اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

7 ــ باب اليقيــن والتوكــل

قال الله تعالىٰ: {وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} [الأحزاب: 22]، وقال تعالىٰ: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ * فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173 ـ 174]، وقال تعالىٰ: {وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] ، وقال تعالىٰ: {وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} [إبراهيم: 11] ، وقال تعالىٰ: {فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ} [آل عمران: 159 ] . والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة. وقال تعالىٰ: {وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ} [الطلاق: 3]، وقال تعالىٰ: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]. والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة.

غريب الآيات:

اليقين: هُوَ قوة الإيمان وثبات القلب، حَتَّىٰ كأن المؤمن يرىٰ بعينه ما أخبر الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لكمال يقينه.

التوكل: هو: اعتماد العبد عَلىٰ ربِّه _عز وجل_، في ظاهره وباطنه، لجلب المنافع، ودفع المضار. والتوكل من ثمرات اليقين.

هداية الآيات:

1) حسن الظن بما عند الله تعالىٰ من علامات صدق الإيمان.

2) التوكل الصادق عَلىٰ الله تعالىٰ من صفات المؤمنين.

3) من توكل عَلىٰ الله كفاه؛ فإنه سبحانه لا يخيِّب مَن رجاه {أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُ}.

وأما الأحاديث:

1/74 ــ فَالأوَّلُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأمَمُ؛ فَرَأيْت النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيط، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُل وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أحَدٌ. إذْ رُفعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْت أنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هذَا مُوسَىٰ وَقَوْمُه، وَلكِن انْظُرْ إِلَىٰ الأفقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَىٰ الأفقِ الآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب وَلاَ عَذَابٍ» ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ في أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَاب، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُم الَّذينَ صَحِبُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وَقَالَ بَعْضَهُمْ: فَلَعَلَّهُم الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإسْلامِ، فَلَمْ يُشْرِكُوا بالله شَيْئاً ـ وَذَكَرُوا أشْيَاءَ ـ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: «مَا الَّذِي تَخُوضونَ فِيهِ؟» فَأخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مُحْصِنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أنْتَ مِنْهُمْ»، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

«الرُّهَيطُ» بِضَمِّ الرَّاءِ: تَصْغِيرُ رَهط، وَهُمْ دُونَ عَشَرَةِ أنْفُسٍ. «وَالأفقُ»: النَّاحِيَةُ والجانبُ. «وَعُكَّاشَةُ» بِضَمِّ الْعَيْن وَتَشْديد الْكَافِ وَبِتَخْفِيفها، وَالتَّشْديدُ أفْصَحُ.

غريب الحديث:

سواد عظيم: أشخاص كثيرون.

خاض: تكلم.

لا يرقون: لا يقرؤون شيئاً يتعوذون به من شرّ ما وقع أو يتوقع.

وهذه اللفظة «لايرقون» قَالَ علماء الحديث: إنها شاذة؛ انفرد بها مسلم، ثُمَّ هي مخالفة لما ثبت في الهدي النبوي من استحباب الرقية، بأن يرقي الإنسان نفسه، أو يرقي غيره لوجه الله تعالىٰ أو بالأجرة.

يسترقون: يطلبون الرقية من غيرهم .

لا يتطيرون: لا يتشاءمون بالطيور ونحوها.

هداية الحديث:

1) فضل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومنزلته؛ فإنه عُرضَت عليه الأمم ورآها، فأُمَّته أكثر الأُمم يوم القيامة.

2) فضل التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ، والاعتماد عليه، ومن ذلك يتبين ضلال وضياع من يتوكل علىٰ المخلوقين، ويعتمد عليهم، فيما لا يقدر عليه إلَّا الله تعالىٰ من جلب المنافع ودفع المضار.

3) اغتنام الفرصة لقطف ثمرة الخير، كما فعل الصحابي الجليل عُكّاشة بن محصن رضي الله عنه.

4) بيان فضيلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فمن سار عَلىٰ نهجهم واقتفىٰ أثرهم اهتدى، ومن سلك غير سبيلهم ضل عَنْ الهدىٰ وغوىٰ.

2/75 ــ الثَّانِي: عَن ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أيْضاً أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «اللهم لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللهم إِنِّي أعُوذُ بِعزَّتك لا إلهَ إلَّا أنْتَ أنْ تُضِلَّنِي، أنْتَ الْحَيُّ الَّذي لا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإنْسُ يَمُوتُونَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَهذَا لَفْظُ مُسْلِم، وَاخْتَصَرَهُ البُخَارِيُّ.

غريب الحديث:

إليك أنَبْتَ: رجعت إلىٰ عبادتك والإقبال عَلىٰ ما يقرب منك.

بك خاصمت: حاججت أعداء الله مستعيناً بك، قاصداً وجهك.

هداية الحديث:

1) وجوب التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ وحده؛ لأنه المتصف بصفات الكمال، فهو وحده الَّذي يعتمد عليه، ولا يعتمد عَلىٰ المخلوقين الفقراء من أيِّ وجه ؛ فإنّا جميعاً مفتقرون إلىٰ الله، بحاجة إلىٰ معونته سبحانه.

2) التأسي بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمات الجامعة، في الدعاء والنصح والدعوة؛ لأن أفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .

3/76ــ الثَّالِثُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أيْضاً قَالَ: {حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ}، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ}. رَوَاهُ البُخَارِيّ.

وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُلْقِيَ فِي النّارِ: حَسْبِيَ الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ».

هداية الحديث:

1) التوكل عَلىٰ الله منهج لجميع الأنبياء ــ عليهم الصلاة والسلام ــ فليُتأسَّ بهم في الدعاء والتوكل عَلىٰ الله؛ لأنهم أشد الناس بلاءً.

2) فضل التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ في الأمور الصعبة والنوائب.

تنبيـه:

بعض الجاهلين الذين علقوا قلوبهم بغير الله تعالىٰ ــ في شدة المصائب والنوازل ــ يذهبون للاستنجاد بالمخلوقين، ودعاء غير الله _عز وجل_ في كشف هذه الأمور. وهذا ــ والله ــ هُوَ غاية الخذلان، وعندها ينطفئ الإيمان. فالحريص عَلىٰ بقاء الإيمان مضيئاً في قلبه، عليه أن يعلّق رجاءه بالله تعالىٰ، ويقطع رجاءه من الخلق.

4/77 ــ الرَّابعُ: عَنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أقْوَامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أفْئِدَةِ الطَّيْر». رَوَاهُ مُسْلِم .

قِيلَ: مَعْنَاهُ مُتَوَكِّلونَ، وَقِيلَ: قُلُوبُهُمْ رَقِيقَةٌ .

هداية الحديث:

1) التوكل عَلىٰ الله، ورِقَّة القلب، من أسباب دخول الجنة، والفوز بنعيمها.

2) بيان صفة أهل الجنة؛ كل صاحب قلب رقيق شفيق.

5/78 ــ الْخَامِسُ: عَنْ جَابِـرٍ رضي الله عنه أنّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُمْ، فَأدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ في وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَه، ونِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: «إنَّ هذَا اخْتَرَط عَلَيَّ سَيْفِي وَأنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ. ثَلاثاً» وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ جَابِرٌ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِذَا أتَيْنَا عَلَىٰ شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ، وَسَيْفُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بالشَّجَرَةِ، فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ: تخَافُنِي؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللهُ.

وَفِي رِوَايَةِ أبِي بكْرٍ الإسمَاعيليّ في صحيحهِ قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم السَّيْفَ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ فَقَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ، فَقَالَ: تَشْهَدُ أنْ لا إله إِلَّا الله ، وَأنِّي رَسُولُ الله ؟ قَالَ: لا، وَلكِنِّي أُعَاهِدُكَ أنْ لا أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّىٰ سَبِيلَهُ، فَأتَىٰ أصْحَابَهُ، فَقَالَ: جِئْتكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ.

قَوْلُهُ: «قَفَلَ» أيْ: رَجَعَ. وَ«الْعِضَاهُ»: الشَّجَرُ الَّذي لَهُ شَوْكٌ. وَ «السَّمُرَةُ» بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الميم: الشجرة من الطلح، وهي العظام من شجر العضاه. واخترط السيف:أي سلَّهُ. وهو في يده «صَلْتاً» أيْ: مَسْلُولاً، وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَا.

غريب الحديث:

القائلة: وقت نوم الظهيرة.

هداية الحديث:

1) أثر التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ في الخلاص من الشدائد وتفريج الكرب.

2) إظهارعفو النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وكرمِ خُلُقه وعدمِ انتقامه لنفسه، وبُعدِ نظره في الأمور، وحسنِ معالجته النفوسَ لجلبها إلىٰ الحق.فعلينا الاقتداء بسنته، والاهتداء بهديه، لأن أفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم: {لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ}.

6/79 ــ السَادِسُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «لَوْ أنَّكُمْ تتَوَكَّلُونَ عَلَىٰ الله حقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً». رَوَاهُ التّرمَذيّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَن.

مَعْنَاهُ: تَذْهَبُ أوَّلَ النَّهَارِ خِمَاصاً: أيْ: ضَامِرَةَ الْبُطُونِ مِنَ الْجُوعِ، وَتَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ بِطَاناً: أيْ: مُمْتَلِئَةَ الْبُطُونِ.

هداية الحديث:

1) الأخذ بالأسباب والمشي في طلب الرزق، من صدق التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ.

2) حقيقة التوكل معناه: اعتماد القلب، وتفويض الأمر بصدق ويقين، إليه سبحانه.

7/80 ــ السَّابع: عَنْ أبِي عُمَارَةَ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «يَا فُلاَن إِذَا أوَيْتَ إلَىٰ فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللهم أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلاَ مَنْجَىٰ مِنْكَ إِلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ. فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أصْبَحْتَ أصَبْتَ خَيْراً». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ البَرَاءِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَىٰ شِقِّكَ الأيْمَنِ، وَقُلْ: وَذَكَرَ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ».

هداية الحديث:

1) صفة أهل الإيمان أنهم يلجؤون إلىٰ الله تعالىٰ في جميع أحوالهم.

2) تجديد العهد مع الله _عز وجل_ كل ليلة، وتوثيق معاني الإيمان قولاً وعملاً.

3) استحباب المبيت علىٰ طهارة، وأن تكون هذه الكلمات آخر ما يقوله الذاكر.

8/81 ــ الثَّامِنُ: عَنْ أبِي بكْرٍ الصِّدِّيق عَبدِ الله بْنِ عُثْمَان بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَعْب ابْنِ تَيْم بنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ رضي الله عنه ــ وَهُوَ وَأبُوهُ وَأُمُّهُ صَحَابَةٌ رضي الله عنهم ــ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَىٰ أقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ ونَحْنُ فِي الْغَارِ وَهُمْ عَلىٰ رُؤُوسِنَا، فَقُلْتُ: يَا رَسولَ الله لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنَا، فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أبا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

هداية الحديث:

1) كمال توكل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه بالله _عز وجل_.

2) علىٰ العبد أن يربي نفسه عَلىٰ تمام التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ، فهذا يورثه اليقين، الَّذي إِذَا خالط القلوب أصبحت لا تخاف ولا تخشىٰ إلَّا الله _عز وجل_، وتقول وتفعل الحق ولا تخشىٰ في الله لومة لائم.

3) بيان فضيلة أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه؛ فهو أفضل الصحابة بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، حيث اختاره الله _عز وجل_ لصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، وأثنىٰ عليه بآيات تُتلىٰ إلىٰ يوم القيامة.

9/82 ــ التَّاسِعُ: عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أبِي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةَ الْمَخْزُومِيَّةُ رضي الله عنها، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «بِسْمِ الله، تَوَكَّلْتُ عَلَىٰ الله ، اللهم إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ أوْ أُزَلَّ، أوْ أظْلِمَ أوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ أوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ». حَديث صَحِيحٌ رَوَاهُ أبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذيُّ وَغَيْرهُمَا بِأسانِيدَ صَحِيحَة. قَالَ التِّرْمِذيّ: حَديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهَذَا لَفْظُ أبِي دَاوُد.

10/83 ــ الْعَاشِرُ: عَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَالَ ــ يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ ــ: بِسْمِ الله، تَوَكَّلْتُ عَلَىٰ الله ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِالله، يقَالُ لَهُ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وَتَنحَّىٰ عَنْهُ الشَّيْطَانُ». رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتّرمِذيّ والنّسائي وغَيْرهم. وَقَالَ التِّرْمِذي: حديث حَسنٌ، زاد أبُو دَاوُدَ: «فَيَقُول: ــ يَعْنِي الشَّيْطَانَ لِشَيْطَانٍ آخَرَ ــ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟».

غريب الحديث:

أَضِل: أكون سبباً في انحراف غيري عن الصراط المستقيم.

أضَل: أنحرف عَنِ الطريق المستقيم.

أَزِل: الزلل هو الخطأ.

أجهل: آتي بالسفه.

يُجهل علي: يسفه علي أحدٌ.

وقيت: حُفظت.

هداية الأحاديث:

1) دوام التوكل عَلىٰ الله تعالىٰ، والاعتصام به، ودعائه جلب المنافع، ودفع المضار.

2) عَلىٰ العبد أن يحصِّن نفسه بالأذكار الشرعية، التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتجنّب الأذكار التي أحدثها الناس، ففي اتباع المأثور الخير والبركة.

تنبيــه:

لا يمكن للعبد أن يوظف الأذكار النبوية إلا إذا علمها. فالعلم قبل القول والعمل، فعلينا أن نتعلم ما أَنزل إلينا ربُّنَا من الشرع المنزل، ونفرح ونستغني به، ونهجر ما وَرِثْناه من الأذكار المُحدَثة وهي الشرع المبدل.

{ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].

11/84 ــ وَعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أخَوَانِ عَلَىٰ عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ أحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، والآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أخَاهُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقالَ: «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذيّ بإسْنَادٍ صحِيح علىٰ شرطِ مُسْلِمٍ.

«يَحْتَرِفُ»: يَكْتَسِبُ وَيَتَسَبَّبُ.

هداية الحديث:

1) الترغيب في مساعدة أهل العلم وطلابه.

2) الإنفاق عَلىٰ طلبة العلم من مفاتيح الرزق.

3) الحث عَلىٰ إعانة طائفة في المجتمع لطلب العلم والتفقه في الدين.