قَالَ الله تَعَالَىٰ: {وَٱستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنِينَ} [محمد: 19] ، وقَالَ تَعَالَىٰ: {وَٱستَغفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورا رَّحِيما} [النساء: 106] ، وقال تَعَالىٰ: {فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَٱستَغفِرهُ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَا} [النصر: 3] ، وقالَ تَعَالىٰ: {لِلَّذِينَ ٱتَّقَواْ عِندَ رَبِّهِم جَنَّٰت تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا} إلىٰ قوله _عز وجل_: {وَٱلمُستَغفِرِينَ بِٱلأَسحَارِ} [آل عمران: 15 ــ 17] ، وقالَ تَعَالىٰ: {وَمَن يَعمَل سُوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُۥ ثُمَّ يَستَغفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورا رَّحِيما} [النساء: 110] ، وقالَ تَعَالى: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِم وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرُونَ} [الأنفال: 33]، وقالَ تَعَالىٰ: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَو ظَلَمُواْ أَنفُسَهُم ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱستَغفَرُواْ لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَم يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُم يَعلَمُونَ} [آل عمران: 135] ، والآيات في الباب كثيرة مَعْلُومة.
1) الاستغفار: طلب المغفرة من الذنوب والخطايا التي تصدر من بني آدم، إما تقصير في واجب ، أو فعل لمحرم، ودواء الذنوب الاستغفار وتجديد التوبة دائماً.
2) علىٰ العبد أن يكثر من استغفار الله _عز وجل_ ، وأن يسأله المغفرة والرحمة، لأنه سبحانه غفور رحيم.
3) من صفات المتقين أنهم يستغفرون في الأسحار، فذلك وقت الإجابة والتضرع والإنابة، لأنه وقت تنزل الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا.
4) التوبة والاستغفار من أعظم موانع نزول العذاب.
1/1869ــ وَعَنِ الأغَر المُزنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلىٰ قَلْبي، وَإنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». رَواهُ مُسْلِم.
2/1870 ــ وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «وَاللهِ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ في الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». رواه البخاري.
ليغان علىٰ قلبي: يحدث له شيء، من الغم والتغيّر بسبب فتور الذِّكْر.
1) علىٰ العبد أن تكون له أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثرة الاستغفار والتوبة.
2) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم الاستغفار، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! فكيف حال المقصرين أمثالنا؟!
3/1871ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ تَعَالىٰ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ الله تَعَالىٰ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ». رواه مسلم.
1) كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون.
2) بيان فضل الله تعالىٰ علىٰ عباده بالعفو والمغفرة، لمـّا فتح لهم بابَ الاستغفار، لِمَا عَلِم من ضعفهم بالذنوب.
3) الفقه الصحيح للحديث: أنه خبر تبشير بالمغفرة وإزالة الذنوب، وليس خبر تقرير علىٰ فعل المعاصي والعيوب.
4/1872 ــ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في المَجْلِسِ الْوَاحِدِ مائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لي، وَتُبْ عَليَّ إنَّكَ أَنْتَ التَوَّابُ الرَّحِيمُ».
رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث صحيح.
1) بيان تواضع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لربِّه وخضوعه له، ولزومه التوبة والاستغفار.
2) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ حفظ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يراقبون أقواله، وأفعاله، وأحواله، التعبدية.
5/1873 ــ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ». رواه أبو داود[6].
1) من داوم علىٰ الاستغفار فُرِّج همه، وكُفي رزقه.
2) الاستغفار سبب لجلب الخيرات، ودفع المضرات {فَقُلتُ ٱستَغفِرُواْ رَبَّكُم إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا * يُرسِلِ ٱلسَّمَاءَ عَلَيكُم مِّدرَارا * وَيُمدِدكُم بِأَموَٰل وَبَنِينَ وَيَجعَل لَّكُم جَنَّٰت وَيَجعَل لَّكُم أَنهَٰرا}.
6/1874ــ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذي لا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيَّ الْقيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ». رواه أبو داود والترمذي والحَاكِمُ، وَقالَ: حَدِيثٌ صَحيحٌ عَلىٰ شَرْطِ البُخارِيّ ومسلم.
1) فضل المداومة علىٰ الاستغفار، فإنه يكفّر الكبائر.
2) إذا خرج الدعاء من قلب صادق مقبل علىٰ الله تعالىٰ، فإن فضله وأجره يُذهِب الذنوب الكبار، لأن الأجر التام مرتب علىٰ القول التام.
7/1875 ــ وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللهم أَنْتَ رَبّي، لا إلهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَني وَأَنا عَبْدُكَ، وأَنا عَلىٰ عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبوءُ لَكَ بِنــعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بذَنْبي، فَاغْفِرْ لِي، فَإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذِّنُوبَ إلاَ أنْتَ. وَمَنْ قَالَها مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَن يُمْسِي، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَها مِنَ اللَّيْلِ، وَهُوَ مُوقِنٌ بها، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ». رواه البخاري.
«أَبُوءُ» بباءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاو وهمزَةٍ ممدودَةٍ، وَمَعْنَاهُ: أقِرُّ وَأَعْتَرِفُ.
سيد الاستغفار: أشرف الاستغفار وأفضله.
موقناً: مخلصاً من قلبه مصدقاً.
1) هذا الدعاء جامع لمعاني تعظيم الله تعالىٰ، ففيه: الاعتراف بأنه الخالق المستحق وحده للعبودية، والإقرار بالعهد الذي أخذه علىٰ عباده، والاستعاذة من شرّ النفس، فمن اعترف بتقصيرهِ، وطالع نعمة ربِّه، وطلب المغفرة، وجد الله غفوراً رحيماً.
2) كمال أدب العبد مع ربه سبحانه؛ حيث أضاف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم النِّعَم إلىٰ الله وحده لا شريك له، وأقرّ بالذنب ونَسَبه لنفسه، فالمؤمن الصادق يسير إلىٰ الله بين مشاهدة نعمة الله عليه وتتاليها، ومطالعة عيب النفس وتقصيرها.
8/1876 ــ وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا انْصَرَفَ منْ صَلاتِهِ اسْتَغفَرَ الله ثَلاثاً، وَقَالَ: «اللهم أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَاذَا الجَلالِ والإكْرَامِ» قيلَ لِلأوزاعِيِّ ــ وهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ. رواه مسلم.
1) يُستحب للعبد أن يستغفر بعد الصلاة المفروضة ثلاث مرات، لأن الطاعة لا تخلو من نقص وخلل، فيستغفر الله تعالىٰ مما حصل فيها من التقصير.
2) السلام والأمن والطمأنينة نعمة يهبها الله لمن استجاب لشرعه ، وآمن برسوله وانقاد لأمره.
شاع في بعض المساجد صيغة للاستغفار بعد الصلاة، وهي قولهم: «أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه» وهذه صفة استغفار صحيحة من حيث المعنىٰ، لكن هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الاستغفار عقب الصلاة المفروضة ليس علىٰ هذه الصيغة، بل كما قال الأوزاعي لمّا سُئل: كيف الاستغفار؟ قال: «أستغفر الله» ثلاثاً، وراوي الحديث أعلم بفقه روايته من غيره، فَلْنحرصْ علىٰ لزوم السُّنَّة النبوية. ففيها الكفاية والغنية، والبركة والرحمة.
9/1877 ــ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ قَبلَ مَوْتِهِ: «سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إلَيْهِ» متفقٌ عليه.
1) بيان صفة استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم وتضرّعه وإقباله علىٰ الله تعالىٰ قبيل الموت.
2) علىٰ العبد أن لا يأمن مكر الله تعالىٰ، فهو سبحانه مُقلِّب القلوب كيف يشاء.
3) الترغيب في الوصية الجامعة: ملازمة التسبيح والاستغفار حتىٰ الممات. {فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَٱستَغفِرهُ}.
10/1878 ــ وَعَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «قَالَ اللهُ تَعَالىٰ: يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني وَرَجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلىٰ مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَتَني، غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبالي، يَا ابْنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ أتيْتَني بقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً، لأتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً». رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حسَنٌ.
«عَنانَ السَّمَاءِ» بِفتْحِ العَيْنِ: قِيل: هُوَ السَّحَابُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا عَنَّ لَكَ مِنْها، أيْ ظَهَرَ. و«قُرَابُ الأرْضِ» بِضَمَ القافِ، وَرُوِيَ بِكَسْرِهَا، والضَّمُّ أَشْهَرُ، وهُوَ ما يقَارِبُ ملأَها.
1) توحيد الله تعالىٰ شرط في مغفرة الذنوب، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
2) إذا تاب العبد توبة نصوحاً غفر الله ذنوبه كلها، ولو كانت ملء الأرض.
3) إن حسنة التوحيد تمحو سيئة الذنوب، بالغةً ما بلغت.
11/1879 ــ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، فَإنِّي رَأَيْتكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: مَا لنَا أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتكْفُرْنَ العَشِيرَ. مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنكُنَّ» قالَتْ: ما نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدّينِ؟ قالَ: «شَهَادَةُ امْرأَتيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلِ، وَتَمْكُثُ الأيَّامَ لا تُصَلِّي». رواه مسلم.
تكفرن العشير: تجحدن حق الزوج.
لذي لب: لصاحب عقل.
1) حضُّ النساءِ علىٰ الصدقة، وأعمال البر، والإكثار من الاستغفار، وسائر الطاعات.
2) تحريم اللعن وجحد حق الزوج وإنكاره، لأن ذلك من كبائر الذنوب.
3) اهتمام الإسلام بالمرأة؛ ومن ذلك وعْظُ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، وتعليمه إياهنّ.
4) النساء شديدات التأثر العاطفي، فهُنّ يستعملن عواطفهن أكثر من عقولهن، فهذا معنىٰ نقصان عقولهنَّ، وقد بيّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمثال الموضِّح.