اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

161ــ باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء لَهُ والاستغفار والقراءة

1/946ــ عن أبي عمرو ــ وقيل: أبو عبد الله وقيل: أبو ليلىٰ ــ عثمانَ بنِ عفّانَ رضي الله عنه قَالَ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا فرغَ من دفن الميت وقفَ عليه، وقال: «اسْتغْفرُوا لأخيكمْ وسَلُوا لَهُ التَّثْبيتَ، فإنَّهُ الآن يُسْألُ». رواه أبو داود.

هداية الحديث:

1) هدي السُّنَّة عند دفن الميت: الاستغفار وسؤال الثبات لَهُ في جواب المَلَكَينْ.

2) عظم فتنة القبر، وهي: (سؤال الملكين)، فالميت محتاج إلَىٰ دعاء إخوانه بالثبات.

تنبيـه:

قوله «فإنه الآن يُسأل» هذا خبر عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقد عَلِم ــ بوحيٍ منَ الله ــ أنَّ الرجلَ يُسأل وقتَ فراغ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من دفنه. وأما في زماننا فلا يقول الواعظ : «فإنه الآن يُسأل»، لأنه لا يدري هل يُسأل الآن أم لا؟ ولكن يقتصر علىٰ قول: «استغفروا لأخيكم وسَلُوا له التثبيت».

2/947ــ وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قَالَ: إذَا دَفنتمُوني فأقيمُوا حَوْلَ قَبري قَدْرَ ما تُنحَرُ جَزورٌ ويُقسَّمُ لحْمُها، حَتَّىٰ أستأنسَ بكم، وأعْلَمَ ماذا أراجعُ به رُسُلَ رَبِّي. رواه مسلم. وقد سبق بطوله.

قال الشافعيُّ رَحمهُ الله: ويُسْتَحَبُّ أن يُقرأ عنْدَهُ شيءٌ من القُرآن، وإن خَتَمُوا القُرآن عنْدَهُ كان حسناً.

تنبـيــه:

هذا الأثر الوارد عن الصحابي عمرو بن العاص ــ أوصىٰ أصحابه إذَا دفنوه أن ينتظروا حول قبره مدة يستأنس بدعائهم عَلَىٰ جواب الملكين ــ هو اجتهاد منه رضي الله عنه، لكنّ هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ــ وهو أكمل الهدي ــ لم يكن فيه الوقوف أو الجلوس عند القبر بعد الدفن، ولم يأمر أصحابه بذلك، ولو كان خيراً لفعله أو أرشد إليه؛ فما من خير إلَّا دلَّ الأمة عليه.

وأما الأثر المنقول عن الإمام الشافعي ــ رحمه الله تَعَالَىٰ ــ فهو غلط علىٰ الإمام لا يثبت عنه، لأن الثابت عن إمامنا الشافعي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في موضوع قراءة القرآن، وختمه عند القبور أو عَلَىٰ الموتىٰ، أنه غير مستحب، فقد حكىٰ عَنْه ابن كثير في التفسير عند قوله تَعَالَىٰ: {وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} قَالَ: «ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي ــ رحمه الله ــ ومَن اتَّبعه؛ أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلَىٰ الموتىٰ؛ لأنه ليس من عملهم ولا من كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم يُنقَل عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يُقتصر فيه عَلَىٰ النصوص، ولا يُتصرَّف فيه بأنواع الأقيسة والآراء. فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمَع عَلَىٰ وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما».

وقال الشيخ المصنف النووي ــ رحمه الله تَعَالَىٰ ــ في المجموع شرح المهذب في فقه الشافعية 5/294: «واتفق عليه الأصحاب وقالوا: يُستحب أن يُقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن كان أفضل».

فهذا القول منسوب لأصحاب المذهب، وليس للإمام الشافعي، وعليه فنسبة هذا القول للإمام سهوٌ وقع فيه المصنف رحمه الله تَعَالَىٰ وغفر له.