قَالَ الله تَعَالىٰ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدعُونِيٓ أَستَجِب لَكُم} [غافر: 60]، وقال تعالىٰ: {ٱدعُواْ رَبَّكُم تَضَرُّعا وَخُفيَةً إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلمُعتَدِينَ} [الأعراف: 55]، وقال تعالىٰ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ، وقال تعالىٰ: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ ٱلسُّوٓءَ} [النمل: 62].
1 ــ دعاء العبادة، وهو: قيام العبد بالعبادة لله _عز وجل_؛ كالصلاة والزكاة والصيام. وهذا سؤال بلسان الحال.
2 ــ دعاء المسألة، وهو: أن يسأل العبدُ ربَّه بلسان المقال، فيقول مثلاً: ياربِّ اغفرْ لي.
ومن شروط استجابة الدعاء:
1 ــ أن يكون مخلصاً لله _عز وجل_.
2 ــ أن لا يكون في الدعاء عدوان وظلم علىٰ الآخرين.
3 ــ أن يكون العبد موقناً بالإجابة من الله _عز وجل_.
4 ــ اجتناب المطعم والمشرب والملبس الحرام، ونحو ذلك.
1) الأمر بالدعاء وبيان فضله، فالدعاء من أعظم العبادات التي تقرب إلىٰ الله _عز وجل_.
2) من دعا ربه مكملاً شروطَ الدعاء، فإن الله _عز وجل_ وعَدَه بالإجابة.
1/1465ــ وعن النُعمان بن بشير رضي الله عنهما عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّعاءُ هُو العبادةُ». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1) الدعاء لُبُّ العبادة، ولذلك يجب علىٰ العبد أن يكون فيه مخلصاً لله _عز وجل_، متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2) علىٰ العبد أن يُظهر العجز لربِّه، والاحتياج إليه، في عبادة الدعاء، وأن يوقن بإجابة الله _عز وجل_.
2/1466ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الجَوامعَ منَ الدُّعاءِ، ويَدَعُ ما سوَىٰ ذلك. رواه أبو داود بإسناد جيد.
الجوامع: الدعاء الذي يجمع أبواب الخير بكلمات يسيرة.
1) يُستحب للعبد إذا دعا أن يختار الدعاء الجامع، لأنه أبلغ في العموم والشمول، وأوفق للهدي النبوي.
2) إنَّ البركة كل البركة في اتباع أدعية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الجامعة لأبواب الخير في الدارين.
3/1467ــ وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَان أكثرُ دُعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللّهم آتنَا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسَنَةً، وقِنَا عذابَ النَّار». متفق عليه.
زاد مسلم في روايته قَالَ: وكان أنس إذَا أراد أن يَدْعُوَ بدعوة دعا بهَا، وإذا أراد أن يدْعُوَ بدُعاء دَعا بهَا فيه.
1) استحباب المحافظة علىٰ هذا الدعاء، لقلة ألفاظه، وإحاطته بخيرَي الدنيا والآخرة.
2) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ المحافظة علىٰ السنة وتطبيقها.
4/1468 ــ وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، كَان يقول: «اللهم إني أسألُكَ الهُدَىٰ والتُّقىٰ والعَفَافَ والغنَىٰ». رواه مسلم.
1) يُستحب الدعاء بهذه الكلمات الأربع، لما فيها من الخير للعبد في الدنيا والآخرة، مع اللجوء إلىٰ الله _عز وجل_، والاستغناء عما في أيدي الناس.
2) إنَّ من خير ما يسأله العبدُ من الأدعية الجامعة: طلب الهداية، والتقوىٰ، والعفة، والغنىٰ.
5/1469ــ وعن طارق بن أشْيمَ، رضي الله عنه قَالَ: كَان الرَّجُلُ إذَا أسلم علَّمهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ، ثُمَّ أمرَهُ أن يَدْعُو بهؤلاء الكلمات: «اللّهم اغفرْ لي، وارْحَمْني، واهْدِني، وَعَافِني، وارْزُقْني». رواه مسلم.
وفي رواية لهُ عَنْ طارق أنَّهُ سمع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأتاهُ رجلٌ، فقال: يارسولَ الله، كيفَ أقولُ حين أسألُ ربِّي؟ قَالَ: «قُل: اللهم اغْفرْ لي، وارْحَمْني، وعَافنِي، وارْزُقْني، فإنَّ هؤلاء تَجْمَعُ لك دُنْيَاكَ وآخرتَكَ».
1) أهمية الصلاة؛ فهي عماد الدين، ودعامة الإسلام، وأعظم ركن بعد شهادة التوحيد.
2) ينبغي علىٰ العبد أن يتعلم كيفية دعائه ربَّه، فالعلم مقدم علىٰ العبادة.
3) طلب العافية يشمل العافية الجسدية من الأمراض والأذىٰ، ويشمل العافية القلبية من أمراض الشبهات، كالشرك والنفاق، أو أمراض الشهوات، كالوقوع في المحرمات.
6/1470 ــ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علىٰ طاعتِكَ». رواه مسلم.
1) من عقيدة المؤمن: أن يعلم أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلّبها كيف يشاء.
2) علىٰ العبد ألاّ يتّكلَ علىٰ عمله ويغترّ به، بل يطلب من الله _عز وجل_ الهداية والاستقامة وعدم الزيغ.
3) اعتقاد العبد بأن تصريف القلوب بيد الله _عز وجل_ يورثه الخشية من الله _عز وجل_ في السر والعلن، فالأعمال بخواتيمها.
7/1471ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَوَّذُوا بالله من جَهْدِ البَلاء، ودَرَكِ الشَّقَاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ». متفق عليه.
وفي رواية: قَالَ سفيانُ: أشُكُّ أنِّي زدْتُ واحدةً منها.
جهد البلاء: المشقة في المحنة.
درك الشقاء: إدراك الشدة والعسر.
الشماتة: الفرح لحزن الغير.
1) علىٰ العبد أن يتمثل أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الاستعاذة من هذه الأمور الأربعة.
2) من أعظم ثمرات الاستعاذة والدعاء إظهارُ حاجة العبد لربِّه وتضرُّعه إليه، فهذا من كمال توحيد العبادة لله _عز وجل_.
8/1472ــ وعنه قَالَ: كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أصْلحْ لي دِيني الذي هُوَ عصْمَةُ أمْري، وأصْلحْ لي دُنيايَ التي فيهَا مَعَاشي، وأصْلِحْ لي آخرَتي التي فيها مَعَادِي، واجْعلِ الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجْعلِ المَوْتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ». رواه مسلم.
عصمة أمري: ما أعتصم به في أموري.
1) الإسلام عصمة للعبد من الوقوع في الزيغ والضلال، وحفظ من مضِلاّت الهوىٰ والفتن.
2) إنَّ المسلم يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً.
3) من أحسن الدعاء: طلب العبد إصلاح أمر دنياه، حتىٰ يتخذها زاداً للطاعات وزيادةً في الأعمال الصالحات.
9/1473ــ وعن عليٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: اللهم اهْدنِي، وسَدِّدْني».
وفي رواية: «اللهم إنِّي أسْألُكَ الهُدَىٰ والسَّدادَ». رواه مسلم.
السداد: الاستقامة والصواب في الأمر، والمراد في الحديث: وفِّقْني واجعلْني مصيباً في جميع أموري.
1) علىٰ العبد أن يحرص علىٰ حسن العمل وتقويمه، وذلك بلزوم السُّنَّة، وإخلاص النِّيَّة.
2) الهدي النبوي سبيل إلىٰ السداد والعصمة. فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ اتباع المعصوم صلى الله عليه وسلم.
10/1474ــ وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «اللهم إني أعوذُ بكَ منَ العَجْزِ والكَسلِ والجُبْنِ والهَرَمِ والبُخْلِ، وأعُوذُ بكَ منْ عَذابِ القَبْرِ، وأعوذُ بكَ من فتْنةِ المَحْيَا والمَمَاتِ».
وفي رواية: «وَضَلَعِ الدَّيْن وغَلَبَةِ الرِّجالِ». رواه مسلم.
الهرم: الشيخوخة وكبر السن.
1) ترغيب العبد بدوام الاستعاذة من هذه الأمور، لأنها سبب في فشل أعماله في الدنيا والآخرة.
2) الحث علىٰ الاستعاذة من عذاب القبر، لأن القبر إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة. والاستعاذة تكون قولاً وعملاً: باللسان، وبالقيام بالأوامر الشرعية، واجتناب المحرمات المنهيّة.
3) لا يتحقق للعبد توحيده إلا باللجوء إلىٰ الله _عز وجل_ في الفتن والمصائب، والاستعاذة به لا بغيره من المخلوقات، التي لا تدفع ضراً ولا تجلب خيراً.
11/1475ــ وعن أبي بكر الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أنَّه قَالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمْني دُعاءً أدْعُو به في صَلاتي، قَالَ: «قُل: اللهم إنِّي ظلَمْتُ نفسي ظُلْماً كثيراً، ولا يَغْفرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فاغْفرْ لي مغفرةً مِن عندِكَ، وارْحَمني، إنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ». متفق عليه.
وفي رواية: «وفي بَيْتي». ورُويَ: «ظُلماً كثيراً» ورُويَ «كبيراً» بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة، فينبغي أن يُجمع بيْنَهُما، فيُقالُ: كثيراً كبيراً.
1) علىٰ العبد أن يعترف بظلمه وذنوبه، وينكسر بين يدي مولاه، فإن هذا من أعظم أسباب استجابة دعواه.
2) التوسل إلىٰ الله _عز وجل_ بأسمائه وصفاته من أسباب استجابة الدعاء، كأن يقول الداعي: يا غفور اغفر لي، أو يا رزّاق ارزقني، وهكذا..
3) بيان ضلال وسفه الذين يدعون غير الله _عز وجل_ من المخلوقات، بما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، كمثل طلب المغفرة والشفاعة والرزق والمعونة من الأموات.
4) الصِّدِّيق المبشر بالجنة رضي الله عنه يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً»، وهو بالمنزلة الرفيعة. فكيف بغيره من المقصِّرين؟!
12/1476ــ وعن أبي موسىٰ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كَان يدعو بهذا الدُّعاء: «اللهم اغْفرْ لي خَطيئتي وجَهْلي، وإسرافي في أمْري، وما أنْتَ أعلمُ به منِّي، اللهم اغفرْ لي جدِّي وهَزْلي، وخَطئي وعَمْدي، وكلُّ ذلكَ عنْدي، اللهم اغْفرْ لي مَا قَدَّمْتُ ومَا أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ ومَا أعْلَنْتُ، ومَا أنْتَ أعْلَمُ به مني، أنت المقدِّم، وأنتَ المؤخِّرُ، وأنت علىٰ كل شيء قدير». متفق عليه.
13/1477ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَان يقولُ في دُعَائه: «اللهم إني أعُوذُ بك من شَرِّ مَا علمتُ، ومن شرِّ ما لَمْ أعْمَلْ». رواه مسلم.
1) التفصيل في مقام الدعاء أمر مطلوب، لأنه يذكّر العبدَ بكل ما عمل مما أسرّ وأعلن، ويشمل كل ما لم يعمل، فيزداد بذلك تعلّقاً بالله _عز وجل_ محبةً وخوفاً ورجاءً.
2) من أهم ما يسأل العبد ربَّه هو مغفرة الذنوب، لأن الذنوب سبب للحجاب والعذاب في الدنيا والآخرة.
14/1478ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَان من دُعاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنِّي أعُوذُ بكَ منْ زَوَال نعْمَتِكَ، وتحَوُّل عَافيتِكَ، وفُجاءَة نقْمتِكَ، وجميع سَخطِكَ». رواه مسلم.
15/1479ــ وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قَالَ: كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «اللهم إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ العجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والهرَمِ، وعذابِ القَبْرِ. اللّهم آتِ نَفْسي تقْوَاهَا، وزَكِّهَا أنْتَ خيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أنْتَ وليُّهَا وَمَوْلاهَا، اللهم إنِّي أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينْفعُ، ومِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ومِن نَفْسٍ لا تَشَبَعُ، ومِن دَعْوةٍ لا يُسْتجابُ لَهَا». رواه مسلم.
فجاءة نقمتك: المفاجأة بنزول انتقام الله تعالىٰ علىٰ العاصين.
1) علىٰ العبد أن يغتنم نعمة الله _عز وجل_ بالعافية وذلك بالتزام الطاعات والإكثار منها.
2) إن زوال النعمة ونزول الأمراض بالعبد، مع سخط الله تعالىٰ، من أعظم أسباب الخسران والحرمان في الدنيا والآخرة. فعلىٰ العبد الاستعاذة بالله _عز وجل_ من ذلك.
3) ترغيب العبد في كل ما يزكّي نفسه ويطهّرها.
4) الحرص علىٰ تعلم العلم النافع التي يورث الخشية في القلب، وهذا العلم، هو: علم الكتاب والسنة، المأخوذ عن معلِّم الناس الخير صلى الله عليه وسلم.
16/1480ــ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَان يقولُ: «اللهم لكَ أسْلمْتُ، وبكَ آمَنْتُ، وعليْكَ تَوَكَّلْتُ، وإليكَ أنَبْتُ، وبكَ خَاصَمْتُ، وإليكَ حاكَمْتُ. فاغْفرْ لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعْلَنْتُ، أنتَ المُقَدِّم، وأنتَ المؤخِّرُ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ». زاد بعض الرواة: «ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله» متفق عليه.
أنبت: رجعت في أموري.
بك خاصمت: بالله ــ دون غيره ــ استعانتي عند المخاصمة.
وإليك حاكمت: إلىٰ شرعك المنزل ــ دون غيره ــ حكمي.
1) وجوب التوكل علىٰ الله _عز وجل_ والإخلاص له في جميع الأقوال، والأعمال، والأحوال.
2) الترغيب في التأسي بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الأدعية الجامعة، لأنها شاملة لخيرَي الدنيا والآخرة.
3) استحباب التضرع إلىٰ الله تعالىٰ بالافتقار والذل بين يديه، قبل طلب المغفرة لديه.
17/1481 ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَان يدعُو بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذُ بكَ من فتْنَةِ النَّارِ، وعذابِ النَّارِ، ومن شرِّ الغنَىٰ والفَقْرِ». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وهذا لفظ أبي داود.
1) إنَّ الاستعاذة بالله من النار تستلزم الابتعاد عن جميع ما يسخط الله _عز وجل_، مع التزام الاستغفار والتوبة والتضرع إلىٰ الله سبحانه وتعالىٰ.
2) الواجب علىٰ العبد عند الغنىٰ: الشكر، وعند الفقر: الصبر.
18/1482 ــ وعن زياد بن علاقة عن عمّه، وهو قطبة بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: كَان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إنِّي أعوذُ بكَ من مُنْكَراتِ الأخلاقِ والأعْمَالِ والأهْوَاءِ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
1) ذم منكرات الأخلاق، كالعجب والكِبْر، وذم منكرات الأعمال، كالزنىٰ وشرب الخمر.
2) ذم الأهواء التي مبناها علىٰ العقول الفاسدة، والبدع المضلة، البعيدة عن الهدي المنزل.
19/1483 ــ وعن شكل بن حُمَيْد رضي الله عنه قَالَ: قلتُ يارسولَ الله، علِّمْني دُعَاءً، قَالَ: «قُلْ: اللهم إنِّي أعُوذُ بكَ منْ شرِّ سَمعي، ومن شرِّ بَصَري، ومن شرِّ لسَاني، ومن شرِّ قلبي، ومن شرِّ مَنيِّي». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
شر منيِّي: أي فرجي.
1) إن حواس الإنسان وأعضاءه نِعمٌ، يجب علىٰ العبد شكر الله عليها، بوضعها فيما خُلقت له من العبودية لله _عز وجل_، والالتجاء إليه بالمعافاة من شر تلك الحواس فهو المقلب لحالها، العالم بخفاياها.
2) الحث علىٰ سؤال العالم عما ينفع الناس، لأن العلماء ورثة الأنبياء.
20/1484 ــ وعن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَان يقول: «اللهم إنِّي أعوذُ بك مِنَ البَرَصِ، والجُنُونِ، والجُذامِ، وَسَيِّئ الأسقامِ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
البرص: بياض يقع في الجلد يفسد منظره.
الجذام: مرض مهلك ومُعْدٍ. الأسقام: الأمراض المنوعة.
1) هذه الأمراض مفسدة للخِلقة والخُلق، وتؤدي إلىٰ نفور الخَلق من صاحبها، فيُستعاذ منها لما لها من الآثار الضارة.
2) الأمراض مُطَهِّرة للآثام مع الصبر عليها وعدم التسخط.
21/1485ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعُوذُ بكَ مِنَ الجُوعِ، فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ، وأعُوذُ بكَ مِنَ الخيانةِ، فإنَّها بئْسَتِ البطَانَةُ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
البطانة: الشيء القريب من الإنسان لا يفارقه.
1) علىٰ العبد الاستعاذة من كل ما يشغله عن العبادة.
2) الحث علىٰ أداء الأمانات وذم الخيانة، لأن الخيانة سبب لفساد الرجل وفساد من حوله.
22/1486ــ وعن عليٍّ رضي الله عنه أنَّ مكاتباً جاءَهُ، فقال: إني عجزْتُ عن كتَابتي، فأعنِّي، قَالَ: ألا أعلِّمُكَ كلماتٍ علَّمَنيهنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، لو كَان عليكَ مثلُ جَبَلٍ دَيْناً أدَّاهُ الله عَنْكَ؟ قُل: «اللهم اكْفِنِي بحلالك عَنْ حرامِكَ، وأغْنِنِي بفضِلكَ عمَّنْ سواكَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
المكاتب: العبد الرقيق الذي اتفق مع سيده أن يعتقه لقاء عوض يدفعه الرقيق لسيده.
1) من لزمه دَينٌ، ونوىٰ أن يوفيه، واستعان بربِّه _عز وجل_، فإن الله يعينه علىٰ قضاء دينه.
2) إنَّ الرزق الحلال، وإن قلّ، خير من المال الحرام، وإن كثر.
3) علىٰ العبد أن يقطع رجاءه من المخلوقين فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالىٰ.
23/1487ــ وعن عمرانَ بنِ الحصينِ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّم أباهُ حُصَيْناً كلمتَيْن يدْعُو بهما: «اللهم ألهِمْني رُشْدي، وأعِذْنِي من شرِّ نَفْسي». رواه الترمذي وقال: حديث حسن[3].
الرشد: ضد الغي.
1) علىٰ العبد أن يستعيذ من شرور النفس وسيئ الأعمال.
2) إذ ألهم الله العبدَ رشده فهو علىٰ خير، لأنه يُعصم من أنواع الانحراف والغي.
24/1488 ــ وعن أبي الفضْل العبَّاس بن عبد المطَّلب رضي الله عنه قَالَ: قلتُ: يارسولَ الله، علِّمْني شيئاً أسألُهُ الله تَعَالىٰ، قَالَ: «سلُوا اللهَ العَافيةَ»، فَمَكَثتُ أياماً، ثُمَّ جئتُ، فقُلْتُ: يارسولَ الله، علَّمْني شيئاً أسْألُهُ اللهَ تَعَالىٰ، قَالَ لي: «يا عبَّاسُ يا عمَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، سَلُوا اللهَ العافيةَ في الدُّنْيا والآخرَة». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1) من حاز العافية فقد أوتي خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة.
2) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ الاستزادة من الخير والعلم، وهذا يدل علىٰ فضلهم وعلمهم، والسعيد من لزم هديهم، فإنهم علىٰ الصراط المستقيم.
25/1489 ــ وعن شهر بن حَوْشَب قَالَ: قلتُ لأمِّ سلَمَةَ رضي الله عنها: يا أمَّ المؤمنين، ما كَان أكْثَرُ دُعاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إذَا كَان عنْدَك؟ قَالَتْ: كَان أكثرُ دُعائه: «يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قلبي علىٰ دِيْنِكَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
1) بيان أن الأعمال بخواتيمها، فعلىٰ العبد أن يسأل الله _عز وجل_ أن يتوفّاه علىٰ الإيمان.
2) ما أُعطي العبد عطاءً أفضل من الثبات علىٰ الإسلام.
3) إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ وهو حائز شرف الرسالة والنبوة، وقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ــ يسأل الله _عز وجل_ التثبيت علىٰ دين الإسلام، فكيف بالمقصِّرين المذنبين أمثالنا؟! فالواجب أن نسأل الله _عز وجل_ الثبات حتىٰ الممات.
26/1490 ــ وعن أبي الدَّردَاء رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَان من دُعاء داودَ صلى الله عليه وسلم: اللهم إنِّي أسْألُكَ حبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يُحبُّكَ، والعَمَلُ الذي يُبلِّغُني حُبِّكَ، اللهم اجْعَلْ حُبَّكَ أحبَّ إليَّ من نفسِي وأهْلِي، ومِنَ الماءِ الباردِ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن[4].
1) الترغيب في طلب محبة الله _عز وجل_ والسعي لنيلها، بأخذ الأسباب الموجبة لمحبة الله _عز وجل_.
2) معنىٰ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب المحبوبات إلىٰ العبد، فيتحرك العبد في أعماله، وأقواله، وأحواله، فعلاً وتركاً، علىٰ مدار هذه المحبة.
27/1491ــ وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلِظُّوا بياذا الجلالِ والإكرامِ». رواه الترمذي ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.
«ألظُّوا» بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة معناه: الزموا هذه الدعوة، وأكثروا منها.
1) الحث علىٰ الإكثار من ذكر الله _عز وجل_ ، وسؤاله بأسمائه وصفاته .
2) هذا الدعاء العظيم تضمن الثناء التام علىٰ الله سبحانه وتعالىٰ.
28/1492 ــ وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قَالَ: دعا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بدُعاءٍ كثيرٍ، لم نحْفَظْ منهُ شيئاً، قُلنا: يارسولَ الله، دعَوتَ بدُعاءٍ كثيرٍ لم نَحْفظْ منهُ شيئاً، فقال: «ألا أدُلًّكًم علىٰ ما يجمعُ ذلك كُلَّهُ؟ تقولُ: اللهم إنِّي أسألُكَ من خَير ما سألَكَ منهُ نَبيُّكَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما استعاذَ منه نبيُّكَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وأنتَ المُسْتعانُ، وعليكَ البلاغُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله». رواه الترمذي وقال: حديث حسن[5].
1) إنَّ من علامة فقه العبد: اهتمامه بالأدعية الجامعة، التي تجمع له خيري الدنيا والآخرة.
2) الحث علىٰ التزام هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في كل أمور الدين، وترك ما أحدثه الناس من المحدثات، فأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعة للخير كله.
29/1493 ــ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كَان من دُعاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنِّي أسألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمتِكَ، وعزَائمَ مغْفرَتِكَ، والسلامَةَ من كُلِّ إثمٍ، والغنيمةَ من كلِّ برٍّ، والفَوزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ من النَّارِ». رواه الحاكم أبو عبد الله، وقال: حديث صحيح علىٰ شرط مسلم[6].
موجبات رحمتك: ما يوجب رحمة الله تعالىٰ.
عزائم مغفرتك: الأمور المؤكدة التي تجلب مغفرة الله تعالىٰ.
1) إنَّ من فقه العبد: الاستعانة بالله _عز وجل_ في سلوك طريق الرحمة والمغفرة، بفعل الواجبات، وترك المحرمات.
2) أعظم فوز يحقّقه العبد هو الفوز بالجنة، والنجاة من النار.