قَالَ الله تَعَالىٰ: {إِنَّ ٱلمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰت وَعُيُونٍ * ٱدخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ * وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّن غِلٍّ إِخوَٰنًا عَلَىٰ سُرُر مُّتَقَٰبِلِينَ * لَا يَمَسُّهُم فِيهَا نَصَب وَمَا هُم مِّنهَا بِمُخرَجِينَ} [الحجر: 45 ــ 48].
وَقَالَ تَعَالَىٰ: {يَٰعِبَادِ لَا خَوفٌ عَلَيكُمُ ٱليَومَ وَلَا أَنتُم تَحزَنُونَ * ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ مُسلِمِينَ * ٱدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَٰجُكُم تُحبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَاف مِّن ذَهَب وَأَكوَاب وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ ٱلأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَٰلِدُونَ * وَتِلكَ ٱلجَنَّةُ ٱلَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ * لَكُم فِيهَا فَٰكِهَة كَثِيرَة مِّنهَا تَأكُلُونَ} [الزخرف: 68 ــ 73].
وَقَالَ تَعَالىٰ: {إِنَّ ٱلمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين * فِي جَنَّٰت وَعُيُون * يَلبَسُونَ مِن سُندُس وَإِستَبرَق مُّتَقَٰبِلِينَ * كَذَٰلِكَ وَزَوَّجنَٰهُم بِحُورٍ عِين * يَدعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلمَوتَ إِلَّا ٱلمَوتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَىٰهُم عَذَابَ ٱلجَحِيمِ * فَضلا مِّن رَّبِّكَ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ} [الدخان: 51 ــ57].
وَقَالَ تَعَالىٰ: { إِنَّ ٱلأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى ٱلأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعرِفُ فِي وُجُوهِهِم نَضرَةَ ٱلنَّعِيمِ * يُسقَونَ مِن رَّحِيق مَّختُومٍ * خِتَٰمُهُۥ مِسك وَفِي ذَٰلِكَ فَليَتَنَافَسِ ٱلمُتَنَٰفِسُونَ * وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسنِيمٍ * عَينا يَشرَبُ بِهَا ٱلمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 22 ــ28]. والآيات في البابِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
1) البشرىٰ بالجنة؛ وهي الدار التي أعدّها الله تعالىٰ لأوليائه المتقين، بما جعل فيها من أنواع النعيم.
2) عظيم فضل الله على أهل الجنة، والعبد لا يحيط علماً بحقيقة ما أعد الله لهم من النعيم، والذي يوجد في نعيم الدنيا إنما هو الأسماء فحسب.
3) بيان ثواب الأبرار الذين فعلوا الخيرات وتركوا المحرمات، فهم في نعيم شامل؛ نعيم في القلب، ونعيم في البدن.
1/1880 ــ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَا، وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَبُولُونَ، ولكِنْ طَعَامُهُمْ ذلِكَ جُشاءٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتكْبِيرَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ». رواه مسلم.
جشاء: يخرج منهم بالتجشّؤ، وهو تنفس المعدة.
كرشح المسك: يرشح من أجسامهم رشحاً طيب الرائحة، كالمسك.
1) نعيم الجنة دائم لا ينقطع ، وأهلها يتلذذون بذكر الله وتسبيحه دون مشقة.
2) طعام أهل الجنة وشرابهم خالٍ من الآفات والعيوب الحاصلة في طعام أهل الدنيا.
3) نعيم أهل الجنة جمع بين النعيم الجسدي بالملذات، والنعيم الروحي بذكر الله تعالىٰ.
2/1881 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشَرٍ، وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]. متفقٌ عَلَيْهِ.
1) بيان فضل نعيم الجنة، والله تعالىٰ برحمته أطلع عباده علىٰ شيء من نعيمها، لتعظم رغبتهم، ويشتد شوقهم. {مَن كَانَ يَرجُواْ لِقَاءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأت}.
2) جزاء أهل الجنة من جنس عملهم؛ فكما أخفوا عباداتهم في الدنيا بالإخلاص أخفىٰ الله لهم النعيم في الآخرة.
3/1882 ــ وَعَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلىٰ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَىٰ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إضَاءةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، وَلاَ يَتْفُلُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجامِرُهُمُ الألوَّةُ ــ عُودُ الطِّيبِ ــ أَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِيْنُ، عَلَىٰ خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلىٰ صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِراعاً في السَّمَاءِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رِوَايَةِ للْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم: «آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَىٰ مُخُّ سُوقِهِما مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنهُمْ وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وَعَشيّاً».
قَوْلُهُ: «عَلَىٰ خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» رواهُ بعْضُهُمْ بِفَتْحِ الخَاءِ وَإسْكَانِ اللاَّمِ، وَبَعْضُهُمْ بِضَمِّهِما، وَكِلاَهُمَا صَحِيحٌ.
كوكب دري في السماء: النجم الشديد الإضاءة.
لا يتفلون: لا يبصقون.
مجامرهم: المباخر التي يوضع فيها البخور للتطيب.
1) قلوب أهل الجنة طاهرة من الأخلاق الذميمة، فلا اختلاف بينهم، ولا تباغض، ولا حسد، ولا شحناء، فهي دار الطيب؛ لايدخلها إلا من طابت قلوبهم بالعقائد السليمة، وأعمالهم بالعبادات الصحيحة، وأخلاقهم بالفضائل الزكية.
2) أهل الجنة متساوون في الخَلْق، فكلهم علىٰ صورة أبيهم آدم وطوله صلى الله عليه وسلم، وهم منشغلون بنعيمها يُلهَمون الذكر والتسبيح بكرة وعشياً.
4/1883 ــ وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَأَلَ مُوسَىٰ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ: مَا أَدْنَىٰ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذاتِهِمْ ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَىٰ أَنْ يكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَيَقُولُ في الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هذَا لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ: أُولئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتْ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَىٰ قَلْبِ بَشَرٍ» رواهُ مُسْلم.
5/1884 ــ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ الله عليه وسلم: «إنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُروجاً مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ؛ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيقُولُ الله _عز وجل_ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَىٰ، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأىٰ، فَيَقُولُ اللهُ _عز وجل_ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَىٰ، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلأَىٰ، فَيَقُول اللهُ _عز وجل_ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشرةَ أَمْثَالِهَا» أَوْ «إنَّ لَكَ مِثْلَ عَشْرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي، أَوْ تَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ المَلِكُ»؟ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّىٰ بَدَتْ نَوَاجِذُه، فَكَانَ يقُولُ: «ذلِكَ أَدْنَىٰ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حبواً: زحفاً.
نواجذه: أنيابه.
1) بيان عظيم كرم الله سبحانه وتعالىٰ، فخزائنه ملأىٰ لا تنفد، فأدنىٰ منازل أهل الجنة له عشرة أضعاف مُلك الدنيا ونعيمها، وهذا فيه ترغيب لخُطّاب الجنة بالصبر علىٰ غلاء مهرها وبذله، وهو الإيمان والعمل الصالح. فأين الراغبون؟!
2) منازل أهل الجنة متفاوتة الدرجات بحسب إيمانهم، وأعمالهم في الدنيا.
6/1885 ــ وَعَنْ أبي مُوسَىٰ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ لِلْمُؤْمِنِ في الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا في السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً. لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ، فَلاَ يَرَىٰ بَعْضُهُمْ بَعْضاً». متَّفَق عَلَيْهِ. «المِيلُ»: سِتَّة آلافِ ذِرَاع.
1) يعظُم نعيم الجنة ويكبر ليزداد المؤمنون سروراً بنعيم مقيم.
2) ما ورد من النعيم جزء مما أعده الله لكَ أيها العبد المؤمن! فما أعددت أنت له؟! وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
7/1886ــ وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ في الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ سَنَةٍ ما يَقْطَعُهَا». مُتَفَق عليهِ.
وَروَيَاهُ في «الصَّحِيحَيْنِ» أَيْضاً مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: «يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُهَا».
المضمَّر: هو أن يعلف الفرس حتىٰ تسمن وتقوىٰ، وتغطَّىٰ بالجلال حتىٰ تحمىٰ فتعرق، فإذا جف عرقها وخف لحمها ، قويت علىٰ الجري.
1) عِظمُ أشجار الجنة، وامتدادُ ظلالها، يدلُّ علىٰ نعمة الله وفضله علىٰ عباده المتقين.
2) بيان سعة الجنة وهي سلعة الله لأهل الإيمان، فما أجلها من نعمة؟!
8/1887 ــ وَعَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُرِّيَ الْغَابِرَ في الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، تِلكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ: «بَلَىٰ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِالله وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متَّفقٌ عَلَيْهِ.
يتراءون: ينظرون ويشاهدون.
الغابر: الذاهب في الأفق.
1) إظهارُ تفاوتِ منازل أهل الجنة، بحسب درجات أعمالهم، وسابقة فضل ربهم، المشمِّرون؟!
2) مَنْ صدَّق المرسلين وآمن بهم، يبلغه الله منازلهم بفضله وجوده. فطوبىٰ للمصدِّقين بالوحي!.
9/1888 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَابُ قَوْسٍ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْربُ». متَّفقٌ عَليهِ.
قاب قوس: القاب هو المقدار، أي: بمقدار قوس.
1) تعظيم نعيم الجنة وما فيها، وتحقير الدنيا وما فيها، فنعيم الجنة وفير دائم، ومتاع الدنيا حقير زائل.
2) إنما رغب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بنعيم الجنة ليعظم الشوق إليها، ويتنافس المؤمنون فيها!
1/1889 ــ وَعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ في الْجَنَّةِ سُوقاً يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشِّمَالِ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَرْجِعُونَ إلَىٰ أَهْلِيهِمْ، وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً». رواهُ مُسلِمٌ.
ريح الشمال: هي التي تهب من دبر القبلة، وخصّها بالذكر لأن العرب كان يرجون السحابة الشامية التي تأتي بالخير والمطر.
1) أهل الجنة في زيادة حسن، وجمال دائم متجدد.
2) علىٰ العبد أن يرغب في العمل الصالح، فهو زاد يتوصل به إلىٰ نعيم تلك الدار.
11/1890ــ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءوْنَ الْغُرَفَ في الْجَنَّةِ كَمَا تتَرَاءوْنَ الْكَوْكَبَ في السَّمَاء». متفقٌ عَلَيْهِ.
1) ترغيب أهل الإيمان بالرتب العالية في الجنة، وهي منازل من سَمت هممهم.
2) إظهار تفاوت منازل أهل الجنة بحسب أعمالهم، ومزيد فضل الله عليهم.
12/1891 ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجْلِساً وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَىٰ انْتَهَىٰ، ثُمَّ قَالَ في آخِرِ حَدِيثِهِ: «فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشَرٍ» ثُمَّ قَرَأَ: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُم عَنِ ٱلمَضَاجِعِ} إلَىٰ قَوْلِهِ تَعَالىٰ: {فَلَا تَعلَمُ نَفس مَّا أُخفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعيُن} [السجدة: 16 ــ 17]. رَوَاهُ البخاريُّ.
1) حث المؤمنين علىٰ الطاعات، بذكر ما أعد الله لهم من أنواع الكرامات، فإن النفوس إذا رُغّبت في الخير أقبلت.
2) القرآن والسنة قرينان، يوضح أحدهما الآخر، ويزيده بياناً وظهوراً.
13/1892 ــ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيرةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَداً،وَإِنَّ لَكُم أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً». رواهُ مُسْلِم.
1) أهل الجنة في نعيم متجدد، لا يغيره مرض ولا هرم ولا موت ولا مصيبة.
2) علىٰ العبد أن يصبر علىٰ مصائب الدنيا، لأنها طُبعت علىٰ الكدر والتنغيص.
14/1893 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَدْنَىٰ مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تمنَّ، فَيَتَمَنَّىٰ وَيَتَمَنَّىٰ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ لَهُ: فَإنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». رَواهُ مُسْلِمٌ.
1) خزائن الله سبحانه وتعالىٰ لا تنفد، ولو أعطىٰ جميع أهل الجنة أمانيهم.
2) الموفَّق من عباد الله من آثر الباقي علىٰ الفاني، وعمل في دنياه لأُخراه.
15/1894 ــ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ _عز وجل_ يَقُولُ لأهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضيْتُمْ ؟ فَيقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَىٰ، يَا رَبَّنَا، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لم تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ! فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ، فَيقُولُونَ: وَأَي شَيْءٍ أَفْضلُ مِنْ ذلِكَ؟ فَيقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَاني، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً». مُتفقٌ عَلَيْهِ.
1) إن القرب من الله، والأنس به، ونيل مرضاته، هو أعظم مطالب المؤمنين في دار النعيم.
2) من أعظم النعيم لأهل الجنة بعد نزولهم فيها هو رضوان الله عليهم، فلا يسخط عليهم أبداً، ومن رضي عنه ربُّ العالمين فهو الموفَّق السعيد.
16/1895 ــ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إلَىٰ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَاناً كَمَا تَرَوْنَ هذَا الْقَمَر، لَا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ». مُتَّفَقٌ علَيْهِ.
17/1896 ــ وَعَنْ صُهَيْب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ: تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: أَلمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَىٰ رَبِّهِمْ». رواهُ مُسْلِمٌ.
لا تضامون: لا يلحقكم ضيم ، وهو المشقة والتعب في رؤيته.
عياناً: معاينة بنظر العين.
فيكشف الحجاب: هو حجاب النور فلا يراه أحد في الدنيا، أما في الجنة فيُكشف ليراه المؤمنون المصدِّقون بخبر الله تعالىٰ، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم.
1) البشرىٰ لأهل الإيمان بأنهم سيرون ربهم في الجنة، وهو أعظم النعيم، وأحبه إليهم.
2) رؤية المؤمنين ربَّهم بأبصارهم في الجنة، ثابتة بكتاب الله تعالىٰ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع السابقين الأولين. وأما الكفار فعن رؤية ربهم محجوبون؛ لقوله تعالىٰ: {كَلَّا إِنَّهُم عَن رَّبِّهِم يَومَئِذ لَّمَحجُوبُونَ}.
3) أحب شيء يُعطاه المؤمنون في الجنة: رؤية ربِّهم العظيم الجليل، فهي أعظم منة ومنحة في دار الكرامة والجزاء، كما كانت العبودية أعظم نعمة عليهم في دار البلاء.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ:
«والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوه يَومَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة} وتفسيره علىٰ ما أراده الله تعالىٰ وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه ما أراد. لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله _عز وجل_، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وردّ علم ما اشتبه عليه إلىٰ عالمه.
ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مَرامُه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً، شاكاً زائغاً، لا مؤمناً مصدقاً، ولا جاحداً مكذباً».
خاتمة كتاب (روح ورياحين)
ختم المصنف الشيخ العلَّامة النووي ــ رحمه الله تعالىٰ وغَفَر له ولوالديه وللمسلمين ــ كتابه الجليل (رياض الصالحين من أحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم) بباب:
(بيان ما أعد الله للمؤمنين في الجنة) تفاؤلاً بالفأل الحسن الطيب؛ أن يدخلنا الله تعالىٰ وإياه وجميع المؤمنين جنته، ويرزقنا حسن الختام، بامتثال العمل بآيات وأحاديث هذا الكتاب، لما تضمنته من الهدي النبوي المبارك. فهذا هو السبيل الوحيد لنيل هذه العِدَة والكرامة.
ومن لطائف إنهاء الكتاب بالآيات الكريمات: إشارة إلىٰ أن الهداية هي أعظم مِنَّةٍ ومنحة، فمن صدق في هدايته ــ بدوام الإخلاص لله رب العالمين، ولزوم الاهتداء والاقتداء بمنهج سيد المرسلين، وسبيل السابقين الأولين ــ في دار البلاء، نال المنحة في دار النعيم، وفاز بعظيم الجزاء.
فقال المصنف ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في خاتمة الكتاب:
قَالَ الله تَعَالَىٰ: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهدِيهِم رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِم تَجرِي مِن تَحتِهِمُ ٱلأَنهَٰرُ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ * دَعوَىٰهُم فِيهَا سُبحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَٰم وَءَاخِرُ دَعوَىٰهُم أَنِ ٱلحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ} [يونس: 9 ــ 10] .
أنجز الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.
الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدَانَا لهذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا الله.
اللهم صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِ محَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىٰ إبْرَاهِيمَ وَعَلَىٰ آل إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَىٰ إبْرَاهِيمَ وَعَلَىٰ آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
قَالَ مُؤَلّفُهُ يحيىٰ النَّوَاوِيُّ ــ غَفَرَ اللهُ لَهُ ــ: «فَرَغْتُ مِنْهُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ رَابعَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَسِتِّمَائَةٍ».
قال شارحوه ــ غفر الله لهم ولوالديهم وللمؤمنين ــ : «فرغنا من مراجعة كتابنا: (روح ورياحين شرح رياض الصالحين) ــ في طبعته الثالثة ــ أوائل شهر رجب، عام أربعة وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية»
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وصلىٰ الله وسلم علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.