قَالَ الله تعالىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمتُم إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغسِلُواْ وُجُوهَكُم} إلىٰ قوله: {مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِّن حَرَج وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُۥ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ} [المائدة: 6].
1) الوضوء نعمة من الله تعالىٰ علىٰ هذه الأمة، لما يترتب عليه من الطهارة الظاهرة بحصول النظافة، والطهارة الباطنة بامتثال أمر الله تعالىٰ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
2) تضمّنت الآيات صفة الوضوء، وصفة الغسل، وحكم التيمم، وكل هذا من غير حرج ولا مشقة. فإنه سبحانه وتعالىٰ أرحم بنا من أنفسنا، فكل ما شرعه لنا فيه خير ومصلحة، وكل ما حرّمه علينا فيه مضرّة ومنقصة.
3) الواجب علىٰ العبد مقابلة النِّعم بالشكر، وذلك بالقيام بطاعة الله تعالىٰ، بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وتصديق خبره.
1/1024ــ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أمَّتِي يُدْعَوْنَ يومَ القيامةِ غُرّاً مُحَجَّلينَ مِن آثارِ الوُضوءِ» .
فمَن استطاعَ منكُم أنْ يُطيل غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَلْ. متفق عليه.
غرّاً: جمع الأغرّ، من الغرة: بياض الوجه.
محجّلين: بيض مواضع الوضوء من الأيدي والأرجل.
يعني أنّ هذه المواضع تكون لهذه الأمة نوراً يتلألأ يوم القيامة من آثار الوضوء.
1) فضل الوضوء، فهو نور للمؤمنين من هذه الأمة خالصةً لهم يوم القيامة.
2) فضيلة هذه الأمة، لما اختصها الله تعالىٰ بهذا من دون الأمم، حَتَّىٰ ورد للحديث رواية في صحيح مسلم: «لكم سيماً ليست لأحد غيركم» أي علامة خاصة.
3) الطاعة لها أثر ونور علىٰ الوجه، كما أن للمعصية ظلمةً في الوجه، فَلْيجتهدِ المؤمنُ في بياض وجهه بنور الطاعة، وَلْيحذرْ تسويده بظلمة المعصية.
قوله في الحديث: «فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» قَالَ علماء الحديث: هذه الجملة ليست من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل هي من كلام أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، رغبة منه في زيادة الغرة والتحجيل، وهذا ليس بممكن، كما قَالَ ابن القيم رحمه الله تعالى:
وأبو هُرَيْرَة قَالَ ذا مـن كيسـه فغدا يميزه أولو العرفــان
وإطالة الغرات ليس بممكن أيضاً وهذا واضح التبيان
2/1025ــ وعَنْهُ قَالَ: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغُ الحِلْيَةُ من المؤمن حَيْثُ يبلُغُ الوضُوءُ». رواه مسلم.
1) من فضل الوضوء أن تكون مواضعه يوم القيامة حلية يُحلَّىٰ بها المؤمن في الجنة، سواء أكان ذكراً أم أنثىٰ.
2) الجزاء من جنس العمل؛ فالله تعالىٰ يُثيب المؤمنين بتحليتهم بحُلىٰ الذهب والفضة واللؤلؤ، في مواضع الوضوء، جزاءَ محافظتِهم عليه في الدنيا.
3/1026ــ وعن عثمانَ بن عفّانَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّىٰ تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظفارِه». رواه مسلم.
4/1027ــ وعنه قَالَ: رأيتُ رَسُولَ الله تَوَضَّأَ مثلَ وُضوئي هذا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ هكذا، غُفرَ لَهُ مَا تقدَّم من ذنبه، وكانَتْ صلاتُهُ ومشيُهُ إلىٰ المسجدِ نافلةً». رواه مسلم.
5/1028ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا تَوَضّأَ العَبْدُ المُسْلِم ــ أَوِ المُؤْمِنُ ــ فَغَسَلَ وَجهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فإذا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِر قَطْرِ المَاءِ، فَإذا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْها رِجلاه مَعَ الماءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطرِ المَاءِ، حَتَّىٰ يَخرُجَ نَقيّاً مِنَ الذُّنوبِ». رواه مسلم.
1) الوضوء عبادة من أعظم العبادات، لما يُغفَر معه من الذنوب حَتَّىٰ الدقيقة منها، وهو مَا تحت الأظفار.
2) إن استشعار المؤمن إخلاصَه لله تعالىٰ في الوضوء، واتباعه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، واستحضاره معاني غفران الذنوب أثناء وضوئه، كل ذلك عبادة يُثاب عليها، فالسعيد من وُفِّق لهذه المعاني علماً وحالاً.
3) فضيلة هذه الأمة؛ حيث أثابها الله علىٰ يسير العمل بعظيم الأجر.
4) اقتداء الصحابي رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحرصه علىٰ نقل الهدي النبوي للأمة، وهذا من شرف الصحابة وفضيلتهم رضي الله عنهم، فرحم الله عبداً سار علىٰ نَهجهم.
5) رحمة الله تعالىٰ بالأمة، حين شرع لهم من العبادات اليسيرة مَا يوجب معها غفران الذنوب الكثيرة، فَرحِمَ الله تعالىٰ المؤمنين بكفارات الذنوب.
قوله صلى الله عليه وسلم: «وكانت صلاته ومشيه إلىٰ المسجد نافلة»:
النفل في اللغة، معناه: الزيادة، كما قَالَ تعالىٰ: {وَمِنَ ٱلَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِۦ نَافِلَة لَّكَ}. أي زيادة لك. ومعنى الحديث: أي زائداً علىٰ مغفرة الذنوب، لأن ذنوب المتوضئ غُفرت بوضوئه وصلاته الأولىٰ، وهي سُنّة الوضوء لمن توضّأ وصلاّها، فيكون مشيه إلىٰ المسجد وصلاته زيادة علىٰ مغفرة الذنوب.
6/1029ــ وعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أتىٰ المقبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إخْوَاننَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إخْوَانَكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإخْوَانُنا الَّذِينَ لَم يَأْتُوا بَعْدُ» قَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلىٰ يا رَسُولَ الله، قَالَ: «فَإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأَنا فَرَطُهُمْ عَلَىٰ الْحَوْضِ». رواه مسلم.
غرٌّ محجّلة: الغرة: بياض في وجه الفرس، التحجيل: بياض في قوائم الفرس.
دُهْم بُهْم: الدُهْم، بضم الدال وسكون الهاء: السود. والبُهْم، بضم الباء وسكون الهاء: لا يخالط لونهم لوناً آخر غير السواد.
فرطهم: سابقهم، والفرط هو المتقدم السابق للشيء.
1) مشروعية زيارة القبور، فإنها تذكر الآخرة، وأما النهي الوارد عن زيارة القبور فسببه: أن النَّاس أول الإسلام كانوا حديثي عهد بشرك، فخشي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تتعلق قلوبهم بالقبور، فنهىٰ عن زيارتها، ثُمَّ لما استقر التوحيد والإيمان في القلوب رغّب في الزيارة، ونُسخ النهي.
2) مشروعية السلام علىٰ القبور بقول الزائر المسلِّم: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين».
3) الصحابة إخوان للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحاب لَهُ رضي الله عنهم، وأما من جاؤوا بعدهم من المؤمنين فهم إخوانه وليسوا أصحابه.
4) إن أثر الوضوء يوم القيامة في الوجه والأطراف هو علامة لهذه الأمة المحمدية المرحومة بفضل الله وكرمه.
5) أهل القبور يُدعىٰ لهم بالرحمة، ولا يُطلب منهم الدعاء، لأنهم لا يملكون نفعاً ولا ضرّاً.
7/1030 ــ وعَنْهُ أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ألا أدُلُّكُم علىٰ مَا يَمْحُو اللهُ به الخَطَايَا، ويرفعُ به الدَّرجاتِ؟» قالوا: بلىٰ يارسولَ الله، قَالَ: «إسباغُ الوضُوءِ علىٰ المَكَارِهِ، وكثْرَةُ الخُطا إلىٰ المَسَاجدِ، وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ، فذلكُمُ الرِّباطُ، فذلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم.
1) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ معرفة أبواب الخير والعمل بها، وهذا هو شأن المؤمن يسأل عن مفاتيح الخير ليكون من الداخلين فيه.
2) الوضوء ــ علىٰ كره ومشقة غير مقصودة ــ باب لتكفير الخطايا، لكن دون ضرر يلحق، أما مَعَ الضرر فلا يتوضّأ، بل يتيمّم.
3) العبد ليس مأموراً ولا مندوباً أن يفعل مَا يشقّ عليه ويضرّه، بل كلما سهلت عليه العبادة المشروعة فهو أفضل.
4) فضيلة صلاة الجماعة في المسجد، حتىٰ لو أتىٰ القاصد من مكان بعيد فهو أعظم للأجر، لكن من غير أن يتقصد البعد.
8/1031ــ عَنْ أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان». رواه مسلم.
وقد سبقَ بِطُولِهِ في (بابِ الصبرِ).
وفي البابِ حديثُ عمرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه السَّابِقُ في آخِرِ (بَابِ الرَّجَاءِ)، وَهُوَ حَدِيث عَظِيمٌ، مُشْتَمِلٌ عَلىٰ جُمَلٍ مِنَ الخيراتِ.
1) الطهور يشمل الطهارة الحسية: بالوضوء والغسل، والطهارة المعنوية: من الشرك والشك والغِلِّ والحقد.
2) نصف الإيمان هو التطهر بالطهارة الحسية الظاهرة، والمعنوية الباطنة، وذلك بالتخلي والتنقية من الأوساخ والرذائل، وأنواع الشرك والبدع والمعاصي.
والنصف الثاني هو التحلي والتقوية بالفضائل، كالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة.
قول النووي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ : «وفي الباب حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه السابق في آخر باب الرجاء وهو حديث عظيم، مشتمل علىٰ جمل من الخيرات».
تقدم الحديث برقم (438) وموضع الشاهد منه في باب فضل الوضوء قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا منكم رجلٌ يقرِّب وضوءه، فيتمضمض، ويستنشق فينتثر، إلَّا خرت خطايا وجهه وفِيهِ وخياشيمه، ثُمَّ إذَا غسل معصمه...» الحديث.
9/1032ــ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلغُ ــ أَوْ فَيُسْبغُ الوُضُوءَ ــ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلَّا فُتِحَتْ لهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شاءَ». رواه مسلم.
وزَادَ الترمذي: «اللّهم اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ».
1) إنَّ الوضوء علىٰ هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سبب لدخول الجنة.
2) الشهادة بالتوحيد بعد الوضوء، فيه: جمع لطهارة الباطن بالتوحيد، مَعَ إتمام طهارة الظاهر بالوضوء.
3) فضيلة إسباغ الوضوء، وهو الإتيان به كاملاً غير منقوص، علىٰ هدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ تعلم الهدي النبوي في الوضوء، كما حرص علىٰ تعلم الهدي النبوي في الصلاة.