اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

2 ــ باب التوبة

قالَ العُلَماءُ: التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الله تَعَالَىٰ ــ لا تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيّ ــ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُقْلعَ عَنْ المَعْصِيَةِ.

والثَّانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَىٰ فِعْلِهَا.

والثالث: أَنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يَعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ.

وإِنْ كَانَتِ المَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بآدَمِي فَشُرُوطُهَا أَرْبَعَةٌ: هذِهِ الثَّلاَثَةُ، وَأَنْ يَبْرَأَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِها، فَإنْ كَانَتْ مَالاً أَو نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه، وَإِنْ كَانَتْ حَدَّ قَذْفٍ وَنَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وَإنْ كَانَتْ غِيبَةً اسْتَحَلَّهُ مِنْهَا. وَيجِبُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، فإنْ تَابَ مِنْ بَعْضِهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أَهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ، وَبقِي عَلَيْهِ البَاقي. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وإجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلىٰ وُجُوبِ التَّوْبَةِ:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} [النور: 31 ] ، وقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ} [هود: 3] ، وَقَالَ تَعَالَىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا} [التحريم: 8 ].

فائدة:

يُضاف إلىٰ شروط التوبة الثلاثة التي ذكرها المصنف ــ رحمه الله تعالىٰ ــ:

أن تكون التوبة في زمن تُقبل فيه، وذلك نوعان:

النوع الأول: باعتبار كل إنسان بحسبه، فلابد أن تكون قبل حلول الموت.

النوع الثاني: باعتبار عموم الناس، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لا تنقطعُ الهجرةُ حتىٰ تنقطعَ التوبةُ، ولا تنقطعُ التوبةُ حتىٰ تَطلعَ الشَّمسُ من مَغربِهَا» رواه أحمد. فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تنفع التوبة.

هداية الآيات:

1) وجوب التوبة من المعاصي، وبيان فضلها وأجرها، فالله يحب التوّابين.

2) التوبة سبب للفلاح، والموفْق من عباد الله من سعىٰ إلىٰ باب من أبواب الفلاح فلزمه.

1/13ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «واللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». رَوَاهُ البُخَارِيّ.

2/14 ــ وَعَنْ الأَغَرِّ بْنِ يَسَارٍ المُزَنيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «يا أيّها النَّاسُ تُوبُوا إِلَىٰ الله واستغفروه، فَإنِّي أتُوبُ إليه فِي الْيَوْمِ مائَةَ مَرَّةٍ». رَوَاهُ مُسْلِم.

هداية الأحاديث:

1) وجوب التوبة؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بها، فَقَالَ: «يا أيها الناس توبوا إلىٰ الله »، وكان يبادر إلىٰ التوبة دوماً، وهذا فيه امتثال أمر الله تعالىٰ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، والتأسي به.

2) بيان عظم تعبد الرسول صلى الله عليه وسلم لربِّه، وإخلاصه التوبة له.

3) من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعلم الناس بلسان مقاله، ولسان حاله.

4) من آداب الداعي إذا أمر الناس بأمر أن يكون أول من يمتثل هذا الأمر، وإذا نهاهم عن شيء فليكن أول من ينتهي عَنْهُ.

3/15ــ وعَنْ أَبي حَمْزةَ أَنسِ بن مَالكٍ الأنصَارِيِّ ــ خَادِمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «لَلهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَىٰ بَعِيرِهِ وقد أضَلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ». متفقٌ عليه.

وفي رواية لمُسْلمٍ: « للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إلَيهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كان علىٰ رَاحِلَتهِ بأَرْضٍ فَلاةٍ، فَانفَلَتَتْ مِنْهُ وعَلَيْهَا طَعَامُهُ وشَرَابُهُ فأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَىٰ شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، وقد أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلكَ إذا هُوَ بِها قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللهم أنتَ عَبدِي وأَنا رَبُّكَ، أَخطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ».

غريب الحديث:

فلاة : الصحراء الواسعة لا ماء فيها.

الخطام: الحبل الذي يُقاد به البعير.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ التوبة؛ لأن الله يحبها من عبده ويرضاها.

2) محبة الله تعالىٰ لتوبة عبده من مصلحة العبد، فإنه سبحانه يحب أن يعفو ويغفر، والعفو أحب إليه من العقوبة، ولهذا يفرح بتوبة عبده.

3) إثبات الفرح لله سبحانه وتعالىٰ ــ فهو سبحانه يفرح ويغضب ويحب ويكره {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} [الشورى: 11] ــ فهو فرح يليق بعظمته وجلاله، لا يماثل فرح المخلوقين.

فائـدة:

لا يؤاخذ الإنسان بالقول الذي هو كفر إذا صدر منه عن خطأ أو سبق لسان، ولم يقصد معناه، بخلاف القاصد أو المستهزئ إذا قال كلمة الكفر، وهذا من رحمة الله سبحانه بعباده، كحال الرجل الذي قال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك».

4/16 ــ وعَن أبي مُوسىٰ عَبدِ الله بنِ قَيس الأشعَرِيِّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالىٰ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُط يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَيْلِ، حَتَىٰ تَطْلُع الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الله تعالىٰ يقبل التوبة من العبد وإن تأخرت، وهذا من رحمة الله تعالىٰ بعبده المذنب.

2) محبة الله تعالىٰ للتوبة، ولهذا قبلها من العبد، وبسط يده لها.

3) إن المبادرة إلىٰ التوبة والتعجيل بها من أسباب رضا الله عن عبده.

5/17ــ وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيْهِ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) من شروط التوبة أن تقع في وقتها الشرعي العام؛ لحديث: «لا تنقطع التوبة حتىٰ تطلع الشمس من مغربها». رواه أحمد.

2) طلوع الشمس من مغربها من أشراط الساعة الكبرى، وبعدها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً.

3) الإيمان النافع هو الإيمان الاختياري، أما الإيمان الصادر بعد مجيء الآيات المنذرة فإنه لا ينفع؛ لأنه إيمان اضطراري، كما قال تعالىٰ عن فرعون: {ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} [يونس: 90].

6/18 ــ وعَنْ أَبي عَبْدِ الرحمْن عَبْدِ الله بن عُمَرَ بن الخَطَّاب رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ يقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». رواه الترمذي وقَال: حديثٌ حسن.

غريب الحديث:

يغرغر: تبلغ روحه الحلقوم.

هداية الحديث:

1) حضور الموت هو الوقت الذي لا تنفع التوبة معه، ولهذا لابد أن تقع التوبة في وقتها الشرعي الخاص بالعبد قبل حضور الأجل.

2) الإيمان الاضطراري عند حضور الموت لا ينفع العبد، لأنه شاهد الموت أمامه. فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ اغتنام حياته قبل أن يفجأه الموت.

7/19ــ وَعَنْ زِرِّ بْن حُبـَيْشٍ قَالَ: أَتيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ رضي الله عنه أَسْأَلُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَىٰ الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا زِرُّ؟ فَقُلْتُ: ابْتغَاء الْعِلْمِ، فقالَ: إنَّ الْمَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضىٰ بمَا يَطْلُبُ، فَقُلْتُ: إنَّه قَدْ حَكَّ في صَدْرِي الْمَسْحُ عَلَىٰ الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَجِئْتُ أَسْألُكَ: هَلْ سَمعتَهُ يَذْكُرُ في ذلِكَ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأمُرنَا إذَا كُنَّا سَفْراً ـ أَوْ مُسَافِرِينَ ـ أنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إلَّا مِنْ جَنابَةٍ، لكِنْ مِنْ غَائطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ، فَقُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُر في الْهَوَىٰ شَيْئاً؟ قالَ: نَعَمْ، كُنَّا مَعَ رسول الله في سَفَرٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إذْ نَادَاهُ أعْرَابيّ بصَوْت لَهُ جَهْوَريٍّ: يَا مُحَمَّدُ، فأَجَابَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نَحْواً مِنْ صَوْتِهِ: (هَاؤُمُ)، فَقُلتُ لَهُ: وَيْحَكَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فَإنَّكَ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذا، فقالَ: وَالله لا أغْضُضُ، قَالَ الأَعْرَابيُّ: الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فَمَا زَالَ يُحَدِّثنا حَتَّىٰ ذَكَرَ بَاباً مِنَ الْمَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِه أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ في عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أوْ سَبْعِينَ عَاماً. قَالَ سُفْيَانُ أحَدُ الرُّوَاةِ: قِبَلَ الشَّامِ، خَلَقَهُ الله تَعَالَىٰ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوَات وَالأَرْضَ مَفْتُوحاً لِلتَّوْبَةِ ، لا يُغْلَقُ حَتَىٰ تَطْلُعَ الشَمْسُ مِنْهُ. رواه الترمذي وغيره وقال: حديث حسن صحيح.

غريب الحديث:

هاؤم: بمعنىٰ خذ، والمراد: الإجابة لمن ناداه.

هداية الحديث:

1) فضيلة العلم وطلبه، والعلم النافع: هو علم ما جاء في الكتاب والسنة النبوية، وطلبه من الجهاد في سبيل الله تعالىٰ.

2) «وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضىٰ بما يصنع»: نؤمن به علىٰ ظاهره؛ لأنه إذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه علىٰ الرأس والعين، نؤمن به، ونصدّق دون تردد أو شك، وكثيراً ما تأتي السنن ووجوه الحق، علىٰ خلاف الآراء والأهواء.

3) المسح علىٰ الخفين من شعار أهل السنة، وهو ثابت بالسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

4) المؤمن إذا أحب قوماً من أهل الإيمان صار معهم، وإن قصّر به عمله.

5) الترغيب في الوصية العظيمة: «المرء مَعَ من أحب»، فواجبٌ محبة أهل العلم والإيمان، وبغض أهل الكفر والعدوان.

6) من بركة أرض الشام أن باب التوبة خلقه الله تعالىٰ قِبَل الشام.

8/20 ــ وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مالكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعينَ نَفْساً، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَم أهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَىٰ رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فقال: إنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وتسْعِينَ نَفْساً، فهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مَائَةً. ثُمَّ سَألَ عَنْ أَعْلَم أهْلِ الأرْضِ، فَدُلَّ عَلَىٰ رَجُلٍ عَالِمٍ فقالَ: إنَّهُ قَتَلَ مَائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ ؟ فقالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَة؟ انْطَلِقْ إِلَىٰ أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإنَّ بهَا أناساً يَعْبُدُونَ الله تعالىٰ فَاعْبُدِ الله مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَىٰ أَرْضِكَ فَإنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فانْطَلَقَ حَتَّىٰ إذَا نَصَفَ الطَّريقُ أتَاهُ الْمَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائكَةُ الْعَذَابِ، فقالَتْ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِباً مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إلَىٰ الله تعالىٰ، وقالَتْ مَلائكَةُ الْعَذَابِ: إنَهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، فَـأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيِّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فقالَ: قيسُوا ما بَيْن الأَرْضَيْنِ فَإلَىٰ أَيَّتِهمَا كَانَ أَدْنَىٰ فَهْو لَهُ، فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَىٰ إلىٰ الأرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائكَةُ الرَّحْمَة». متفق عليه.

وفي روايةٍ في الصحيح: «فَكَانَ إلَىٰ الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ بشِبْرٍ، فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا» وفي رِواية في الصحيح: «فَأَوْحَىٰ اللهُ تَعَالَىٰ إلَىٰ هذِهِ أنْ تَبَاعَدِي، وإلَىٰ هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوَجَدُوهُ إلَىٰ هذِه أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ». وفي روايةٍ: «فَنَأىٰ بِصدْرِهِ نَحْوهَا».

هداية الحديث:

1) فضيلة العلم وأهله، فالعالِم يرشد الناس؛ ولا يقنّطهم من رحمة الله تعالىٰ، بخلاف العابد الراهب الذي لا علم عنده.

2) أثر المكان علىٰ الإنسان صلاحاً وفساداً، فأرض الطاعة تحضّ المؤمن علىٰ الخير، وأرض السوء تضعف المؤمن أو تُقْعِده عن فعل الخير.

3) النية الصادقة تكمل عمل المؤمن، وإن لم يباشره.

4) سعة رحمة الله بعباده؛ فقد فتح للمسرفين باب التوبة، وقَـبِل توبتهم.

5) من فعل ذنباً ثُمَّ ندم علىٰ ارتكابه، فندمه دليل علىٰ صحة توبته، لقوله صلى الله عليه وسلم : «الندم توبة» رواه أحمد.

فائـدة:

إذا قَتَل القاتلُ تعلق به ثلاثة حقوق:

الحق الأول: لله، والثاني: للمقتول، والثالث: لأولياء المقتول.

أما حق الله، فالله يغفره بالتوبة.

أما حق المقتول، فإن توبة القاتل لا تنفعه؛ لأنه لا يمكن الوصول إلىٰ استحلاله، فهذا الحق يبقىٰ القاتلُ مُطالَباً به، والله يفصل بينهم يوم القيامة.

وأما حق أولياء المقتول، فإنها لا تصح توبة القاتل حتىٰ يسلّم نفسه إلىٰ أولياء المقتول، فإما أن يعفوا عَنْهُ أو يطلبوا القصاص أو الدية.

9/21 ــ وعَنْ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ مَالكٍ، وكَانَ قائِدَ كَعْبٍ رضي الله عنه مِن بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مَالكٍ رضي الله عنه يُحَدِّثُ بحَدِيثِهِ حِينَ تَخَلَّفَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ. قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أتَخَلَّف عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ إلَّا في غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهُ، إنَّمَا خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمُسْلمُونَ يُريدُونَ عِيْرَ قرَيْشٍ حَتَّىٰ جَمَعَ الله تَعَالَىٰ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوّهِمْ عَلَىٰ غَيْرِ ميعَادٍ. ولَقَدْ شَهدْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَىٰ الإسْلامِ، ومَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإنْ كانَتْ بَدْرٌ أذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا. وكَانَ مِن خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ أنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أقْوىٰ وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّىٰ جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إلَّا ورَّىٰ بِغَيْرِهَا، حَتَّىٰ كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، فَغَزَاهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازاً، وَاسْتَقْبَلَ عَدَداً كَثِيراً، فَجَلَّىٰ للْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رسولِ الله كثِيرٌ وَلا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ (يُريدُ بذلِكَ الدِّيوَانَ). قالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إلَّا ظَنَّ أَنَّ ذلِكَ سَيَخْفَىٰ بِهِ مَا لَمْ يَنْزِل فيهِ وَحْيٌ مِنَ الله ، وَغَزَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَت الثَمَارُ والظِّلالُ، فَأنَا إِلَيْهَا أصْعَرُ. فَتَجَهَّزَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّز مَعَهُ، فأَرْجعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئاً، وَأَقُولُ في نَفْسي: أنَا قَادِرٌ عَلَىٰ ذلكَ إذَا أرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَىٰ بي حَتَّىٰ اسْتَمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ، فأَصْبَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غَادِياً وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئاً، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أقْضِ شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَىٰ بي حَتّىٰ أسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَالَيْتَني فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي، فَطَفِقْتُ إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحْزُنُنِي أَنِّي لا أرَىٰ لِي أُسْوَةً، إلا رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْه في النِّفَاقِ، أوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ تعالَىٰ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ بَلَغَ تَبُوكَ، فقالَ وَهُوَ جَالِسٌ في القَوْمِ بِتَبُوكَ: «ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالكٍ؟» فقالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يا رسولَ الله حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ في عِطْفَيْهِ، فقالَ لَهُ مُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: بِئْسَ ما قُلْتَ! وَاللهِ يا رسولَ الله مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلَّا خَيْراً، فَسَكَتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم . فَبَيْنَا هُوَ عَلَىٰ ذلِكَ رَأىٰ رجُلاً مُبْيِضاً يَزُولُ بهِ السَّرَابُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «كُنْ أبَا خَيْثَمَةَ»، فَإذَا هُوَ أبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزهُ المنَافِقُونَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرَني بَثِّي، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأقُولُ: بِمَ أَخرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَداً؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَىٰ ذلكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قادِماً زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، حَتَّىٰ عَـرَفْتُ أنِّي لَم أَنْجُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَداً، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَادِماً، وكَانَ إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُون يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَاً وَثَمَانِينَ رَجُلاً، فَقبِلَ مِنْهُمْ عَلانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلَىٰ الله تَعَالَىٰ حَتَّىٰ جِئْتُ. فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّىٰ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فقالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ؟ ألمْ تكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ!» قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله إنِّي واللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْركَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ منْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ ؟ لَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلكِنَّنِي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثُ كَذبٍ تَرْضَىٰ بِه عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللهُ يُسْخِطُكَ عَلَيَّ، وَإنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إنِّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَىٰ الله _عز وجل_، وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَىٰ وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ.

قالَ: فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «أَمَّا هذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّىٰ يَقْضيَ اللهُ فيكَ» وَسَارَ رجالٌ مِنْ بَنِي سَلِمةَ فاتَّبَعُوني، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هذَا، لَقَدْ عَجَزْتَ في أَنْ لا تَكُونَ اعتَذَرْتَ إلَىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَا اعْتَذَرَ إليهِ الْمُخَلَّفُونَ فقَدْ كانَ كَافيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَكَ. قَالَ: فَواللهِ ما زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّىٰ أرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إلَىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هذَا مَعِيَ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا: نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلاَنِ قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، قَالَ قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ ربيعَة الْعُمْرِيُّ، وهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. قالَ: فَذَكَروا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فِيهِمَا أُسْوَةٌ. قالَ: فَمَضَيْت حِينَ ذَكَروهُمَا لِي. وَنَهَىٰ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلامِنَا ـ أَيُّها الثَّلاثَةُ ـ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قالَ: فاجْتَنبَنَا النَّاسُ ـ أوْ قالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا ـ حَتَّىٰ تَنكّرَتْ لي في نَفْسِيَ الأَرْضُ، فَمَا هيَ بالأَرْضِ الَّتي أَعْرِفُ، فَلَبثْنَا عَلَىٰ ذَلِكَ خَمْسين لَيْلَةً. فَأمَّا صَاحبَايَ فَاسْتكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتهمَا يَبْكيَانِ، وَأَمَّا أنا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمينَ، وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَأَقُولُ في نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْه بَرَدِّ السَّلامِ أَمْ لا ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَريباً مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإذَا أقْبَلْتُ عَلَىٰ صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإذَا الْتَفتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّىٰ إذَا طَال ذلكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمينَ مَشَيْت حَتَّىٰ تَسَوَّرْت جدَارَ حَائط أبي قَتَادةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلت لَه: يَا أَبَا قَتَادَةَ أنْشُدكَ بالله هَلْ تَعْلَمُني أُحبُّ اللهَ وَرسُولَه صلى الله عليه وسلم ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْت فَنَاشَدْتُه فَسَكَتَ، فَعُدْت فَنَاشَدْته، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّىٰ تَسَوَّرتُ الْجدَارَ، فَبَيْنَما أَنَا أَمْشِي في سُوقِ الْمَدِينَة إذَا نَبَطيٌّ منْ نَبَطِ أهْل الشَّام مِمَّن قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبيعُهُ بالْمَدِينَةِ يقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَىٰ كَعْبِ ابنِ مالكٍ ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشيرُونَ لَهُ إلَيَّ، حَتَّىٰ جَاءني فَدَفَعَ إلَيَّ كتَاباً منْ مَلِكِ غَسَّانَ، وكُنْتُ كَاتِباً فَقَرَأْتُهُ فَإذَا فيهِ: أمَّا بَعْدُ فَإنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ حِينَ قَرَأتُهَا: وَهذِهِ أيْضاً مِنَ الْبَلاءِ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّـنُّورَ فَسَجَرْتُهَا، حَتَّىٰ إذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ إذَا رسولُ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَن تَعْتزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أفْعَلُ ؟ قَالَ: لا، بَل اعْتَزِلْهَا فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا، وَأرْسَلَ إلَىٰ صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَكُوني عِنْدَهُمْ حَتَىٰ يَقْضِيَ اللهُ في هذَا الأَمْرِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ لَهُ:يا رسولَ الله إنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدُمَهُ؟ قَالَ: «لا، وَلكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ»، فَقَالَتْ: إنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إلَىٰ شَيْءٍ، وَوَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كَانَ إلَىٰ يَوْمِهِ هذَا. فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أذنَ لاِمْرَأَةِ هِلالِ بْن أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ ؟ فَقُلْتُ: لا أَسْتَأذِنُ فِيهَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وَمَا يُدْريني مَاذَا يَقُولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأنَا رَجُلٌ شَابٌ ! فَلَبِثْتُ بِذلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً منْ حينَ نَهَىٰ عَنْ كَلامَنا.

ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسينَ لَيْلَةً عَلَىٰ ظَهْرِ بَيتٍ منْ بُيُوتنَا، فَبَيْنَما أنَا جَالسٌ عَلَىٰ الْحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَىٰ منَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بمَا رَحُبَتْ، سَمعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أوْفَىٰ علىٰ سَلْعٍ يَقُولُ بأَعْلَىٰ صَوتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، فَخَرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفْت أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، فآذَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِتَوْبـَةِ الله _عز وجل_ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّىٰ صَلاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إلَيَّ فَرَساً، وَسَعَىٰ سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَىٰ عَلَىٰ الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إيَّاهُ ببشارَتهِ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنِّـئُونني بالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِي: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ، حَتَّىٰ دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإذَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ الله رضي الله عنه يُهَرْوِلُ حَتَّىٰ صَافَحَنِي وَهَنَّأنِي، واللهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَىٰ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُرُور: أَبْشِرْ بخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، فَقُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يا رسولَ الله أَمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ قَالَ: لا، بَلْ مِنْ عِنْد الله _عز وجل_، وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّىٰ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يا رسولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أَنْخَلعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَىٰ الله وَإلَىٰ رَسُولِهِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَمْسِك عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، فقلتُ: إنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذي بخَيْبَرَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إنَّ الله تَعَالَىٰ إنَّمَا أَنْجَانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أَنْ لا أُحَدِّثَ إلَّا صدْقاً مَا بَقِيتُ. فَوَالله مَا عَلِمْتُ أحَداً مِنَ الْمُسلِمِينَ أبْلاهُ اللهُ تعالىٰ في صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلانِي اللهُ تعالىٰ، وَاللهِ ما تَعَمَّدْتُ كِذْبةً منذُ قلتُ ذلِكَ لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلَىٰ يَوْمِي هذَا، وإنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ اللهُ تعالىٰ فيمَا بَقِيَ، قال: فأَنْزَلَ الله تعالىٰ: {لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ} حَتَّىٰ بَلَغَ: {إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ * وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ} حَتَّىٰ بَلَغَ: {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 117ــ 119] قَالَ كَعْبٌ: واللهِ ما أَنْعَمَ اللهُ عَليَّ مِن نِعمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إذْ هَدانِي اللهُ للإسْلام أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كما هلكَ الَّذينَ كَذَبُوا؛ إنَّ اللهَ تعالىٰ قال لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْي شَرَّ مَا قالَ لأَحَدٍ، فقالَ الله تعالىٰ: {سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ * يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} [التوبة:95 ــ 96].

قالَ كَعْبٌ: كُنَّا خُلِّفْنَا ــ أَيُّهَا الثَّلاثَةُ ــ عَنْ أَمْرِ أُولئِكَ الَّذينَ قَبِلَ منْهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهم، وأَرجَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمْرَنَا حَتَّىٰ قضَىٰ اللهُ تعالَىٰ فيه بذلِكَ قال الله تعالىٰ: {وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ} وَلَيْسَ الَّذي ذكَرَ مِمَّا خُلِّفْنَا تخَلُّفَنَا عَنِ الغَزْوِ، وإنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إيَّانَا، وإرْجاؤُهُ أمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ له واعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقبِلَ مِنْهُ. متفق عَليه.

وفي روايةٍ «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الخمِيسِ، وكانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخمِيسِ» وفي رواية: «وكانَ لا يقْدَمُ مِن سَفَرٍ إلَّا نَهَاراً في الضحَى، فإذَا قَدِمَ بَدَأَ بالمسْجِد فصَلَّىٰ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَس فِيهِ».

غريب الحديث:

عِيْر: الإبل المحمّلَة. ورَّى: أوضح أنه يريد غيرها.

مفازاً: الأرض الطويلة البعيدة. أهبة: ما يتزود به المسافر.

أصعر: أميل. تفارط: فات وسبق.

مغموصاً: مطعوناً فيه.

حبسه برداه والنظر في عطفيه: التفاخر بالثياب والتباهي بها.

مبيضاً: لابساً البياض. بثي: الحزن الشديد.

ابتعت: اشتريت. حائط: بستان.

نبطي: فلاح. فطفق: أصبح.

فسجرتها: أوقدتها بالنار. استلبث: تباطأ.

سلع: اسم جبل بالمدينة. أتأمم: أقصد.

أنخلع: أخرج. أرجأ: أخَّرَ.

هداية الحديث:

1) جواز إخبار الرجل عن تفريطه وتقصيره في طاعة الله ورسوله، وما آل إليه أمره، وفي ذلك التحذير والنصيحة، وبيان طرق الخير ليسلكها، وطرق الشر ليحذرها.

2) الرجل إذا حضرت له فرصة الطاعة، فالحزم كل الحزم في اغتنامها والمبادرة إليها، لأن الله سبحانه قد يعاقب مَنْ فُتح له باب الخير فلم يدخله ألا يوفِّقه لغيره، بل قد يبتلىٰ بالاشتغال بما يضره.

3) مشروعية ترك السلام علىٰ من أحدث حدثاً؛ تأديباً له، بحسب المصلحة. وجواز معاتبة الرجل أصحابه بقصد تأديبهم.

4) المعاصي سبب للتنكر والوحشة في قلب العبد، ولكن بحسب مادة الحياة في قلب المؤمن يكون الإحساس بذلك.

5) إتلاف ما يُخشىٰ منه المضرة في الدين، فالنصيحة للمؤمن أن يخرج ما عنده من المنكرات في بيته، لئلا تضعف نفسه فيواقعها.

6) خير أيام العبد علىٰ الإطلاق وأفضلها يوم توبة الله عليه، وقبول توبته.

7) من ندم علىٰ الذنب وفقه الله للتوبة وأعانه عليها.

10/22ــ وَعَنْ أبي نُجَيْدٍ ـ بضَمِّ النُّونِ وفتْحِ الجِيم ـ عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنِ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنهما أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَىٰ مِنَ الزِّنى، فقالَتْ: يا رسولَ الله أصَبْتُ حَدّاً فأقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعا نَبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وَليَّها، فقالَ: «أحْسِنْ إلَيْهَا، فإذَا وَضَعَتْ فَأْتِـنِي» فَفَعَلَ. فأمَرَ بهَا نَـبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم ، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّىٰ عَلَيْهَا، فقالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يا رسول الله وقَدْ زَنَتْ؟ قالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المدينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضلَ مِن أن جَادَتْ بنَفْسِهَا لله _عز وجل_؟!». رواه مسلم.

غريب الحديث:

أصبت حدّاً: أي أصبت شيئاً يوجب الحدّ.

شُدّت: لُفت ثيابها وربطت.

هداية الحديث:

1) الزاني إذا زنىٰ وهو مُحصن متزوّج، فإنه يُرجم وجوباً. وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَجم الخلفاء الراشدون من بعده ، وهذا الحد رحمة من الله تعالىٰ بعبده ليطهره من الذنب.

2) الجزاء من جنس العمل، لأن الزاني تلذذ جميع جسده بالحرام، فكان من الحكمة أن ينال هذا الجسد من العذاب بقدر ما نال من اللذة.

3) جواز إقرار الإنسان علىٰ نفسه بالزنى، من أجل تطهيره بالحد، لا من أجل فضح نفسه والمجاهرة بالمعاصي.

11/23 ــ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَىٰ مَنْ تَابَ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) طبيعة الإنسان أنه يحب التكاثر بالمال؛ إلا من زكّىٰ نفسه وذكّرها لقاء الله تعالىٰ.

2) التوبة إلىٰ الله تعالىٰ سبب للانكفاف عن المحرمات، والرضا بما قسم الله للعبد من الرزق.

3) التوبة يمحو الله بها السيئات، ولو كانت متعلقة بالحقوق المالية، بشرط أن يؤديها إلىٰ أهلها.

12/24ــ وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَضْحَكُ الُله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ إلَىٰ رَجُـلَيْنِ يَقْتُلُ أحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الْجَنَّةَ؛ يُقَاتِلُ هذَا في سَبِيلِ الله فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ عَلَىٰ الْقَاتِلِ، فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) أهل الجنة يطهرون من الغل والحقد، حتىٰ إن القاتل والمقتول كليهما يدخلان الجنة، من غير غل ولا حقد، وهذا هو وجه الضحك من هذين الرجلين.

2) «الإسلام يهدم ما قبله»، و«التوبة تجبُّ ما قبلها»، فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ تجديد توبته دوماً.