قال الله تعالىٰ: {وَإِيَّٰيَ فَٱرهَبُونِ} [البقرة: 40] ، وقال تعالىٰ: {إِنَّ بَطشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:12]، وقال تعالىٰ: {وَكَذَٰلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة لِّمَن خَافَ عَذَابَ ٱلأٓخِرَةِ ذَٰلِكَ يَومٞ مَّجمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَومٞ مَّشهُودٞ * وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَل مَّعدُود * يَومَ يَأتِ لَا تَكَلَّمُ نَفسٌ إِلَّا بِإِذنِهِۦ فَمِنهُم شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُم فِيهَا زَفِيرٞ وَشَهِيقٌ} [هود: 102ــ 106]، وقال تعالىٰ: {وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفسَهُ} [آل عمران: 28] ، وقال تعالىٰ: {يَومَ يَفِرُّ ٱلمَرءُ مِن أَخِيهِ * وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمرِيٕ مِّنهُم يَومَئِذ شَأنٞ يُغنِيهِ} [عبس: 34ــ37]، وقال تعالىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٞ * يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّآ أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} [الحج: 1ـ 2]، وقال تعالىٰ: {وَلِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] الآيات، وقال تعالىٰ: {وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَىٰ بَعض يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا قَبلُ فِيٓ أَهلِنَا مُشفِقِينَ * فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَينَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبلُ نَدعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} [الطور: 25 ــ 28]. والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارةُ إلىٰ بعضها وقد حَصلَ.
1) علىٰ العبد أن يخاف ربَّه خوفاً يدفعه إلىٰ تعظيمه؛ بفعل ما أمر، واجتناب ما نهىٰ عنه وزجر.
2) الترهيب الشديد من أهوال يوم القيامة، فمن خاف ذاك اليوم أمَّنه الله تعالىٰ.
فكثيرة جداً، فنذكرُ مِنها طَرَفاً، وبالله التوفيقُ.
1/396 ــ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصَّادِقُ المَصدوقُ: «إنَّ أحَدَكُم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً، ثمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فيهِ الرُّوحَ، ويُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أو سَعِيدٌ. فَوَالَّذِي لا إلهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتَّىٰ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِراعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّىٰ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، فَيَدْخُلُهَا». متفقٌ عليه.
الصادق الصدوق: يعني الصادق فيما يقول؛ فلا يُخبر إلا بالصدق، والمصدوق فيما يُوحَىٰ إليه من الوحي؛ فلا يُنَبَّأُ إلا بالصدق.
يجمع خلقه: يُقدَّر ويمكث ويخلق منه. علقة: الدم الجامد.
المضغة: قطعة من اللحم.
الكتاب: كتاب العبد من كل ما قُدِّر عليه مدة حياته.
1) الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرِّه من الله _عز وجل_.
2) علىٰ العبد أن يسأل الله دائماً الثبات وحسن الخاتمة، وأن يخاف من سوء الخاتمة، ومن الكتاب السابق الذي قُدَّر عليه.
3) الحرص علىٰ هداية الخلق.
4) الحث علىٰ المبادرة إلىٰ الأعمال الصالحة، والاستقامة والمداومة عليها، فإنها سبب عظيم لحسن الخاتمة.
2/397 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَىٰ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». رواه مسلم.
الزمام: ما يجعل في أنف البعير يُشدُّ به.
1) بيان عظم نار جهنم، فهذا العدد الكبير الهائل من الملائكة الذين لا يعلم قوتهم إلا الله _عز وجل_ يجرونها. فكيف بحال هذه النار؟!
2) تخويف الله عباده ليتَّقوه ويعبدوه. فحريٌّ بعبد عَلِمَ هول جهنم أن يخاف ربَّه _عز وجل_.
3/398 ــ وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَة لَرَجُلٌ يُوضعُ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جمرتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، مَا يَرَىٰ أَنَّ أَحَداً أَشِدُّ مِنْهُ عَذَاباً، وَإنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً». متفقٌ عليه.
أخمص قدميه: باطن القدم.
1) تحذير العبد من الوقوع في المعاصي، حتىٰ لا يكون من أهل النار المتوعدين بالعذاب.
2) عذاب النار دركات، وأهلها علىٰ تفاوتٍ في العذاب، أهونه يَظن أنه من أشد الناس عذاباً.
4/399 ــ وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أنَّ نبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلىٰ كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ إلىٰ رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ إلَىٰ حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إلىٰ تَرْقُوَتِهِ». رواه مسلم.
«الحُجْزَةُ»: مَعْقِدُ الإزَارِ تحْتَ السُّرَةِ ، و«التَّرْقُوَةُ» بفتْحِ التاءِ وضم القاف: هِيَ العَظْمُ الَّذِي عِنْدَ ثُغْرَةِ النَّحْرِ، وللإنسَانِ تَرْقُوَتَانِ في جَانِبَي النَّحْرِ.
1) التخويف من النار، والوعيد لمن يعمل بعمل أهلها.
2) علىٰ قدر الذنوب يكون العذاب يوم القيامة. فليحرص المؤمن علىٰ القدوم إلىٰ ربِّه وهو مُطَهَّرٌ من الذنوب، لينجو من تطهير النار لذنوبه.
5/400 ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالمِينَ، حَتَّىٰ يَغِيبَ أَحَدُهُمْ في رَشْحِهِ إلىٰ أَنْصَافِ أُذُنـَيْهِ». متفق عليه.
الرشح: العرق.
1) هول الموقف يوم القيامة، حتىٰ يبلغ العرق بالناس هذا المبلغ العظيم.
2) العرق الذي يأخذ الناس يختلف باختلاف أعمالهم، فأعمالهم تؤثر علىٰ منازلهم في المحشر. فطوبىٰ لعبد قدَّم خيراً بين يديه، وكان ممن يظلهم الله في ظله.
6/401 ــ وعن أنس رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً ما سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقال: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» فَغَطَّىٰ أصْحَابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وجُوهَهُمْ، وَلَهُمْ خَنينٌ. متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: بَلَغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أصْحَابِهِ شَيْءٌ، فَخَطَبَ، فقال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ في الخَيْرِ والشرِّ، ولَوْ تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» فَمَا أَتَىٰ عَلىٰ أصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
«الخَنِين» بِالخاءِ المعجمة: هُوَالبُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ ، وَانْتِشَاقِ الصَوْتِ مِنَ الأَنْفِ.
1) الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما لا يعلم الناس بواسطة الوحي، يطلعهم الله سبحانه علىٰ ما شاء من الغيب، حتىٰ يكونوا أعظم خشية لربهم.
2) استحباب البكاء خوفاً من عقاب الله، وأما إكثار الضحك فيدل علىٰ الغفلة وقسوة القلب. قال صلى الله عليه وسلم: «ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب». رواه أحمد.
3) تأثر الصحابة رضي الله عنهم بالموعظة؛ لأنهم أصدق الناس إيماناً. فمن سلك طريقهم فهو الموفق في الدنيا والآخرة.
7/402 ــ وعن المِقْدَادِ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تُدْنَىٰ الشَّمْسُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حَتَّىٰ تكُونَ مِنْهُمْ كَمِقدَارِ مِيل» قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ الرَّاوِي عَنْ المِقْدَادِ: فَوَالله مَا أَدْرِي ما يَعْنِي بِالمِيلِ، أَمَسَافَةَ الأَرْضِ أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ؟ «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلىٰ قَدْرِ أَعْمَالِهم في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلىٰ كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلىٰ رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إلىٰ حِقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُه العَرَقُ إلجاماً» وَأَشَارَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إلىٰ فِيهِ. رواه مسلم.
8/403ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّىٰ يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعاً، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَىٰ يَبْلُغَ آذَانَهُمْ». متفقٌ عليه.
ومعنىٰ «يَذْهَبُ في الأَرْضِ»: ينزِل ويغوص.
حقويه: هما معقد الإزار، والمراد: ما يحاذي ذلك الموضع في جنبيه.
يلجمه: يصل إلىٰ فمه وأذنيه، فيكون له بمنزلة اللِّجام من الحيوان.
1) بيان هول يوم القيامة وشدة المحشر؛ ليحذر العباد من مخالفة ربهم.
2) إن الترغيب في أعمال الخير والترهيب من أعمال الشر، هو منهج الأنبياء عليهم السلام في وعظ الناس وتعليمهم.
9/404 ــ وعنه قال: كُنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ سَمعَ وَجْبَةً، فقال: «هَلْ تَدْرُونَ ما هذا؟» قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال: «هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفاً، فَهُو يَهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّىٰ انْتَهَىٰ إلىٰ قَعْرِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا». رواه مسلم.
وجبة: صوت سقطة.
خريفاً: عاماً.
1) الترهيب من عمق جهنم وبُعدِ قعرها، وهذا العلم يوجب للمؤمن الخوف الشديد من نار جهنم.
2) من أساليب التعليم: إثارةُ المعلِّمِ الاهتمامَ والانتباهَ قبل البيان، فقد أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر بصيغة الاستفهام.
10/405 ــ وعن عدِيِّ بنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إلاَ سيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْس بَيْنَهُ وبَينَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَىٰ إلَّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَىٰ إلَّا ما قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَىٰ إلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». متفقٌ عليه.
1) دنو العبد من ربّه ليريه أعماله كلها، مما يُوجب للعبد الخوف الشديد من هذا الموقف.
2) الحث علىٰ النجاة من العذاب بتقديم صالح القول والعمل، ولو كان يسيراً.
11/406 ــ وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ؟ وأَسْمَعُ ما لا تَسْمَعونَ، أَطَّتِ السَّماءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضعُ أَرْبَعِ أَصَابعَ إلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً لله تَعَالىٰ، والله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُم قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلىٰ الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إلىٰ الصُّعُداتِ تَجْأَرُونَ إلىٰ الله تَعَالىٰ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
و«أَطَّتْ» بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وَ«تَئِطُّ» بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، والأَطِيطُ: صَوْتُ الرَّحْلِ وَالْقَتَبِ وَشِبْهِهِما، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّمَاءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعَابِدِينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّىٰ أَطَّتْ. وَ«الصُّعُدَات» بضم الصاد والعين: الطُرُقَاتُ. ومعنىٰ «تَجْأَرُونَ»: تَسْتَغِيثُونَ.
1) من صفات المؤمن الخوف والخشية من الله تعالىٰ، دون القنوط من رحمته؛ فهو يجمع بين الخوف والرجاء.
2) أهل السماء طائعون لله، ساجدون له، لا يغفلون عن ذكره، لأنهم أعلم بالله تعالىٰ. وكلما كان العبد بالله أعلم كان لله أخشىٰ.
3) الحث علىٰ التضرع والاستكانة إلىٰ الله تعالىٰ، فلا مفرَّ للعباد من الله إلا إليه.
12/407 ــ وعن أبي بَرْزَةَ ـ براءٍ ثم زايٍ ـ نَضْلَةَ بنِ عُـبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَزُولُ قَدَما عَبْدٍ حَتَّىٰ يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن صحيحٌ.
1) العبد المؤمن يجعل نعم الله فيما يرضي ربّه، فهذا من شكر النعمة.
2) التذكير بمسؤولية العبد يوم القيامة، فهو مُحاسب عن عمره، وعلمه، وماله، وعمله.
13/408ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قرأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: {يَومَئِذ تُحَدِّثُ أَخبَارَهَا} [الزلزلة: 4] ، ثم قال: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال: «فَإنَّ أَخبَارَهَا أنْ تَشْهَدَ عَلىٰ كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلىٰ ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلْتَ كَذا وَكَذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فهذِهِ أَخْبَارُهَا». رواه التِّرْمِذِي وقال: حديثٌ حسنٌ.
1) خير طريقة للتفسير أن نفسر كتاب الله بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَلْيحرصِ المؤمن قارئ التفسير أن يعتني بهذه الطريقة.
2) الحث علىٰ فعل الطاعة والبعد عن المعصية، فهذا من آثار عبودية الخوف.
3) بيان قدرة الله تعالىٰ علىٰ إنطاق ما شاء من خلقه، حتىٰ إنَّ الأرض تشهد بما حدث عليها.
14/409 ــ وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِب الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ، مَتَىٰ يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ، فَيَنْفُخُ» فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلىٰ أَصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن.
«الْقَرْنُ»: هُوَ الصُورُ الَّذِي قال الله تعالىٰ فيه: {وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ}، كَذَا فَسَّرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كيف أنعم: كيف أطيب عيشاً وأفرح.
صاحب القرن: المَلَكُ الموكَّل بالنفخ في البوق، وهو إسرافيل –عليه السلام_.
التقم القرن: وضع فمه عليه.
1) ترك التنعّم خوفاً من يوم القيامة هو هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2) الحث علىٰ الاستعانة بالله تعالىٰ وحده، والمسارعة إلىٰ العمل الصالح.
3) إشفاق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ أمته، وخوفه أن تقوم الساعة عليهم، وقد علم أنها لا تقوم إلا علىٰ شرار الخلق.
4) من ثقل عليه شيء وقال: {حَسبُنَا ٱللَّهُ وَنِعمَ ٱلوَكِيلُ} لم يمسسه سوء، فذِكرُ الله يُسَهِّل الصعاب علىٰ العباد.
15/410ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ. أَلا إنَّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ، أَلا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ». رواه الترْمذي وقال: حديثٌ حسن.
وَ«أَدْلَجَ» بإسْكان الدَّال، ومعناه: سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالمُرَادُ: التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة. والله أعلم.
1) الاهتمام بالطاعة، والمبادرة إلىٰ الخلاص من المعصية.
2) الجنة سلعة غالية، لا ينالها خُطَّابُها إلا بالمهر الغالي من الطاعات والقربات، فعالي الهمة هو الذي ينال الجنة برحمة الله تعالىٰ.
16/411ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» قُلْتُ: يا رسولَ الله الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلىٰ بَعْضٍ؟! قال: «يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ».
وفي روايةٍ: «الأَمْرُ أَهَمّ مِن أَن يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلىٰ بَعْضِ». متفقٌ عليه.
«غُرلاً» بضَمِّ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ، أَي: غَيْرَ مختُونِينَ.
1) الناس يخرجون من قبورهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، في أصل الخلقة.
2) بيان أهوال يوم القيامة، فالمرء يومئذ لا يشغله شيء عن حسابه وأعماله.
3) كمال حياء النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تفزع عندما تسمع أن الخلق يحشرون عراة رجالاً ونساءً، فتخشىٰ أن ينظر بعضهم إلىٰ بعض، ولذلك كان مجتمع الصحابة رضي الله عنهم مجتمع عفة وطهر وتقوىٰ {أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقتَدِهۗ}.