قال الله تعالىٰ: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ} [التوبة: 5].
العبرة في أحكام الدنيا بما في الظاهر، اللسان والجوارح، وفي الآخرة بما في سرائر القلوب {يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ}.
1/390 ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ النَّاسَ حَتَّىٰ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلهَ إلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إلَّا بِحَقِّ الإسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلىٰ الله تعالىٰ». متفقٌ عليه.
1) قتال أهل الكفر قائم حتىٰ يدخلوا في الإسلام، ودليل دخولهم فيه نطقهم بالشهادتين، والإتيان بشروط كلمة التوحيد.
2) قبول الأعمال الظاهرة والحكم عليها في أحوال الدنيا.
كلمة الدخول في الإسلام: (لا إله إلا الله)، فهي مفتاح الإسلام. ولكل مفتاح أسنان؛ وأسنان كلمة التوحيد: هي الأعمال الصالحة، وأجلها: القيام بالواجبات الشرعية ومكملات الإيمان، وترك المنهيات.
2/391 ــ وعن أبي عبدِ الله طارِقِ بن أُشَيْـمٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَن قال لا إلهَ إلَّا الله، وكَفَرَ بِمَا يُعْـبَـدُ مِنْ دُونِ الله، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلىٰ الله تعالىٰ». رواه مسلم.
1) شرط التوحيد البراءة من المعبودات الباطلة، التي تعبد من دون الله تعالىٰ.
2) المسلم معصوم الدم والمال والعرض، فلا يجوز التعدي عليه، ولا إلحاق الأذىٰ به.
3) اعتبار الحكم بالظاهر، والله يتولىٰ السرائر.
3/392 ــ وعن أبي مَعْبَد المِقْدَادِ بن الأسْوَدِ رضي الله عنه قال: قلت لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الكُفَّارِ، فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إحْدَىٰ يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقال: أَسْلَمْتُ لله، أَأَقْتُلُهُ يا رسولَ الله بَعْدَ أَنْ قَالها؟ فَقَالَ:«لا تَقْتُلْهُ»، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله قَطَعَ إحْدَىٰ يَدَيَّ، ثُمَّ قال ذلِكَ بَعْدَ ما قَطَعَهَا؟! فقال: «لا تَقْتُلْهُ، فَإنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبلَ أَن تَقْتُلَهُ، وَإنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتي قال». متفق عليه.
ومعنىٰ «أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ» أَيْ: مَعْصُومُ الدَّمِ مَحكُومٌ بِإسْلامِهِ، ومعنىٰ «أَنـَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ» أَيْ: مُبَاحُ الدَّمِ بِالْقِصَاصِ لِوَرَثَتِهِ، لا أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ في الْكُفْرِ، والله أعلم.
لاذ مني بشجرة: احتمىٰ والتجأ إليها.
1) من دخل في الإسلام بكلمة التوحيد عُصم دمه، ولو كان قد أسرف قبل ذلك إلا أن يُطالب بحق.
2) علىٰ المسلم أن يكون هواه تبعاً للشرع، وليس للعصبية والانتقام، فالشريعة لا نكاية فيها، ولا تزكو النفوس وتَطهُر حتىٰ تترك هواها طاعة لمولاها.
4/393 ــ وعن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قال: بَعثَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَة، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ علَىٰ مِياهِهمْ، وَلَحِقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قال: لا إلهَ إلا الله، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّىٰ قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، بَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لي: «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلهَ إلَّا الله؟»، قلتُ: يا رسولَ الله، إنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذاً، فًقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إلهَ إلَّا الله؟!» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُها عَلَيَّ حَتَّىٰ تَمَنَّيْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْم. متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: فَقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَقَالَ: لا إلهَ إلَّا الله وقَتَلْتَهُ ؟!» قلتُ: يا رسولَ الله، إنَّماَ قَالَهَا خَوْفاً مِنَ السِّلاحِ، قال: «أَفلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّىٰ تَعْلَم أَقَالَها أَمْ لا» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّىٰ تَمَنَّيْتُ أَني أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ.
«الحُرَقَةُ» بضم الحاء المهملة وفتحِ الراءِ: بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ الْقَبِيلَةِ المَعْرُوفَةِ، وَقوله: «مُتعَوِّذاً» أَي: مُعْتَصِماً بِهَا مِنَ الْقَتْلِ، لا مُعْتَقِداً لها.
غشيناه: اقتربنا منه.
متعوِّذاً: المتعوِّذ هو المحتمي بالشيء بسبب الخوف.
1) وجوب حمل الناس في الدنيا علىٰ ظواهرهم، أمّا ما في القلوب فأمره إلىٰ الله تعالىٰ.
2) الإنكار الشديد علىٰ من تعدىٰ الحدودَ الشرعية، ولو كان مجتهداً فأخطأ.
5/394 ــ وعن جُنْدُبِ بنِ عَبد لله رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً مِنَ المُسلِمِين إلىٰ قَوْمِ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَأَنّهُمْ الْتَقَوْا، فَكانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ إذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إلىٰ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وأَنَّ رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ فَقَتَلَهُ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أنّهُ أُسامَةُ بْنُ زَيْد، فَلَمَّا رَفَعَ عليْهِ السَّيْفَ، قال: لا إلهَ إلَّا الله، فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إلىٰ رَسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَهُ، وَأَخْبَرَهُ، حَتَىٰ أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنعَ، فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ، فقال: «لِمَ قَتَلْتَهُ؟» فقَالَ: يا رسولَ الله أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلاناً وفُلاناً، وسَمَّىٰ له نَفراً، وَإنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَىٰ السَّيْفَ قال: لا إلهَ إلَّا الله، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَقَتَلْتَهُ؟» قالَ: نَعَمْ، قال: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إلهَ إلَّا الله، إذا جاءتْ يَوْمَ القِيامَةِ؟» قالَ: يا رسولَ الله اسْتَغْفِرْ لِي، قال: «وكيْفَ تَصْنَعُ بِلا إلهَ إلَّا الله إذا جَاءتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَجَعَلَ لا يَزِيدُ عَلىٰ أنْ يَقُولَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إلهَ إلَّا الله إذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه مسلم.
أوجع في المسلمين: أوقع بهم وآلمهم.
1) الانتصار يجب أن يكون غيرة علىٰ دين الله تعالىٰ، فيقتل من هو متيقن الكفر، أمّا من لا نعلم سريرته فأمره إلىٰ الله تعالىٰ.
2) عِظم كلمة التوحيد إذا جاءت يوم القيامة، فالسعيد مَن وُفِّق لتحقيق التوحيد.
6/395 ــ وعن عبدِ الله بنِ عُتْبةَ بنِ مسعُودٍ قال: سَمعتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يقولُ: إنَّ نَاساً كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإنَّما نَأْخُذُكُمْ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَر لَنَا خَيْراً أَمَّنَّاهُ وقَرَّبنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءاً لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وإنْ قالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. رواه البخاري.
إن ناساً كانوا يُؤخذون بالوحي: هم جماعة المنافقين، كان يفضحهم ما ينـزل من الوحي علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1) الحكم علىٰ الباطن من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله _عز وجل_. والقائمون بأمر الشريعة يأخذون الرعية بالظاهر، والله يتولىٰ السرائر.
2) الحساب يوم الجزاء يكون علىٰ ما أخفىٰ العبد من سريرته؛ فإن كانت حسنة فحسن، وإن كانت شراً فجزاؤه من جنس عمله.
3) المحبوب المقرب من أهل الإيمان من حَسُن عمله وأظهر الخير.