قَالَ الله تعالى { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرضِ وَٱبتَغُواْ مِن فَضلِ ٱللَّهِ وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرا لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ}. [الجمعة 9]
1) الحث علىٰ ابتغاء فضل الله تعالىٰ، من أنواع الرزق، فالمؤمن في بيعه وشرائه يراقب الله تعالىٰ، ويستحضر أن الله رقيب حسيب، فهذا من ذكر الله تعالىٰ.
2) إذَا قضىٰ العبد صلاة الجمعة، ثُمَّ اشترىٰ وباع، فإنه أحرىٰ بأن يُرزق، لأنه قدم طاعة بين يدي رزقه.
3) عبادة الله تعالىٰ سبب للفلاح، وهي كلمة جامعة لخير الدنيا والآخرة.
1/1147ــ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ يومٍ طَلَعَتْ عليْه الشَّمْسُ يومُ الجُمُعة؛ فيه خُلِقَ آدَمُ ، وفيه أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيه أُخْرِجَ منْهَا». رواه مسلم.
1) خيرُ يومٍ يومُ الجمعة، ومن رحمة الله تعالىٰ أن خصّ الجمعة بذلك، ليتنافس طلاب الآخرة في تحصيل الأجر.
2) من خيرية يوم الجمعة أن فيه بدء الخلق، وبدء الابتلاء بدخول الجنة، والخروج منها.
2/1148ــ وعَنْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ توضَّأَ فأحسنَ الوُضوءَ، ثُمَّ أتىٰ الجُمُعةَ، فاسْتَمَعَ وأنْصَتَ، غُفرَ لَهُ ما بيْنَه وبينَ الجُمُعةِ وزيادةُ ثلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مسَّ الحَصَىٰ فَقَدْ لَغَا». رواه مسلم.
3/1149 ــ وعَنْهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الصَّلواتُ الخمسُ، والجُمُعةُ إلىٰ الجُمُعةِ، ورَمَضَانُ إلىٰ رَمَضَانَ، مُكفِّراتٌ ما بَيْنَهُنَّ، إذَا اجْتُنبَتِ الكَبَائرُ». رواه مسلم.
لغا: اللغو ورد تفسيره في السنة: بقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن لغا وتخطىٰ رقاب الناس كانت له ظهراً». رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال ابن وهب ــ أحد رواته ــ معناه: «أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة». (فتح الباري شرح صحيح البخاري).
1) الأجر العظيم في غفران الذنوب حاصل لمن أحسن الوضوء والإنصات، ولم يشتغل بشيء عن الخطبة.
2) الترغيب في رحمة الله تعالىٰ بعباده؛ إذ عرّضهم لنفحات تُغفر فيها الخطيئات، ومن تلك النفحات: الصلوات، والصيام، والمسارعة إلىٰ الطاعات.
يُستفاد من الحديث أن سماع الخُطبة واجب، لأن من انشغل عَنْهَا بمسّ الحصىٰ فاته أجر الجمعة، فكيف بمن ترك سماعها عمداً؟ فالحريص من المؤمنين من يبادر التبكير لصلاة الجمعة، ليشهد الخُطبة من أولها.
4/1150 ــ وعَنْه وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّهُما سَمعَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ علىٰ أعْوَاد منْبَرهِ: «لَينتَهيَنَّ أقوامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعاتِ، أوْ ليَخْتِمَنَّ اللهُ علىٰ قُلُوبهِمْ، ثُمَّ ليَكُونُنَّ منَ الغَافلينَ». رواه مسلم.
ودعهم: تركهم.
1) التحذير الشديد من ترك شهود صلاة الجمعة من غير عذر، فذلك سبب للختم.
2) ارتكاب المعاصي سبب لحرمان العبد من نور الطاعة، والله تعالىٰ يعاقب العاصي الغافل بالختم علىٰ قلبه، فَلْيحذرِ المؤمن من التساهل في ترك الواجبات الشرعية.
5/1151 ــ عَنْ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا جاءَ أحَدُكُمُ الجُمُعةَ فلْيَغْتَسلْ». متفق عليه.
6/1152 ــ وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلىٰ كُلِّ مُحْتَلِمٍ». متفقٌ عليه.
المُراد بالمُحْتَلِمِ: البَالغُ. وَالمُرَادُ بِالوُجوبِ: وُجُوبُ اختِيَارٍ، كقوْلِ الرَّجُلِ لصَاحِبِهِ: حَقُّكَ وَاجِبٌ عَليَّ. والله أعلم.
7/1153ــ عَنْ سمُرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأ يَوْمَ الجُمُعَة ، فبِها ونِعْمَتْ ، ومَن اغْتَسَلَ فالغُسْلُ أفْضَلُ». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
1) إنَّ غسل يوم الجمعة لصلاة الجمعة واجب علىٰ من يجب عليه حضور الصلاة.
2) في الأمر النبوي بالاغتسال يوم الجمعة بيانٌ لعناية الشريعة بالتطهّر والتنظيف في مجامع الناس.
3) من ترك غسل الجمعة فقد قصّر فيما وجب عليه، وصلاته صحيحة، فالغسل ليس شرطاً لصحة الصلاة، لكنه واجب لشهودها.
8/1154ــ وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَو يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ، ثمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثنَيْنِ، ثمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثمَّ يُنْصِتُ إذا تكَلَّمَ الإمَامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَىٰ». رواه البخاري.
1) استحباب إتمام الطهارة يوم الجمعة والعناية بها، فذلك من الهدي النبوي المبارك.
2) استحباب استعمال الطيب ليوم الجمعة، وهذا من أدب الشريعة أن تُشَم من المسلم رائحة طيبة في مجامع الناس.
3) صلاة النافلة قبل الجمعة غير محدودة بعدد، بل للعبد أن يصلِّي ما كُتب لَهُ من النوافل، حتىٰ يبدأ الإمام الخطبة.
9/1155ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولَىٰ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ في السّاعَةِ الثّالِثَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقرَنَ، وَمَنْ رَاحَ في السّاعَةِ الرّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَة الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإذا خَرَجَ الإمامُ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكرَ». متفقٌ عليه.
قَوله: «غُسلَ الجَنَابَة»، أي: غُسلاً كَغُسلِ الجَنَابَةِ في الصّفَةِ.
1) تفاوت الأجر يوم الجمعة بحسب المسارعة والتبكير إلىٰ صلاة الجمعة، وكلما كَانَ العبد أحرص علىٰ التبكير ناله الأجر الكبير.
2) صفة غسل الجمعة كصفة غسل الجنابة، لكن يستحب تأخيره إلىٰ ما قبل الذهاب إلىٰ الجمعة.
10/1156ــ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكرَ يَوْمَ الجُمُعةِ، فقال: «فيه ساعَةٌ لا يُوَافِقُها عبدٌ مسلمٌ، وهُوَ قائمٌ يُصلَّي، يسألُ اللهَ شيئاً إلا أعطاهُ إيَّاهُ» وأشار بيده يُقَلِّلُها. متفق عليه.
11/1157ــ وَعَنْ أبي بُردَةَ بنِ أبي مُوسَىٰ الأشعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فىٰ شأن ساعةِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: قلتُ: نعمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «هِي مَا بَيْنَ أنْ يَجلِسَ الإمامُ إلىٰ أنْ تُقضَىٰ الصّلاةُ». رواه مسلم.
1) من خصائص يوم الجمعة أن فيه ساعة تُستجاب فيها الدعوات.
2) ساعة الاستجابة يوم الجمعة يسيرة، وغير محددة بوقت معين متيقّن، ليجتهد العبد في كثرة الدعاء يوم الجمعة حتىٰ يوافق تلك الساعة.
الأحاديث الصحيحة في ساعة الاستجابة يوم الجمعة تبين بمجموعها أنها آخر ساعة بعد العصر، والحديث الأخير، فيه أنها: «ما بين أن يجلس الإمام إلىٰ أن تُقضىٰ الصلاة»، هذا اللفظ قد ضعّف علماءُ الحديث رفعَه؛ فلا يصحّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد ذلك عن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما موقوفاً.
12/1158ــ عن أوسِ بنِ أوسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أفْضَلِ أيَّامِكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ، فأكثرُوا عليَّ من الصَّلاةِ فيهِ، فإنَّ صلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
1) إنَّ الصلاة علىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من العبادات المستحب الإكثار منها يوم الجمعة وليلة الجمعة.
2) الصلاة علىٰ الرسول صلى الله عليه وسلم فيها أجر عظيم للعبد؛ لأننا بحاجة إلىٰ هذه الصلاة، كي نفوز بصلاة الله تعالىٰ علينا.
1) صلاة المؤمنين علىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم معناها: الدعاء له بأن يثني اللهُ عليه في الملأ الأعلىٰ عند الملائكة المقرَّبين.
2) يشرع للعبد عند الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير من المأثور في النصوص الشرعية: القرآنية، النبوية، ففيها الكفاية والغنية. ولا يجوز تكلفُ صيغ من الصلوات المحدثة في أصلها، والمنكرة ــ أحياناً ــ في معناها.
وكل خير اتبــاع من سـلف وكل شرٍ في ابتداع من خلف.