اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

51 ــ باب الرجاء

قال الله تعالىٰ: {قُل يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُواْ مِن رَّحمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الزمر: 53] ، وقال تعالىٰ: {وَهَل نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلكَفُورَ} [سبأ: 17] ، وقال تعالىٰ: {إِنَّا قَد أُوحِيَ إِلَينَآ أَنَّ ٱلعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} [طه: 48] وقال تعالىٰ: {وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيء} [الأعراف: 156].

هداية الآيات:

1) الخوف والرجاء متلازمان؛ فمن خاف الله تعالىٰ واتّقاه، رجا ما عنده من الثواب.

2) المؤمن يجتمع في قلبه الخوف والرجاء، فهما له كالجناحين للطائر، إن غلَّب أحدهما تارة، فليغلب الآخر أخرىٰ، ليستوي أمرهما.

فائـدة:

ما الفرق بين الرجاء والتمني؟

ــ الرجاء: هو تأمل الخير وقرب وقوعه، مع فعل أسباب ذلك، فهو مصحوب بالعمل، ويحث علىٰ طاعة الله، إذ لولا الرجاء لما وقع عمل صالح.

ــ أما التمني: فإنه يُبنىٰ علىٰ العجز والكسل، فلا يسلك صاحبه طريق الجد والاجتهاد في طاعة رب العباد.

1/412 ــ وعن عُبادةَ بن الصامِت ِرضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إلهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَىٰ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَأنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلىٰ ما كانَ مِنَ العَمَلِ». متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، حَرَّمَ الله عَلَيْهِ النَّارَ».

غريب الحديث:

روح منه: من خلقه ومن عنده.

هداية الحديث:

1) لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، صدّقت الإيمان بالعمل الصالح.

2) أعلىٰ مقامات المؤمن أن يكون عبداً لله تعالىٰ حقاً وصدقاً، فيشهد شهادة صادقة تدفعه إلىٰ العمل الصالح.

2/413 ــ وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يقول اللهُ _عز وجل_: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، أَوْ أَزْيَدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيئَةِ فَجَزَاءُ سَيئةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ. وَمَنْ تَقرَّبَ مَنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً، وَمَنْ تَقَرَّبَ منِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً، لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئا، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً». رواه مسلم.

معنىٰ الحديث: «مَنْ تَقَرَّبَ» إلَيَّ بِطَاعَتي «تَقَرَّبْتُ» إلَيْهِ بِرَحْمَتِي، وَإنْ زادَ زِدْتُ، «فَإنْ أَتاني يَمْشي» وَأَسْرَعَ في طَاعَتي «أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» أَيْ: صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ، وَسَبَقتُهُ بِها، ولَمْ أُحْوِجْهُ إلىٰ المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إلَىٰ المَقْصُودِ، «وَقُرَابُ الأرْضِ» بضمِّ القافِ ويُقَال بكسرها، والضمُّ أصحُّ وأشهر، ومعناه: ما يُقَارِبُ مِلأها. والله أعلم.

غريب الحديث:

الباع: طول يدي الإنسان إذا مدهما مع عرض صدره.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ رجاء عفو الله ورحمته، وعدم اليأس من مغفرته.

2) إذا سعىٰ العبد في طاعة الله تعالىٰ، أناله سبحانه أضعاف عمله، وهذه من بشارات أهل الإيمان.

فائدة:

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «يقول الله _عز وجل_... تقربت منه ذراعاً... تقربت منه باعاً...».

هذا الحديث من أحاديث صفات ربِّ العالمين، نثبته كما ورد عن سيدِ المرسلين صلى الله عليه وسلم، ومذهبِ سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين، ولا نخوض فيه متكلفين، ولا معطلين. فرحم الله عبداً استمسك بالسُّنَّة والأثر.

3/414 ــ وعن جابر رضي الله عنه جاءَ أَعْرابِيٌّ إلىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ الله، ما المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ». رواهُ مُسلم.

غريب الحديث:

الموجبتان: الخصلة التي توجب الجنة، والخصلة التي توجب النار.

هداية الحديث:

1) أصل التوحيد مانع للعبد من الخلود في النار، وهو سبب لدخول الجنة.

2) الشرك بالله تعالىٰ مانع من دخول الجنة، وهو أعظم سبب لدخول النار، والخلود فيها.

4/415 ــ وَعن أَنسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ومُعاذٌ ردِيفُهُ علىٰ الرَّحْلِ ، قالَ: «يا مُعاذُ» قال: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، قالَ: «يا مُعَاذُ» قالَ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، قالَ: يَا «مُعاذُ» قال: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ ثلاثاً، قالَ: «ما مِن عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا الله، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَىٰ النَّارِ» قالَ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلا أُخْبِرُ بِها الناسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قال: «إذاً يَتَّكِلُوا» فَأَخْبَرَ بها مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّماً. متفقٌ عليه.

وقوله: «تَأَثماً» أيْ: خَوْفاً مِنَ الإثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ.

غريب الحديث:

رديفه: راكباً علىٰ الدابة خلفه.

لبيك: إجابة بعد إجابة.

سعديك: مساعدة في طاعتك بعد مساعدة.

هداية الحديث:

1) فضل التوحيد وشهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)؛ فمن أتىٰ بها عاملاً بمقتضاها حرمه الله علىٰ النار، وأدخله الجنة.

2) الحذر من كتم العلم، فعلىٰ مُعلِّم الناس الخير أنْ يبيِّن لهم ما ينفعهم من العلوم، ويوضِّحَ لهم الفهوم، حتىٰ لا يسيء بعضهم فهم الأدلة الشرعية بغير وجهها الصحيح.

5/416 ــ وعَنْ أبي هريرةَ ــ أَوْ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ــ رضي اللهَ عنهم شَكَّ الرَّاوِي، وَلا يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابيِّ؛ لأنَّهُم كُلَّهُمْ عُدُولٌ، قال: لما كانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، أصابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يا رَسُولَ الله لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنّا؟ فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «افْعَلُوا»، فَجَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه، فقالَ: يا رَسُولَ الله، إنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْر، وَلكِنِ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ اللهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ في ذلِكَ البَرَكَةَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، ويجيءُ الآخَرُ بِكسرَةٍ ، حَتىٰ اجْتَمَعَ عَلىٰ النِّطَعِ مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عليْهِ بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ» فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتَّىٰ ما تَرَكُوا في العَسْكَرِ وِعَاءً إلَّا مَلَؤوه، وَأَكَلُوا حَتَّىٰ شَبِعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا الله، وأنّي رَسُولُ الله، لاَ يَلْقَىٰ اللهَ بهما عَبْدٌ غَيْرَ شاكً فَيُحْجَبَ عَنِ الجَنَّةِ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

نواضحنا: جمع ناضحِ، وهو البعير الذي يستسقىٰ عليه الماء.

الظهر: الدواب التي يركب علىٰ ظهرها.

فضل أزوادهم: بقية طعامهم.

البركة: الزيادة والنماء وكثرة الخير.

نطع: بساط من جلد.

هداية الحديث:

1) أدب الصحابة رضي الله عنهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكانوا يستأذنونه فيما يريدون فعله. وعلماء الأمة اليوم هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة السلام، فليحرص العباد علىٰ سؤال علمائهم العاملين بالكتاب والسنة، والمهتدين بهدي سلف الأمة.

2) الحث علىٰ التعاون بين المسلمين في جميع أمورهم، فأهل الإيمان يكمّل بعضهم بعضاً.

3) فضل كلمة التوحيد؛ فهي مفتاح الجنة لمن جاء بها، وعمل بموجبها من فعل المأمورات وترك المنهيات.

6/417ــ وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، وهو ممَّنْ شَهِدَ بَدْراً، قالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سالِمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إذَا جَاءتِ الأمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقُلتُ له: إنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإنَّ الوَادِيَ الَّذِي بَيْني وبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إذا جَاءتِ الأَمطَارُ، فَيَشُقّ عَلَيَّ اجْتِيازُهُ، فَوَدِدْتُ أنّكَ تَأتي، فتُصَلِّي في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُه مُصَلّىٰ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَأَفْعَلُ»، فَغَدَا عليَّ رسُولُ الله وأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهارُ، وَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنْتُ لهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حتىٰ قالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ منْ بَيْتِكَ؟» فَأَشَرْتُ لَهُ إلىٰ المكانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يَصلِّيَ فيه، فقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ، فَصَلَّىٰ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْتُهُ عَلىٰ خَزيرةٍ تُصْنَعُ لَهُ، فَسمعَ أَهْلُ الدَّارِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في بَيتي، فثَابَ رِجالٌ مِنهمْ حَتَّىٰ كَثُرَ الرِّجالُ في البَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ لاَ أَرَاهُ! فَقَالَ رَجُلٌ: ذلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُلْ ذلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قالَ: لاَ إلهَ إلَّا الله يَبْتَغِي بِذلِكَ وَجْهَ الله تَعالىٰ؟». فَقَالَ: اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمّا نَحْنُ فَوَالله مَا نَرَىٰ وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إلَّا إلىٰ المُنَافِقينَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَإنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ علىٰ النَّارِ مَنْ قَاَلَ: لا إلهَ إلَّا الله يَبْتَغِي بِذلِكَ وَجْهَ الله». متفقٌ عليه.

و«عِتْبَان» بكسر العين المهملة، وإسكان التاء المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدَها باءٌ مُوَحَّدَةٌ. و«الخَزِيرَةُ» بالخاءِ المُعْجَمَةِ، وَالزاي: هي دَقِيقٌ يُطبَخُ بِشَحْمٍ. وقوله: «ثَابَ رِجَالٌ» بالثَّاءِ المُثَلَّثَةِ، أَيْ: جَاؤوا وَاجْتَمَعُوا.

غريب الحديث:

اجتيازه: عبوره.

هداية الحديث:

1) من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فإنه يُحَرَّمُ علىٰ النار، وهذا يؤكد عظيم هذه الكلمة المباركة (كلمة التوحيد).

2) فتح باب الرجاء للمؤمن الموحِّد، الذي يأتي بالعمل الصالح ويجتهد فيه.

3) علىٰ المسلم تلبية دعوة أخيه المسلم، فهذا من حق المسلم علىٰ أخيه.

7/418 ــ وعن عمرَ بنِ الخطّابِ رضي الله عنه قال: قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، بِسَبْيٍ، فَإذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَىٰ، إذْ وَجَدتْ صَبيّاً في السَبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، فَأَرْضَعَتْهُ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَتُرَوْنَ هذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟». قُلْنَا: لا وَالله، فَقَالَ: «لَلَّـهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) إنّ الله سبحانه وتعالىٰ أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ولهذا شرع لهم ما يدخلهم رحمته ويجنبهم عقابه.

2) الاستفادة من الحوادث، وربطها في التوجيه والتعليم بضرب الأمثال؛ ليحصل معرفة الشيء علىٰ وجهه الأكمل. فصلىٰ الله وسلم علىٰ معلّم الناس الخيرَ، ما أحسن تعليمه!!.

3) علىٰ المرء أن يكون تعلُّقه في جميع أحواله وأحيانه بالله وحده.

8/419 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لمَّا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ كتَبَ في كِتاب، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبي».

وفي رواية: «غَلَبَتْ غَضَبي» وفي روايةٍ: «سَبَقَتْ غَضَبي». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) إثبات علوّ الله علىٰ خلقه، وهو مستوٍ علىٰ عرشه سبحانه {ٱلرَّحمَٰنُ عَلَى ٱلعَرشِ ٱستَوَىٰ}.

2) إثبات صفتَي الرحمة والغضب لله سبحانه على الوجه اللائق دون تمثيل ولا تعطيل، ورحمة الله تعالىٰ أقرب إلىٰ العباد من غضبه.

9/420 ــ وعنه قال: سمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جزءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءاً واحِداً، فَمِنْ ذلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلاَئِقُ، حَتَّىٰ ترْفَعَ الدَّابَةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيةَ أَنْ تُصِيبَهُ».

وفي روايةٍ: «إنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإنْسِ وَالبَهائمِ وَالهَوامِّ، فَبهَا يَتَعاَطَفُونَ، وبهَا يَتَراحَمُونَ، وبهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلىٰ وَلَدِها، وَأَخَّرَ الله تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بها عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفقٌ عليه.

ورواهُ مسلم أيضاً من روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَمِنْهَا رَحمَةٌ بِها يَتَراحَمُ الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ».

وفي رواية: «إنَّ اللهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مائةَ رَحْمَةٍ ، كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّماءِ إلىٰ الأرضِ، فَجَعَلَ مِنها في الأرْضِ رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلىٰ وَلَدِهَا، وَالْوَحْشُ وَالطَّيرُ بَعْضُها عَلىٰ بَعْضٍ، فَإذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بهذِه الرَّحْمَةِ».

غريب الحديث:

حافرها: رجلها.

طباق: غشاء، والمراد يملأ ذلك ما بين السماء والأرض من كبره وعظمه.

هداية الحديث:

1) الرحمة التي جعلها الله في قلوب عباده هي جزء من الرحمة العامة.

2) بشارة المؤمنين بسعة رحمة رب العالمين، فإنه إذا كان يحصل لهم كل هذا التعاطف بينهم برحمة واحدة خلقها لهم، فكيف بمائة رحمة يوم القيامة؟!.

1/421 ــ وعنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَحكِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىٰ، قال: «أَذنَبَ عَبْدٌ ذَنباً، فقالَ: اللهم اغْفِرْ لِي ذَنبي، فقالَ الله تَبَارَكَ وتعالىٰ: أَذنَبَ عبدي ذَنباً، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فقال: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لي ذَنبي، فقال تَبَارَكَ وتعالىٰ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فقال: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنبي، فقال تَبَارَكَ وَتَعَالىٰ: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنباً، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، قَد غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَفعَلْ مَا شَاءَ». متفقٌ عليه.

وقوله تعالىٰ: «فَلْيَفْعَلْ مَا شاءَ» أَي: مَا دَامَ يَفْعَلُ هكَذَا، يُذْنِبُ وَيَتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ، فَإنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ ما قَبْلَهَا.

هداية الحديث:

1) بيان فضل الله ورحمته بعباده، ما داموا يعتقدون أنه تعالىٰ هو المتصرف بأحوالهم، وهذا يدل علىٰ فضل التوحيد.

2) التوبة الصحيحة تُكَفِّر الذنب، فكلما أحدث العبد ذنباً فَلْيُحْدِثْ له توبة.

11/422 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بقَوم يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تعالىٰ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ». رواه مسلم.

12/423 ــ وعن أبي أيُّوبَ خَالدِ بنِ زيد رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَوْلاَ أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَق الله خَلْقاً يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ». رواه مسلم.

هداية الأحاديث:

1) الترغيب في رحمة الله تعالىٰ بعباده؛ لِمَا فتح لهم من باب الرجاء بالاستغفار والتوبة من الذنوب.

2) إن تودد العبد إلىٰ ربه بدوام التوبة والاستغفار، والانكسار بين يدي الرحيم الغفار لَمِن الطاعات التي يحبها الله تعالىٰ. فطوبىٰ لعبد أدام قرع باب السماء بالتوبة والدعاء.

تنبيــه:

الحديث فيه تبشير بالمغفرة لمن أذنب فاستغفر، ولا يَتوهمنَّ متوهِّم أن في الحديث تحريضاً علىٰ فعل المعاصي.

13/424ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:كُنَّا قُعُوداً مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، مَعَنَا أَبُو بكر وعُمَرُ رضي الله عنهم في نَفَرٍ، فَقَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أنْ يُقْتَطَعَ دُوننا، فَفَزِعْنَا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّىٰ أَتَيْتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ ـ وَذَكَرَ بطُولِه إلىٰ قوله: ـ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هذَا الحَائِط يَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا الله، مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

نفر: الرجال من الثلاثة إلىٰ التسعة.

يقتطع دوننا: يؤخذ ويصيبه ضرر.

حائطاً: بستاناً.

هداية الحديث:

1) بيان عِظَمِ حبِّ الصحابة رضي الله عنهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وحرصهم علىٰ سلامته من كل مكروه في حال حياته صلى الله عليه وسلم، وأما بعد وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام فإن حرص أهل التوحيد والاتباع علىٰ سلامة سنته، والدفاع عنها، يعتبر من سلامته عليه الصلاة والسلام.

2) استحباب البشارة لأهل الإيمان وفتح باب الرجاء.

3) التوحيد مفتاح باب الجنة، فَلْيحرصِ العبد علىٰ صحة توحيده.

14/425 ــ وعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَلا قوْلَ الله _عز وجل_ في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضلَلنَ كَثِيرا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ} [إبراهيم: 36] ، وَقَوْلَ عيسىٰ صلى الله عليه وسلم: {إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَۖ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، فَرَفَعَ يَدَيْه وقال: « اللهم أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبكَىٰ، فقال الله _عز وجل_: «يَا جِبريلُ اذْهَبْ إلىٰ مَحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيهِ؟» فَأَتَاهُ جبرِيلُ، فَأَخْبَرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا قالَ، وَهو أَعْلَمُ، فقالَ الله تعالىٰ: «يَا جِبريلُ، اذهَبْ إلىٰ مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوؤكَ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) رأفةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمته، واعتناؤه بمصالحهم، وهذا هو شأن المسلم؛ حريصٌ علىٰ العباد، ألا يشق عليهم، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

2) فتح باب الرجاء لهذه الأمة المرحومة، إذا هي استقامت، كرامةً لنبيِّها صلى الله عليه وسلم.

15/426 ــ وعن مُعَاذِ بنِ جَبَل رضي الله عنه قال: كُنْتُ رِدْفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ حِمارٍ، فقال: «يَا مُعَاذ هَل تَدري مَا حَقُّ الله عَلَىٰ عِبادهِ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلىٰ الله؟». قلت: اللهُ وَرَسُولُه أَعْلَمُ. قال: «فَإنَّ حَقَّ الله عَلىٰ العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقَّ العِبَادِ عَلىٰ الله أَلاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشرِكُ بهِ شَيْئاً» فقلتُ: يا رسولَ الله، أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتّكِلُوا». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) البشارة لأهل الإيمان برحمات الله تعالىٰ لمن صدق بالعمل وأحسن فيه، أما مع العجز والكسل، فإن ذلك هو الأماني.

2) إن نفي الشرك عن العبد يدل علىٰ الإخلاص والتوحيد، فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ صحة توحيده.

16/427 ــ وعنِ البَرَاءِ بن عازبٍ رضي الله عنهم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «المُسلِمُ إذَا سُئِلَ في القَبْرِ يَشْهَدُ أن لاَ إلهَ إلَّا الله، وَأنَّ مُحَمَّداً رسولُ الله، فَذلِكَ قَولُه تعالىٰ: {يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلقَولِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَفِي ٱلأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]. متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) رحمة الله بعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، فمن حقق التوحيد، وعاش في حياته عليه، أثابه الله بالثبات في حياته، وقبره، ويوم حشره.

2) خير ما نُفَسِّر به كتاب الله هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

17/428 ــ وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الكَافِرَ إذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدّنيَا، وَأَمّا المُؤمِنُ فَإنَّ اللهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِه في الآخِرَةِ، وَيعقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلىٰ طَاعَتِهِ».

وفي روايةٍ: «إنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً، يُعْطَىٰ بِهَا في الدُّنْيَا، وَيُجْزَىٰ بِهَا في الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ لله تعالىٰ في الدّنْيَا، حَتَّىٰ إذَا أَفْضَىٰ إلىٰ الآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَىٰ بِهَا». رواه مسلم.

غريب الحديث:

أفضىٰ: صار إلىٰ الآخرة.

هداية الحديث:

1) بيان عدل الله مع عباده؛ بأن يوفيهم أجورهم، حتىٰ مع الكفرة الفجرة ؛ فالعدل مما يحبه الله ويرضاه.

2) الكافر يُجزىٰ علىٰ عمله الحسن في الدنيا، وأَما المؤمن فإنه يُجزىٰ عليه في الدنيا والآخرة، وهذا من البشارة لأهل الإيمان والرجاء لهم.

18/429 ــ وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلىٰ بَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ». رواه مسلم. «الْغَمْرُ»: الْكَثِيرُ.

هداية الحديث:

1) الصلاة تكفر الذنوب، وهذا من رحمة الله بالمؤمنين؛ إذ شرع لهم من العبادات ما يغسلون بها ذنوبهم.

2) إذا وفق الله العبدَ للمحافظة علىٰ الصلوات الخمس، فهي بشرىٰ خيرٍ له، بأنه ممن يُرجىٰ أنْ تُغفرَ ذنوبه.

19/430 ــ وعنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلىٰ جنَازَتِهِ أَربَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْرِكُونَ بالله شَيْئاً، إلَّا شَفَّعَهُمُ الله فيهِ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) ثبوت الشفاعة للمؤمنين إذا كان الميت من أهل الشفاعة، فشفاعتهم له أن يغفر الله ذنبه.

2) الترغيب بتكثير المصلين الموحدين علىٰ الجنازة، رجاء حصول المغفرة للميت بفضل الله تعالىٰ.

3) فضل التوحيد وأهله، والبراءة من الشرك وأهله.

20/431 ــ وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رسولِ الله رضي الله عنه في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرْبَعِينَ رجلاً، فقال: «أَتَرضَونَ أَنْ تكُونُوا رُبـُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «أَتَرضَوْنَ أنْ تكونوا ثُلُثَ أهلِ الجنَّةِ؟» قلنا: نَعَمْ، قال: «وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّد بِيَدهِ إنِّي لأرجو أن تكُونُوا نصفَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَذلِكَ أَنَّ الجنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إلَّا نَفْسٌ مَسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُم في أهْلِ الشِّرِكِ إلَّا كَالشَّعَرَةِ البَيْضَاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأسودِ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

قبّة: خيمة.

هداية الحديث:

1) المؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أكثر أهل الجنة، وهذا دليل علىٰ مكانة هذه الأمة المرحومة عند الله تعالىٰ.

2) قلة أهل الإيمان بالنسبة لأهل الكفر، فالمؤمن البصير لا يزن الشيء بكثرة أتباعه، ولكن يَعرف الحق بموافقته شرع رب العالمين، وهدي السابقين الأولين.

3) التدرج وتكرار البشائر مرة بعد مرة؛ ليكون أدعىٰ لتجديد الشكر مرة بعد مرة.

21/432 ــ وعن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ دَفَعَ اللهُ إلَىٰ كُلِّ مُسْلِمٍ يَهوديّاً أوْ نَصْرانيّاً، فَيَقُولُ: هذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ».

وفي روايةٍ: عنهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجِبَالِ يَغْفِرُهَا اللهُ لَهُم». رواه مسلم.

قوله: «دَفَعَ إلىٰ كُلِّ مُسْلِمٍ يَهوديّاً أوْ نَصْرانيّاً، فَيَقُولُ: هذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» مَعْنَاهُ مَا جَاءَ في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه: «لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فالمُؤْمِنُ إذَا دَخَلَ الجَنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ، لأَنّهُ مُسْتَحِقّ لِذلِكَ بِكُفْرِهِ».

ومَعْنىٰ «فِكَاكُكَ»: أَنكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ، وهذَا فِكَاكُكَ لأَنَّ الله تعالىٰ قَدَّرَ لِلنّارِ عَدَداً يَمْلَؤُهَا، فَإذَا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهِمْ وَبكُفْرِهِمْ، صَارُوا في مَعنىٰ الفِكَاكِ لِلمُسلِمِينَ. والله أعلم.

هداية الحديث:

1) تشريف الله هذه الأمة؛ لإيمانها بالله، وشهادتها علىٰ الناس.

2) هوان اليهود والنصارىٰ الذي حرّفوا كلام الله تعالىٰ، وقتلوا رسله عليهم الصلاة والسلام، فهم قرابين يفتدي بهم المسلمون.

22/433 ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهم قال: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُدْنَىٰ المُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن رَبِّهِ حَتَّىٰ يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيُقرِّرُهُ بِذُنـُوبِه، فيقولُ: أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول: رَبِّ أَعْرِفُ، قال: فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُها لَكَ اليومَ، فيُعطَىٰ صَحِيفَةَ حَسَنَاتِه». متفقٌ عليه.

«كَنَفُهُ»: ستْرُهُ وَرَحْمَتُهُ.

غريب الحديث:

يُدنىٰ: يقرب.

هداية الحديث:

1) رعاية الله وعنايته بأهل الإيمان، وستره لهم في الدنيا والآخرة.

2) العبد المؤمن لا يكذب، فالكذب من خصال أهل النفاق، والصدق من خصال أهل الإيمان.

تـنبيـه:

من أسماء الله الحسنى: (السِّتِّير) يحب الستر علىٰ المؤمنين، فرحم الله عبداً أعان علىٰ ستر أخيه المؤمن.

وقد شاع بين الناس اسم (عبد السَّتَّار) وهو خطأ؛ لأن (السِّتِّير) هو اسم لله تعالىٰ، أما (السَّتَّار) فليس من الأسماء الحسنىٰ، والواجب التقيُّد بما ورد في النصوص الشرعية؛ لأن أسماء الله تعالىٰ توقيفية. {قُل ءَأَنتُم أَعلَمُ أَمِ ٱللَّهُ}؟

23/434 ــ وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَىٰ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخْبَره، فأنزل الله تعالىٰ: {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيلِ إِنَّ ٱلحَسَنَٰتِ يُذهِبنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ} [هود: 114] ، فقال الرجل: ألي هذَا يا رسولَ الله؟ قال: «لجَمِيعِ أُمَّتي كُلِّهِمْ». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

طرفي النهار: غدوة وعشية.

زلفاً من الليل: ساعات منه قريبة من النهار.

هداية الحديث:

1) الصلاة هي أفضل أعمال أهل الإيمان، وخير ما تواصىٰ به المؤمنون.

2) فتح باب الرجاء لعموم أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فمن أحدث ذنباً فَلْيُحْدِث بعده صلاة تـكــفِّر ذنبه، قال صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحُها».

24/435 ــ وعن أنَسٍ رضي الله عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إلىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله أَصَبْتُ حَدّاً، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، وَحَضرَتِ الصَّلاةُ، فَصَلَّىٰ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قضىٰ الصَّلاة قال: يا رسول الله إنِّي أَصَبْتُ حدّاً، فأَقِمْ فيَّ كِتَابَ الله، قال: «هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاةَ؟» قال: نَعم، قال: «قد غُفِرَ لَكَ». متفقٌ عليه.

وقوله: «أَصَبْتُ حَدّاً» معناه: مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير، ولَيْسَ المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ الحَقيقِيَّ، كَحَدِّ الزِّنَا والخمر وغَيْرِهِمَا، فإنَّ هذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، ولا يجوزُ لِلإمامِ تَرْكُهَا.

هداية الحديث:

1) إذا أدىٰ العبد الصلاة علىٰ الوجه الشرعي الصحيح، متبعاً صفة صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، فإن هذه العبادة تكفِّر الذنوب، ولو عظمت.

2) رحمة الله بعباده؛ إذ فتح لهم أبواب مكفرات الذنوب، ومنها الصلوات.

25/436 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيَرْضَىٰ عن الْعبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَليها، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَليها». رواه مسلم.

«الأَكْلَةُ» بفتح الهمزة، وهي المرةُ الواحدةُ مِنَ الأَكْلِ كَالغَدوَةِ والعَشْوَةِ، والله أعلم.

هداية الحديث:

1) إن حمد الله تعالىٰ عند كل طعام وشراب، هو نوع من رجاء العبد ربَّه سبحانه.

2) المؤمن يبتغي وجه الله في مأكله ومشربه، ويستعين به علىٰ طاعة ربِّه.

26/437 ــ وعن أبي موسىٰ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ تعالىٰ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ اللَّيْلِ، حتىٰ تطْلُعَ الشَّمسُ مِنْ مَغْرِبها». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) التوبة باب مفتوح، ومن قرع الباب فُتح له.

2) رحمة الله بعباده في قبول توبة العاصين، وفي توفيقهم لها.

27/438 ــ وعن أبي نجَيحٍ عَمرو بن عَبَسَةَ، بفتحِ العين والباء، السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قال: كنتُ وَأنا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أنَّ النَّاسَ عَلىٰ ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا علىٰ شيءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً، فَقَعَدْتُ عَلىٰ راحِلَتي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِياً، جُرَآء عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّىٰ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بمَكَّة، فقلتُ له: ما أنْتَ ؟ قال: «أنا نَبِيٌّ» قلتُ: وما نبيّ؟ قال: «أَرْسَلَني الله»، قلت: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قال: «أَرْسَلَنِي بِصَلِةِ الأرْحَامِ، وكسْرِ الأوْثانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ الله لاَ يُشْركَ بِه شَيْءٌ» قلت له: فَمَنْ مَعَكَ عَلىٰ هذَا؟ قال: «حُرٌّ وعَبْدٌ» ومعهُ يَوْمَئِذٍ أبو بكرٍ وبِلالٌ رضي الله عنهم، فقلتُ: إنِّي مُتَّبِعُكَ، قال: «إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ذلِكَ يَوْمَكَ هذَا، أَلا تَرَىٰ حَالي وحالَ النَّاسِ؟ ولكِن ارْجِعْ إلىٰ أَهْلِكَ، فَإذَا سَمِعْتَ بي قد ظَهَرتُ فَأْتِني». قال: فَذَهَبْتُ إلىٰ أهلي، وَقَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وكنتُ في أَهْلِي، فجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ المدينَةَ، حَتَّىٰ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ أهلِي المدينةِ، فقلتُ: مَا فَعَلَ هذَا الرَّجُلُ الذي قَدِمَ المدينةَ؟ فقالوا: النَّاسُ إليهِ سِرَاعٌ، وَقَدْ أَرَادَ قَومُهُ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ، فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَدَخَلتُ عليهِ، فقلتُ: يا رسولَ الله أتعْرِفُني ؟ قال: «نَعم، أنتَ الَّذي لَقيتَني بِمكةَ» قال: فقلتُ: يا رسولَ الله، أَخْبِرْني عمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ، أخبِرْني عَنِ الصَّلاةِ ؟ قال: «صَلِّ صَلاةَ الصُّبحِ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّىٰ تَرْتَفعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْح؛ فَإنَّهَا تَطلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَينَ قَرْنَي شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإنَّ الصَّلاةَ مشهودةٌ مَحْضورَةٌ حتىٰ يستَقِلَّ الظِّلُ بالرُّمْحِ، ثُمَّ اقْصُرْ عنِ الصَّلاةِ؛ فإنه حينئذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ؟ فإذا أقبَلَ الفَيءُ فَصَلِّ؛ فإنَ الصَّلاةَ مَشهودةٌ مَحضورة حتىٰ تُصَلِّيَ العصرَ، ثم اقْصُرْ عنِ الصَّلاةِ حتىٰ تَغْرُبَ الشمسُ؛ فإنها تَغْرُبُ بين قَرنَيْ شيطانٍ، وحينئذٍ يسجدُ لها الكُفَّارُ» قال: فقلت: يا نَبِيَّ الله؟ فالوضوءُ، حدّثني عنه؟ فقال: «ما مِنكُمْ رَجُلٌ يقرِّبُ وَضُوءَهُ، فَيتَمَضْمَضُ، ويسْتَنْشِقُ فيَنْتَثِرُ، إلَّا خَرَّتْ خطايَا وجهِه وفِيْهِ وخَياشِيمِهِ، ثم إذا غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللهُ، إلاَ خرَّت خطايا وجهِهِ مِنْ أطرافِ لِحْيَتِهِ مع الماءِ، ثم يغسِل يَدَيْهِ إلىٰ المِرفَقَينِ، إلَّا خرّت خطايا يديه من أنامِلِهِ مع الماءِ، ثم يَمسحُ رَأسَهُ، إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأسِهِ مِن أطرافِ شَعَرِهِ مع الماء، ثم يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلىٰ الكَعْبَيْنِ، إلَّا خَرَّتْ خطايا رِجْلَيه من أنامِلِهِ مع الماء، فإن هو قامَ فَصَلَّىٰ، فَحَمِدَ اللهَ تعالىٰ، وأَثْنَىٰ عليهِ، ومَجَّدَهُ بِالذي هو له أَهلٌ، وفَرَّغَ قلبه لله تعالىٰ، إلَّا انصَرَفَ من خَطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ ولَدَتْهُ أُمُّهُ». فحدّثَ عَمرُو بن عَبَسَةَ بهذَا أَبَا أُمامَة صاحِبَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمَامَة: يا عَمْرُو بنَ عَبَسَةَ، انظُر ما تقولُ! في مقام واحِدٍ يُعْطىٰ هذَا الرَّجُلُ؟ فقال عَمْرٌو: يا أبا أمامَةَ لقَدْ كبرَتْ سنِّي، ورَقَّ عَظْمِي، واقْتَرَبَ أَجَلي، ومَا بِيْ حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ علىٰ الله تعالىٰ، ولا علىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لو لم أَسْمَعْهُ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَو ثلاثاً، حتَّىٰ عَدَّ سبعَ مَرَّاتِ، ما حَدَّثتُ أَبداً بِهِ، ولكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكثرَ من ذلِك. رواه مسلم.

قوله «جُرآءُ عليهِ قومُه»: هو بجيمٍ مضمومة وبالمد علىٰ وزنِ عُلماءَ، أَي: جاسِرونَ مُستطِيلُونَ غيرُ هائبينَ. هذِهِ الرواية المشهورةُ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرُهُ: «حِرَاءٌ» بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه: غِضابٌ ذَوُو غَمٍّ وهمٍّ، قد عِيْلَ صَبرُهُمْ به، حتّىٰ أَثّرَ في أجسامِهِمْ، من قوْلِهم: حَرَىٰ جِسمُهُ يَحْرَىٰ إذا نَقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غمٍّ ونَحوِهِ، والصّحِيحُ أَنَّهُ بالجِيمِ. قوله صلى الله عليه وسلم: «بينَ قَرنَي شيطانٍ» أَيْ: ناحيتي رأسِهِ، والمرادُ التَّمثيلُ، معناهُ: أنَّه حينئذٍ يَتَحَرَّكُ الشّيطانُ وشِيعتُه، ويَتَسَلَّطُونَ. وقوله: «يُقَرِّبُ وَضَوءه» معناه: يُحْضِرُ الماءَ الذي يَتَوَضَّأُ به. وقوله: «إلَّا خَرّتْ خَطايا» هو بالخاء المعجمة، أَيْ: سقَطَت، ورواه بَعضُهُم «جرَتْ» بالجيم، والصحيح بالخاءِ، وهو روايةُ الجُمهور. وقوله: «فَيَنْتَثِرُ» أَيْ: يَسْتَخرجُ ما في أَنفِه مِنْ أَذىٰ، والنَّثرَةُ: طرَفُ الأنفِ.

غريب الحديث:

فتلطفت: فترفقت.

متبعك: مظهر للإسلام، ومقيم معك في مكة.

قيد رمح: بقدر بضع دقائق بعد طلوع الشمس.

تُسْجَر: تُهَيَّجُ بالوقود.

الفيء: ظل ما بعد الزوال.

فيه: فمه.

خياشيمه: أنفه.

هداية الحديث:

1) بدأ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم دعوته غريباً متخفياً، ثم أكرمه ربه سبحانه وأكرم صحابته رضوان الله عليهم بالتمكين في الأرض، بما صبروا علىٰ الأذىٰ، والابتلاء مع دوام الرجاء، وهذه وصية عظيمة لدعاة الأمة ألا يستعجلوا نصر الله تعالىٰ.

2) بيان لفضل أبي بكر الصدّيق وبلال، فهما من السابقين الأولين رضي الله عنهم.

3) تحريم التشبُّه بالكفار ولو لم يقصد المتشبه ذلك، فإن الذي يصلي حين تطلع الشمس، أو حين تغرب قد لا يقصد بذلك التشبه بالكفار، ومع ذلك فالصلاة حينئذٍ منهيٌّ عنها.

4) بيان فضلِ الوضوء؛ وأنه مكفر للذنوب والخطايا، وهذا من الرجاء للمؤمنين المتطهرين.

28/439 ــ وعن أبي موسىٰ الأشعَري رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا أرادَ اللهُ تعالىٰ رحمةَ أُمَّةٍ قَبَضَ نبيَّهَا قبلَها، فجعَلَهُ لها فَرطاً وسَلَفاً بينَ يَدَيها، وإذا أراد هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَّبها ونبيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيٌّ ينظُرُ، فأَقَرَّ عيْنَهُ بِهَلاكِها حين كذَّبُوهُ وعَصَوا أَمْرَهُ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

فرطاً: متقدماً وسابقاً.

بين يديها: أمامها.

فأقرّ عينه: حَصَل له السرور بهلاكها جزاء تكذيبهم وعصيانهم.

هداية الحديث:

1) لطف الله بهذه الأمة المحمدية المرحومة ــ زادها الله شرفاً ــ ؛ إذ قبض نبيَّها صلى الله عليه وسلم قبلها.

2) اهتمام الأنبياء عليهم السلام بأقوامهم، وحرصهم علىٰ رعايتهم، وإصلاح شؤونهم.

3) تعذيب الكفار وإهلاكهم، فيه نصرٌ لمنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم.