1/1004ــ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّىٰ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ». متفق عليه.
مَعْنىٰ «أَذِنَ الله»: أيِ اسْتَمَعَ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلىٰ الرِّضَىٰ وَالْقَبُولِ.
1) فضيلة تحسين الصوت بالقرآن، لأن الله يحب استماعه من العبد.
2) تحسين الصوت يشمل:
تحسين الأداء عند القراءة، بحيث يُبيِّن الحروف، صفاتها ومخارجها.
وتجميل الصوت في القرآن، وكلاهما أمر مطلوب بلا تكلّف ولا تعسف.
3) الاقتداء بالأنبياء عليهم الصّلاة والسلام في حسن الأداء، وحسن الصوت، والجهر بالقرآن.
2/1005 ــ وعَنْ أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: « لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ». متفقُ عليه.
وفي روايةِ لمسلمٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأنا أَسْتَمعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ».
1) فضيلة الصحابي أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه بثناء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عليه أن الله تعالىٰ آتاه صوتاً حسناً كصوت داود عليه الصلاة والسلام.
2) استحباب تحسين الصوت لأجل أن يتذَوَّق السامع كلامَ الله، ويُسَر به، فهذا يدعو إلىٰ الإقبال علىٰ القرآن والتأثر به، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسناً.
3) جواز إطلاق (آل فلان) ويقصد به الرجل نفسه، فقوله: (آل داود) يعني داود نفسه عليه الصلاة والسلام.
3/1006ــ وعَنْ البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنهما قَالَ: سمعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأَ في العِشَاءِ بــ: {وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيتُونِ} [التين: 1]، فَمَا سمعتُ أحَداً أحسنَ صوتاً منْهُ. متفق عليه.
1) كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسن النَّاس صوتاً بالقرآن، وأحسن النَّاس أداءً في القراءة.
2) مشروعية أن يُقرأ في صلاة العشاء بقصار السور أحياناً، وإن كَانَ الهدي الغالب للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يقرأ بنحو: {سَبِّحِ ٱسمَ رَبِّكَ ٱلأَعلَى} و{هَل أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلغَٰشِيَةِ}.
4/1007 ــ وعنْ أبي لُبَابَةَ بَشِيرِ بنِ عبدِ المُنْذِرِ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنّا». رواه أبو داود بإسنادٍ جيد. ومعنىٰ يتغنَّ: يحسّن صوته بالقرآن.
1) التغنّي بالقرآن من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والموفَّق من يحرص علىٰ الالتزام بالهدي النبوي دائماً.
2) من طلب الهدىٰ بغير القرآن أضلَّه الله تعالىٰ، وهذا من معاني: «من لَمْ يتغن» أي من لَمْ يكتفِ بالقرآن عن غيره.
بوب الإمام البخاري ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في (صحيحه): «باب من لم يتغنَّ بالقرآن، وقوله تعالى: {أَوَ لَم يَكفِهِم أَنَّآ أَنزَلنَا عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ يُتلَىٰ عَلَيهِم} [العنكبوت: 51] ثم ذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أذن الله لشيءٍ ما أذن للنبيّ أن يتغنىٰ بالقرآن» قال سفيان: «تفسيره يستغني به» ا هـ.
وهذا التفسير من نفائس فقه السَّلَف في فهم النصوص، فقد ملأت الفرحةُ قلوبَهم بالوحي المنزل لحياة الأمة {وَٱلَّذِينَ ءَاتَينَٰهُمُ ٱلكِتَٰبَ يَفرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَۖ} وأيقنوا أن الوحي ــ الكتاب والسنة ــ كافٍ وشافٍ لجميع المصالح، فلِمَ نستبدل أو نزاحم الشرع المنزل، بالشرع المبدل، من البدع والأهواء والمحدثات؟! ولله در العلامة ابن القيم في نونيته: (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ) عندما قال:
5/1008ــ وعنِ ابنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ»، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قال: «إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّىٰ جِئْتُ إلىٰ هذه الآية: {فَكَيفَ إِذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّةِ بِشَهِيد وَجِئنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدا} [النساء: 41] قال: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالْتَفَتُ إلَيْهِ، فَإذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفقٌ عليه.
1) إشهار بركة القرآن وأنه ينتفع به القارئ والمستمع.
2) جواز أن يطلب الإنسان من شخص أن يقرأ عليه، ولو كَانَ الطالبُ أفضل علماً وقدراً من القارئ.
3) قد يكون المستمع للقرآن أقرب إلىٰ تدبّره من القارئ، ولهذا قيل: القارئ حالب، والمستمع شارب.
4) من هدي النبوة التأثر عند سماع القرآن، والبكاء خشيةً من الله تعالىٰ، وهكذا شأن المؤمن؛ يخشع قلبه، وتدمع عينه لسماع القرآن الكريم.
من السُّنَّة عند الاكتفاء من قراءة القرآن الكريم أن يُقال للقارئ: «حسبك» كما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأمّا ما يقوله كثير من النَّاس: «صدق الله العظيم» فمخالف للسنة النبوية، وإن كان معناها حقاً وصدقاً، فقد صدق الله فيما قاله، لكن ليس هذا موضع قولها، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.