1/962 ــ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سَافَرْتُم في الخِصْبِ فَأَعْطُوا الإبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإذا سَافَرْتُمْ في الجَدْبِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وبَادرُوا بِهَا نِقْيَهَا، وِإذَا عَرَّسْتُمْ فَاجتَنِبُوا الطَّريقَ، فَإنَّهَا طُرقُ الدَّوَابِّ وَمَأوَىٰ الهَوَامِّ باللَّيْلِ». رواه مسلم.
معنىٰ: «أعطُوا الإبِلَ حَظها مِنَ الأرْضِ» أَيْ: ارْفقُوا بِهَا في السَّيرِ لِترْعَىٰ في حَالِ سَيرِهَا، وقوله: «نِقْيَها» هو بكسر النون، وإسكان القاف، وبالياء المثناة من تحتُ وهو: المُخُّ، معناه: أَسْرِعُوا بِهَا حتىٰ تَصِلُوا المَقصِدَ قَبلَ أَنْ يَذْهَبَ مُخُّها مِنْ ضَنكِ السَّيْرِ، وَ«التَّعْرِيسُ»: النزُولُ في الليْلِ.
الخصب: الأرض الخيرة الطيبة، خلاف الجدب.
الهوام: ما يكون من المؤذيات في الليل.
1) علىٰ المسافر أن يراعي مصلحة الراحلة في السفر، لأنه مسؤول عنها.
2) حكمة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في رعاية مصالح الإنسان والحيوان، حين أرشد المسافرين إلىٰ هذه الآداب.
3) التزام هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه تمام المصلحة، حتىٰ في أمر الدنيا؛ إذ أمر باجتناب الطرق الخطرة في السفر عند النوم. {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُواْ}.
قوله صلى الله عليه وسلم: «فاجتنبوا الطريق» وصية في حفظ أرواح الناس من الأخطار، مثال ذلك: طرق السيارات، فإن الإنسان يبتعد عنها، لئلا يقع في خطر من القادمين بسياراتهم. فما أجلَّ هدي الإسلام في محافظته علىٰ مصالح الأنام!.
2/963 ــ وعن أبي قتادةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ في سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بليلٍ اضْطَجَعَ علىٰ يمينِهِ، وإذا عرَّسَ قُبيلَ الصُّبحِ نَصبَ ذراعَهُ، ووضَعَ رأسَهُ علىٰ كفِّه. رواه مسلم.
قال العلماءُ: إنَّمَا نَصَبَ ذِرَاعَهُ لِئلَّا يَسْتَغْرِقَ في النَّوْمِ، فَتَفُوتَ صَلاةُ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا.
التعريس: النزول بليل للراحة.
1) علىٰ الإنسان أن يعطي نفسه حظها من الراحة، ولا ينسىٰ عبادة ربه.
2) من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم استخدام كل ما يعين علىٰ الاستيقاظ للصلاة، بحسب الوسائل المتاحة، ومن ذلك في عصرنا أن يستعمل المنبه عند النوم، حَتَّىٰ لا تفوته الصلاة.
3/964ــ عن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عليكُمْ بالدُّلْجَةِ، فإنّ الأرضَ تُطْوَىٰ باللَّيْلِ». رواه أبو داود بإسناد حسن.
«الدُّلْجَة»: السَّيْرُ في اللَّيْلِ.
1) الليل أنشط للرواحل في السفر، ولهذا تُطوىٰ الأرض في الليل للمسافر.
2) كل الخير والراحة في اتباع السنة، ومن ذلك سفر الرجل ليلاً، لتُطوىٰ لَهُ الأرض.
4/965ــ عن أبي ثعلبةَ الخُشَني رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إذَا نزلُوا منزلاً تفَرَّقُوا في الشِّعاب والأودية، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ تَفَرُّقَكُمْ في هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إنَّمَا ذلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ !» فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلكَ مَنْزِلاً إلَّا انْضَمَّ بَعْضَّهُمْ إلىٰ بَعْضٍ. رواه أبو داود بإسناد حسن.
1) التفرق في الأبدان من عمل الشيطان، والاجتماع علىٰ الخير مما يحبه الرحمن.
2) التفرق في المجالس بالأبدان سبب لتفرق القلوب، وتشتت المودة والمحبة، وهذا يدل علىٰ ارتباط الباطن والظاهر، وأثر ذلك علىٰ العبد.
3) فضيلة صحابة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في مسارعتهم للاستجابة للأمر النبوي، والاقتداء بالسنة النبوية. فأين المقتدون بهم؟!.
5/966ــ وعَنْ سَهْلِ بنِ عمروٍ ــ وَقيل: سَهْلِ بن الرَّبِيعِ بنِ عَمْروٍ ــ الأنصَارِيِّ المَعْرُوفِ بابنِ الحَنْظَلِيّةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، رضي الله عنه قالَ: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فقال: «اتَّقُوا اللهَ في هذه البَهائمِ المُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوها صَالِحَةً». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
المعجمة: التي لا تتكلم.
1) أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالرفق بالبهائم، ومعاملتها معاملة حسنة، وهذا من كمال هدي الإسلام.
2) رحمة الإسلام وصلت حَتَّىٰ إلىٰ البهائم، إذ أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ألا نقصّر في حقها. فأين من يزعمون أنهم من دعاة الرفق بالحيوان؟!
6/967 ــ وعن أبي جعفرٍ عبدِ الله بنِ جعفرٍ رضي الله عنهما قَالَ: أردفَني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم خلفَهُ، وأسرَّ إليَّ حديثاً لا أحدِّث به أحداً منَ النَّاس، وكان أحبَّ ما استَتَرَ به رَسُولُ اللهِ لحاجتِهِ هَدَفٌ أو حائشُ نخلٍ. يعني: حائط نخل. رواه مسلم هكذا مختصراً.
وزاد فِيهِ البَرْقاني، بإسناد مسلم بعد قوله: حَائِشُ نَخْلٍ: فَدَخَلَ حَائِطاً لِرَجُلٍ مِنَ الأنصَارِ، فإذا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَىٰ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جَرْجَرَ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَمَسَحَ سَرَاتَهُ ــ أَي: سنَامَهُ ــ وَذِفْرَاهُ، فَسَكَنَ، فقال: «مَنْ رَبُّ هذا الجَمَلِ، لِمن هذا الجَمَلُ؟» فَجَاءَ فَتىٰ مِنَ الأنصَارِ، فقالَ: هذا لي يا رسولَ الله، فقالَ: «أَفلا تَتَّقِي اللهَ في هذِهِ البَهِيمَةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إيّاهَا؟ فإنَّهُ يَشْكُو إليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ». ورواه أبو داود كروايةِ البَرْقاني.
قولُه: «ذِفرَاهُ» هو بكسر الذال المعجمة وإسكان الفاءِ، وهو لفظٌ مفردٌ مؤنثٌ. قالَ أَهْلُ اللُّغَة: الذَّفْرَىٰ: المَوْضِعُ الذي يَعْرَقُ مِنَ البَعيرِ خَلْفَ الأُذُنِ، وقوله: «تُدْئِبُهُ» أَيْ: تُتْعِبُهُ.
أردفني: أركبني.
هدف: الشيء يوضع يستتر به الإنسان.
جَرْجَرَ: أي صَوَّت.
1) بيان آية من آيات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، حتىٰ البهائم العجم تشكو إليه عليه الصلاة والسلام.
2) الرحمة في قلب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسعت حَتَّىٰ البهيمة، فإنه رحمة لكل ما فيه حياة.
3) الإنكار علىٰ من ضيّع الحقوق وأساء الاستخدام، حَتَّىٰ مَعَ الحيوان.
7/968ــ عن أنس رضي الله عنه قَالَ: كنّا إذَا نزلْنا منزلاً لا نُسَبِّحُ حَتَّىٰ نَحُلَّ الرِّحَالَ. رواه أبو داود بإسناد علىٰ شرط مسلم.
وقوله: «لا نُسَبِّحُ»: أَيْ لا نُصَلِّي النَّافِلَةَ، ومعناه: أَنَّا ــ معَ حِرْصِنا عَلىٰ الصَّلاةِ ــ لا نقَدِّمُهَا عَلىٰ حَطِّ الرِّحالِ وَإرَاحَةِ الدَّوَابِّ.
1) إذَا تعارض حقّان يُقدَّم منهما ما لا يمكن تأخيره، ولو فات شيء من الحق الأول.
2) الإحسان إلىٰ الدواب عبادة تفوق أحياناً المبادرة إلىٰ صلاة النافلة.