1/341 ــ عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن أَبَرَّ البِرِّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلَ ودَّ أَبِيهِ».
2/342ــ وعن عبدِ الله بن دينارٍ عن عبد الله بن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً مِنَ الأعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ، وَحَمَلَهُ عَلىٰ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلىٰ رَأْسِهِ، قال ابنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أصْلَحَكَ اللهُ، إنَّهُمُ الأَعْرَابُ، وَهُمْ يَرْضوْنَ بِاليَسِيرِ، فقال عبدُ الله بْنُ عُمَرَ: إنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدّاً لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رضي الله عنه، وإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أهْلَ ودِّ أَبِيهِ».
وفي رواية عن ابن دينارٍ عن ابن عُمَرَ أنَّهُ كانَ إذَا خَرَجَ إلىٰ مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمارٌ، يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إذا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِها رَأْسَهُ، فَبَيْنَما هُوَ يَوْماً عَلىٰ ذلِكَ الحِمَارِ، إذ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فقال: أَلسْتَ ابنَ فُلانِ بنِ فُلانٍ؟ قال: بَلَىٰ فَأَعْطَاهُ الحِمَارَ، فقال: ارْكَبْ هَذَا، وأَعْطَاهُ العِمَامَةَ، وقال: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فقال لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ الله لَك،َ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابيَّ حِمَاراً كُنتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِها رَأْسَكَ ؟ فقال: إنّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وِدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ» وإنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقاً لِعُمَرَ رضي الله عنه. روىٰ هَذِه الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مسلم.
أبرّ البر: أكمله وأبلغه.
ود: الحب والمودة والصداقة.
يتروَّح عليه: يستريح عليه.
1) إن من عظيم بر الوالدين أن تُكرم من كان له معهما محبّة.
2) امتثال الصحابة رضي الله عنهم للسنة النبوية، ورغبتهم في الخير، ومسارعتهم إليه. وكثرة فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
3) من تمام البر والصلة الإنفاق علىٰ أصدقاء والدَيّ الرجل بأخص ماله ومايرضاه لنفسه.
3/343 ــ وعن أبي أُسَيْدٍ،ـ بضم الهمزة وفتح السين ـ مالِك بن رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قال: بَيْنَا نَحْنُ جلُوسٌ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ جَاءَه رَجُلٌ مِن بَني سَلِمَةَ، فقالَ: يا رسولَ الله، هَلْ بقيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ فقال: «نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلَّا بِهِمَا، وَإكْرَامُ صَدِيقِهِما». رواه أبو داود[3].
الصلاة عليهما: الدعاء لهما.
إنفاذ عهدهما: إنفاذ وصيتهما.
1) إن من البر الذي يفعله الولد لوالديه بعد موتهما: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ وصيتهما، وصلة الرحم التي لاصلة لك إلا بهما.
2) الحرص علىٰ تربية الأولاد تربية صالحة، تعود بالنفع علىٰ الوالدين في الحياة ببرهما، وبعد الممات بالدعاء لهما.
3) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ الخير وعدم انقطاعه. والمؤمن المسدّد هو من يقتدي بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصال الخير.
4/344 ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت مَا غِرْتُ علىٰ أحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرتُ عَلىٰ خديجةَ رضي الله عنها، وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ، وَلَكِنْ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلتُ لَهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا إلَّا خَديجَةُ! فيقولُ: «إنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لي مِنْهَا وَلَدٌ». متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: وإنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاة، فَيُهْدِي في خَلائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ.
وفي روايةٍ: كَانَ إذَا ذَبَحَ الشَاةَ يَقُولُ: «أرْسِلُوا بِهَا إلىٰ أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ».
وفي روايةٍ: قالت: اسْتَأْذَنَتْ هَالَة بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَديجَةَ عَلىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَديجَةَ، فَارْتَاحَ لِذلِكَ، فقالَ: «اللهم هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ».
قولُهَا: «فَارْتَاحَ» هو بِالحاءِ، وفي الجَمْعِ بين الصحيحين لِلْحُمَيْدِي: «فَارْتَاعَ» بِالعينِ، ومعناه: اهْتَمَ بِهِ.
صدائق: جمع صديقة.
خلائلها: جمع خليلة، وهي الصديقة.
وكان لي منها ولد: كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم أربع بنات، وثلاثة أولاد، كلهم من خديجة رضي الله عنها، إلا ولده إبراهيم رضي الله عنه، فكان من مارية القبطية رضي الله عنها.
فعرف استئذان خديجة: تذكر عند استئذانها خديجة رضي الله عنها، لأن صوت هالة يشبه صوت خديجة رضي الله عنهما.
1) إن إكرام صديق الإنسان بعد موته يعتبر إكراماً له وبرّاً به.
2) إظهار فضيلة ومنقبة لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
3) حُسن وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجته الأولى، التي ناصرته وثبتت معه رضي الله عنها، وهذا فيه وصية عظيمة للأزواج في حفظ حق زوجاتهم بعد الموت، فكيف حال الحياة؟!.
5/345 ــ وعن أَنَس بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: خَرَجْتُ معَ جَريرِ بن عبدِ الله الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه في سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُني، فَقلتُ لَهُ: لا تَفْعَلْ، فقال: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، آليتُ عَلىٰ نَفْسي أَلا أَصْحَبَ أَحَداً مِنْهُمْ إلَّا خَدَمْتُهُ. متفقٌ عليه.
آليت: حلفت.
1) إكرام مَن يكرم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فإكرام أصحابُ الرجلِ إكرامٌ للرجل، واحترامهم احترام له.
2) بيان تواضع الصحابة رضي الله عنهم، ومعرفة فضائل بعضهم. فهذا جرير خدم أنساً رضي الله عنهما؛ لأنه من الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.