1/825 ــ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُقيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلاً مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلكِنْ تَوَسَّعُوا وَتَفَسَّحُوا» وَكَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ من مَجْلِسِهِ، لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ. متفقّ عليه.
1) إظهارالسُّنّة النَّبويَّة في التوسّع في المجلس بقول: « تفسَّحوا في المجالس»، فإظهار هذا الأدب يجعل قلوب أهل الإيمان متحابّة متماسكة.
2) بيان ورع ابن عمر رضي الله عنهما.
2/826 ــ وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله قال: «إذا قامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». رواه مسلم.
1) إذا قام صاحب المجلس لحاجة ثمّ عاد، فهو أولىٰ بمجلسه من غيره.
2) حرص الإسلام علىٰ إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه؛ ردعاً لشهوات النفوس، واحتراماً لحقوق الأخوّة الإيمانية.
3/827 ــ وعن جَابِر بنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا إذا أتيْنَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهي».
رواه أَبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن.
1) بيانُ أدبٍ من آداب المجلس، وهو أن تجلس حيث ينتهي بك المجلس.
2) يستحب الأدب عموماً، وفي مجالس العلم خصوصاً، لأنها أشرف المجالس وأولاها بالأدب.
4/828 ــ وعن أبي عبدِ الله سَلمَانَ الفارسيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّر ما اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرِ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تكَلَّمَ الإمامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَىٰ». رواه البخاري.
1) من آداب الحضور إلىٰ الجمعة ألا يفرق بين اثنين، إلا إذا كان هناك فرجة فالمشي لسدها ليس من التفريق.
2) تكفير الذنوب من الجمعة إلىٰ الجمعة؛ مشروط بوجود جميع ما تقدم من آداب الجمعة الواردة في الحديث. فالثواب التام، مرتب علىٰ العمل التام.
5/829 ــ وعن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أَبيهِ عن جَدِّهِ رضي الله عنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بإذْنِهِمَا». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
وفي روايةٍ لأبي داود: «لا يَجْلسْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلا بإذْنِهِمَا».
1) لا يجوز التفريق بين اثنين إلا إذا أَذِنَا لك في هذا، إما إذْناً بالقول، أو بالفعل.
2) علىٰ المسلم أن يحترم مشاعر الآخرين ولا يضيّق عليهم.
6/830 ــ وعن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الحَلْقَةِ». رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
وروىٰ الترمذي عن أبي مِجْلَزٍ: «أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ، فقال حُذَيْفَةُ: مَلْعُونٌ عَلىٰ لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، أَوْ: لَعَنَ اللهُ عَلىٰ لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الحَلْقَةِ». قال الترمذي: حديث حسن صحيح[7].
1) علىٰ الإنسان أن يجلس حيث انتهىٰ به المجلس، ولا يتوسط الحلقة.
2) مِن الحكمة في النهي عن الجلوس وسط الحلقة، لأنه يحول بين الناس في مجلسهم، فهذا نوعُ عدوانٍ عليهم، وعلىٰ حقوقهم.
7/831 ــ وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَيْرُ المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا»..
رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح علىٰ شرطِ البخاري.
1) المجالس الواسعة هي خير المجالس، لما فيها من انشراح الصدر وسعته.
2) علىٰ الجالسين دفع كل ما يُفضي إلىٰ ضيق المجلس، حتىٰ لا يفقد المجلس ثمرته، وخاصة إن كان مجلس علم.
8/832 ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَلَسَ في مَجْلِسٍ، فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فقال قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلكَ: سُبْحَانَكَ اللهم وَبحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذلكَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
9/833 ــ وعن أَبي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رسولُ الله يقولُ بِأخَرَةٍ إذا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ المَجْلِسِ: «سُبْحَانَكَ اللهم وَبحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ» فقال رجل: يا رسول الله، إنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلاً ما كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَىٰ؟ قال: «ذلكَ كَفَّارَةٌ لِمَا يكونُ في المَجْلِسِ». رواه أبو داود.
ورواه الحاكم أبو عبد الله في (المستدرك) من رواية عائشة رضي الله عنها وقال: صحيح الإسناد.
لَغَطُه: كلامه الذي لا نفع فيه.
بِأَخَرَة: في آخر المجلس.
1) من جلس مجلساً كثر فيه لغطه، يكفّره الدعاء الوارد في كفّارة المجلس، فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ حفظه، وذكره في المجالس، وتعليمه للجالسين.
2) هذا الدعاء فيه تنزيه الله عن كلّ نقص، وحمده علىٰ كلّ فعل، وإثبات الألوهية لله تعالىٰ وحده، والرجوع إليه بالاستغفار والتوبة.
هذا الدعاء يُقال حتىٰ في ختام مجالس الخير والذكر، فيكون كالختم عليها، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، الذي رواه النسائي في (عمل اليوم والليلة) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلساً، أو صلَّىٰ صلاةً تكلم بكلماتٍ، فسألْتُـهُ عن هذه الكلمات؟ فقال: «إنْ تَكلَّمَ بخير كان طابعاً عليهن إلىٰ يوم القيامة، وإنْ تَكلَّمَ بغير ذلك كان كفارة له: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك».
10/834 ــ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلَّما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقومُ مِن مَجْلِسٍ حتىٰ يَدْعُوَ بهؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ: «اللهم اقسِم لَنَا مِن خَشْيَتِكَ ما تَحُولُ بهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيْكَ، ومن طَاعَتِكَ ما تُبَلّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، ومِنَ اليَقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَينا مَصَائِبَ الدُّنيَا. اللهم مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وأَبصَارِنَا، وقوَّتِنَا ما أَحْيَيْتَنَا، واجعلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجعَلْ ثَأْرَنَا عَلىٰ مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنَا عَلىٰ مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَل مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنيَا أَكبَرَ هَمِّنَا، ولا مَبلَغَ عِلمِنَا، ولاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا»، رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
1) الترغيب في الدعاء بما يَحُول بين الإنسان وفعل المعصية، وهو خشية الله تعالىٰ، وكلّما زادت خشية العبد لله تعالىٰ زاد تعظيمه لربِّه جلَّ وعلا.
2) علىٰ العبد دوام الاستعانة بالله تعالىٰ، فالتوفيق إلىٰ الطاعة لا يكون إلا بعون منه جلَّ وعلا.
3) استحباب طلب بقاء النعمة ودوامها، والتمتع بها في غير معصية.
4) هذا الذكر ليس بلازم دائماً، وإنما المقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كثيراً.
11/835 ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ قَوْمِ يَقومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللهَ تعالىٰ فِيهِ، إلا قَامُوا عَنْ مِثلِ جِيفَةِ حِمَارٍ، وكانَ لَهُم حَسرَةً».
رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.
12/836 ــ وعنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسَاً لم يَذْكُرُوا اللهَ تعالىٰ فِيهِ، ولَمْ يُصَلُّوا علىٰ نَبِيِّهم فِيهِ، إلَّا كانَ عليهِمْ تِرَةٌ، فَإن شَاءَ عَذَّبَهُم، وإن شَاءَ غَفَرَ لَهُم». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
13/837 ــ وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لم يذكرِ اللهَ تعالىٰ فِيهِ كانَت عليهِ مِنَ الله تِرَةٌ، وَمَنِ اضطَجَعَ مَضْجَعاً لا يَذْكُرُ اللهَ تعالىٰ فِيهِ كانتْ عَلَيْهِ مِنَ الله تِرَةٌ». رواه أبو داود.
وقد سبق قريباً، وَشَرَحنا «التِّرَةَ» فِيهِ.
1) علىٰ العبد إذا جلس مجلساً أن يغتنمه بذكر الله _عز وجل_، والصَّلاة علىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلا كان المجلس حسرة عليه.
2) بذكر الله تطيب المجالس وتطمئن القلوب، فذِكْرُ الله غذاء، وذِكْرُ الناس داء.
قال الإمام الحسن البصري في قول الله تعالىٰ {وَمِمَّا رَزَقنَٰهُم يُنفِقُونَ}:
«إن من أعظم النفقة، نفقة العلم» وفي أثر آخر:
«نعمت العطية، ونعمت الهدية، الكلمة من الخير، يسمعها الرجل فيهديها إلى أخ له مسلم» وفي أثر عن أبي الدرداء: «ما تصدق عبد بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها إخواناً له مؤمنين، فيتفرقون وقد نفعهم الله بها». (مجموع الفتاوىٰ).