قال الله تعالىٰ إخباراً عن العبدِ الصّالحِ: {وَأُفَوِّضُ أَمرِيٓ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُ بِٱلعِبَادِ * فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِ مَا مَكَرُواْۖ} [غافر: 44 ـ 45].
1) تفويض الأمر إلىٰ الله تعالىٰ علامة صحة التوكل.
2) مَنْ فَوَّضَ أمره إلىٰ مولاه، كفاه الله حاجته وأغناه.
1/440 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: «قال الله _عز وجل_: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي، وأنا مَعَهُ حَيْثُ يَذكُرُني، وَاللهِ لَلهُ أَفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إلَيه ذراعاً، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعاً تَقَرَّبْتُ إليه بَاعاً، وإذا أَقْبَلَ إلَيَّ يَمْشي أَقبَلتُ إلَيه أُهَرْوِلُ». متفق عليه، وهذا لفظ إحدىٰ رِوايات مسلم. وتقدَّم شرحُهُ في الباب قبله.
وروي في الصحيحين: «وأنا معه حينَ يَذْكُرُني» بالنون، وفي هذه الرواية «حَيْثُ» بالثاء، وكلاهما صحيح.
1) الحث علىٰ حسن الظنَ بالله تعالىٰ، ورجاء رحمته، والمبادرة إلىٰ التوبة، والتقرب إليه بالطاعات.
2) إن حسن الظن بالله، معناه: أن ترجو ما عند الله ولو كان غائباً، وأن تقطع تَعَلُّقَك بما عندك وعند الخلق ولو كان موجوداً.
متىٰ يكون العبد محسناً الظن بالله _عز وجل_؟
يكون ذلك إذا فعل مايوجب فضل الله ورحمته؛ فيعمل الصالحات، ويُحسن الظن بأن الله تعالىٰ يقبلها، أما أن تحسن الظن وأنت لا تعمل، أو تحسن الظن مع مبادرتك له بالعصيان، فهذا دأب العاجزين المفلسين البطَّالين.
2/441 ــ وعن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه أَنَّهُ سمعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: «لاَ يمُوتَنَّ أحَدُكُم إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله _عز وجل_». رواه مسلم.
لا يموتن: أيْ: لِيَحْرِصْ ألاّ يأتيه الموت إلاّ وهو علىٰ هذه الحالة.
1) علىٰ العبد أن يحسن الظن بالله سبحانه وتعالىٰ، ولكن مع فعل الأسباب التي توجب ذلك؛ من صدق الاعتقاد، وتحسين العمل، ولزوم سُنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2) حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ إرشاد أمته، وشدة رأفته بالمؤمنين في جميع أحواله، حتىٰ وهو في مرض موته ينصح لأمته.
3) الحث علىٰ الرجاء، ولاسيّما عند الموت؛ لأن الرجاء في هذه الحالة من أحسن حال العبد.
3/442 ــ وعن أنس ٍرضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالىٰ: يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ مَا دَعَوْتَني وَرَجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلىٰ مَا كَانَ مِنكَ وَلا أُبَالي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ، ثم اسْتَغْفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ وَلا أُبالي، يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَني بِقُرابِ الأرضِ خطايا، ثُمَّ لَقَيْتَني لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأتيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً». رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
«عَنَانُ السَّماءِ» بفتح العين، قيل: هو ما عَنَّ لَك منها، أَي: ظَهَرَ إذَا رفعْتَ رَأْسَكَ، وقيلَ: هو السَّحَاب. «وقُرَاب الأرض» بضم القاف، وقيلَ بكسرِها، والضمّ أصح وأشهر، وهو: ما يُقارِبُ مِلأهَا، والله أعلم.
1) سعة فضل الله _عز وجل_ وكرمه؛ فإن رحمته وسعت كل شيء، وما خلق الله الخلق إلا ليرحمهم بعبوديتهم إياه، لا ليعذبهم.
2) الحث علىٰ الاستغفار والدعاء والرجاء من الله سبحانه، فهذه من صفات المؤمنين.
3) فضل التوحيد، وبيان أنه من أعظم مكفرات الذنوب.