القرآن الكريم هو كلام الله تعالىٰ، المنزل، المتعبَّد بتلاوته، تكلّم اللهُ به حقيقةً، وتلقّاه عَنْهُ جبريل عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ نزل به علىٰ قلب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وللقرآن فضائل عظيمة عامة، وفضائل في آيات وسور خاصة، وهذا يوجب لأهل الإيمان أن يحرصوا غاية الحرص علىٰ تلاوة كتاب الله، وتدبّره، والعمل به، {كِتَٰبٌ أَنزَلنَٰهُ إِلَيكَ مُبَٰرَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلبَٰبِ} فالقرآن نور وروح وحياة لأهل الإيمان، وبصيرة لهم في العلم والعمل.
1/991 ــ عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «اقرؤُوا القرآنَ، فإنُّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعاً لأصحابِهِ». رواه مسلم.
1) تعظيم البشارة للمؤمنين، فالقرآن الكريم يأتي يوم القيامة يشفع لمن قرأه محتسباً الأجر عند الله.
2) الحضّ علىٰ قراءة القرآن بتدبّر وتفهّم، لنحصل علىٰ هذا الوعد العظيم.
3) تصديق خبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأن القرآن يشفع يوم القيامة، ولا نقول كيف يشفع؟ لأن كلام النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام حقّ وصدق {إِنَّمَا كَانَ قَولَ ٱلمُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُواْ سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ}.
2/992ــ وعَن النَوَّاسِ بنِ سَمعَانَ رضي الله عنه قالَ: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «يُؤْتَىٰ يَوْمَ القِيَامَةِ بالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ، الذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِه في الدُّنْيَا، تَقدُمُهُ سورَةُ البَقَرَةِ وَآلِ عِمرَانَ، تُحَاجَّانِ عن صاحِبِهِمَا». رواه مسلم.
تقدُمه: تتقدمه، أي تجيء أولاً.
تُحاجّان: من المحاجّة، وهي إظهار الحجة والدفاع عن الشيء، أي تدافعان عن صاحبهما، التالي لهما، العامل بهما.
1) فضيلة من يعمل بالقرآن، لأن هذا الثواب والفضل لمن كَانَ يعمل بالقرآن في الدنيا.
2) العمل بالقرآن لا يكون إلَّا بعد العلم به وتفهّمه وتدبّره، فلابد من تَفهّم معاني القرآن. فالعلم قبل القول والعمل.
3) فضيلة سورتي البقرة وآل عمران.
3/993 ــ وعَنْ عثمانَ بنِ عفّانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القرآنَ وعَلَّمَهُ». رواه البخاري.
1) خير النَّاس من جمع الوصفين: من تعلم القرآن، وعلَّمه.
2) التعلُّم والتعليم يشمل التعلُّمَ اللفظيَّ للقرآن تلاوةً وأداءً، ويشمل التعلُّمَ التفسيريَّ، وهو العلم بمعاني كلام الله تعالىٰ علىٰ الوجه الصحيح.
3) العناية بالقرآن الكريم دليل علىٰ خيرية المؤمن، وانتشارُ ذلك بين المؤمنين دليل علىٰ خيرية الأمة.
4/994ــ وعَنْ عائشةَ رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأُ القرآنَ وهُوَ ماهرٌ به مَعَ السَّفَرَةِ الكرامِ البَرَرَةِ، والذي يقرأُ القرآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجران». متفق عليه.
ماهر: مجيدٌ لقراءته.
يتتعتع: يتهجّاه حرفاً حرفاً.
1) فضيلة قارئ القرآن؛ فهو لا يحرم من الأجر، سواءٌ أَكَانَ مُجيداً للقرآن أم غير مجيد.
2) الأجر علىٰ قدرة المشقة والمنفعة، للمصلحة الحاصلة من أجر التلاوة، وأجر الصبر علىٰ المشقة.
3) الماهر بقراءة القرآن مَعَ الملائكة الكرام، وهذه فضيلة عظيمة لمن يتقن تلاوة القرآن.
5/995ــ وعن أبي موسىٰ الأشْعَرِيِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ المُؤمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مثلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحهَا طَيِّبٌ وَطَعمُها طَيِّبٌ، وَمثلُ المؤمِنِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمرَةِ: لا رِيحَ لَها وَطَعْمهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الذي يَقْرَأُ القرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيحَانَةِ: رِيحُها طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القرْانَ كمَثَلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَها رِيحٌ وَطَعمُهَا مُرٌّ». متفقٌ عليه.
1) المؤمن القارئ للقرآن أفضل من الذي لا يقرأ القرآن، فالأول نفسه طيبة وقلبه طيب، فخيره علىٰ نفسه، وعلىٰ غيره يستفيد منه النَّاس، فهو مثل الثمرة التي ريحها طيب وطعمها طيب، وأما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن فخيره قاصر علىٰ نفسه، ولا يصل نفعه إلىٰ غيره، فهو مثل التمرة.
2) المنافق خبيث السيرة والسريرة، لا خير فيه، سواءٌ أقرأ القرآن أم لَمْ يقرأه، فهو مثل الريحانة أو الحنظلة.
3) ضرب الأمثلة من أرفع أساليب التعليم المفيدة.
6/996ــ وعَنْ عمرَ بنِ الخطّابِ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابُ أقواماً ويَضَعُ به آخَرين». رواه مسلم.
1) الترغيب في ثواب من عمل بالقرآن؛ تصديقاً بأخباره، وامتثالاً لأوامره، واجتناباً لنواهيه، واهتداءً واستغناءً بهديه، فإن الله تعالىٰ يرفع أهل القرآن في الدنيا والآخرة.
2) الحذر من عقوبة من قرأ القرآن رياء وسمعة، واستكبر علىٰ عباد الله تعالىٰ، وكان ممن لا يهتدي بالقرآن فلا يصدق أخباره، ولا يمتثل أحكامه، ولا يستغني بهداه، فهؤلاء يضعهم الله تعالىٰ وينزل قدرهم.
7/997ــ وعَنْ ابن عمرَ رضي الله عنهما عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا حسَدَ إلَّا في اثنتين، رجُلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ، فهوَ يقومُ به آناءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهَارِ، ورجُلٌ آتاهُ اللهُ مالاً، فهُوَ يُنْفقُهُ آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ». متفق عليه. والآناء: الساعات.
1) الحث علىٰ التنافس والرغبة فيما ينفع في الدنيا والآخرة، كالقيام بالقرآن أو إنفاق المال في سبيل الله.
2) المؤمن الصادق هو من يجعل أعماله كلها مبنية علىٰ هدي القرآن الكريم، والسنة النبوية.
3) علىٰ من آتاه الله المال أن يؤدي حقه، ويقوم بواجبه؛ بإنفاقه في وجوه الخير.
8/998ــ وعنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقرَأُ سورَةَ الكَهْفِ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَربوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنها. فَلَمَّا أَصبَحَ أَتَىٰ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذلكَ لَهُ، فقالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ للقُرآنِ». متفقٌ عليه.
«الشَّطَنُ»: بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة: الحبلُ.
تغشّته: أي غطتّه.
1) من جملة فضائل القرآن أن السكينة تنزل عند تلاوته.
2) إثبات كرامة لهذا الصحابي، وهذه من كرامات الأولياء، وهي حقّ وثابتة للصالحين من هذه الأمة، فكل مؤمن تقي فهو من أولياء الله تعالىٰ.
3) إن خوارق العادات التي تكون علىٰ أيدي الخارجين عن الشريعة، مثل الدجالين والمشعوذين، ليست بكرامات لهم، بل هي إهانات ومن تلبيس إبليس عليهم.
9/999ــ عَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حرفاً من كتَابِ اللهِ فَلَهُ حسنةٌ، والحسنةُ بِعَشْر ِأمثالِها، لا أقُولُ: ﴿ألم﴾ حرفُ، ولكن: ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
1) بيان الأجر العظيم في تلاوة القرآن الكريم.
2) إظهار فضيلة هذه الأمة، فالله قد خصّها بالأجر الكبير، علىٰ العمل اليسير.
10/1000 ــ عَنْ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الذي لَيسَ في جَوفِهِ شيءٌ مِنَ القرآنِ كالبَيْتِ الخَرِبِ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح[11].
1) بيان أن القلب يعمر ويُنَوَّر بالقرآن الكريم، فهو كالبيت المشرق بالأنوار.
2) التحذير من هجر القرآن، حَتَّىٰ لا تكون قلوبنا كالبيوت الخربة.
11/1001ــ عَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُقَالُ لِصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كُنْتَ تُرَتِّل في الدُّنْيا، فإنَّ مَنْزلَتَكَ عنْدَ آخرِ آيةٍ تقْرؤُها». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح.
ارتق: اصعد في درجات الجنة.
1) علو منزلة صاحب القرآن العامل به في الجنة، فمنزلته في الجنة بحسب اجتهاده وقراءته للقرآن في الدنيا.
2) منازل الجنة تتفاوت بحسب أعمال المؤمنين، واجتهادهم في الطاعات.
3) فضيلة ترتيل القرآن وتلاوته حق التلاوة.