قالَ الله تعالىٰ: {يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسا يُوَٰرِي سَوءَٰتِكُم وَرِيشا وَلِبَاسُ ٱلتَّقوَىٰ ذَٰلِكَ خَير} [ الأعراف: 26]، وقال تعالىٰ: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلجِبَالِ أَكنَٰنا وَجَعَلَ لَكُم سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأسَكُم} [النحل: 81].
1) من حكمة الله سبحانه وتعالىٰ أن جعل بني آدم محتاجين للّباس؛ لتغطية العورة الظاهرة، ومحتاجين للِباس التقوىٰ؛ للعورة الباطنة، وهي المعاصي. فذكرَ اللهُ تعالىٰ نوعين من اللباس: نوعاً ظاهراً حسياً، ونوعاً باطناً معنوياً.
2) اللباس الحسي قسمان: قسم ضروري توارَىٰ به العورة، وقسم كمالي ــ وهو الريش ــ لباس الزينة.
3) لباس التقوىٰ، وهو اللباس المعنوي، خير وأبقىٰ من اللباس الظاهر، فيجب علىٰ العبد أن يعتني بلباس التقوىٰ، ويزيّنه ويجمّله.
1/779 ــ وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ، فَإنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيها مَوْتَاكُمْ». رواهُ أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
2/780 ــ وعنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا البَيَاضَ، فإنَّهَا أَطهَرُ وأَطْيَبُ، وكَفِّنـُوا فِيها مَوْتَاكُمْ». رواه النسائي، والحاكم وقال: حديث صحيح.
1) خير الثياب البيض، وهي أزكىٰ وأطيب، لأنها تدلّ علىٰ الوضاءة والنور، ونقاء الأمة بأفرادها، وصفاء عقيدتها، فإن للباس أثراً علىٰ لابسه.
2) يجب الاعتناء بهيئة كفن الميت، لأن للميت حرمةً.
3/781 ــ وعن البراءِ رضي الله عنه قال: «كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعاً، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمْراءَ مَارَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ». متَّفقٌ عليه.
4/782 ــ وعن أبي جُحَيْفَةَ وهْبِ بنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالأبْطَحِ في قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضوئه، فَمِنْ نَاضِحٍ ونَائِلٍ، فَخَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وعَلَيْهِ حُلَّة حَمْراءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلىٰ بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هاهُنَا وهاهُنا، يقولُ يَمِيناً وشِمَالاً: حَيَّ عَلىٰ الصَّلاةِ، حَيَّ عَلىٰ الفَلاَحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّىٰ يَمُر بَيْنَ يَدَيْهِ الكَلْبُ والحِمَارُ لاَ يُمْنَعُ. متَّفقٌ عليه.
«العَنَزَةُ» بفتحِ النونِ: نحْوُ العُكَّازَةِ.
مَرْبُوعاً: لم يكن طويلاً ولا قصيراً، وكان إلىٰ الطول أقرب.
حُلَّة: ثوب له ظهارة وبطانة من جنس واحد.
الأبْطَح: مكان فسيح من أرض مكة المكرمة، بينه وبين منىٰ قدر ميل، وهو المشهور اليوم بحي المعابدة.
قُبَّة: خيمة.
أَدَم: جلد.
نَاضِح: يرش الماء.
نائِل: مصيب منه وآخذ.
رُكِزَتْ: غُرِزَتْ.
1) جواز لباس الأحمر والصلاة فيه، بشرط ألا تكون حمرته خالصة.
2) جواز اتخاذ الأخبية من اللون الأحمر، لأن قُبّة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من جلد لونه أحمر.
قال ابن قيّم الجوزية ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في (زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم): «ولبسَ صلى الله عليه وسلم حلّة حمراء، والحلّة إزارٌ ورداء، ولا تكون حلّة إلا اسماً للثوبين معاً، وغلط من ظنّ أنها حمراء بحتاً لا يخالطها غيره، وإنما الحلّة الحمراء: منسوجة بخطوط حُمْرٍ مع سُوْدٍ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر، وإلا فالأحمر البحت منهيٌّ عنه أشدّ النهي، ففي صحيح البخاري «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهىٰ عن المياثر الحمر»، وفي جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرها نظر، أما كراهته فشديدة جداً، فكيف يُظنّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه لبس الأحمر القاني؟».
5/783 ــ وعن أبي رِمْثَةَ رِفاعَةَ التَّيْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وعلَيْهِ ثوبانِ أَخْضَرانِ. رواهُ أبُو داود، والترمذي بإسْنَادٍ صحيحٍ.
6/784 ــ وعن جابرٍ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللهِ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. رواهُ مسلم.
7/785 ــ وعن أبي سعيدٍ عمرِو بنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قال: كأنِّي أنظرُ إلىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْداءٌ، قَدْ أَرْخَىٰ طَرَفَيها بَيْنَ كَتفيْهِ. رواه مسلم.
وفي رواية له: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاءُ.
1) جواز لبس الثياب الخضر والسود، وإن كان اللباس الأبيض أفضل منها.
2) جواز لبس العِمامة السوداء في الخطبة وفي غيرها، دون اتخاذها عادة، لأن المداومة علىٰ لبس السواد صار شعاراً لبعض الطوائف المخالفة للسُّنّة.
8/786 ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كُفِّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثْوَابٍ بيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُف، لَيْسَ فيهَا قَمِيصٌ وَلاعِمَامَةٌ. متفقٌ عليه.
«السَحُولِيَّةُ» بفتحِ السين وضمها وضم الحاءِ المهملتين: ثيابٌ تُنْسَب إلىٰ سَحُولٍ: قَرْيَةٍ باليَمنِ. «وَالكُرْسُف»: القُطْن.
9/787 ــ وعنها قالت: خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَد. رواه مسلم.
«المِرط» بكسر الميم: وهو كساءٌ، «والمُرحَّل» بالحاء المهملة: هُو الذي فيه صورةُ رِحال الإبلِ،وَهِيَ الأكْوَارُ.
10/788 ــ وعن المُغِيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي الله عنه قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلَةٍ في مسيرٍ، فقال لي: «أَمَعَكَ مَاءُ؟ » قلت: نَعَمْ، فَنَزَلَ عن راحِلَتِهِ ، فَمَشَىٰ حتىٰ تَوَارَىٰ في سَوادِ اللَّيْلِ، ثم جاءَ، فَأَفْرَغْتُ علَيْهِ مِنَ الإداوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَه وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فلم يَسْتَطعْ أنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ منها حتَّىٰ أخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِه، ثمّ أَهْوَيْتُ لأَنزَعَ خُفَيْهِ، فقالَ: «دَعْهُمَا فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، ومَسَحَ عَلَيْهِمَا. متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: وعَلَيْهِ جُبَّةٌ شامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ.
وفي روايةٍ: أَنَّ هذِه الْقَضِيَّةَ كانت في غَزْوَةِ تَبُوكَ.
الإداوة: المطهرة، وهي إناء صغير من جلد يُتخذ للماء.
1) وصف كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) الأفضل أن يُكفن الأموات في الثياب البيض، إن تيسّر، ولا يُجعل في الكفن قميصٌ ولا عمامة.
3) جواز لبس الثوب الأسود، دون تخصيصٍ ملتزمٌ بوقت، أو مناسبة، كما يُفعل في المآتم، أو في مناسبات الاستقبال الرسمية.
4) الرخصة الشرعية لـمَن كان لابساً خفَّيْن أو جوربَيْن علىٰ طهارةِ وضوءٍ، أن يمسح عليهما، وهو أفضل من أن يخلعهما ويغسل قدميه.
5) جواز إعانة المتوضئ علىٰ وضوئه، وجواز الاستعانة بالآخرين عند الوضوء.