قال الله تعالىٰ: {وَٱلكَٰظِمِينَ ٱلغَيظَ وَٱلعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلمُحسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وقال تعالىٰ: {خُذِ ٱلعَفوَ وَأمُر بِٱلعُرفِ وَأَعرِض عَنِ ٱلجَٰهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالىٰ: {وَلَا تَستَوِي ٱلحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ٱدفَع بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ * وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم} [فصلت: 34_35]، وقال تعالىٰ: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِن عَزمِ ٱلأُمُورِ} [الشورىٰ: 43].
الحلم: أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب.
الأناة: التمهل في الأمور، وعدم العجلة.
الرفق: معاملة الناس بالسهولة واللين، لمن يستحق ذلك.
1) الإنسان الذي هو أهل للعفو يُعفىٰ عنه، وأما الإنسان الشرير الذي لا يزداد بالعفو عنه إلا سوءاً فعقوبته أولىٰ من العفو عنه. فالعفو المطلوب ما ترتب عليه صلاح.
2) الأخذ بالعفو، معناه: ما عفا وسهل من أحوال الناس. والأمر بالعرف، أي: بما يتعارفه الناس، ويعرفه الشرع من أمور الخير. والإعراض عن الجاهلين: وهم السفهاء الذين يجهلون حقوق الغير، ويفرطون فيها.
فهذه ثلاثة أوامر من الله _عز وجل_ لو أننا سرنا عليها لكان لنا فيها خيرٌ عظيمٌ.
3) إن الصبر علىٰ الأذىٰ، والتجاوز عنه إذا وقع، من عزم الأمور التي تدلّ علىٰ حزم الرجل وتمام عقله.
1/632 ــ وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الحِلْمُ وَالأَناةُ». رَواه مسلم.
1) إثبات صفة الحب لله تعالىٰ بالمعنىٰ اللائق علىٰ مراد الله سبحانه.
2) تنوع الأخلاق؛ فمنها ما هو في أصل خلقة الإنسان، ومنها ما هو مكتسب.
3) الأخلاق قابلة للتغيير، ولو لم تكن كذلك لم يكن للمواعظ والوصايا معنىٰ.
4) الحضّ علىٰ التثبّت في الأمور، والنظر في عواقبها، فالتأني في الأمور المشكلة خير.
2/633 ــ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله رفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأَمْرِ كُلِّهِ». متفقٌ عليه.
3/634 ــ وعنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي عَلىٰ الرِّفْق ما لا يُعْطي عَلىٰ العُنفِ، وَمَا لا يُعْطي عَلىٰ ما سِواه». رواه مسلم.
1) الحث علىٰ أن يكون الإنسان رفيقاً في جميع شؤونه، فالرفق محبوب إلىٰ الله _عز وجل_ وإلىٰ عباد الله.
2) علوّ منزلة الرفق بين مكارم الأخلاق، لما فيه من العاقبة الحسنة والثواب الجزيل.
4/635 ــ وعنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مَنْ شَيْءٍ إلاَ شَانَهُ». رواه مسلم.
زانه: حسّنه وجمّله.
شانه: عابه وقبّحه.
1) ضرورة التحلّي بالرفق؛ فإنه يزيّن المرء، ويُجمِّله في أعين الناس ويرفع قدره عند الله تعالىٰ.
2) الوصية بالبعد عن العنف والشدّة؛ لأنها تعيب صاحبها، وتفسد صالح عمله.
5/636 ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بَالَ أَعْرَابِيٌّ في المسجِدِ، فَقَامَ النَّاسُ إلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهُ، وَأَرِيقُوا عَلىٰ بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِن مَاء، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِين». رواه البخاري.
«السَّجْلُ» بفتح السين المهملة وإسكانِ الجيم: وهِيَ الدَّلْو المُمْتَلِئَةُ مَاءً، وكَذلِكَ «الذَّنُوبُ».
أريقوا: صبّوا.
1) بيان العذر بالجهل، لمن تعذر عليه سبيل العلم، والأمر بتعليم الجاهل.
2) حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان هديه في تعليمه ورفقه، فالرفق يحصل به الخير، والعنف يحصل به الشر.
3) بيان خلاصة دعوة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : (التيسير وترك التعسير) و(التبشير وترك التنفير).
قاعدة الشرع أنه يأمر بدفع أعلىٰ المفسدتين بأدناهما، إذا لم يمكن دفعهما معاً.
والمفسدتان المذكورتان في الحديث، هما:
الأولىٰ: استمرار الأعرابي في بوله، وهي مفسدة صغرىٰ.
والثانية: منعه من بوله، وهذه مفسدة أكبر؛ لأنه يترتب عليها: الضرر علىٰ هذا الأعرابي، وتلوّث المسجد، ونجاسة ثوبه.
أما لو أتم بوله فالمفسدة أدنىٰ، فإذا اجتمعت المفاسد ولم يكن دفعها، تقدم الأسهل لدفع الأشد.
6/637 ــ وعن أَنس رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنفِّروا». متفقٌ عليه
1) كلّ ما كان أيسر فهو أفضل، ما لم يكن إثماً، ولهذا كان هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً.
2) استحباب لزوم البشارة؛ لأنها تدخل السرور علىٰ نفس المسلم، وعلىٰ غيره.
3) علىٰ الداعي إلىٰ الله تعالىٰ أن ينظر بحكمة إلىٰ كيفية تبليغ دعوة الإسلام؛ بأن يكون ميسِّراً لا معسِّراً، ومبشِّراً لا منفِّراً.
7/638 ــ وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخيْرَ كُلَّهُ». رواه مسلم.
1) الأمر بالرفق والحث عليه، فالله يُعطي علىٰ الرفق ما لا يُعطي علىٰ غيره.
2) علىٰ من يسعىٰ لإصابة الخير أن يكون عالماً رفيقاً في طلبه حتىٰ ينال مبتغاه.
8/639 ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلاً قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِني، قال: «لا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَاراً، قال: «لا تَغْضَبْ». رواه البخاري.
1) الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، فعلىٰ العبد أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويفزع إلىٰ الوضوء، ليُذهبَ عنه وسواسَ الشيطان.
2) علىٰ الإنسان حال غضبه أن يتعاطىٰ أسباباً تدفع عنه الغضب وتسكنه، وأن يملك نفسه، ولا يسترسل مع الغضب.
9/640 ــ وعن أبي يَعلَىٰ شدَّاد بن أوس رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحسَانَ عَلىٰ كُلِّ شَيءٍ؛ فإذا قَتَلتُم فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُم شَفْرَتَه، وَلْيُرِحْ ذِبيحَتَهُ». رواه مسلم.
كتب: فرض وشرّع.
1) وجوب إتقان كلّ الأعمال، والإحسان إلىٰ كلّ الخلق، والرفق بهم، والشفقة عليهم.
2) إراحة الذبيحة أمر زائد علىٰ مجرد شحذ الشفرة، وذلك بأن يقطع الأوداج بقوة.
من إراحة الذبيحة أن تضع الرِّجل علىٰ الرقبة، ثمّ تدع القوائم تتحرك؛ لأن ذلك أيسر لها، وأشد تفريغاً للدم.
10/641 ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: مَا خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ أَمرَينِ قَطُّ إلَّا أَخَذَ أَيسَرَهُمَا، مَا لَم يَكُن إثماً، فَإن كَانَ إثماً كَانَ أَبعَدَ النَّاس مِنْهُ، وَمَا انتَقَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ في شَيءٍ قَطُّ، إلَّا أَن تُنتَهكَ حُرْمَةُ الله، فَيَنْتَقِمَ لله تعالىٰ. متفقٌ عليه.
1) الإسلام دينٌ مداره علىٰ اليسر ورفع الحرج، والأخذ بالأيسر الموافق للشرع، في كافة الأمور الدينية والدنيوية.
2) البعد عن الآثام والمعاصي، وعدم جعل يُسر الشريعة سبباً لترك الواجبات، أو فعل المحرمات، أو التساهل في حرمات الشرع.
3) الحث علىٰ العفو والحلم واحتمال الأذىٰ، مع الانتصار لدين الله تعالىٰ عند انتهاك المحرمات. فهذه الغيرة يحبها الله تعالىٰ من عبده، تعظيماً لشعائر الله.
4) يستحب للأئمة والقضاة وسائر ولاة الأمور التخلُّق بهذا الخلق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يُهمل حق الله تعالىٰ.
11/642 ــ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلىٰ النَّارِ، أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَليْهِ النَّارُ؟ تَحْرُمُ عَلىٰ كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
كلّ قريب: قريب من الناس مُحبَّبٌ إليهم، لحسن عشرته.
1) مكارم الأخلاق منجاة من عذاب الله تعالىٰ.
2) الوصية النبوية باللين والسهولة، ومخالطة الناس، والصبر علىٰ أذاهم.