
بضعاً: البِضع بكسر الباء من الثلاثة إلىٰ العشرة.
1) فضيلة شهود الجماعة في المسجد .
2) استحباب وضوء الرجل في بيته لشهود الجماعة ليعظم الأجر.
3) اعتبار النية في حصول هذا الأجر العظيم؛ فمن لم يستحضر النية الخالصة نقص أجره.
4) العبد في خير ما انتظر الخير.
اعلم أخي المسلم ــ وفقك الله ــ أن صلاة الجماعة فرض عين علىٰ كل مسلم سمع النداء وليس له عذر، وأدلة وجوبها كثيرة، فمن ذلك: قوله تعالىٰ: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ} [النساء: 102] فأوجب الله الجماعة في حال القتال مَعَ وجود الخوف، ففي حال الأمن والسلم من باب أولىٰ وأحرى.
وفي السنة ورد وجوب الجماعة علىٰ الرجل الأعمىٰ الضرير، فكيف تكون علىٰ البصير؟
11/11 ــ وَعَنْ أبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّـيِّـئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ: فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتبَهَا اللهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَىٰ سَبْعِمَائَةِ ضِعْفٍ إِلَىٰ أَضْعَافٍ كَثِيرَةِ، وَإنْ هَمَّ بِسيِّئةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَها كَتبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً». مُـتَفَقٌ عَلَيْهِ.
1) إن النية الصالحة توصل صاحبها إلىٰ الخير.
2) تفاوت الحسنات مبني علىٰ الإخلاص والمتابعة؛ فكلما كَانَ العبد أخلص لله، وأحرص علىٰ متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت عبادته أكمل، وثوابه أكثر.
3) من ترك فعل المعصية خوفاً من الله أُثيب علىٰ ذلك، كما جاء مفسَّراً في حديث: «إنما تركها من جرَّائي». رواه مسلم عن أبي هريرة.
4) من رحمة الله تعالىٰ أن يجازي العاصي بعدله، والطائع بفضله وكرمه.
12/12 ــ وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمن عبد الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّىٰ آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلىٰ غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهمُ الْغَارَ. فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا الله بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللهم كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهما أَهْلاً وَلا مالاً ، فَنَأَىٰ بِي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْماً فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّىٰ نَامَا، فَحَلَبْت لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائمَيْنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقظَهُمَا وَأنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاَ، فَلَبِثْتُ ـ وَالْقَدَحُ عَلَىٰ يَدِي ـ أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَىٰ بَرَقَ الْفَجْرُ، والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا. اللهم إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ. قَالَ الآخرُ: اللهم إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَفِي رِوَاية: كُنْتُ أُحبُّهَا كأشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَأَرَدْتُهَا عَلَىٰ نَفْسَها فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّىٰ أَلَمَّتْ بِها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمَائةَ دِينَارٍ عَلَىٰ أَنْ تخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، حَتَّىٰ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَاوَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللهم إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَخْرَةُ غَيْرَ أَّنهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج مِنْهَا. وَقَالَ الثَّالِثُ: اللهم اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُل وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّىٰ كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءنِي بَعْدَ حِين فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَىٰ مِنْ أَجْرِكَ؛ مِنَ الإبِلِ وَالْبقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله لا تَسْتَهْزِئْ بِي! فَقُلْتُ لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شيْئاً، اللهم إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ». مُتَفَقٌ عَلَيْهِ.
نفر: الجماعة من الرجال.
المبيت: المكان الذي يبيت فيه الإنسان.
أغبق: الغبوق: ما يشرب مساءً.
نأىٰ: أبعد.
أرح: أرجع.
يتضاغون: يصيحون من شدة الجوع.
سَنَة: جدب وقحط.
لا تفض الخاتم: التحذير من ارتكاب الزنىٰ.
1) الإخلاص من أسباب تفريج الكربات؛ لأن كل واحد منهم يقول: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه».
2) الأعمال الصالحات سبب لتفريج الكربات.
3) فضيلة بر الوالدين، والعفة عن الزنىٰ، وفضل الأمانة وإصلاح العمل للغير.
4) إن الله سميع الدعاء، لا يخيب دعاء من صدق في دعواه، فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ إخلاص الدعاء لله .
5) إن من أنواع التوسل المشروع: التوسل إلىٰ الله بالأعمال الصالحة الخالصة.
قال الإمام الزاهد مُطرِّف بن عبد الله الشِّخِّير ــ رحمه الله تعالىٰ ــ :
«صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية».
ذكره الحافظ ابن رجب في كتابه (جامع العلوم والحكم).