اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

73 ــ باب حُسن الخلق

قالَ الله تعالىٰ: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] ، وقال تعالىٰ: {وَٱلكَٰظِمِينَ ٱلغَيظَ وَٱلعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ} الآية [آل عمران: 134].

فائدة:

حُسن الخُلق: يكون مع الله، و مع عباد الله.

ــ أمّا حسن الخلق مع الله: فهو الرضا بحكمه شرعاً وقدراً، وتلقي ذلك بالانشراح وعدم الحرج.

ــ وأمّا حسن الخُلق مع الخَلْق: فمداره علىٰ أمرين: كفّ الأذىٰ، وبذل الندىٰ. ويكون كفّ الأذىٰ بألا يؤذي الناس بلسانه أو جوارحه، وأما بذل الندىٰ فمعناه: العطاء من مال، وعلم، وجاه، وطلاقة وجه، ونحو ذلك.

هداية الآيات:

1) الثناء علىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنْ كان خلقه القرآن؛ يتأدب بآدابه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه، ولذلك وصف الله حال نبيِّه {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم}.

2) إن كظم الغيظ والعفو عن الناس من صفات المحسنين في أخلاقهم.

1/621 ــ وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً. متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) ما من خُلق حسن كامل إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم علىٰ وجهه الأمثل والأفضل.

2) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، فعلىٰ أهل الإيمان التأسي به في حسن خلقه.

2/622 ــ وعنه قال: «مَا مسَسْتُ ديباجاً وَلا حَرِيراً أَلينَ مِنْ كفِّ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلاَ شَمَمْتُ رائحةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رَائحَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَما قالَ لي قَطُّ: أُفّ، وَلا قالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: ألا فعلت كَذا؟.». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) ألان الله يد نبيِّه صلى الله عليه وسلم وألان قلبه، لقوله تعالىٰ: {فَبِمَا رَحمَة مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۖ}.

2) كمال خلق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مع خادمه ومن يخالطهم بكثرة، وهذا هو شأن المؤمن الموفَّق.

3) تحرّي أنس رضي الله عنه موافقة مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خدمه عشر سنين، فلم يعترض عليه، ولو فعل أنس رضي الله عنه ما يوجب التأديب لَـمَـا أخّر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فائدة:

يستفاد من هذا الحديث ترك العقاب علىٰ ما فات، لأن هذا يورث الشقاق والبغضاء، ولا يصلح ما فسد، وفي ذلك تنزيه اللسان عن الزجر والذم. ولأنه يحصل معه جبران خاطرِ الخادمِ بترك معاتبته، كل ذلك يكون في الأمور الدنيوية.

وأما الأمور الدينية فلا يُتسامح فيها، لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي حق الشرع، وليست حقاً شخصياً.

3/623 ــ وعن الصَّعب بن جَثَّامَةَ رضي الله عنه قال: أَهْدَيْتُ رسُولَ صلى الله عليه وسلم حِمَاراً وَحْشِيّاً، فَرَدَّهُ عَليَّ، فلمَّا رأىٰ مَا في وَجْهىٰ قالَ: «إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنّا حُرُمٌ». متفق عليه.

غريب الحديث:

حُرُم: مُحرِمون بالنسك (الحج أو العمرة).

هداية الحديث:

1) حسن خُلق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم في تطييب قلوبهم.

2) علىٰ الإنسان أن يجبر خاطر أخيه إذا فعل معه ما لا يحب، ويبيّن له السبب، لتطيبَ نفسه، ويطمئن قلبه.

4/624 ــ وعن النَّواسِ بنِ سمعانَ رضي الله عنه قال: سألتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ والإثمِ، فقالَ: «البِرُّ: حُسْنُ الخُلُقِ، والإثْمُ: مَا حَاكَ في نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) البِرُّ كلّه في حسن الخلق مع الله تعالىٰ، ومع عباد الله.

2) كلّ ما أوقع الريب في القلب فهو من الإثم الواجب الابتعاد عنه.

5/625 ــ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم قال: لم يكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاحِشاً ولا مُـتَفَحِّشاً، وكان يَقُولُ: «إنَّ مِنْ خِيارِكُم أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقاً». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

فاحشاً: ناطقاً بالفحش، وهو الكلام السيئ.

مُتفحِّشاً: المتطبّعٌ بالفحشاء، المتكلّف والمبالغ للفحش.

هداية الحديث:

1) بيان صفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان أبعد الناس عن الفُحش في مقاله وفِعاله صلى الله عليه وسلم. فعلىٰ المؤمن أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.

2) الحث علىٰ حسن الخلق، فحُسن الخلق عليه مدار الدِّين وهو ميدان التنافس بين المؤمنين، فمن سبق إليه كان من خيار المؤمنين وأكملهم إيماناً.

6/626 ــ وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما من شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيَامَةِ من حُسْنِ الخُلُقِ، وإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

«البَذِيُّ»: هو الَذي يَتكَلَّم بالفُحْشِ، وردِيءِ الكلامِ.

هداية الحديث:

1) إن حسن الخلق من أعظم الأعمال الصالحة، التي يجدها العبد في صحيفته يوم القيامة، ويراها في ميزان حسناته.

2) علىٰ المؤمن الابتعاد عما يبغضه الله ويكرهه، ومن ذلك الفحش وبذاءة اللسان.

7/627 ــ وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ؟ قال: «تَقْوىٰ الله وَحُسْنُ الخُلُقِ». وَسُئِلَ عَن أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: «الْفَمُ وَالفَرْجُ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

هداية الحديث:

1) الحضّ علىٰ تقوىٰ الله تعالىٰ، والتقوىٰ: كلمة جامعة لفعل ما أمر الله به، وترك ما نهىٰ الله عنه.

2) إن حسن الخلق مع التقوىٰ مفتاحُ دخولِ الجنّة.

8/628ــ وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إيْمَاناً أَحْسَنُهُم خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

هداية الحديث:

1) الإيمان شعب، والناس يتفاوتون فيه، والموفّق مِن المؤمنين مَن سعىٰ في زيادة إيمانه.

2) علىٰ العبد أن يكون مع أهله خير صاحب، وخير محبّ، وخير مربّي، لأن الأهل أحق بحُسن خلقك من غيرهم، فابدأ بالأقرب فالأقرب.

9/629ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ». رواه أبو داود.

هداية الحديث:

1) إن من أجل الدرجات: الصائم بالنهار القائم بالليل، فكيف يُغفَل عن عبادة تعدل ذلك؟!

2) حسن الخلق يضاعف الثواب والأجر، حتىٰ يبلغ العبد به درجة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر.

10/630ــ وعن أبي أُمَامَةَ الباهليِّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَنا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ، وَإن كَانَ مُحِقاً، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ الكَذِبَ، وَإن كانَ مازِحاً، وَبِبَيتٍ في أَعْلىٰ الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ». حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح.

«الزعِيمُ»: الضامِنُ.

غريب الحديث:

رَبَض الجنّة: أدناها، وربض المدينة ما حولها.

المِراء: المجادلة والمنازعة في القول والعمل.

هداية الحديث:

1) الترغيب في ترك الجدال، لأنه يُفضي إلىٰ الاختلاف والشقاق.

2) حرمة الكذب بكل أشكاله، ولو كان في المزاح واللهو، وفي هذا إبطال لمن يقول: (هذا كذب أبيض).

3) أعلىٰ مراتب الأجر عند الله لمن حسُن خلقه؛ لأن حسن الخلق جامعٌ للفضائل كلّها.

6/631 ــ وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ مِنْ أَحَبَكُم إليَّ، وَأَقْرَبِكُم مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنكُم أَخلاقاً. وإنَّ أَبْغَضَكُم إليَّ، وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ» قالوا: يا رسولَ الله قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قال: «المُتكَبِّرُونَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

«الثَّرْثَارُ»: هُوَ كَثِيرُ الكَلامِ تَكلُّفاً. «وَالمُتَشَدِّقُ»: الْمُتَطَاوِلُ عَلىٰ النَّاسِ بِكَلاَمِهِ، وَيَتكَلَّمُ بِمَلءِ فيه تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لِكَلامِهِ. «وَالمتَفَيْهِقُ»: أَصْلُهُ مِنَ الفَهْقِ، وَهُوَ الامْتِلاءُ، وَهُوَ الَّذي يَمْلأ فَمَهُ بِالْكَلاَمِ، وَيَتَوَسَّعُ فيه، وَيُغْرِبُ بِهِ تَكبُّراً وَارتِفَاعاً، وَإظْهَاراً للفَضِيلَةِ عَلىٰ غَيْرِهِ.

وروىٰ التِّرمذيُّ عن عبدِ الله بن المباركِ ــ رحِمه الله تعالىٰ ــ في تَفْسِيرِ حُسْنِ الخُلُقِ قال: هُوَ طَلاقَةُ الوَجه، وبَذْلُ المَعرُوف، وكَفُّ الأَذَىٰ.

هداية الحديث:

1) إن حسن خلق المسلم من أسباب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، والقرب منه، يوم القيامة.

2) التحذير من كثرة الكلام بإظهار الدعاوىٰ، والتفاخر. والتحذير من التوسع في الكلام لإظهار البلاغة والفصاحة، فهذه الصفات يبغضها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ويبغض أصحابها، وهي سبب لبعد أهلها عنه يوم القيامة.

3) شفقة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ أمته؛ فقد بيّن لنا ما يحبه لنفعله، وما يبغضه لنحذره.