قَالَ الله تعالىٰ: {وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلفُلكِ وَٱلأَنعَٰمِ مَا تَركَبُونَ * لِتَستَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذكُرُواْ نِعمَةَ رَبِّكُم إِذَا ٱستَوَيتُم عَلَيهِ وَتَقُولُواْ سُبحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 12، 14 ].
1) استحضار نعمة الله تعالىٰ بما يسّر لنا مما خلق من الأنعام، وما علمنا من صناعة الفلك، ليستعين بها الإنسان علىٰ قضاء حاجاته.
2) تسبيح الله تعالىٰ في هذا المقام أنسب من الحمد؛ لأن فيه تنزيهاً لله تعالىٰ عن النقائص، والتي منها: الحاجة إلىٰ هذه المراكب.
فائدة:
قوله تعالىٰ: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلفُلكِ وَٱلأَنعَٰمِ مَا تَركَبُونَ}
الفُلْكُ ثلاثة أنواع: بحرية، وبرية، وجوية.
أما البحرية: فهي المعروفة منذ زمن نوح عليه الصلاة والسلام، حين أوحىٰ الله إليه {وَٱصنَعِ ٱلفُلكَ بِأَعيُنِنَا وَوَحيِنَا} [هود: 37].
وأما البرية: فمنها ما ظهر متأخراً من أنواع السيارات، وما شابهها.
والجوية: هي الطائرات ونحوها. وكل هذه الثلاثة داخلة في قوله تعالىٰ: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلفُلكِ} فسبحان مَن أَوْدَعَ في كتابه علوماً للناظرين، فاعتبروا يا أولي الألباب!
1/972ــ عن ابنِ عمرَرضي الله عنهما أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا اسْتَوىٰ عَلىٰ بَعِيرِهِ خَارِجاً إلىٰ سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثاً، ثمَّ قالَ: «سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ، وَإنّا إلىٰ رَبِّنَا لمُنْقَلِبُونَ، اللَّهم إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَىٰ، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَىٰ. اللّهم هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ. اللّهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأَهْلِ. اللّهم إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأَهْلِ وَالوَلَدِ» وَإذا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». رواه مسلم.
معنىٰ «مُقْرِنينَ» مُطِيقِينَ. و«الوَعْثَاءُ» بفتحِ الواوِ وإسكانِ العين المهملة وبالثاءِ المثلثة وبالمد، وَهيَ: الشِّدَّة. وَ«الكَآبة» بِالمَدِّ، وَهِيَ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ مِنْ حُزْنٍ وَنحوه. وَ«المنقَلَبُ»: المَرجِعُ.
2/973 ــ وعن عبد الله بن سَرْجِسَ، رضي الله عنه قالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وَكآبَةِ المُنْقَلَب، وَالحَوْر بَعْدَ الكَوْنِ، وَدَعْوَةِ المَظْلُومِ، وَسُوءِ المَنْظَرِ في الأَهْلِ وَالمَالِ. رواه مسلِم.
هكذا هو في صحيحِ مسلِم: الحَوْرِ بَعْدَ الكوْنِ، بالنون، وكذا رواه الترمذيُّ، والنسائيُ، قال الترمذي: ويروىٰ «الكَوْر» بِالرّاءِ، وَكِلاهُمَا لَهُ وَجْهٌ.
قالَ العلماءُ: ومعناه بالنونِ والرّاءِ جميعاً: الرّجُوعُ مِنَ الاسْتِقَامَةِ أَوِ الزِّيَادَةِ إلىٰ النَّقْصِ. قالوا: ورِوايةُ الرَّاءِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تكْوِيرِ العِمامَةِ، وَهُوَ لَفُّهَا وَجَمْعُها، وروايةُ النون، مِنَ الكَوْنِ، مَصْدَرُ «كَانَ يكونُ كَوْناً» إذا وُجِدَ وَاسْتَقَرَّ.
آيبون: عائدون.
1) بيان الهدي النبوي في دعاء ركوب الدّابة في السفر.
2) الترغيب في الإلحاح علىٰ الله تعالىٰ بالتوفيق والتيسير، فلا ملجأَ للعبد في قضاء حاجاته إلَّا عونُ ربِّه.
3) إحاطة الله تعالىٰ بعباده علماً وحفظاً؛ فهو سبحانه الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل يحوطهم ويرعاهم، فهو جلّ وعلا مَعَ الإنسان في سفره، وخليفته في أهله، لأنه تعالىٰ بكل شيء محيط، وهو معكم أينما كنتم.
3/974ــ وعن عَلِيِّ بن رَبيعَةَ قال: شَهِدتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ في الرِّكَابِ قال: بِسْمِ الله، فَلَمَّا اسْتَوَىٰ عَلىٰ ظهْرِها قال: الحَمْدُ لله، ثم قال: {سُبحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 13ــ 14] ، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لله، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قال: اللهُ أَكْبَرُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قالَ: سُبْحَانَكَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي، فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قال: رَأَيْتُ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَما فَعَلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فقلتُ: يا رسولَ الله مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قال: «إنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قال: اغْفِرْ لي ذُنوبي، يَعْلَمُ أَنهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ، وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيحٌ. وهذا لفظ أبي داود.
1) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله، وأفعاله، وأحواله، وهذا من توفيق الله تعالىٰ لعبده أن يجعله علىٰ طريقة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في هديه.
2) بيان سعة رحمة الله، فهو سبحانه يفرح بتوبة عبده المذنب.
3) إثبات صفة العَجَب لله تعالىٰ علىٰ ما يليق به سبحانه، لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «إن ربك يعجب من عبده». فلا تستوحش أخي الموّحد من صفة لله تعالىٰ أثبتَتْها النصوص الشرعية البيّنة.