المنثورات: ما كانت من أبواب متفرقة من العلم.
المُلَح: ما يستحسن ويستعذب عند إمراره علىٰ سبيل القلة.
1/1808ــ عَنِ النَّوَاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّىٰ ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَلَمَّا رُحْنَا إلَيْه عَرَفَ ذلِكَ فِينَا، فَقالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يا رَسُولَ الله، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الْغَدَاةَ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّىٰ ظَنَنَّاه في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فقالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفني عَلَيْكُمْ، إنْ يَخْرُجْ وأَنا فِيكُمْ، فأنَا حَجيْجُهُ دونكُم، وَإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَالله خَلِيفَتي عَلىٰ كُلِّ مُسْلِم. إنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِيَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُه بِعَبْدِ الْعُزَّىٰ بنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَه مِنكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعاثَ شِمَالاً، يَا عِبَادَ الله فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رسولَ الله وَمَا لُبْثُه في الأرْضِ ؟ قالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْماً: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأيَّامِكُمْ» قُلْنَا: يا رَسُولَ الله، فَذلِكَ الْيَوْمُ الذي كَسَنَةٍ أتكفينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ ؟ قال: «لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله وَمَا إسْرَاعُهُ في الأرْضِ ؟ قالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلىٰ الْقَوْمِ، فَيَدْعُوهُم، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّماءَ فَتُمْطِرُ،والأرْضَ فَتُنبِتُ، فَتَرُوحُ عُلَيْهِم سارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرىًٰ، وَأَسبَغَهُ ضُرُوعاً، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بأيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمرُّ بِالخَرِبَةِ، فيقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ، فَيُقْبِلُ، وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إذْ بَعَثَ اللهُ تَعَالىٰ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، صلى الله عليه وسلم، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلىٰ أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَأْطَأ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِه إلَّا ماتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي إلىٰ حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّىٰ يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَىٰ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إذْ أَوْحَىٰ اللهُ تَعَالىٰ إلىٰ عِيسَىٰ صلى الله عليه وسلم: إنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لي، لاَ يَدَانِ لأحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلىٰ الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلىٰ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بهذِهِ مرَّةً ماءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ الله عِيسَىٰ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، حَتَّىٰ يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأحَدِهِمْ خَيْراً مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ الله عِيسَىٰ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَىٰ كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ الله عِيسَىٰ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إلىٰ الأَرْضِ، فَلاَ يَجِدُونَ في الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ الله عِيسَىٰ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ إلىٰ الله تَعَالىٰ، فَيُرْسِلُ اللهُ تَعَالَىٰ طَيْراً كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ، فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ _عز وجل_ مَطَراً لاَ يُكِنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّىٰ يَتْرُكَهَا كَالزَّلَقَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِها، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ حَتَّىٰ إنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ بَعَثَ اللهُ تَعَالَىٰ رِيحاً طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَىٰ شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ». رواه مسلم.
قَوله:«خلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ»: أيْ: طَرِيقاً بَيْنَهُمَا. وقَوْلُهُ: «عاثَ» بالعَينِ المهملة والثاءِ المثلثة، والْعَيْثُ: أَشَدُّ الْفَسَادِ. «وَالذُّرَىٰ»: بِضَمِّ الذَّالِ المُعْجَمَةِ وَهُوَ أَعالي الأَسْنِمَةِ، وَهُوَ جَمْعُ ذِرْوَةٍ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِها. «وَالْيَعَاسِيبُ»: ذُكُورُ النَّحْلِ. «وَجِزْلَتَيْنِ» أي: قِطْعَتينِ. «وَالْغَرَضُ»: الْهَدَفُ الَّذِي يُرْمَىٰ إلَيْهِ بِالنَشَّابِ، أَيْ: يَرْمِيهِ رَمْيَةً كَرَمْي النَّشَّابِ إلَىٰ الْهَدَفِ. «وَالْمَهْرُودَةُ» بالدَّالِ المُهْمَلَةِ والمُعْجَمَةِ، وَهِيَ: الثَّوْبُ المَصْبُوغُ. قَوْلُهُ: «لاَ يَدَانِ» أيْ: لاَ طَاقَةَ. «وَالنَّغَفُ»: دُودٌ. «وَفَرْسَىٰ»: جَمْعُ فَرِيسٍ، وَهُوَ الْقَتِيلُ. وَ«الزَّلَقَةُ»: بفتحِ الزَّايِ واللاَّمِ وبالْقَافِ، ورُوِيَ «الزُّلفَةُ» بضمِّ الزَّاي وإسْكَانِ اللاَّمِ وبالْفاءِ، وَهي المِرْآةُ.«وَالْعِصَابَةُ»: الجَمَاعَةُ. «وَالرِّسْلُ» بكسر الراءِ: اللَّبنُ. «وَاللِّقْحَةُ»: اللَّبُونُ. «وَالْفِئَامُ» بكسرِ الفاء وبعدها همزة ممدُودَة: الجمَاعَةُ. «وَالْفَخِذُ» مِنَ النَّاسِ: دُونَ الْقَبِيلَةِ.
خفَّض فيه ورفَّع: حقّره وصغّره، ثم عظّمه وفخّمه، لعظم فتنته.
حتىٰ ظنناه في طائفة النخل: حتىٰ توهمنا أنه علىٰ مقربة من نخل المدينة.
قطط: شديد جعودة الشعر.
عينه طافية: ذهب نورها، أو بارزة وفيها بصيص من نور.
استدبرته الريح: جاءت بعده فجففته ، والمراد بيان سرعة إفساده في الأرض.
فتروح عليهم سارحتهم: أي: ترجع عليهم أنعامهم السائمة كالإبل والغنم.
أسبغه ضروعاً: أطوله لكثرة اللبن.
أمدّه خواصر: لكثرة امتلائها من الشبع.
يصبحون ممحلين: ينقطع عنهم المطر، وتيبس الأرض والكلأ.
الخربة: الموضع الخرب الذي لا خير فيه.
قَطَر: نزل منه الماء.
جمان كاللؤلؤ: حبات من الفضة تصنع علىٰ هيئة اللؤلؤ الكبار.
والمراد ينحدر منه الماء علىٰ هيئة اللؤلؤ في صفائه.
لُدّ: بلد بالقرب من بيت المقدس في فلسطين.
حرِّز: اجعلهم في حصن حتىٰ لا يصلوا إليهم.
حدب ينسلون: غليظ الأرض ومرتفعها يخرجون سراعاً، والمراد يظهرون من كل مكان.
زهمهم ونتنهم: رائحتهم الكريهة.
كأعناق البخت: الجمال طوال الأعناق.
مَدَر ولا وَبَر: المبني من الطين أو خباء الشعر .
بقحفها: قشرتها.
يتهارجون تهارج الحمير: يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما تفعل الحمير، ولا يكترثون بذلك.
1) عظم فتنة الدّجّال، وبيان أنها أشد فتنة تمر بالمسلمين، ولذلك حذّر الأنبياء منه أممهم.
2) سعة رحمة الله بالمؤمنين؛ فقد أعطاهم ما يعصمهم من الدّجّال، من مثل:
بيان صفاته، وقدرة المؤمن علىٰ قراءة ما كُتب علىٰ جبينه مما يدل علىٰ كفره، وحفظ فواتح سورة الكهف، فهي تعصم من شرِّه.
3) حب الصحابة رضي الله عنهم العلم؛ فقد كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء ينفعهم مما يخفىٰ عليهم، لحرصهم علىٰ الطاعات.
4) علىٰ العبد أن يؤمن بالأمور الغيبية التي أخبرنا بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إيماناً لا يشوبه شكّ أو قدح، ويكون همه من أخبار الفتن: العمل بالطاعات، والتجهز لها باليقين والثبات.
5) الإعلام بأنه لا تقوم الساعة إلا علىٰ شرار الخلق.
6) الغمة والشدائد لا تزيد المؤمن إلا بصيرة وثباتاً علىٰ الحق، كحال الرجل الممتلئ شباباً وإيماناً الذي يقتله الدّجّال ثم يحييه ابتلاءً.
2/1809ــ وَعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ إلىٰ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنهم، فَقَالَ لَهُ أَبُو مسعودٍ: حَدِّثْني مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الدَّجَّالِ، قَالَ: «إنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ، وَإنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَاراً، فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً فَنَارٌ تُحْرِقُ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَاسُ نَاراً فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنكُمْ فَلْيَقَعْ في الَّذِي يَرَاهُ نَاراً، فَإنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ»، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأنا قَدْ سَمِعْتُهُ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
1) يُعطَىٰ الدّجّال من خوارق العادات ما لا يُعطىٰ غيره، فتنةً للناس، حتىٰ يتميز المؤمن الصادق من غيره.
2) إن حدوث الأمر الخارق علىٰ يد عبد من العباد لا يدل علىٰ صلاحه، بل الواجب أن توزن أعماله، وأقواله، وأحواله، بميزان الشرع: (الكتاب والسنة).
3/1810 ــ وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو بنِ العاصِ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ في أُمَّتي، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ، لا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْماً أَرْبَعِينَ شَهْراً، أَوْ أَرْبَعِينَ عَاماً، فَيَبْعَثُ اللهُ تَعَالَىٰ عِيسَىٰ ابْنَ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ _عز وجل_ ريحاً بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلا يَبْقَىٰ عَلىٰ وَجْهِ الأرْضِ أَحَدٌ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إيمَانٍ إلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّىٰ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ في كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّىٰ تَقْبِضَهُ، فَيَبقَىٰ شِرَارُ النَّاسِ في خِفَّةِ الطَّيْرِ، وَأَحْلامِ السّبَاعِ لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفاً، وَلا يُنكِرُونَ مُنكَراً، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: أَلا تَسْتَجِيبُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأوْثَانِ، وَهُمْ في ذلِك دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ في الصُّوْرِ، فَلا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا أَصْغَىٰ لِيتاً وَرَفَعَ لِيتاً، وَأَوَّلُ من يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إبلِهِ، فَيُصْعَقُ ويُصعقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ ــ أَوْ قالَ: يُنْزِلُ اللهُ ــ مَطَراً كَأَنَّهُ الطَّلُ أَوِ الظِّلُ، فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإذا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إلىٰ رَبِّكُمْ، وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ، ثُمَّ يقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ، فَيُقَالُ: مِنْ كَمْ ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فذلِكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً، وذلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ». رواه مسلم.
«اللِّيتُ» صَفْحَةُ العُنُقِ، وَمَعْنَاهُ: يَضَعُ صفْحَةَ عُنُقِهِ، وَيَرْفَعُ صَفْحَتَهُ الأُخْرَىٰ.
خفة الطير وأحلام السباع: يكونون في سرعتهم إلىٰ الشر كالطير، وفي العدوان والظلم كأطباع السباع.
أصغىٰ: أمال سمعه.
يلوط حوض إبله: يطيِّنه ويصلحه.
1) إن نبي الله عيسىٰ عليه الصلاة والسلام لا ينزل بشرع جديد، بل ينزل متّبعاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاكماً بشريعته.
2) الإيمان ينزع الحقد والعداوة من صدور المؤمنين؛ فَلْيحرصِ العباد علىٰ صدق إيمانهم.
3) غاية الشيطان من العبد أن يكفر بالله ويشرك به بعبادة ودعوة غيره؛ فالحذرَ الحذرَ أن نقع في شراكه!.
4/1811 ــ وَعَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إلَّا عَلَيْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهُمَا، فَيَنْزِلُ بالسَّبَخَةِ، فتَرْجُفُ المَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، يُخْرِجُ اللهُ مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». رواه مسلم.
السبخة: أرض ذات ملح لا تنبت، وهذه الأرض خارج حرم المدينة.
1) بيان فضل مكة والمدينة، ومن ذلك أن الملائكة تحرسهما من الدّجّال.
2) عامة أتباع الدجال من الكفار والمنافقين.
5/1812 ــ وعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». رَوَاهُ مسلم.
الطيالسة: جمع الطَّيْلَسَان ، وهو ثوب يُلبس علىٰ الكتف، يحيط بالبدن، خالٍ من التفصيل والخياطة.
1) أتباع الدجال هم اليهود، وفي هذا تنبيه علىٰ مكرهم وخبثهم، وأنهم أتباع كل مُفسِد.
2) تحذير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن وأهلها، حين ذكر علامات خاصة لأتباع الباطل، ليحذرها أهل الإيمان.
6/1813 ــ وعَنْ أمِّ شَريكٍ رضي الله عنها أَنَّها سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيَنْفِرَنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ في الجِبَالِ». رَوَاهُ مسلم.
7/1814 ــ وَعَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدمَ إلىٰ قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ». رواه مسلم.
1) بيان عظم فتنة الدّجّال، وأنها أكبر فتنة خلقها الله تعالىٰ.
2) وجوب الهروب والابتعاد والاعتزال عن مواطن الفتنة ؛ وهذا هو شأن المؤمن الموفَّق من عباد الله؛ يُبْعِد نفسه ومَن تحت رعايته عن مواقع الفتن.
8/1815 ــ وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ، فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَيَتَلَقَّاهُ المَسَالحُ: مَسَالحُ الدَّجَّالِ، فَيَقُولُونَ له: إلىٰ أيْنَ تَعمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إلىٰ هذا الَّذي خَرَجَ، فَيقولُونَ له: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟ فيقُولُ: مَا برَبِّنَا خَفَاءٌ، فَيقولُونَ: اقْتُلُوه، فيقُول بَعْضهُمْ لبَعْضٍ: أَليْسَ قَدْ نَهاكُمْ رَبُّكُمْ أنْ تَقْتُلوا أحَداً دونَه، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إلىٰ الدَّجَّالِ، فَإذا رآه المُؤْمِنُ قالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ هذا الدَّجَّالُ الّذي ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ، فَيقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ، فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْباً، فيقولُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بي ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ المَسِيحُ الْكَذَّابُ، فَيؤْمَرُ بِهِ، فَيُؤْشَرُ بِالمِنْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّىٰ يُفْرَق بَيْنَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِماً، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بي؟ فيقولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إلَّا بَصِيرَةً، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّهُ لاَ يَفْعَلُ بَعْدِي بأحَدٍ مِنَ النّاس، فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيَجْعَلُ اللهُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إلىٰ تَرْقُوَتِهِ نُحَاساً، فَلا يَسْتَطِيعُ إلَيْهِ سَبِيلاً، فَيَأخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيحسبُ النَّاسُ أَنَّما قَذَفَهُ إلىٰ النَّارِ، وَإنِّمَا أُلْقِيَ في الجَنَّةِ» فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ». رواه مسلم. وروىٰ البخاريُّ بَعْضَهُ بمَعْنَاهُ.
«المَسَالح»: هُمُ الخُفَرَاءُ وَالطَّلائعُ.
يُشبَّح: يُمدّ علىٰ بطنه.
يُؤشر: يُنشر.
مفرقه: مفرق الرأس: وسطه.
ترقوته: العظم بين ثغرة النحر والعاتق.
1) إن صفات الرَّبِّ تبارك وتعالىٰ صفات كمال وجلال تليق به سبحانه، بينما أوصاف الدّجّال تدل علىٰ النقص والعجز.
2) بيان عظم أجر المؤمن الذي يثبت أمام الدجال، ولا يرتد عن دينه، بل يزيده البلاء بصيرةً، وإيماناً، وثباتاً.
3) السنة النبوية صحيحة محفوظة إلىٰ آخر الدهر؛ وذلك أن الرجل المؤمن عرف الدَّجَّال من خلال السنة النبوية «هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وهذا من فضل الله ورحمته علىٰ عباده في حفظ شرعه لهم، وحفظهم وعصمتهم به.
9/1816 ــ وعَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبةَ رضي الله عنه قالَ: ما سَأَلَ أَحَدٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ، وَإنَّهُ قالَ لي: «مَا يَضُرُّكَ ؟» قلتُ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ مَعَهُ جَبلَ خُبْزٍ وَنَهْرَ مَاءٍ! قالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلىٰ الله مِنْ ذلِكَ». متفقٌ عليه.
1) علىٰ العبد أن يعرف الشَّرَّ حتىٰ يحذر منه.
2) الفتن والشدائد لا تزيد المؤمنين إلا ثباتاً ويقيناً.
10/1817 ــ وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا من نبيٍّ إلَّا وقدْ أنْذَرَ أمَّتَهُ الأعْوَرَ الكذَّابَ، ألا إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ _عز وجل_ ليسَ بأعْورَ، مكتوبٌ بينَ عيْنَيْه ك ف ر». متفقٌ عليه.
11/1818 ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدِّثُكُمْ حديثاً عَنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ به نبيٌّ قوْمَهُ! إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّهُ يجيءُ معهُ بِمثالِ الجَنَّةِ والنَّارِ، فالَّتي يقولُ: إنَّهَا الجَنَّةُ هيَ النَّارُ». متفقٌ عليه.
12/1819 ــ وعن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ بينَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، فَقَالَ: «إنَّ اللهَ ليْسَ بأعْوَرَ، ألا إنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ أعورُ العَيْن اليُمْنَىٰ، كأنَّ عَيْنَهُ عنَبَةٌ طَافيَةٌ». متفقٌ عليه.
1) إن منهج الأنبياء في الدعوة إلىٰ الله، هو: تعريف الناس سبيل المجرمين للحذر منها، فقد كان خبر الأعور الدّجّال معلوماً عند الأنبياء، وكلهم حذّر أمته من فتنته.
2) إثبات صفة العينين لله سبحانه علىٰ ما يليق بجلاله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رَبَّكم ليس بأعورَ».
قال شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في رسالته (السبعينية):
«وفتنته ــ أي الدّجّال ــ لا تختص بالموجودين في زمانه، بل حقيقة فتنته: الباطل المخالف للشريعة، المقرون بالخوارق، فمن أقرّ بما يخالف الشريعة لخارق، فقد أصابه نوع من هذه الفتنة، وهذا كثير في كل زمان ومكان، لكن هذا المعيَّن فتنته أعظم الفتن، فإذا عصم الله عبدَه منها سواء أدركه أو لم يدركه كان معصوماً مما هو دون هذه الفتنة».
13/1820 ــ وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّىٰ يقَاتِلَ المُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، حَتَّىٰ يختبئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ والشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ هذا يَهودِيٌّ خَلْفِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إلَّا الْغَرْقَدَ فَإنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ». متفقٌ عليه.
الغرقد: نوع من شجر الشوك معروف وكان ينبت في مقبرة البقيع.
1) البشرىٰ ببقاء الإسلام إلىٰ آخر الدهر، فالمسلمون في آخر الزمان هم أتباع الدين الحق.
2) إنَّ الانتصار علىٰ اليهود هو وعد الله تعالىٰ لهذه الأمة المنصورة، إذا أعدت العدة لهذا النصر، بالإيمان والعمل الصالح، فأداء الشرط سبيل لإنفاذ الوعد {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي ٱلأَرضِ}.
14/1821 ــ وعَنْهُ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حتَّىٰ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالْقَبْرِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ، ويقولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَ صاحِب هذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بهِ الدِّيْنُ، مَا بهِ إلَّا الْبَلاءُ». متفقٌ عليه.
يتمرغ: يتقلب بالرغام، وهو التراب.
1) تمني الرجل الموت لاشتداد الفتنة والبلايا في آخر الزمان.
2) الإخبار عما سيقع في آخر الزمان، لا يدل على الإقرار، وليس فيه جواز تمني الموت.
إذا اشتدت الفتن، وضاقت الدنيا علىٰ العبد المؤمن، وأحب لقاء الله تعالىٰ، فَلْيقلْ كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهم أَحْيِنِي ما عَلمْتَ الحياةَ خيراً لي، وتَوَفَّنِي ما عَلمْتَ الوَفاةَ خيراً لي». رواه البخاري.
15/1822 ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّىٰ يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يُقْتَتَلُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، فَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَنْ أَكُونَ أنا أَنْجُو».
وفي روايةٍ: «يُوشِكُ أَنْ يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَن كَنْزٍ مِنْ ذَهَب، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً». متفقٌ عليه.
يحسر: ينكشف.
1) من أشراط الساعة أن يكشف نهر الفرات عن جبل من ذهب، وهذا أمر غيبي نؤمن به، وأنه حقيقة علىٰ ظاهره دون تكلف معانٍ غريبة.
2) إن التنافس علىٰ حطام الدنيا وزينتها يفضي إلىٰ البغي والاقتتال.
16/1823 ــ وعَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَىٰ خَيْرِ مَا كَانَتْ، لاَ يَغْشَاهَا إلَّا الْعَوَافِي ــ يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ــ، وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُريدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وُحُوشاً، حَتَّىٰ إذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلىٰ وُجُوهِهِمَا». متفقٌ عليه.
لا يغشاها: لا يقصدها. ينعقان: يصيحان.
ثنية الوداع: طريق خارج المدينة باتجاه الذاهب إلىٰ الشام.
1) المدينة النبوية ـ زادها الله تشريفاً وتعظيماً ـ يخرج عنها أهلها، ولا يبقىٰ فيها إلا الحيوانات، وهذا لشدة الفتن في آخر الزمان.
2) من دلائل النبوة: الإخبارُ عن آخرِ الناس حشراً، ووصفُ حالهما.
17/1824 ــ وعن أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يكُونُ خليفةٌ من خُلَفائِكُمْ في آخر الزَّمان يَحْثُو المالَ ولا يَعُدُّهُ». رواه مسلم.
يحثو: يجمع بيديه.
1) البشرىٰ بالإخبار عن عودة الخلافة علىٰ منهاج النبوة في آخر الزمان.
2) الإعلام بعودة الجهاد لكثرة المال والغنائم، فهذه الأمة لا عزة لها ولا رفعة إلا بالجهاد في سبيل الله.
18/1825 ــ وعَنْ أبي مُوسَىٰ الأشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَىٰ النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ، فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَأْخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَىٰ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً، يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ». رواه مسلم.
يلذن به: يعتصمن به.
1) ذكرُ الأمر العجيب: كثرةُ المال بين يدي الناس حتىٰ لا يُرىٰ من يقبل الصدقة.
2) الإخبار عن الحروب والفتن في آخر الزمان مما يؤدي إلىٰ قتل الرجال، فتكثر النساء ويقلّ الرجال.
19/1826 ــ وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اشْتَرَىٰ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَاراً، فَوَجَدَ الَّذِي اشْتَرَىٰ الْعَقَارَ في عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فقالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَىٰ الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ، إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ، وَلَمْ أشْتَرِ الذَّهَبَ، وقالَ الَّذِي لَهُ الأرْضُ: إنَّمَا بِعْتُكَ الأرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إلىٰ رَجُلٍ، فقالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إلَيْهِ: أَلكُمَا وَلَدٌ ؟ قالَ أَحَدُهُمَا: لي غُلامٌ، وقالَ الآخَرُ: لي جَارِيَةٌ، قالَ: أَنْكِحَا الْغُلاَمَ الجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا». متفقٌ عليه.
1) بيان فضل الورع وترك ما فيه شبهة من المال، ووجوب ردّ الحقوق إلىٰ أهلها.
2) الحث علىٰ الصدق في التعامل، وعلىٰ التصدق والإنفاق في سبيل الله.
المدفون في الأرض من قِبَل الإنسان كذهب أو غيره، لا يُملك بملك الأرض، بل يكون للبائع؛ بخلاف المعادن التي أودعها الله تعالىٰ فيها فإنها تتبع الأرض.
20/1827 ــ وعَنْهُ رضي الله عنه أَنّهُ سَمعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إحْدَاهُمَا، فقالتْ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وقالت الأُخْرَىٰ: إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكَ، فَتَحَاكَمَا إلىٰ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم، فَقَضَىٰ بِهِ لِلْكُبْرَىٰ، فَخَرَجَتَا عَلىٰ سُلَيْمَانَ بنِ داودَ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَتَاهُ، فقالَ: ائْتُوني بالسِّكّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فقالت الصُّغْرَىٰ: لا تَفْعَلْ، رَحِمَكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا؛ فَقَضىَٰ بِهِ لِلصُّغْرَىٰ». متفق عليه.
1) جواز أن يحكم القاضي بالقرائن إذا كانت قوية.
2) استحباب تحرّي الحقّ بالحيل لاستخراج الحقوق.
3) إن الفطنة والفهم نعمة من الله، لا تتعلق بِكبَرِ سِنٍ ولا بصغره.
21/1828 ــ وعن مردَاسٍ الأسْلَميِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يذْهبُ الصالحون الأوَّلُ فالأوَّلُ، وتَبْقَىٰ حُثالَةٌ كَحُثالَةِ الشَّعيرِ أوْ التَّمرِ، لا يُبَاليهمُ اللهُ بالةً». رواه البخاري.
حثالة: الشيء الرديء.
لا يباليهم الله بالة: لا يرفع لهم قدراً، ولا يقيم لهم وزناً.
1) إن موت أهل العلم والصلاح من أشراط الساعة، ولا يبقىٰ في آخر الزمان إلا أهل الجهل، وأراذل الناس.
2) الحذر من أن يكون الإنسان من الحثالة، وَلْيحرِصْ علىٰ الاستقامة علىٰ أمر الله تعالىٰ، حتىٰ لو فسد أكثر الناس، لأن «الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك».
22/1829 ــ وعن رفاعةَ بنِ رافعٍ الزُّرقيِّ رضي الله عنه قَالَ: جاء جبريلُ إلىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا تعُدُّونَ أهلَ بَدْرٍ فيكُمْ؟» قَالَ: «مِنْ أفْضَلِ المُسْلمينَ» أوْ كلمة نحْوَهَا. قَالَ: «وكَذلِكَ مَنْ شَهدَ بَدْراً مِنَ الملائكةِ». رواه البخاري.
1) فضيلة من شهد بدراً من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فهم من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك من شهد بدراً من الملائكة هم من خيرة الملائكة.
2) بيان أن الملائكة تقاتل مع المؤمنين، وتثبت أقدامهم في قتالهم ضد أعداء الله.
23/1830 ــ وعَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «إذا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَىٰ بِقَوْمٍ عَذَاباً أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلىٰ أَعْمَالِهِمْ». متفقٌ عليه.
1) الحث علىٰ إصلاح النيات والأعمال، لأن مدار الحساب عليها.
2) حسن الخاتمة من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالىٰ.
24/1831 ــ وعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ: كانَ جِذْعٌ يَقُومُ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَعْني في الخُطْبَةِ، فَلَمَّا وُضِعَ المِنْبَرُ، سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ صَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّىٰ نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ.
وفي روايةٍ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم علىٰ المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتي كانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتىٰ كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ.
وفي روايةٍ: فَصَاحَتْ صيَاحَ الصَّبيِّ، فَنَزَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّىٰ أخَذَهَا فَضَمَّهَا إلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّىٰ اسْتَقَرَّتْ، قالَ: «بكَتْ عَلىٰ مَا كَانَتْ تَسمَعُ مِنَ الذِّكْرِ». رواه البخارِيُّ.
العشار: جمع عُشَراء، وهي الناقة التي انتهت في حملها إلىٰ عشرة أشهر.
1) من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيناته: حنين الجمادات إليه، لما تسمعه من الذكر.
2) إظهار عطف وشفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجمادات، فهو رحمة للعالمين.
3) إن قلوب العباد تطمئن بذكر الله سبحانه، حتىٰ جميع المخلوقات مفطورة علىٰ هذه الطمأنينة {فَوَيل لِّلقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكرِ ٱللَّهِ}.
25/1832 ــ وعَنْ أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ جُرْثُومِ بنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «إنَّ اللهَ تَعَالىٰ فَرَضَ فَرائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنها». حديثٌ حسنٌ، رواه الدّارَقُطْني وَغَيْرُهُ[5].
1) النهي عن تضييع حدود الله أو تجاوزها، بل الواجب الوقوف عندها تعظيماً لأمر الله تعالىٰ.
2) سعة رحمة الله بعباده ولطفه بهم، فما سكت عنه الشرع هو عافية للأمة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّا}.
26/1833 ــ وعن عبد الله بن أبي أوْفىٰ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْنا مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَواتٍ نأكُلُ الجَرَادَ.
وفي رواية: نأكُلُ معَهُ الجَرَادَ. متفق عليه.
1) بيان صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم علىٰ شدة العيش وخشونته في سبيل إعلاء كلمة الله تعالىٰ.
2) جواز أكل الجراد كيفما مات، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أُحلَّتْ لنا مَيْتَتَانِ ودَمّانِ؛ فأمّا المَيْتَتَانِ: فالحوتُ والجَرادُ» الحديث، رواه أحمد.
27/1834 ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يُلدَغُ المُؤمنُ من جُحْرٍ واحِدٍ مرَّتَيْن». متفقٌ عليه.
1) علىٰ المؤمن أن يكون فطناً حذراً، فهذا من كمال الإيمان.
2) دعت الشريعة أهل الإيمان إلىٰ كمال التيقظ والحذر، لأن هذا من مقومات نصرتهم، وأسباب قوتهم. {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذرَكُم}.
28/1835 ــ وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَىٰ فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِالله لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَىٰ غَيْرِ ذلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَاماً لاَ يُبَايِعُهُ إلَّا لِدُنْيَا، فَإنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَىٰ، وَإنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ». متَّفق عليهِ.
فضل ماء: ماء زائد عن حاجته.
1) من أفضل الصدقة سقي الماء، ولا يجوز منع فضل الماء.
2) تحريم الغش والغدر والبخل، لأنها من الكبائر .
3) ثبوت صفة الكلام لله _عز وجل_ ، فهو سبحانه يتكلم بما شاء، وكيف شاء.
4) التشديد من نكث البيعة، والخروج علىٰ إمام المسلمين، لما في ذلك من تفريق الكلمة، وإضعاف شوكة الأمة.
ما ورد في الأحاديث من إثبات النظر لله تعالىٰ فالمراد معنيان:
ــ الأول: النظر العام، فإنه لا يخفىٰ علىٰ نظره شيء جل وعلا.
ــ الثاني: النظر الخاص، وهو نظر الرحمة، وهو المعنيّ في الحديث، فإن الله لا ينظر إليهم نظر رحمة، فنثبت لله تعالىٰ النظر العام، ولازم معناه، وهو النظر الخاص.
29/1836 ــ وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَ النَفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْماً ؟ قَالَ: أَبيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً ؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، «وَيَبْلَىٰ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإنْسَانِ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ، فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ، ثُمَّ يُنزِّلُ اللهُ مِنَ السَمَاءِ مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ». متَّفقٌ عَلَيْهِ.
أبيت: امتنعت عن القول بتعيين ذلك.
عجب الذنب: عظم لطيف في أسفل الصلب، وهو المشهور بـ (رأس العصعص).
البقل: كل نبات اخضرت به الأرض.
1) بيان قدرة الله سبحانه وتعالىٰ علىٰ النشأة الثانية، وبعث من في القبور ليوم الحشر.
2) إظهار كيفية إعادة الخلق مرة أخرىٰ، وهذا من أمور الغيب التي نؤمن بها كما وردت بها النصوص من غير تكلُّف.
3) إمساك الصحابي عما لا علم له به، وهذا من تمام ورعه، وعلو فضله، رضي الله عنه.
30/1837 ــ وعَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: مَتَىٰ السَّاعَةُ؟ فَمضىٰ رَسُولُ الله عليه وسلم يُحَدّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَع، حَتَّىٰ إذَا قَضَىٰ حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ ؟» قَالَ: هَا أنا يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «إذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إضَاعَتُهَا ؟ قَالَ: «إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلىٰ غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». رواه البُخاري.
وُسِّد: أُسند .
1) الرسول صلى الله عليه وسلم ــ وهو سيد ولد آدم ــ لا يعلم الغيب، إلا ما أطلعه الله تعالىٰ عليه.
2) التحذير من تضييع الأمانة، وأنه يجب أن يولَّىٰ المناصب من هو أهل لها ، فهذا من حفظ الأمانات.
3) تنبيه المسلمين لوجوب جعل الأمر في أهله، ومن ذلك: أخذ العلم والفتوىٰ عن الأكابر من ذوي العلم والمنهج الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «البركة مع أكابرهم». رواه الحاكم.
31/1838 ــ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإنْ أَخْطَؤُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ». رواهُ البُخاريُّ.
1) الإمام ضامن، وخطأ الإمام لا يؤثّر في صحة صلاة المأموم.
2) الحث علىٰ الصبر علىٰ ولاة الأمر المسلمين إن هم أساؤوا في الصلاة، أو لم يصلوها علىٰ وقتها، والواجب عدم الخروج وإثارة الناس عليهم، ونشر مساوئهم، لأن هذا سببٌ للفساد في البلاد، وبين العباد.
32/1839 ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ} قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ يَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ في أَعْنَاقِهِمْ حَتَّىٰ يَدْخُلُوا في الإسْلاَمِ.
33/1840 ــ وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَجِبَ اللهُ _عز وجل_ مَنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ في السَّلاَسِلِ». رواهُما البُخاري.
مِعْنَاهُ: يُؤْسَرُونَ وَيقيَّدُونَ، ثُمَّ يُسْلِمُونَ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
1) خير الأمم هذه الأمة الوسط؛ التي تخرج الناس من الظلمات إلىٰ النور.
2) الحث علىٰ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما فيه من المصالح الظاهرة والخفية، فهو علامة خيرية هذه الأمة.
34/1841 ــ وَعَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أحبُّ البلادِ إلىٰ الله مَسَاجِدُهَا، وأبْغَضُ البلادِ إلىٰ الله أسْواقُهَا». رواهُ مسلم.
35/1842 ــ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: لاَ تكُونَنَّ إنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصُبُ رَايتَهُ، رواهُ مسلم هكذا.
وَرَوَاهُ البَرْقَانِيُّ في صحيحه عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ».
1) المساجد أحب البقاع إلىٰ الله، لأنها محل ذكره وعبادته، وغير ذلك من مصالح الأمة، في خير دينها ودنياها.
2) التحذير من أماكن الغفلة كالأسواق، فإنها مأوىٰ الشياطين.
3) إثبات صفتَي الحب والبغض لله _عز وجل_ علىٰ الوجه اللائق بكماله، فهو سبحانه يحب ما فيه الخير والصلاح، ويبغض ما فيه الشر والفساد.
36/1843 ــ وَعَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَرْجِسَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، غَفَرَ الله لَكَ، قَالَ: «وَلَكَ» قَالَ عَاصِمٌ: فَقلْتُ لَهُ:اسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُولُ الله ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكَ، ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الآيَةَ: {وَٱستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنِينَ وَٱلمُؤمِنَٰتِ} [محمَّد: 19]. رَواهُ مُسلم.
1) إن سؤال الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم قد وقع في حياته فقط، أما بعد موته فلا يجوز لأحد أن يطلب الاستغفار من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّا نطلب من الله تعالىٰ أن يرزقنا شفاعته.
2) إن من كرامات أهل الإيمان أن استغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو نص القرآن.
37/1844ــ وعن أبي مسعود الأنْصاريِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ من كَلام النُّبُوَّة الأولىٰ: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شئْتَ». رواه البخاري.
1) الأمر بالحياء مأثور عن الأنبياء المتقدمين، فالحياء شعبة من شعب الإيمان.
2) الحياء خلق فاضل، يحمل علىٰ فعل الجميل وترك الرذيل.
ولم تستحي فاصنع ما تشاء
إذا لم تخش عاقبة الليالي
وفي الدنيا إذا ذهب الحياء
فلا والله ما في العيش خير
ويبقىٰ العود ما بقي اللحاء
يعيش المرء ما استحيا بخير
38/1845 ــ وعن ابن مسعُود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أوَّلُ مَا يُقْضَىٰ بينَ النَّاسِ يَوْمَ القيَامَةِ في الدِّمَاءِ». متفقٌ عليه.
1) الصلاة، هي أول ما يُحاسَب عليه العبد من حقوق الله، وأما في حقوق العباد فأول ما يُقضَىٰ بينهم في الدماء.
2) يعظم الذنب بحسب عظم المفسدة، وتفويت المصلحة؛ ولهذا عَظُم شأنُ الدماء، لما فيه من الضرر بحصول القتل وتفويت مصلحة النفس.
39/1846 ــ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «خُلقَتِ المَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ». رواهُ مسلم.
المارج: ما اختلط من أحمر وأصفر وأخضر، وهذا مشاهد في النار.
مما وصف لكم: من الطين، بحسب ما ورد صفته في القرآن.
1) التنبيه علىٰ عظيم قدرة الله الذي لا يعجزه شيء، فقد فاوت بين أصل المخلوقات لحِكَم بالغة.
2) إن طبائع البشر متفاوتة بحسب تربة الأرض؛ لكنَّ المؤمنَ يهذب نفسه وأخلاقه، بالإيمان والعمل الصالح: بالتزام الأوامر، واجتناب النواهي، فبذلك تزكو النفوس.
40/1847 ــ وَعَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ خُلُقُ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم الْقُرآنَ. رواهُ مُسْلِم في جُملَةِ حَدِيثٍ طَويلٍ.
1) إذا أراد العبد أن يتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليه أن يتخلق بأخلاق القرآن.
2) علو منزلة الأخلاق في الإسلام؛ فهي من مقتضيات شجرة التوحيد الطيبة التي تثمر عملاً صالحاً، وخلقاً فاضلاً.
41/1848 ــ وَعَنْها قَالَتْ: قالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءهُ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ؟ فَكُلُنَا نَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ كَذلِكَ، وَلكِنَّ المُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ الله وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ الله، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءهُ، وَإنَّ الْكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ الله وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ الله، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ». رواهُ مسلم.
1) إن حب لقاء الله أو كراهية لقائه يكون عند النزع وخروج الروح، لما يرىٰ العبد من البشارة له بالجنة أو النار.
2) لا يُلام العبد علىٰ كراهية الموت المفطور عليها، وهذا من رحمة الله تعالىٰ بعباده.
42/1849 ــ وَعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفاً، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَني، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ رضي الله عنهما، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَلَىٰ رِسْلِكُمَا، إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُييٍّ» فَقَالاَ: سُبْحَانَ الله يَا رَسُولَ الله ! فَقَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ابْنِ آدَمَ مَجْرَىٰ الدَّمِ، وَإنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَرّاً ــ أَوْ قَالَ ــ شَيْئاً». متفقٌ عليه.
لأنقلب: ارجع إلىٰ البيت.
علىٰ رِسلكما: علىٰ هَوْنٍ في المشي دون سرعة.
1) إظهار حسن خلق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في معاملة أهله، فقد كان يودّعهم عند الفراق.
2) علىٰ العبد أن يزيل أسباب الوساوس من قلبه؛ بدفع الشبهات التي قد تُذكر عنه وعن أهله، فالبيان يطرد الشيطان.
3) إذا حَدَث للعبد ما يُتعجب منه فَلْيقلْ: سبحان الله!
4) جواز زيارة المرأة زوجها في الاعتكاف، وجواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة.
43/1850 ــ وَعَنْ أَبِي الفَضْلِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنا وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ بنِ عبْدِ المُطَّلِبِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ، فَلَمَّا الْتَقَىٰ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَلَّىٰ المُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، وأنا آخَذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَكُفُّهَا إرَادَةَ أَنْ لاَ تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسولِ الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرةِ» قَالَ العَبَّاسُ ــ وَكَانَ رَجُلاً صيِّتاً ــ فَقُلْتُ بِأَعْلَىٰ صَوْتي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ، فَوَاللهِ لَكَأَنَ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتي عَطْفَةُ الْبقَرِ عَلَىٰ أَوْلاَدِها، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَالكُفَّارُ، وَالدَّعْوَةُ في الأَنْصَارِ يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَىٰ بَنِي الْحَارِثِ بنِ الْخَزْرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَىٰ بَغْلَتِهِ كَالمُتطَاوِلِ عَلَيْهَا إلَىٰ قِتَالِهِمْ، فَقَالَ: «هذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَصَيَاتٍ، فَرَمَىٰ بِهِنَّ وجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: «انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمِّدٍ»، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإذَا الْقِتَالُ عَلَىٰ هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَىٰ، فَوَاللهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَىٰ حَدَّهُمْ كَلِيلاً، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِراً. رواه مسلم.
«الْوَطِيسُ»: التَّنُّورُ، وَمَعْنَاهُ: اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ. وَقَوْلُهُ «حَدَّهُمْ» هُوَ بِالحَاءِ المُهْمَلَةِ، أي:بَأْسَهُمْ.
لجام: ما تشد به الدابة.
أصحاب السَّمُرة: هم أصحاب بيعة الرضوان، والسمرة هي الشجرة التي بايع الصحابة تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ.
صيِّتاً: قوي الصوت عاليه.
عطْفَتَهم: إقبالهم ورجوعهم. كليلاً: ضعيفاً.
1) بيان شجاعة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وإقدامه في الحروب وثباته ، حين تقدم إلىٰ العدو بنفسه.
2) علىٰ العبد ألا يُعجب بقوته أو بعلمه أ و بماله، بل يستعين بالله _عز وجل_، ويفوّض أمره إليه.
3) بيان سرعة رجوع الصحابة رضي الله عنهم إلىٰ الحق عند تذكيرهم به، وهذا هو شأن الموفَّق من المؤمنين.
4) قد تظهر الفئة الباطلة الكافرة علىٰ الفئة المؤمنة إن حصل من المؤمنين مخالفة شرعية، فالتزام المؤمنين بدينهم، من أكبر دواعي نصرهم.
44/1851 ــ وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلَّا طَيِّباً، وَإنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالىٰ: {يَٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعمَلُواْ صَٰلِحًا} [المؤمنون: 51]، وَقَالَ تَعَالَىٰ: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقنَٰكُم} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَىٰ السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّىٰ يُسْتَجَابُ لِذلِكَ؟!». رواه مسلم.
أشعث: متفرق شعر الرأس.
أغبر: مغبرّ الوجه من العناء والتعب.
1) صفات الله سبحانه وتعالىٰ كلها صفات كمال، منزهةٍ عن النقص والعيب.
2) الحث علىٰ الإنفاق من المال الحلال، فهو المتقبل عند الله.
3) المكسب الحرام من أكبر موانع استجابة الدعاء.
45/1852 ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الُله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِل مُستكْبِرٌ». رواهُ مسلم. «الْعَائِلُ»: الْفَقِيرُ.
1) إن زنا الشيخ الكبير دليل علىٰ فساد طويته، لأن كبر السن يمنع الرجل من السير وراء شهوته.
2) إن قوة السلطان تمنع من الكذب، فإذا جمع السلطان بين المُلْكِ والكذب دلَّ علىٰ ضعف هذا المُلْك وفساده.
3) إن الفقير ليس له سبب يستكبر به علىٰ الناس، فإذا استكبر دل ذلك علىٰ خبثه، وأنه امرؤ طُبع علىٰ الكبر.
46/1853 ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَيْحانُ وجيْحَانُ والفُراتُ والنِّيلُ كلٌّ مِنْ أنهارِ الجنَّةِ». رواهُ مسلم.
1) عظيم فضل الله علىٰ عباده؛ لمـّا أراهم من الدنيا ما يبشّرهم بنعيم الآخرة، ويشحذ همتهم للعمل لها.
2) الجنة مخلوقة موجودة بما فيها من النعيم، وكذلك النار بما فيها من العذاب الأليم.
47/1854 ــ وَعَنْهُ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، فَقَالَ: «خَلَقَ اللهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثَّلاَثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يومَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ في آخِرِ الْخَلْقِ، في آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، فِيمَا بَيْنَ الْعَصرِ إلىٰ اللَّيْلِ». رواهُ مسلم.
1) استحباب التأني، وعدم العجلة في الأمور، لأن الله _عز وجل_ قادر علىٰ خلق هذه المخلوقات بكلمة، ولكن لحكمة بالغة خلقها بالتدرج.
2) تشريف آدم عليه الصلاة والسلام؛ بأن خلقه الله في أفضل الأيام، وأفضل الأوقات.
48/1855 ــ وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدِ انْقَطَعَتْ في يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بقِيَ في يَدِي إلا صفيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ. رواهُ البُخَاري.
1) بيان شجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه؛ فهو كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيفٌ من سُيوفِ اللهِ سَلَّهُ اللهُ _عز وجل_ علىٰ الكفار والمنافقين». رواه أحمد.
2) ثبات الصحابة رضي الله عنهم في ساحات القتال، لأنهم ينتظرون إحدىٰ الحُسنيين: النصر أو الشهادة في سبيل الله تعالىٰ، فبمثل هؤلاء لِيَكن الاقتداء!
49/1856 ــ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنّهُ سَمعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، و إنْ حَكَمَ وَاجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1) علىٰ العبد الاجتهاد وتحرّي الحقّ قبل الحكم علىٰ الأشياء.
2) لكل مجتهد من الأجر نصيب، وليس كل مجتهد بمصيب.
50/1857 ــ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْحُمَّىٰ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالمَاءِ». متفقٌ عليه.
1) من الطب النبوي علاج الحمىٰ الحارة بالماء البارد، فالشيء يُداوىٰ بضده.
2) الحمىٰ من شدة حرّ جهنم، وهي حظ المؤمن من النار، لتكفر عنه سيئاته.
51/1858 ــ وَعَنْهَا رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُهُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وَالمُخْتَارُ جَوَازُ الصَّوْمِ عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صوْمٌ لهذَا الْحَدِيثِ، وَالمُرَادُ بِالْوَلِيِّ: الْقَرِيبُ وَارِثاً كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ.
1) إذا مات العبد وعليه صيام، صام عنه وليه، وهذا خاص في صوم النذر.
2) قضاء صوم رمضان عن الميت الذي أفطر لعذر، يكون بإطعام مسكينٍ عن كل يوم، ولا يصام عنه في قضاء الفرض.
إنما خُصّ قضاء الصيام عن الميت بصوم النذر لأنه هو مقتضىٰ جميع النصوص، وبذلك أفتىٰ الصحابة ــ وهم أعلم الأمة ــ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا مرضَ الرجلُ في رمضانَ، ثم ماتَ ولم يصم، أُطعمَ عنه ولم يكن عليه قضاءٌ، وإنْ نذرَ قضىٰ عنه وليُّه». رواه أبو داود وقال عقب الحديث: «هذا في النذر».
وقال الإمام أحمد: «لايصام عن الميت إلا في النذر» ذكره عنه أبو داود في (مسائله).
قال ابن القيم ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في كتابه (تهذيب سنن أبي داود):
«فرض الصيام جارٍ مجرىٰ الصلاة، فكما لا يصلي أحد عن أحد، ولا يسلم أحد عن أحد، فكذلك الصيام، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدَّين فيقبل قضاء الولي له كما يقضىٰ دينه، وهذا محض الفقه».
وقال أيضاً:
«وسرُّ الفرق: أن النذرَ التزامُ المكلفِ لما شغل به ذمته، لا أن الشارع ألزمه به ابتداءً، فهو أخف حكماً مما جعله الشارع حقاً له عليه، شاء أم أبىٰ، والذمة تسع المقدور عليه والمعجوز عنه، ولهذا تقبل أن يشغلها المكلف بما لا قدرة له عليه، بخلاف واجبات الشرع فإنها علىٰ قدر طاقة البدن لا تجب علىٰ عاجز، فواجب الذمة أوسع من واجب الشرع الأصلي، لأن المكلف متمكن من إيجاب واجبات واسعة، وطريق أداء واجبها كثيرة علىٰ نفسه لم يوجبها عليه الشارع، والذمة أوسع من طريق أداء واجب الشرع، فلا يلزم من دخول النيابة في واجبها بعد الموت دخولها في واجب الشرع، وهذا يبين أن الصحابة أفقه الخلق، وأعمقهم علماً، وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحِكَمه، وبالله التوفيق».
52/1859 ــ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حدَّثَتْ أَنَّ عَبْدَ الله ابْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ في بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ الله تَعَالَىٰ عَنْهَا: وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لأحْجُرَنَّ عَلَيْهَا، قَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَتْ: هُوَ لله عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لاَ أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَداً، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إلَيْهَا حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ لاَ أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَداً، وَلاَ أَتَحَنَّثُ إلَىٰ نَذْرِي. فَلَمَّا طَالَ ذلِكَ عَلَىٰ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمن بْنَ الأَسْوَد بْنِ عَبْد يَغُوثَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا اللهَ لَمَا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَىٰ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَإنَّهَا لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنذِرَ قَطِيعَتي، فَأَقْبَلَ بِهِ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ حَتَّىٰ اسْتَأْذَنَا عَلَىٰ عَائِشَةَ، فَقَالاَ: السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا، دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي، وَطَفِقَ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ يُناشِدَانِهَا إلَّا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ، ويَقُولاَنِ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَىٰ عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَىٰ عَائشَةَ منَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا وَتَبْكِي، وَتَقُولُ: إنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتىٰ كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبيْرِ، وَأَعْتَقَتْ في نَذْرِهَا ذلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذلِكَ، فَتَبْكِي حَتَّىٰ تبلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا. رواهُ البُخاري.
لأحجرن عليها: لأمنعنَّها من التصرف في مالها.
لا أتحنث نذري: لا أكتسب الإثم بسبب الحنث في نذري.
فطفق يناشدها: صار يسألها بإلحاح.
خمارها: غطاء رأسها وصدرها.
1) لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، لاسيما إذا كان قريباً.
2) بيان فضيلة الإصلاح بين الناس ، فهي من أفضل الأعمال والقربات مع إخلاص النيات.
3) رقة قلوب الصحابة وسرعة بكائهم من خشية الله _عز وجل_، وهذا دليل صدق إيمانهم رضي الله عنهم.
4) لا يجوز النذر في المعصية، ومن نَذَرَ نَذْرَ معصية فلا يفِ بنذره.
53/1860 ــ وَعَنْ عُقْبةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله عليه وسلم خَرَجَ إلَىٰ قَتْلَىٰ أُحدٍ، فَصَلَّىٰ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ إلىٰ المِنْبَرِ، فَقَالَ: «إنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأَنا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإنِّي لأَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هذَا، أَلاَ وَإنِّي لَسْتُ أَخْشَىٰ عَلَيْكُمْ أَن تُشْرِكُوا، ولكِنْ أَخْشَىٰ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا». قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
وفي رِوَايَةٍ: «وَلكِنِّي أَخْشَىٰ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ المِنْبَرِ.
وَفي رِوَايَةٍ قَالَ: «إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وأنا شَهِيد عَلَيْكُمْ، وَإنِّي وَالله لأَنْظُرُ إلَىٰ حَوْضِي الآنَ، وَإنِّي قَدْ أُعْطِيْتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَإنِّي وَالله مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، ولكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تنَافَسُوا فِيهَا».
وَالمُرادُ بِالصَّلاةِ عَلَىٰ قَتْلَىٰ أُحُدٍ: الدُّعَاءُ لَهُمْ، لاَ الصَّلاةُ المَعْرُوفَةُ.
1) علىٰ العبد أن لا يجعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، بل عليه أن يعمل لآخرته.
2) بيان بعض دلائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث رأىٰ حوضه الموعود من مقامه في الدنيا، فهو حق وصدق، علينا أن نؤمن به ونصدق.
3) البشارة ببقاء الإسلام وثبات الأمة قائمة.
ما قاله المصنف ــ رحمه الله تعالىٰ ــ من أن معنىٰ الصلاة: «الدعاء لهم» تفسيرٌ غير صحيح، والصواب ما في رواية البخاري ومسلم: «أنه صلّىٰ علىٰ أهلِ أُحدٍ صَلاتَهُ علىٰ الميت»؛ والأحاديث النبوية يفسّر بعضها بعضاً.
54/1861 ــ وَعَنْ أَبِي زيدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: صلَّىٰ بِنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، وَصعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّىٰ حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّىٰ، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ حَتَّىٰ حَضَرَتِ العَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّىٰ، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ حَتَّىٰ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1) بيان قوة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وحرصه علىٰ إبلاغ الرسالة، وتعليم أمته العلم، حتىٰ قام يوماً كاملاً يعظ الناس ويعلّمهم.
2) أعلم الناس: أحفظهم للعلم، وأوعاهم لكتاب الله تعالىٰ، وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه ترغيب بحفظ علم الشريعة .
55/1862 ــ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَن نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ». رَوَاهُ البُخاري.
1) من نَذَر نذْر طاعة فَلْيوفِ نذره ولا يحنث، وأما نذر المعصية فلا ينعقد، وكفارته كفارة يمين.
2) النذر في الطاعة واجب الوفاء، لكن يُكره للعبد أن يُلزم نفسه النذر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج من البخيل». رواه مسلم.
56/1863 ــ وَعَنْ أُمّ شَرِيكٍ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ، وَقَالَ: «كَانَ يَنْفُخُ عَلَىٰ إبْرَاهِيمَ». متَفقٌ عَلَيْهِ.
57/1864 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً في أَوَّلِ ضَرْبَةٍ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا في الضَّرْبَةِ الثّانِيَةِ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً دُونِ الأُولَىٰ، وَإنْ قَتَلهَا في الضَّرْبَةِ الثّالِثَةِ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً».
وفي روايَةٍ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغاً في أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفي الثّانِيَةِ دُونَ ذلِكَ، وَفي الثّالِثَةِ دُونَ ذلِكَ». رواهُ مسلم.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْوَزَغُ: الْعِظَامُ مِنْ سَامَّ أَبْرَصَ.
1) الحث علىٰ قتل الأوزاغ وعدم تركها مع القدرة؛ لما ورد من الأجر والترغيب في قتلها.
2) بيان علة قتل الأوزاغ: أنها كانت تنفخ النار علىٰ إبراهيم –عليه السلام_، من أجل أن يشتد لهبها، مما يدل علىٰ عداوتها لأهل التوحيد والإخلاص.
58/1865 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: لأتصَدَّقَنَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدّقَ عَلَىٰ سَارِقٍ! فَقَالَ: اللهم لَكَ الْحَمْدُ لأتَصَدَّقَنَّ بِصدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَيْلةَ عَلَىٰ زَانِيَةٍ! فَقَالَ: اللهم لَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ زَانِيَةٍ! لأَتصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ غَنيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَىٰ غَنِيّ ! فَقَالَ: اللهم لَكَ الْحَمْدُ عَلَىٰ سَارِقٍ، وَعَلَىٰ زَانِيَةٍ، وَعَلَىٰ غَنِي! فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَىٰ سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ، فَيُنْفِقَ مِمَّا آتاهُ الله». رَوَاهُ البُخَارِيُّ بِلفظِهِ، وَمُسْلِمٌ بمَعْنَاهُ.
1) إذا نوىٰ العبدُ الخير وسعىٰ فيه، ثم فاته الوصول إليه، فإنه يُكتب أجره ولا يضره.
2) بركة التسليم والرضا بقضاء الله تعالىٰ وقدره، وكان من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأىٰ ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإذا رأىٰ ما يكره قال: «الحمد لله علىٰ كل حال». رواه ابن ماجه.
3) وجوب تذكير العصاة ودعوتهم للحق بكل الأسباب النافعة.
59/1866 ــ وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في دَعْوَةٍ، فَرُفعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَة، وقَالَ: «أَنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ ؟ يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ في صعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ إلىٰ مَا أَنْتُمْ فِيهِ إلَىٰ مَا بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلَىٰ رَبِّكُمْ؟ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاس لِبَعْضٍ: أَبُوكُمْ آدَمُ، وَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إلَىٰ ربِّكَ؟ أَلاَ تَرَىٰ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَمَا بَلَغْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ، فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَىٰ غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَىٰ نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلَىٰ أَهْلِ الأرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، أَلاَ تَرَىٰ إلَىٰ مَا نَحْنُ فِيِه؟ أَلاَ تَرَىٰ إلَىٰ مَا بَلَغْنَا؟ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إلَىٰ رَبِّكَ ؟ فَيَقُولُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَىٰ قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَىٰ غَيْري، اذْهَبُوا إلَىٰ إبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ الله وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إلَىٰ رَبِّكَ، أَلاَ تَرَىٰ إلَىٰ مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنِّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَىٰ غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَىٰ مُوسَىٰ. فَيَأْتُونَ مُوسَىٰ، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَىٰ، أَنْتَ رَسُولُ الله، فَضَّلَكَ الله بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَىٰ النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إلَىٰ رَبِّكَ، أَلاَ تَرَىٰ إلَىٰ مَا نَحْنُ فِيه؟ فَيَقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَىٰ غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَىٰ عِيسَىٰ. فَيَأْتُونَ عِيسَىٰ، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَىٰ، أَنْتَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ، اشْفَعْ لَنَا إلَىٰ رَبّكَ، أَلاَ تَرَىٰ إلَىٰ مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَىٰ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَىٰ غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَىٰ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم».
وفي روايةٍ: «فَيَأْتُوني فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّد أَنْتَ رَسُولُ الله، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إلَىٰ رَبِّكَ، أَلاَ تَرَىٰ إلَىٰ مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ، فآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِداً لِربِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَىٰ أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا محَمَّدُ ارفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَىٰ ذلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ» ثُمَّ قالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ مَا بَيْنَ المصرَاعَيْنِ مِنْ مَصارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَىٰ». متَّفقٌ عليهِ.
نهس منها نهسة: أخذ بأطراف أسنانه.
المصراعان: جانبا الباب.
1) الرسل عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الخلق، وأفضل الرسل هم أولو العزم منهم، فهم الذين قصدهم الخلق للشفاعة، وأفضلهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) إظهار شدة الموقف والمحشر علىٰ العباد يوم القيامة.
3) إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم؛ فهم أول من يدخل الجنة، وهم أكثر أهلها، ولنبيِّها صلى الله عليه وسلم تُفتح أبواب الجنة.
60/1867 ــ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ إبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ إسْمَاعِيلَ وَبِابْنِهَا إسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّىٰ وَضَعَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ في أَعْلَىٰ المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَاكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَاباً فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّىٰ إبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقاً، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهذَا الْوَادِي الذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذلِكَ مِرَاراً، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، قَالَتْ لَهُ: آلله أَمَرَكَ بهذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إذاً لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم حَتَىٰ إذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بهؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرعٍ} حتَّىٰ بَلَغَ {لَعَلَّهُم يَشكُرُونَ}. وَجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذلِكَ المَاءِ، حَتَىٰ إذَا نَفِدَ مَا في السِّقَاءِ عَطِشَتْ، وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ يَتَلَوَّىٰ ــ أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ ــ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ في الأرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَىٰ أَحَداً؟ فَلَمْ تَرَ أَحَداً. فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حتَّىٰ إذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإنسانِ المَجْهُودِ حَتَّىٰ جَاوَزَتِ الْوَادِي، ثُمَّ أتَتِ المَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، فنَظَرَتْ هَلْ تَرَىٰ أَحَداً ؟ فَلَمْ تَرَ أَحَداً، فَفَعَلَتْ ذلِك سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَذلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا»، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَىٰ المَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتاً، فَقَالَتْ: صَهْ ــ تُرِيدُ نَفْسَهَا ــ ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضاً، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إنْ كانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإذَا هِيَ بِالمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ ــ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ ــ حَتَّىٰ ظَهَرَ المَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرُفُ المَاءَ في سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَمَا تَغْرُفُ، وفي روايةٍ: بِقَدَرِ مَا تَغْرِفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ أُمَّ إسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ»، أَوْ قَالَ: «لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً» قَالَ: فَشَرِبَتْ، وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا المَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإنَّ هـٰهُنا بَيْتاً لله يَبْنِيهِ هذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإنَّ اللهَ لاَ يُضَيَعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعاً مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ، فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذلِكَ حَتَّىٰ مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمٍ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءَ، فَنَزَلُوا في أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِراً عَائِفاً، فَقَالُوا: إنَّ هذا الطّائِرَ لَيَدُورُ عَلىٰ مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بهذا الْوَادِي وَمَا فِيهِ ماءٌ، فأرْسَلُوا جَريّاً أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإذا هُمْ بالماءِ. فَرَجَعُوا، فَأَخْبَرُوهُمْ، فَأَقْبَلُوا وَأُمُّ إسْمَاعِيلَ عِنْدَ المَاءِ، فَقَالُوا: أتأذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، ولكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ في المَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأَلْفَىٰ ذلِكَ أُمَّ إسمَاعِيلَ، وَهِيَ تُحِبُّ الأُنْسَ»، فَنَزَلُوا، فَأرْسَلُوا إلىٰ أَهْلِيهِم فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّىٰ إذا كَانُوا بِهَا أَهْلَ أَبْيَاتٍ، وَشَبَّ الْغُلامُ ! وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأنْفَسَهُم وَأعجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إسمَاعِيلَ، فَجَاءَ إبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إسمَاعِيلُ يُطَالعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ــ وفي رِوَايَةٍ: يَصِيدُ لَنَا ــ ثُمَّ سَألَها عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ في ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، وَشَكَتْ إلَيْهِ، قَالَ: فَإذا جَاءَ زَوْجُكِ، أقْرَئي عليه السَّلامَ، وَقُولي لَهُ يُغَيِّرْ عَتبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إسمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنسَ شَيْئاً، فَقَالَ: هَلْ جَاءكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلنَا عَنْكَ، فَأخْبَرْتُهُ، فَسَألَني: كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأخْبَرْتُهُ أنّا في جَهْدِ وَشِدَةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أمَرني أنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكَ أبي، وَقَدْ أَمَرَني أَنْ أفارِقَكِ، إلْحَقِي بأهْلِكِ فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أخْرَىٰ. فَلَبِثَ عَنْهُمْ إبْرَاهِيمُ ما شَاءَ الله، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلىٰ امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، قَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمُ ؟ وَسألَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَىٰ الله تَعَالىٰ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ ؟ قَالَتِ: المَاءُ، قالَ: اللهم بَارِكْ لَهُمْ في اللَّحْمِ وَالمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ» قَالَ: فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ».
وفي روايةٍ: فَجَاءَ فَقَالَ: أيْنَ إسْمَاعِيلُ ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصيدُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: أَلاَ تَنْزِلُ، فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ ؟ قَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ، وَشَرَابُنَا المَاءُ، قَالَ: اللهم بَارِكْ لَهُمْ في طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «بَرَكَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم».
قَالَ: فَإذَا جَاءَ زَوْجُكِ، فأقْرئي عليه السَّلامَ وَمُرِيهِ يثَبِّتْ عَتبَةَ بَابهِ، فَلَمَّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ، قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَتْ: نَعَم، أَتانَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَني عَنْكَ، فَأخْبَرْتُهُ، فَسألَني كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأخْبَرْتُهُ أنَّا بِخَيْر، قَالَ: فَأوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَأْمُرُكَ أنْ تُثَبِّتَ عَتبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكَ أبي، وَأنْتِ الْعَتبَةُ أَمَرَني أَنْ أُمْسِكَكِ، ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذلِكَ، وَإسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةِ قَرِيْباً مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إلَيْهِ، فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، قَالَ يَا إسْمَاعِيلُ إنَّ اللهَ أمَرَني بأمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أمَرَكَ رَبُّكَ ؟ قَالَ: وَتُعِينُني؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإنَّ اللهَ أمَرَني أنْ أبْنيَ بَيْتاً ههنا، وأشَارَ إلَىٰ أكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلىٰ مَا حَوْلَهَا، فَعِنْدَ ذلِكَ رَفَع الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالحِجَارَةِ، وَإبْرَاهِيمُ يَبْني، حَتَّىٰ إذا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بهذَا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْني، وَإسماعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولانِ: رَبَّنَا تَقبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيْمُ.
وفي روايةٍ: إنَّ إبْرَاهِيمَ خَرَجَ بِإسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إسْمَاعِيلَ، مَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ، فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلىٰ صَبِيِّهَا حَتَّىٰ قَدِمَ مَكَّةَ، فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إبْرَاهِيمُ إلىٰ أهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ حَتَّىٰ لمَّا بَلَغُوا كَداءَ، نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إبْرَاهِيمُ إلىٰ مَنْ تتْرُكُنَا ؟ قَالَ: إلىٰ الله، قَالَتْ: رَضِيتُ بِالله، فَرَجَعَتْ، وَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ، وَيَدُرُّ لَبَنُهَا عَلىٰ صَبِيِّهَا حَتَّىٰ لمَّا فَنِيَ الماءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ، فَنَظَرْتُ لَعلِّي أَحِسُّ أَحَداً، قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَت هَلْ تُحِسُّ أحداً، فَلَمْ تُحِسَّ أحَداً، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِي سَعَتْ، وَأتَتِ المَروَةَ، وَفَعَلَتْ ذلِكَ أشْوَاطاً، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ الصَّبِيُّ، فَذَهَبَتْ وَنَظَرَتْ، فَإذا هُوَ عَلىٰ حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ، فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَداً، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ، فَلَمْ تُحِسَّ أحَداً حَتَّىٰ أتمَّتْ سَبْعاً، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ، فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإذا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أغِثْ إنْ كان عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَإذا جِبْرِيلُ –عليه السلام_، فَقَالَ بِعَقِبِهِ هكذَا، وَغَمَزَ بِعَقِبه عَلىٰ الأرْضِ، فَانْبَثَقَ المَاءُ، فَدهِشَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ، فَجَعَلَتْ تَحْفِنُ وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ.
رواه البخاري بهذهِ الرواياتِ كلها.
«الدَوْحَةُ»: الشَّجَرَةُ الْكَبِيرَةُ. قولُهُ: «قَفَّىٰ» أيْ: وَلَّىٰ. «وَالجَريّ»: الرَّسُولُ. «وَأَلفىٰ» معناه: وَجَدَ. قَوْلُهُ: «يَنْشَغُ» أَيْ: يَشْهقُ.
البيت: الكعبة.
الثنية: الطريق في الجبل، وكانت عند منطقة الحجون في مكة المكرمة.
يتلبط: يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض.
غواث: كالغياث، من الإغاثة.
الضيعة: الهلاك.
طائراً عائفاً: يحوم علىٰ الماء ويتردد، ولا يمضي عنه.
عتبة بابه: كنّىٰ عن المرأة بالعتبة، لأنها تحفظ الباب وتصون ما في داخله.
يبري نبلاً: يصلح سهماً قبل أن يركّب فيه نصله وريشه.
شنّة: سقاء من الجلد بالٍ.
غمز بعقبه: ضرب.
فانبثق: انفجر.
1) مبادرة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لطاعة ربِّهم، وتقديمهم محبته علىٰ محبة أولادهم، وأزواجهم، وما ملكت أيمانهم.
2) من توكل علىٰ الله كفاه، ومن فوّض أمره إليه وقاه، فقد كانت هاجر أم إسماعيل علىٰ يقين أن الله لن يضيعها وولدها، لكنها سعت بالأسباب مع تمام التوكل علىٰ الله.
3) كراهية التضجر من حال العيش، واستحباب شكر الله تعالىٰ علىٰ كل حال.
4) استحسان اتخاذ الزوجة الصالحة الصابرة، فإنها خير عون علىٰ الطاعة.
5) المسارعة إلىٰ بر الوالدين، وتنفيذ أوامرهما ما لم يكن في معصية.
61/1868 ــ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» متفقٌ عليه.
الكمأة: نبات لا ورق لها ولا ساق، تُوجد في الأرض من غير زرع تشبه حب البطاطا.
المنّ: الطعام الذي أنزله الله تعالىٰ علىٰ بني إسرائيل، من غير تعب. أو ما مَنَّ الله به علىٰ عباده.
1) مشروعية التداوي بما أودعه الله تعالىٰ من أنواع الشفاء في أصل خِلْقَةِ المخلوقات.
2) إن ماء الكمأة شفاء للعين، وهو من أصلح الأدوية لدائها،، لدلالة الطب النبوي المبارك عليه.
جعل الله تعالىٰ في أصل خَلقه لنبات المَنِّ الغذاء والشفاء، لكن قد يَعرض لها ما يسلب عنها هذه الخاصية، فما سبب ذلك؟!
قال العلامة ابن القيم ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في (زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم): «فإن قلت: فإن كان هذا شأن الكمأة، فما بال هذا الضرر فيها؟ ومن أين أتاها ذلك؟ فاعلم أن الله سبحانه أتقن كل شيء صنعه، وأحسن كل شيء خلقه، فهو عند مبدأ خلقه بريء من الآفات والعلل، تام المنفعة لما هُيِّئ وخلق له، وإنما تعرض له الآفات بعد ذلك بأمور أُخَر... ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه وأحوال أهله حادث بعد خلقه، بأسباب اقتضت حدوثه، ولم تزل أعمال بني آدم، ومخالفتهم للرسل، تحدث لهم من الفساد العام والخاص؛ ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين والقحوط والجدوب، وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها، وسلب منافعها أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضُها بعضاً، فإن لم يتسع علمك لهذا، فاكتف بقوله تعالىٰ: {ظَهَرَ ٱلفَسَادُ فِي ٱلبَرِّ وَٱلبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي ٱلنَّاسِ}... وكلما أحدث الناس ظلماً وفجوراً أحدث لهم ربُّهم تبارك وتعالىٰ من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم وأبدانهم وخَلقهم وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم، ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم، وقد روىٰ الإمام أحمد بإسناده: «أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرّة فيها حنطة أمثال نوىٰ التمر مكتوب عليها: هذا كان ينبت أيام العدل»، وهذه القصة ذكرها في مسنده علىٰ إثر حديث رواه....
وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغيث من السماء والقحط والجدب، وجعل ظلم المساكين والبخس في المكاييل والموازين، وتعدِّي القوي علىٰ الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة، الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم... والله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها،... والله بالغ أمره لا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لأمره. وبالله التوفيق».