اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

162 ــ باب الصدقة عن الميت والدعاء لَهُ

قَالَ الله تَعَالَىٰ: {وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغفِر لَنَا وَلِإِخوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَٰنِ} [الحشر: 10].

فائدة:

الدعاء لأهل الايمان عامة من حقوق المسلمين بعضهم عَلَىٰ بعض، وأعظم من يُدعىٰ لهم صحابة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا رأيت الرجل يترضّىٰ عن الصحابة، ويستغفر لهم ويحبهم، فاعلم أنه صاحب سُنّة وعلىٰ هدي مستقيم، وإذا كان يبغضهم أو يذكرهم بسوء فهو مبتدع ضال ليس له من السُّنَّة نصيب؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم هم الواسطة في نقل الدين وتبليغه للأمة، فإذا طعن أحد في الواسطة فهو طاعن في الشريعة.

1/948 ــ وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رجلاً قَالَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُها، وأرَاهَا لو تَكلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَل لها أجرٌ إن تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

افتُلتت نفسها: ماتت فجأة.

هداية الحديث:

1) مشروعية الصدقة عن الميت؛ والمسارعة إلىٰ أدائها لينتفع الميت بأجرها.

2) الصدقة عن أحد الوالدين من البِّر به بعد الموت.

3) من عاجل بشرىٰ المؤمن ألا ينقطع عمله بموته، وبقاء الولد الصالح بعده باب للخير موصول.

4) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ العمل بالنص والتقيُّد بهدي النبوّة، إذ لم يبادر الصحابي بالصدقة ــ ولو كان فيها مصلحة ــ قبل أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2/949ــ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا مَاتَ الإنسانُ انْقَطَعَ عَنْه عَمَلُهُ إلَّا من ثلاث: صَدَقَةٍ جَاريَةٍ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ به، أوْ وَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو لَهُ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) من رحمة الله تَعَالَىٰ بعباده المؤمنين أن يواصل لهم ثواب الأعمال التي كانوا سبباً في إيجادها.

2) الحرص عَلَىٰ صلاح الأولاد، لأن صلاحهم خير لهم ولآبائهم، حيث يدعون لهم بعد الموت.

3) العلم النافع خير ميراث يتركه الميت، فإنه يبقىٰ ما شاء الله، فالصدقة الجارية قد تنقطع، والولد الصالح قد يموت، أما العلم المورَّث فلا يعدله شيء لمن صحت نيته، فهو: «الولد المخلَّد»، كما قال بعض العلماء.

فائدة:

قال النووي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ: «قال العلماء: معنىٰ الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدّد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلّفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف؛ وفيه فضيلة الزواج لرجاء الولد الصالح، وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم والحث علىٰ الاستكثار منه والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع». (شرح صحيح مسلم).

وقال السبكي رحمه الله تعالىٰ: «والتصنيف ــ أي للعلم ــ أقوىٰ، لطول بقائه علىٰ ممر الزمان». (فيض القدير شرح الجامع الصغير).