1/757 ــ عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله «كانَ يتنَفَّسُ في الشَّرَابِ ثَلاثاً». متفق عليه.
يعني: يَتَنَفَّسُ خَارِجَ الإناءِ.
2/758 ــ وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَشْرَبُوا وَاحِداً كَشُربِ البَعِيرِ، ولكِنِ اشْرَبُوا مَثْنىٰ وَثُلاثَ، وَسَمَّوا إذا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إذا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن[3].
3/759 ــ وعن أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه أن النبيَّ «نَهَىٰ أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ». متفقٌ عليه.
يعني: يُتَنَفَّسُ في نفْسِ الإناءِ.
1) السُّنّة في الشرب أن يشرب ثلاثاً من الإناء، فإنه كما أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «هو أهنأ وأمرأُ وأبرأُ». رواه أبو داود.
2) دعوة الشريعة إلىٰ حفظ صحة الأبدان، فإذا جاء الماء دفعةً واحدة ربما يضرّ، أما إذا أرسله مراسلة علىٰ مرات، كان هذا أبرأ في إزالة العطش، وأبعد عن الأذىٰ.
4/760 ــ وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله أُتِيَ بِلبَنٍ قد شِيبَ بِمَاءٍ، وعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابيٌّ، وعَنْ يسَارِهِ أبو بكرٍ رضي الله عنه ، فشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطىٰ الأعْرَابِيَّ، وقال: «الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ». متفقٌ عليه. قوله: «شِيبَ» أي: خُلِطَ.
5/761 ــ وعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله أُتِيَ بِشرابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وعن يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فقال للغُلامِ: «أَتَأْذَنُ لي أَنْ أُعْطِيَ هؤُلاَءِ؟» فقال الغلامُ: لا والله، لا أُوثِرُ بِنَصِيبي مِنكَ أَحَداً، فَتَلَّهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يدِه. متفق عليه.
قوله: «تَلَّهُ» أَيْ: وَضًعهُ، وهذا الغُلامُ هو ابْنُ عباس رضي الله عنهما.
1) حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ التيامن في كلّ أمره وشأنه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يعجبه التيامن في كلِّ شيء».
2) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قدَّم المفضول علىٰ الفاضل، لأن أبا بكر رضي الله عنه أفضل من الأعرابي بلا شك، لكن التيامن هو السُّنّة. والموفّق من عباد الله من يجعل السنّة النبوية حاكمة في حياته، وباعثةً علىٰ أقواله، وأفعاله، وأحواله.
شاع بين أهل العلم قولهم: «لا إيثار في القربات»، كما سبق نقله عن النووي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ، لكن يرىٰ بعض المحققين من العلماء جواز الإيثار بها.
قال العلامة ابن القيم ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في كتابه الجامع النافع (زاد المعاد في هدي خير العباد) عند ذكره فوائد غزوة الطائف: «ومنها : كَمَالُ مَحَبّةِ الصِّدِّيقِ لَهُ.. وَلهذا نَاشَدَ الْمُغِيرَةَ أَنْ يَدَعَهُ هُوَ يُبَشّرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِقُدُومِ وَفْدِ الطّائِفِ... وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ يَجُوزُ لِلرّجُلِ أَنْ يَسْأَلَ أَخَاهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِقُرْبَةٍ مِنْ القُرَبِ، وَأَنّهُ يَجُوزُ لِلرّجُلِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا أَخَاهُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ، لَا يَصِحّ. وَقَدْ آثَرَتْ عَائِشَةُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بِدَفْنِهِ فِي بَيْتِهَا جِوَارَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَسَألَهَا عُمَرُ ذَلِكَ... فَإِذَا سَأَلَ الرّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِمَقَامِهِ فِي الصّفّ الْأَوّلِ لَمْ يُكْرَهُ لَهُ السّؤَالُ وَلَا لِذَلِكَ الْبَذْلُ... وَمَنْ تَأَمّلَ سِيرَةَ الصّحَابَةِ وَجَدَهُمْ غَيْرَ كَارِهِينَ لِذَلِكَ... وَهَلْ هَذَا إلّا كَرَمٌ وَسَخَاءٌ وَإِيثَارٌ عَلَى النّفْسِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مَحْبُوبَاتِهَا تَفْرِيحاً لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ... وَتَرْغِيباً لَهُ فِي الْخَيْرِ...» ا هـ. ملخصاً.