اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

40 ـ باب بر الوالدين وصلة الأرحام

قال الله تعالىٰ: {وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ} [النساء: 36] ، وقال تعالىٰ: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ} [النساء: 1] ، وقال تعالىٰ: {وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ}الآية [الرعد: 21] وقال تعالىٰ: {وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ} [العنكبوت: 8]، وقال تعالىٰ: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا * وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} [الإسراء: 23 ـ 24] ، وقال تعالىٰ: {وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ} [لقمان: 14].

هداية الآيات:

1) تعظيم حق الوالدين فالأقربين؛ فقد جمع الله تعالىٰ بين حقه الخاص بالعبودية وحقهم، فدلّ علىٰ عظم مرتبتهم.

2) أحق الناس بصحبة العبد والداه، فحقهما بعد حق الله تعالىٰ في المنزلة. «فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق». (تفسير ابن كثير، عند قوله تعالىٰ: {وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ})

1/312 ــ عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أحَبُّ إلىٰ الله تَعَالى؟ قال: «الصَّلاةُ عَلىٰ وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قلتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: «الجِهَادُ في سَبِيلِ الله». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) أفضل حقوق الله الواجبة بعد التوحيد الصلاة.

2) فضل برِّ الوالدين، والبرُّ هو الإحسان إليهما بالقول والفعل.

3) التقصير في تقديم الإحسان القولي أو الفعلي للوالدين نوع من العقوق.

4) تنافس الصحابة علىٰ أبواب الخير، والمسابقة إلىٰ البر، وسؤالهم عن جوامع المسائل النافعة.

5) منزلة الجهاد في سبيل الله تعالىٰ؛ لما فيه من المصالح العظيمة كحماية ديار المسلمين، وظهور الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.

2/313 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِداً إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ، فيُعْتِقَهُ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

لايَجزْي: لا يكافئ.

هداية الحديث:

1) عظم حق الوالدين في الإسلام، فحقهم بعد القيام بحق العبودية لله تعالىٰ.

2) لايجوز للولد أن يسترقّ أبويه أو أحدهما، فإذا حدث ذلك، فهو من أمارات الساعة المنذِرة بالشرور عند فساد الناس.

3) عتق الوالد الرقيق يكون بمجرد شراء ولده له، فالشراء سبب للعتق، ولايحتاج أن يقول الولد: أعتقته أو أعتقتها.

3/314 ــ وعنه أيضاً رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَه، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيومِ الآخر، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُل خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ». متَّفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) صلة الرحم ـ وهم من لهم قرابة علىٰ الشخص ـ من خصال الإيمان.

2) هدي الإسلام فيه تقوية لعلاقات القرابة وتوثيق لها، وتحذير من البعد عن كل ما يضعف هذه العلاقة أو يفسدها.

4/315 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تَعَالَىٰ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّىٰ إذا فرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هذا مُقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قال: نَعَمْ أمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالت: بَلَى، قال: فَذلِكَ لَكِ، ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ * أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ} [محمد: 22 ـ 23]». متفقٌ عليه.

وفي رواية للبخاري: «فقال اللهُ تعالىٰ: مَنْ وَصلِكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ».

غريب الحديث:

العائذ: الملتجئ إليك والمستعين بك.

هداية الحديث:

1) الترغيب في صلة الرحم، والتأكيد علىٰ حرمة قطيعة الرحم.

2) الاستعاذة تكون بالله وحده لاشريك له، فلا يجوز الاستعاذة بالمخلوقين، ولو كان لهذا المخلوق منزلة عند الله تعالىٰ.

3) صلة الرحم سبب في رحمة الله لعباده، وظهور الخير بين الناس، وقطيعة الرحم سبب في التولي، والفساد، والإفساد.

فائدة:

إن من أحسن ما يُفسَّر به القرآن الكريم وخير ما يُستشهد به لبيان معنىٰ كلام الله _عز وجل_ هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم والحديث النبوي وحي من الله تعالىٰ، قال سبحانه: {وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ} أي: أنزلنا إليك السنة لتبين للناس القرآن المنزل، والحديث المتقدم مثال علىٰ ذلك.

5/316 ــ وعنه رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحسْنِ صَحَابَتِي ؟ قال: «أُمُّكَ»، قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: «أُمُّكَ»، قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: «أُمُّكَ»، قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: «أَبُوكَ». متفق عليه.

وفي رواية: يا رسولَ الله، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قال: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ».

«وَالصَّحَابَةُ» بمعنى: الصُّحْبَةِ. وقوله: «ثُمَّ أَبَاكَ» هكَذَا هو منصوب بفعلٍ محذوفٍ، أي: ثم بِرَّ أَباك. وفي رواية: « ثُمَّ أَبُوكَ » وهذا واضِح.

غريب الحديث:

أدناك أدناك: الأقرب فالأقرب.

هداية الحديث:

1) أحق الناس بحسن العشرة هي الأم؛ لضعفها وحاجتها، ولأن الأم حصل لها من العناء والمشقة ما لم يحصل لغيرها، ثم إنها ضعيفة عند أصل الخِلقة، فكيف عند تقدم العمر!.

2) الحث علىٰ أن يُحسن العبد صحبة أمه، وصحبة أبيه بقدر المستطاع؛ لأنهما السبب في إيجاده بعد الله تعالىٰ. فلهما حق الولادة، والرعاية، والإفادة.

3) إن ترتيب الحقوق ووضعها في مواضعها، هو العدل الذي دعت إليه الشريعة.

4) بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ معرفة مراتب الخير ومعرفة الحقوق.

6/317 ــ وعنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أحَدَهُمَا أوْ كِلَيْهِما، فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

رغم أنف: أي ألصق بالرّغام ــ وهو تراب يختلط برمل ــ واستعمل في معنىٰ الذل والعجز والانقياد علىٰ كره.

هداية الحديث:

1) بر الوالدين سبب عظيم لدخول الجنة.

2) الوالدان عند الكبر أحوج مايكونان إلىٰ البِرِّ لضعفهما. وبرهما يكون بكل إحسان قولي أو فعلي.

3) عقوق الوالدين سبب لدخول النار. فليحذر العبد من إغلاقِ بابٍ فُتِحَ له إلىٰ الجنة، ومن فتحِ بابٍ يُوصِلُه إلىٰ النار.

7/318 ــ وعنه رضي الله عنه أنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيؤُونَ إليَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فقال: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُم المَلَّ، وَلا يَزالُ مَعَكَ مِنَ الله ظهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلىٰ ذَلِكَ». رواه مسلم.

«وَتُسِفّهُمْ» بضم التاء وكسر السين المهملةِ وتشديدِ الفاءِ. «وَالمَلُّ» بفتحِ الميمِ، وتشديد اللام، وهو الرَّمَادُ الحَارُّ، أَيْ: كَأَنِّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارّ، وَهُوَ تَشْبِيه لِمَا يَلْحَقُهُم مِنَ الإثْمِ بِمَا يَلْحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الألَمِ، وَلا شَيْءَ عَلىٰ هَذَا المُحْسِنِ إلَيْهِمْ، لَكِنْ يَنَالُهُمْ إثْمٌ عَظِيمٌ بِتَقْصِيرِهِمْ في حَقِّهِ، وإدْخَالِهِمُ الأَذَىٰ عَلَيْهِ. وَالله أعلم.

غريب الحديث:

ظهير: معين.

هداية الحديث:

1) صلة الرحم قائمة علىٰ المبادرة إلىٰ الصلة دون انتظار مقابلة.

2) الحظ العظيم للعبد هو الذي يدفع الإساءة بالإحسان، والقطيعة بالوصل، {ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ} ولكن: {وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ}.

3) امتثال أمر الله سبب لعون العبد، فالموفق من عباد الله من أحسن امتثال شرع الله تعالىٰ، ولم يلتفت إلىٰ تقصير الخلق، بل يحتسب العمل عند الله سبحانه.

4) ادّخار ثواب الصبر خير من تحصيل الحق في الدنيا، أحياناً، بحسب مصلحة العفو أو الأخذ بالحق. {فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ}.

8/319 ــ وعن أَنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ أَحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رحِمَهُ». متفق عليه.

ومَعْنىٰ «يُنْسَأَ لَهُ في أثَرِهِ»: أيْ: يُؤَخَّرَ له في أجَلهِ وعُمُرِهِ.

هداية الحديث:

1) صلة الأرحام سبب عظيم في زيادة الرزق وطول العمر.

2) الجزاء من جنس العمل؛ فمن أحسن إلىٰ قرابته بالصلة أحسن الله إليه بالصلة في رزقه وعمره.

فائدة:

جعل الله سبحانه بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وسعة الرزق، ولا ينافي هذا ما هو معلوم من أن ذلك مقدر مكتوب.

فكما أن الإيمان والهداية، والكفر والضلالة قد قدرت، ولكل ذلك أسباب، فكذلك العمر والرزق، يزيد وينقص، بالنظر إلىٰ أسبابه. ولذلك وردت الآثار بالدعاء بطول العمر وسعة الرزق، فيا مَن حرصت علىٰ طول العمر مع بسط الرزق، سارع إلىٰ تقوىٰ الله تعالىٰ وصلة الأرحام، فهذا خير سبيل إلىٰ ذلك.

9/320 ــ وعنه قال: كَانَ أبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وكَانَ أحَبُّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ بيْرَحَاءَ، وكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وكَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا، ويَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيها طَيِّبٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ} [آل عمران: 92] قَامَ أبو طَلْحَةَ إلىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالىٰ يقول: {لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ} وَإنَّ أَحَبَّ مَالي إليَّ بَيْرَحَاءُ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لله تعالىٰ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ الله تعالىٰ، فَضَعْهَا يا رسولَ الله حَيْثُ أَرَاكَ الله، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ! ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ! وقَدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وَإنِّي أَرَىٰ أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبِينَ»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رسولَ الله، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبِهِ وَبَني عَمِّهِ. متفقٌ عليه.

وَسَبَقَ بَيَانُ أَلْفَاظِهِ في (بَابِ: الإنْفَاقِ مِمَّا يُحِب).

هداية الحديث:

1) أحق الناس بالإكرام والصلة هم القرابات.

2) النفقة في القرابة صلة وصدقة.

3) استحباب استشارة العالم في المهمات، فالعلماء هم ورثة الأنبياء.

10/321 ــ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:أَقْبَلَ رَجُلٌ إلىٰ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أُبَايِعُكَ عَلىٰ الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أبْتَغِي الأَجْرَ مَنَ الله تعالىٰ، قال: «فَهَلْ لَكَ مِن وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟» قال: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا، قال: «فَتَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ الله تَعالى؟» قال: نَعَمْ، قال: «فَارْجِعْ إلىٰ وَالِدَيْكَ، فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». متفقٌ عليه. وهذا لَفْظُ مسلِم.

وفي روايةٍ لَهُمَا: جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأْذَنَهُ في الجِهَادِ، فقال: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قال: نعم،قال: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».

هداية الحديث:

1) وجوب ترتيب الأولويات في حياة العبد؛ فيبدأ بمن تأكد حقه ثم من يليه، فهذا من فهم العبد، وحسن توفيق الله تعالىٰ له.

2) بر الوالدين من أوجب الواجبات، فهو آكد من الجهاد إذا كان فرض كفاية.

3) الجهاد مراتب وشعب؛ فكل من قام بطاعة يبتغي بها مرضاة الله تعالىٰ، كبرِّ الوالدين مثلاً، فإنه يُعدُّ من الجهاد في سبيل الله تعالىٰ.

11/322 ــ وعنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بالمكافئِ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». رواه البخاري.

وَ«قَطَعَتْ» بِفَتْحِ القَافِ وَالطَّاءِ. وَ«رَحِمُهُ» مَرْفُوعٌ.

غريب الحديث:

المكافئ: الذي يصل رحمه مقابل صلتهم وإحسانهم.

هداية الحديث:

1) الواصل لرحمه هو الذي يبدأ في صلة أرحامه، ولو لم يقابلوا صنيعه بالإحسان والوصل.

2) وجوب إخلاص الأعمال لله تعالىٰ، فآثاره خير دائم للعبد في الدنيا والآخرة.

12/323 ــ وعن عائشةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَني وَصَلَهُ اللهُ، وَمَن قَطَعَني قَطَعَهُ اللهُ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) تعظيم شأن الرحم وصلتها، فهي لعظم مكانتها تحت العرش قريبة من الرحمن جل جلاله.

2) من وصل رحمه وصله الله تعالىٰ بالخير والرحمة، ومن قطع رحمه قطعه الله تعالىٰ.

13/324 ــ وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنها أَنّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً، وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ الله أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتي؟ قَالَ: «أَوَفَعَلْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَما إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ». مُـتَّفَقٌ عَلَيْه.

غريب الحديث:

وليدة: أَمَة.

هداية الحديث:

1) الصدقة علىٰ ذوي القربىٰ أفضل وأعظم؛ لأنه صدقة وصلة.

2) من فقه العبد أن يستشير أهل العلم والذكر، حتىٰ يضع الأمور مواضعها.

14/325ــ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدّيقِ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فاسْتَفَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلي أُمَّكِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

وَقَوْلُهَا: «رَاغِبَةٌ»، أَيْ: طَامِعَةٌ عِنْدِي تَسْأَلُني شَيْئاً، قِيلَ كَانَتْ أُمَّهَا مِنَ النَّسَبِ، وَقِيلَ: مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ.

غريب الحديث:

في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيام معاهدته مع مشركي قريش في صلح الحديبية.

هداية الحديث:

1) يجب علىٰ العبد أن يصل أقاربه ولو كانوا كفاراً، لأن لهم حق القرابة.

2) صلة الرحم الكافرة ليست من موالاة الكفار المنهي عنها، بل هي نوع من البر والقسط غير المحرم.

3) كمال عدل الإسلام في إعطاء كل ذي حق حقه، دون ظلم أو إسراف، فالقريب الكافر ــ مع كفره ــ لا يُترَكُ حقُّ صلته؛ لأن له رحماً!

15/321 ــ وَعَنْ زَيْنَبَ الثَّقَفِيّةِ امْرَأَةِ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إلَىٰ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ ، وإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ، فَاسْأَلْهُ، فَإِن كَانَ ذلِكَ يُجْزِىءُ عَنِّي وَإِلَّا صَرَفتُهَا إِلَىٰ غَيْرِكُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الله: بلِ ائتِهِ أَنْتِ، فانْطَلَقْتُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَاجَتي حَاجَتُهَا، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أُلقِيَتْ عَلَيْهِ المَهابَةُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ، فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالبَابِ تَسْألانِكَ: أتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلىٰ أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلىٰ أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نحنُ، فَدَخَلَ بِلالٌ عَلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ، فِقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ هُمَا؟» قَالَ: امْرأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ، فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم «أَيُّ الزَّيَانِبِ هيَ؟» قَال: امْرَأَةُ عَبْد الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». مُـتَّفَقٌ عَلَيْه.

غريب الحديث:

خفيف ذات اليد: قليل المال.

في حجورهما: في ولايتهما.

هداية الحديث:

1) صلة الأقارب بالصدقة يحصل بها أجران؛ أجر الصدقة، وأجر الصلة.

2) جواز صدقة الزوجة علىٰ أهل بيتها.

3) جواز خروج المرأة من بيتها لحاجتها والسؤال عن أمر دينها، بشرط إذن الزوج.

4) إن طلب العلم والسؤال عن المسائل النافعة من أهم الأمور الواجبة.

16/327 ــ وَعنْ أَبِي سُفْيَانَ صَخْر بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنه فِي حَدِيثِهِ الطَوِيل فِي قِصةِ هِرَقلَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لأبي سُفْيَان: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ ــ يَعْني النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ــ؟ قَالَ: قُلتُ: يقُولُ: «اعبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آباؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنا بِالصَّلاةِ، والصِّدْقِ، وَالعَفَافِ، والصِّلَةِ». متَّـفَقٌ عَلَيْه.

هداية الحديث:

1) بعثة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قامت علىٰ الإحسان في عبادة الله، بإفراده بالتوحيد، وفي الإحسان إلىٰ الخلق بالصلة وأداء الحقوق.

2) الأمر بصلة الرحم من أوائل مانزل تشريعه في الدين الإسلامي، وهذا مما يَدلُّك علىٰ أهميته.

17/328 ــ وَعَنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرضاً يُذكرُ فِيهَا القِيرَاطُ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّىٰ فِيهَا القِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهلِهَا خَيْراً، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً».

وَفِي رِوَايَةٍ: «فإِذَا افْتَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَىٰ أَهْلِهَا، فَإِنَ لَهُمْ ذِمَّةٍ وَرَحِماً»، أَوْ قَال: «ذمَّةً وَصِهْراً». رَوَاه مُسْلِم.

قَالَ الْعُلماء: الرَّحِمُ الَّتي لَهُمْ كَوْنُ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ. «والصِّهْرُ»: كَوْنُ مَارِيَةَ أُمِّ إِبرَاهِيمَ بنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنهُم.

غريب الحديث:

القيراط: اسم لنوع من النقود يتعامل بها.

ذمة: الحق والحرمة.

صهراً: أهل بيت المرأة يقال لهم أصهار.

هداية الحديث:

1) الرحم لها حق الصلة ولو كانت بعيدة، فمفهوم الرحم أوسع من القرابة القريبة.

2) صلة الرحم من جهة الأم كصلة الرحم من جهة الأب.

3) استحباب الإحسان لذوي القربىٰ والرحم والصهر ولوكانوا مشركين، مالم يحاربوا الله تعالىٰ ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحصل منهم العداوة الظاهرة.

18/329 ــ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قُرَيْشاً، فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، وَقَال : « يَا بني عَبْدِ شَمْسِ، يَا بَني كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني مرَةَ بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني عبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني هَاشِمٍ، أنْقِذُوا أَنْفُسَكُم مِنَ النَّارِ، يَا بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِماً سَأَبُلُّهَا بِبِلالِهَا». رَوَاهُ مُسْلِم.

قَولُهُ «ببلاَلِهَا» هو بفتح الباءِ الثَّانِيَةِ وَكَسرِهَا، «وَالبِلالُ»: المَاءُ. ومَعْنىٰ الحديث: سَأَصِلُهَا، شبَّهَ قَطِيعَتَهَا بِالحَرَارَةِ تُطْفَأْ بِالمَاءِ، وَهذِهِ تُـبَرَّدُ بِالصِّلَةِ.

غريب الحديث:

عشيرتك الأقربين: قرابتك الأدنىٰ فالأدنى.

فعَمَّ وخَصَّ: دعاهم بما يَعُمُّهم جميعاً، ثم خَصَّصَ بعضهم لقرابتهم القويّة.

هداية الحديث:

1) وجوب صلة الأرحام والاعتناء بهم، ومداومة إصلاحهم، وتوجيههم إلىٰ الخير. فهذا من ثمرات صلة الرحم.

2) أول مايجب علىٰ الداعي إلىٰ الله إنذار أهله، ثم عشيرته؛ لأنهم أولىٰ بالخير من غيرهم، ثم الذين يلونهم، حتىٰ يعمَّ الخير الناس جميعاً.

3) الحرص علىٰ هداية الناس من علامات الداعية الموفق، فهو يظهر حبه للناس وحرصه علىٰ إيصال الخير لهم.

4) الترغيب في العمل الصالح، وعدم الاتكال علىٰ النسب أو التفاخر به.

19/330 ــ وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جِهَاراً غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «إِنَّ آلَ بَني فُلانٍ لَيْسُوا بِأَوْلِيائي، إنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَ بُلُّهَا بِـبِلالِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْه. واللَّفْظُ للبُخَارِي.

غريب الحديث:

وليِّـي: ناصري الذي أتولاه في جميع الأمور.

هداية الحديث:

1) إنَّ من أهمّ خصال الإيمان: الحبّ في الله، والبغض في الله؛ فعلىٰ المؤمن أن يتبرأ من المودة الدينية للكافرين، إذ لا ولاية بين المسلم والكافر.

2) القريب الكافر له حق الصلة، لكن ليس له الولاية التي هي المحبة والنصرة.

3) أخوة الدين ورابطة الإسلام أعظم من روابط الدم والنسب والمصلحة.

فائدة:

الرحم التي توصل، عامة وخاصة:

ــ فالعامة: رحم الإيمان والعلم، فهذه تجب صلتها بالتواد والتناصح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.

ــ وأما الرحم الخاصة: فهي للقرابة التي بينك وبينهم نسب، أو مصاهرة، أو رضاعة.

والمعنىٰ الجامع لصلتهم: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الحال.

20/331 ــ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الأنصَارِيّ رضي الله عنه أَنَّ رجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُباعِدُني مِنَ النَّارِ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ الله وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ». مُـتَّفَقٌ عَلَيْه.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ القيام بالواجبات الشرعية. ومن ذلك صلة الرحم، فهي من الأسباب الموجبة لدخول الجنة والبعد عن النار.

2) من فقه العبد أن يسعىٰ في الزحزحة عن النار، ودخول الجنة والفوز برضوان الله تعالىٰ.

21/332 ــ وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِر رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَىٰ تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْراً فَالمَاءُ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ» وَقَالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَىٰ المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَىٰ ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ». رَوَاهُ التّرمِذِيّ وَقَالَ: حَديث حسن.

هداية الحديث:

1) بيان الشريعة لتفاضل الصدقات بحسب محلها، فكلما كان محل الصلة أقرب كانت الصدقة أحسن.

2) الصدقة علىٰ الفقير صدقة، وعلىٰ ذي القرابة اثنتان؛ صدقة وصلة.

تنبيـه:

هذا الحديث لا يصح من قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، مما رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُفطرِ قبل أن يصلِّيَ علىٰ رُطباتٍ، فإن لم تكن رُطباتٍ فتُميراتٍ، فإن لم يكن تُميراتٍ حسا حَسواتٍ من ماءٍ.

22/333 ــ وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ، وَكُنْتُ أُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا، فَأَبَيْتُ، فَأَتىٰ عُمَرُ رضي الله عنه النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكرً ذلِكَ لَهُ، فقَالَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «طَلِّقْهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والتّرْمِذيّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حسَنٌ صحِيح.

هداية الحديث:

1) وجوب طاعة الوالد، حتىٰ فيما تكرهه النفوس.

2) طاعة الوالدين تكون بالمعروف، فلو أمر أحدهما بما يفسد حال الولد في دينه، فلا طاعة له.

23/334 ــ وَعَنْ أَبِي الدَّردَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ لي امْرَأَةً، وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلاقِهَا ؟ فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «الْوَالِدُ أوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذلِكَ الْبَابَ، أَوِ احْفَظْهُ». رَوَاهُ التّرمِذيّ وَقَالَ: حديثٌ حسَنٌ صحيح.

غريب الحديث:

أوسط أبواب الجنة: خير أبوابه.

هداية الحديث:

1) إرضاء الوالدين مقدم علىٰ إرضاء الزوجة.

2) بيان طريقة الصحابة عند الفتوى؛ بذكر أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يتكلّفوا آراءهم.

تنبيه مهمّ:

ليس كل والد يأمر ابنه بطلاق زوجته تجب طاعته، لكن ينظر إلىٰ حال الأب واستقامته، فإن كان من أهل الصلاح والرأي السديد، ويرىٰ من المصلحة ما لا يراه ابنه، فعندئذٍ يُطاع فيما أمر، أما إن كان فاسقاً غير ذي رأي رشيد، فلا يطاع بما فيه مفسدة لولده.

24/335 ــ وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الخَالَةُ بِمَنْزِلَة الأُمِّ». رَوَاهُ التّرمِذيّ وَقَالَ: حَديثٌ حسَنٌ صحيح.

وفِي البَابِ أَحاديث كثِيرة في الصحيح مشهورة، مِنها حديث أصحابِ الغارِ، وحديث جُرَيْجٍ وَقَدْ سبَقَا، وأَحادِيثُ مشهورة في الصحيح حَذَفْتُهَا اخْتِصَاراً، وَمِنْ أَهَمّها حدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه الطَّوِيلُ المُشْتَمِلُ عَلىٰ جُمَلٍ كَثِيرة مِنْ قَوَاعِدِ الإسْلاَمِ وَآدابِهِ، وَسَأَذْكُرُهُ بِتَمَامِهِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالىٰ في (بابِ الرَّجَاءِ)، قال فيه: دَخلْتُ عَلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، يَعْني فِي أَوَّلِ النُّبـُوَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «نَبيّ»، فَقُلتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أَرْسَلَني الله تَعَالى»، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَال: «أَرْسَلَني بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسرِ الأوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ» وَذَكَرَ تَمَامَ الحديث. والله أعلم.

غريب الحديث:

المنزلة: المرتبة والمقام.

هداية الحديث:

1) وجوب بر الخالة والإحسان إليها، كما يحسن العبد لأمه؛ لأن الأم والخالة بمنزلة واحدة. قال صلى الله عليه وسلم: «الخالة بمنزلة الأم». رواه البخاري.

2) الخالة مثل الأم في العطف علىٰ أبناء أختها، وهي كذلك في حضانتهم.