اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

10 ــ باب المبادرة إلى الخيرات

وحثّ من توجه لخير على الإقبال عليه بالجدّ من غير تردّد

قال الله تعالىٰ: {فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ} [البقرة: 148]، وقال تعالىٰ: {وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].

هداية الآيات:

1) المسابقة إلىٰ فعل الخيرات، وعدم تأجيل الأعمال الصالحة فإنها تفوت.

2) إنّ من صفات المتقين المسارعةَ إلىٰ الدارِ الآخرةِ، ونيلِ رضوان الله _عز وجل_ ، بالاستغفار ولزوم الطاعات.

وأما الأحاديث:

1/87 ــ فَالأَوَّل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بالأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ؛ يُصْبِحُ الرَّجُل مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصبح كَافِراً، يَبيعُ دِينَه بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». رَوَاه مُسْلِم.

غريب الحديث:

بادروا بالأعمال: أسرعوا إليها. بعَرَض: متاع.

هداية الحديث:

1) وجوب التمسك بالدين ، والمبادرة إلىٰ العمل الصالح قبل أن تحول الموانع والعوائق دونه.

2) التحذير من الوقوع في الفتن؛ لأنها تورث العبد شكاً في الدين، وضعفاً في الإيمان.

3) الحث عَلىٰ التزام العلم والعمل؛ لأن بهما العصمة في زمن الفتن.

2/88 ــ الثَّاني: عَنْ أَبِي سرْوَعَةَ ــ بكسر السينِ المهملةِ وفتحها ــ عُقْبةَ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعا،ً فَتَخَطَّىٰ رِقَابَ النَّاسِ إِلَىٰ بَعْضِ حجَر نِسائِهِ، فَفَزِعَ النَّاس مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأىٰ أَنَّهُمْ قَدْ عَجبُوا مِنْ سُرْعَته، قَالَ: «ذَكَرْتُ شَيْئاً مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقسْمَته». رَوَاهُ البُخَارِيّ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «كُنْتُ خَلّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْراً مِنَ الصَّدَقَةِ، فَكرِهْتُ أَنْ أُبيِّتَه».

«التِّبْر» قَطَع ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ.

هداية الحديث:

1) المبادرة إلىٰ فعل الخيرات وأداء الحقوق لأصحابها، وعدم التهاون في ذلك.

2) حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلىٰ فعل الخيرات، والمسارعة إلىٰ أداء الأمانات لأهلها، فالزم هدىٰ نبيِّك صلى الله عليه وسلم ، وتمسّكْ بسُنّته؛ فإن الخير كل الخير في هداه، والشَّرَّ كل الشَّرِّ فيمن اتبع هواه.

3) اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بتتبع أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من فضائلهم.

3/89 ــ الثَّالث: عَنْ جَابِر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رجُلٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتلْتُ فَأَيْن أَنا؟ قَالَ: «في الْجَنَّةِ». فَأَلْقَىٰ تَمَراتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّىٰ قُتِلَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

هداية الحديث:

1) حرص الصحابة رضي الله عنهم ومبادرتهم إلىٰ الأعمال الصالحة، واهتمامهم بأمور دينهم وآخرتهم.

2) البشرىٰ لمَنْ قُتل في سبيل الله أنه موعود بالجنة.

3) أهمُّ ما يهتمّ به المسلم هُوَ مصيره يوم القيامة إلىٰ الجنة أو إلىٰ النار؟ فاحرصْ علىٰ ما يقرّبك من الجنة ويبعدك عَنِ النار.

4/90 ــ الرَّابع: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أجْراً؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحيحٌ تَخْشَىٰ الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَت الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

«الْحُلْقُوم»: مَجْرَىٰ النَّفَسِ. وَ«الْمَرِيءُ»: مَجْرَىٰ الطعَامِ وَالشَّرَابِ.

غريب الحديث:

الشّحّ: البخل مع شدة الحرص.

هداية الحديث:

1) علىٰ العبد أن يبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يأتيه الموت.

2) الصدقة في حال الصحة أفضل من الصدقة في حال المرض.

5/91 ــ الخامس: عن أنسٍ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ سَيْفاً يَوْمَ أُحُد،ٍ فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ منِّي هذَا؟» فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إنْسَانٍ منْهُمْ يَقُول: أنَا أنا. قَالَ: «فَمَنْ يَأْخُذُهُ بحَقِّه؟» فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ أبُو دجَانَةَ رضي الله عنه: أنَا آخُذُهُ بحَقِّهِ، فَأَخَذَهُ، فَفَلَقَ بهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. رواه مسلم.

اسمُ أَبي دُجَانَةَ: سِمَاكُ بْنُ خَرشَةَ. قَوْلُهُ:«أَحْجَمَ الْقَوْمُ»: أي: تَوَقَّفُوا . وَ«فَلَقَ بهِ»: أَيْ شَقَّ. «هَامَ الْمُشْرِكينَ»: أَيْ رؤوسَهُمْ.

هداية الحديث:

1) حسن رعاية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لصحابته؛، فلم يخصّ بالسيف أحداً منهم، ولكنه جعل الأمر تنافساً لعموم الصحابة، حتىٰ يجد الرجل المناسب للمكان المناسب.

2) بيان شجاعة أبي دجانة رضي الله عنه وتضحيته وصدقه في الجهاد.

3) عَلىٰ العبد ألا يكسل ولا يستعظم العبادة، بل عليه أن يستعين بالله، ويتوكل عليه، ويبادر إلىٰ فعل الخيرات دون تردد أو شك.

تنـبـيــه:

موقف الصحابة رضي الله عنهم لا يدل عَلىٰ خوف أو جبن، وإنما هم أحجموا عَنْ أخذ السيف؛ ورعاً منهم ألاّ يستطيعوا الوفاء بعهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا إن دل عَلىٰ شيء فإنه يدل عَلىٰ مدىٰ ورعهم واحترامهم عهودَ وحقوق نبيِّهم عليه الصلاة والسلام.

6/92 ــ السَّادس: عن الزُّبَيْرِ بنِ عَدِيٍّ قال: أَتَيْنَا أَنَسَ بنَ مَالك رضي الله عنه، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَىٰ منَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبُروا؛ فَإنَّه لا يَأْتي عليكم زَمَانٌ إلَّا وَالَّذي بعْدَه شَرٌّ منْه، حَتَّىٰ تَلْقَوْا رَبِّكُم» سَمعْتُه منْ نَبيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري.

هداية الحديث:

1) وجوب الصبر عَلىٰ ولاة الأمور، وإن ظلموا وجاروا.

2) لزوم الطاعات زمن الفتن؛ فإنها العاصمة من هذه الفتن.

تنبيه:

إن توجيه الناس في زمن الفتن هُوَ بأيدي العلماء الربّانيّين العاملين، فعلىٰ أهل الإيمان الرجوع إلىٰ العلماء فيما يقررونه في مسائل الفتن والنوازل؛ لأنهم أعلم الناس بالشرع وبالواقع وبأحوال الناس، قال الله تعالىٰ: {وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ} [النساء: 83].

7/93ــ السَّابع: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادِرُوا بالأعْمَالِ سَبْعاً؛ هَلْ تَنْتَظرونَ إلَّا فَقْراً مُنْسياً، أوْ غنىٰ مُطْغِياً، أوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أوْ هَرَماً مُفْنِداً أوْ مَوْتاً مُجْهِزاً، أوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائبٍ يُنْتَظَر، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ!». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ[5].

[5](1) الحديث إسناده ضعيف.

غريب الحديث:

مطغياً: يحمل صاحبه عَلىٰ مجاوزة الحد في المعاصي.

مفنداً: موقعاً في الفند، وهو الكلام المنحرف عَنِ الصحة.

مجهزاً: مميتاً بسرعة. أدهى: أعظم بلية.

هداية الحديث:

1) التمثيل بأهم الشواغل التي تصرف العبد عن الخير والطاعة، حتىٰ يحذرها ويقبل على ما ينفعه.

2) اغتنامُ أوقاتِ الصحة والفراغِ، وقلةِ الفتن والشواغل، في تكثير الطاعات وأعمال الخير.

3) الدجّال أعظم فتنة حذّر منها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

8/94 ــ الثامن: عنه أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال يومَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ الله وَرَسُولَه، يَفْتَح اللهُ عَلَىٰ يَدَيْهِ». قَالَ عُمَر رضي الله عنه: مَا أَحْبَبْتُ الإمَارَةَ إلا يَومَئذٍ، فَتَساوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَىٰ لَهَا، فَدَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أَبي طَالب رضي الله عنه، فَأَعْطَاه إيَّاهَا، وَقَالَ: «امْشِ وَلا تَلْتَفتْ حَتَّىٰ يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ»، فَسَارَ عَليٌّ شَيْئاً، ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفتْ ؟ فَصَرَخ: يَا رسولَ الله ، علىٰ ماذَا أُقاتلُ النَّاسَ؟ قالَ: «قَاتِلْهُمْ حَتَّىٰ يَشْهَدوا أَنْ لا إلهَ إلَّا الله ، وَأَنَ مُحَمَّداً رسولُ الله ، فَإذَا فَعَلُوا ذلكَ فَقَدْ مَنَعُوا منْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَىٰ الله ». رواه مسلم.

«فَتَسَاوَرْت» هُوَ بالسِّين المهملة: أيْ وَثَبْت مُتَطَلِّعاً.

هداية الحديث:

1) الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكرهون الإمارة لما فيها من المسؤولية.

2) المبادرة إلىٰ امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا من المسارعة إلىٰ الخيرات والطاعات.

3) التزام الصحابة رضي الله عنهم بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسارعة إلىٰ تنفيذها دون كثرة سؤال ومراجعة. فعلينا أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم مستسلمين لله _عز وجل_ في ذلك، طائعين لَهُ، وأن نتلمس سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، ونتبع آثارهم وأحوالهم مع الكتاب والسنة؛ فهذا عنوان فلاح الأمة، ولن يصلح أمر آخر الأمة إلا بما صلح به أولها.