قال الله تَعَالىٰ: {وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنا وَبِذِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلجَارِ ذِي ٱلقُربَىٰ وَٱلجَارِ ٱلجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنبِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت أَيمَٰنُكُمۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُختَالا فَخُورًا} [النساء: 36].
1/1600 ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّىٰ مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إذْ حَبَسَتْها، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ». متفقٌ عليه.
«خَشَاشُ الأرْضِ» بفتحِ الخاء المعجمةِ، وبالشين المعجمة المكررة، وهي: هَوَامُها وَحَشَرَاتُهَا.
1) النهي عن تعذيب الحيوان، والحث علىٰ الإحسان إليه.
2) قد يعمل العبدُ أعمالاً ــ من الظلم ــ يظنها صغيرة، لكنها عند الله عظيمة، تُردِي به في نار جهنم.
يُستفاد من الحديث جواز اقتناء الحيوانات ــ كالطيور والأسماك مثلاً ــ بشرط أن يؤمّن لها الرعاية من المأوىٰ والطعام والشراب.
2/1601ــ وَعَنْهُ: أَنّهُ مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْراً وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبلهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَنْ فَعَلَ هذا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هذا، إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرُّوحُ غَرَضاً». متفقٌ عليه.
«الْغَرَضُ»: بفتحِ الغين المعجمة والراء، وهُوَ الهَدَفُ، وَالشَيْءُ الَّذِي يُرْمَىٰ إلَيْهِ.
3/1602 ــ وَعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَىٰ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ». متفق عليه. ومَعنَاهُ: تُحْبَسَ للْقتْلِ.
1) النهي عن حبس الحيوان من أجل اتخاذه هدفاً للرمي أو التسلية، لأن في هذا تعذيباً له.
2) عظيم رحمة الله _عز وجل_ بخلقه ــ التي وسعت كل شيء ــ حتىٰ بلغت الحيوانات الصغيرة والضعيفة.
3) وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما فعل الصحابي الجليل عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما مع الفتيان.
4/1603ــ وعَنَ أبي عَليٍّ سُوَيْدِ بْنِ مُقرِّنٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رأَيْتُنِي سَابعَ سَبْعةٍ مِنْ بَنِي مُقَرِّنٍ، مَالَنَا خَادِمٌ إلَّا واحِدَةٌ لَطَمَها أَصْغَرُنَا، فَأمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُعْتِقَهَا. رواه مسلم. وفي روَايةٍ: «سَابعَ إخْوَةٍ لي».
5/1604ــ وَعَنْ أبي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاماً لي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنْ خَلْفِي: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» فَلَمْ أَفْهَم الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، فلَمَّا دَنَا مِنِّي إذا هُوَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَإذا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أبَا مَسْعُودٍ»، قال: فَأًلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فقالَ: «اعْلَمْ أبَا مَسْعُودٍ أنَّ اللهَ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلىٰ هذا الْغُلامِ» فَقُلْتُ: لا أَضْرِبُ مَمْلُوكاً بَعْدَهُ أَبَداً. وفي روَايةٍ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ.
وَفي روَايَةٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ الله تعالىٰ، فَقَالَ: «أمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ». رواه مسلم بهذِه الروَاياتِ.
6/1605 ــ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ضَرَبَ غُلاماً له حَدّاً لم يَأْتِهِ، أَو لَطَمَهُ، فإنَّ كَفَّارَتَهُ أن يُعْتِقَهُ». رواه مسلم.
1) إن عتقَ المملوك كفارةٌ علىٰ ضربه، هو من عدل الشريعة بمعاملة المسيء بنقيض قصده.
2) الحث علىٰ الرفق بالخدم والمماليك، وحسن مصاحبتهم، ودفع الأذىٰ عنهم، وتحريم تعذيبهم والاعتداء عليهم.
3) هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه، وحرصهم علىٰ امتثال أقواله وأفعاله، والانتفاع بما يعظهم به؛ فالواجب أن تكون لنا بهم أسوة حسنة، في تتبع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها، لأنها سبيل الهداية والنجاة في الدنيا والآخرة.
7/1606ــ وعَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ مَرَّ بالشَّامِ عَلىٰ أُنَاسٍ مِنَ الأنبَاطِ، وَقَدْ أُقِيمُوا في الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلىٰ رُؤُوسِهِمُ الزَّيْتُ، فَقَالَ: مَا هذا ؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ في الخَرَاجِ، وَفي رِوَايَةٍ: حُبِسُوا في الجِزيَةِ. فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ الله يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ في الدُّنْيَا»، فَدَخَلَ عَلىٰ الأمِيرِ، فَحَدَّثَهُ، فَأمَرَ بِهِم فَخُلُّوا. رواه مسلم.
«الأنبَاطُ»: الفَلاَّحُونَ مِنَ العَجَمِ.
1) تحريم تعذيب الناس بغير حق، ولو كان كافراً له عهد، فالظلم حرام بين العباد.
2) حسن سيرة الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان في مناصحة الحكام، وقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
8/1607ــ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: رأىٰ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حمَاراً موسُومَ الوجهِ، فأنْكَر ذلكَ! فقال: وَاللهِ لا أسِمُهُ إلا أقْصَىٰ شيءٍ من الوَجْهِ، وأمرَ بحمَارِهِ، فكُوِيَ في جاعرتَيْه، فهُوَ أوَّلُ مَن كَوَىٰ الجَاعرَتَيْن. رواه مسلم.
9/1608 ــ وعنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه حمارٌ قد وُسِمَ في وَجْهِهِ، فقال: «لَعَن الله الذي وَسَمَهُ». رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم أيضاً: نهىٰ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّربِ في الوجْهِ، وعَنِ الوَسْمِ في الوَجْهِ.
موسوم الوجه: الوسم: العلامة تجعل على الشيء.
1) النهي عن ضرب الوجه وعن وسم الحيوان في وجهه، فذلك من الذنوب التي يستحق صاحبها الوعيد.
2) جواز وسم الحيوانات في غير الوجه لوروده في هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
3) النهي عن تعذيب الحيوانات وإيذائها.
في الأحاديث بيان رحمة الشرع بالحيوانات، ومنع تعذيبهم وإيذائهم، فمن باب أولىٰ رحمة الشرع بالناس، ومنع تعذيبهم، فالإسلام بهديه وتعاليمه قد سبق إلىٰ هذا الأمر قبل ــ ما تدعيه ــ هيئات (الرفق بالحيوان).