اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

16ـ باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها

قال الله تعالىٰ: {وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7]، وقال تعالىٰ: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ * إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} [النجم: 3 ـ 4] ، وقال تعالىٰ: {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ} [آل عمران: 31]، وقال تعالىٰ: {لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} [الأحزاب: 21] ، وقال تعالىٰ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} [النساء: 65] ، وقال تعالىٰ: {فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ} [النساء: 59] قال العلماء: معناه إلىٰ الكتاب والسنة، وقال تعالىٰ: {مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ} [النساء: 80] ، وقال تعالىٰ: {وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} [الشورى: 52] ، وقال تعالىٰ: {فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، وقال تعالىٰ: {وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ} [الأحزاب: 34] . والآيات في الباب كثيرة.

فائـدة:

ــ السُّنَّة: يراد بها سُنّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، وهي طريقته التي كان عليها، فتشمل أقواله صلى الله عليه وسلم ، وأفعاله، وتقريراته، وتروكه. فالسُّنَّة هي الهدي النبوي المأثور عنه صلى الله عليه وسلم .

هداية الآيات:

1) لا يمكن أن يحافظ الإنسان علىٰ سنة الرَّسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يعلمها، وهذا فيه حث علىٰ طلب العلم، ومعرفة ما كان عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من الهدي.

2) إننا مأمورون بأن نتأسَّىٰ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، بألا نزيد علىٰ ما شرع ولا ننقص عنه؛ لأن الزيادة أو النقص ضد الحسن.

3) أفعال النبي صلى الله عليه وسلم حجة شرعية يحتج بها، إلا ما قام الدليل علىٰ أنه خاص به.

4) وجوب الرجوع إلىٰ الله تعالىٰ وإلىٰ رسوله صلى الله عليه وسلم ، فذلك من مقتضيات الإيمان، وهو خير للأمة وأحسن عاقبة.

5) وجوب تحكيم شريعة الله ولزومها؛ فهذا علامة صحة الإيمان التي من شروطها:

ــ تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم .

ــ ألَّا يجد العبد حرجاً مما قضىٰ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ــ أن يسلم تسليماً تاماً بالغاً.

6) ما ثبت في السنة هو كالذي ثبت في القرآن أو أكثر، ولا يجوز لأحد أنْ يفرّق بين الكتاب والسُّنَّةِ من حيث الاحتجاج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيحسَبُ أحدُكُمْ مُتَّكئاً علىٰ أريكَةٍ قد يَظنُّ أنَّ اللهَ لم يحرِّمْ شيئاً إلا ما في هذا القرآنِ، ألا وإنّي واللهِ! قد وعظْتُ وأمرْتُ ونهيْتُ عن أشياءَ إنَّها لَمِثلُ القرآنِ أو أكثرُ» رواه أبو داود.

وأما الأحاديث:

1/156ــ فالأَوَّلُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعُوني مَا تَرَكْتكُمْ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤالِهِمْ، واختِلافُهُمْ عَلَىٰ أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتكُمْ بِشيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ ما استَطَعْتُمْ». مُـتَّفَقٌ عَلَيْه.

هداية الحديث:

1) السؤال عن الشريعة والتفقه في الدين واجب علىٰ كل مؤمن، والمنهي عنه هو التعمق في المسائل التي تسبب الحرج على الأمة.

2) ما سكت عنه سبحانه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو معفوٌّ عنه، لا يلزمنا فعله ولا تركه، وهذا من رحمة الله _عز وجل_ بعباده.

3) إن مخالفة هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سبب للاختلاف، والتنازع في الأمة.

2/157ــ الثَّاني: عَن أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيةَ رضي الله عنه قَالَ: وعَظَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله كأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقوَىٰ الله، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُمْ فَسَيَرَىٰ اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ». رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمذِيّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حسَنٌ صحيح.

«النَّواجِذُ» بالذالِ المعَجَمَةِ: الأَنْـيَابُ، وقيلَ: الأَضْرَاسُ.

غريب الحديث:

وجلت: خافت.

التقوى: اتخاذ وقاية من عذاب الله، بفعل الأوامر، واجتناب النواهي.

هداية الحديث:

1) لزوم تقوىٰ الله _عز وجل_ في السر والعلانية.

2) لزوم طاعة ولاة الأمور؛ لأن فيها حفظاً للناس من الفتن، ولكنها طاعة في المعروف؛ أي فيما يقرّه الشرع، وأما ما ينكره الشرع فلا طاعة لأحد في المنكر.

3) التمسك التام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

4) كل بدعة في دين الله ضلالة، وإن ظن صاحبها أنها خير، فكل خير في اتباع هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .

3/158 ــ الثَّالث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كل أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مِنْ أبَى»، قِيلَ: وَمَنْ يَأبَىٰ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى». رَوَاهُ البُخَارِيّ.

هداية الحديث:

1) الجنة مأوىٰ المطيعين لأمر الله تعالىٰ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

2) مخالفة الهدي النبوي سبب للحرمان من الجنة.

3) الحذر من عصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك علامة الخذلان والإعراض.

4/159ــ الرَّابعُ: عَنْ أَبي مُسْلِمٍ، وَقيلَ: أبي إيَاسٍ ، سَلَمَةَ بْنِ عَمْرو بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ»، قَالَ: لا أسْتَطِيعُ، قَالَ: «لا اسْتَطَعْتَ». مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، فَمَا رَفَعَهَا إِلَىٰ فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

هداية الحديث:

1) مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب لنزول العقوبة بالعبد.

2) الحث علىٰ الأكل باليد اليمنى، وتعويد الصغار علىٰ ذلك، حتىٰ ينشأ الجيل علىٰ السُّنَّة النبوية.

5/160ــ الْخَامِسُ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّىٰ كأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح، حَتَّىٰ إِذَا رَأَىٰ أَنّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ. ثُمَّ خَرَجَ يَوْماً، فَقَامَ حَتَّىٰ كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، فَرَأىٰ رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ، فَقَالَ: «عِبَادَ الله، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

غريب الحديث:

القداح: هي ريش السهم، وكانوا يُسَوونها تماماً، ويُضرب بها المثل في التسوية، لتمام استوائها واعتدالها.

عقلنا: فهمنا ما أراد.

هداية الحديث:

1) وجوب تسوية الصف في الصلاة، فلهذا أثرٌ في استقامة قلوب المؤمنين وعدم اختلافها.

2) علىٰ الأئمة تفقد الصفوف وتسويتها، وتنبيه المخالفين، فهذا من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .

3) التلازم بين الظاهر والباطن؛ فانظر كيف كان للمخالفة في تسوية الصفوف أثرٌ في اختلاف قلوب المصلِّين؟!

6/161ــ السَادِسُ: عَنْ أَبِي مُوسَىٰ رضي الله عنه قَالَ: احْتَرق بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَىٰ أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِمْ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارُ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنكُمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

هداية الحديث:

1) لا بد للإنسان أن يحتاط في الأمور التي يُخشىٰ ضررها (كالغاز والكهرباء).

2) إطفاء الأسرجة في الليل من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهي ما كانت توقد بالنار، أما المصابيح الكهربائية فلا يشملها الحكم، والله أعلم.

3) يجب الاحتراس من نار الآخرة أعظم مما نحترس من نار الدنيا.

فائدة:

هذا الحديث مثال يوضح كيف أن (المحافظة علىٰ السنة وآدابها) سبب عظيم في حفظ صحة العباد ووقايتهم من الأذية، فما أعظم السنة النبوية لو حكَّمناها في حياتنا وبيوتنا!!

7/162ــ السَّابعُ: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْعِلْم كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَـيِّبـَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا. وَأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً. فَذلِكَ مَثَل مَنْ فَقهَ في دِينِ الله، وَنفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَىٰ الله الَّذي أُرْسِلْتُ بِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

«فَقُهَ» بِضم الْقَافِ عَلَىٰ الْمَشهُورِ، وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، أيْ: صَارَ فَقِيهاً.

غريب الحديث:

الغيث: المطر .

الكلأ: ما ينبت في الأرض من الزروع والأعشاب.

طائفة: قطعة.

أجادب: جمع أجدب وهي الأرض التي لا تنبت.

قيعان: جمع قاع وهي الأرض التي لا نبات فيها، وقيل: المستوية.

لم يرفع بذلك رأساً: كناية عن عدم الانتفاع بعلمه، أو علم غيره، وعدم العمل به.

هداية الحديث:

1) حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك بضرب الأمثال؛ فإنها من أحسن طرق التعليم ووسائله.

2) الحث علىٰ تعلم العلم ونشره بين الناس، فهذا من إحياء السنة في حياة المسلمين.

3) من عَلِم، وعلَّم غيرَه، وعُمل بعلمه، فهو في أحسن الدرجات.

8/163ــ الثَّامِنُ: عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَثَلِي وَمَثَلُكُم كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فيهَا وَهُوَ يَذُبهُنَّ عَنْهَا، وَأَنا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفلَّتُونَ منْ يَدَي». رواه مسلِم.

«الْجَنَادبُ»: نَحوُ الجَرَاد وَالْفَرَاشِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذي يَقَعُ في النَّار. و«الْحُجَزُ»: جَمْعُ حُجْزَةٍ، وَهِيَ مَعْقِدُ الإزَار وَالسَّرَاويل.

غريب الحديث:

يذبهنَّ: يمنعهن.

هداية الحديث:

1) حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ حماية أمته من النار.

2) علىٰ العبد أن ينقاد لسُنّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأن يكون لها طائعاً منقاداً، لأن الهداية لا تتحقق إلا بامتثال السنة.

3) عظم حق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ أمته، فكان لا يترك جهداً في منع الأمة عن كل ما يضرها في دينها أو دنياها. فجزاه الله خير ما جزىٰ نبيّاً عن أمته.

9/164ــ التَّاسعُ: عَنْهُ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: «إنَّكُم لا تَدْرُونَ فِي أَيِّهَا الْبَرَكَةُ». رواه مسلم.

وفي رواية لَهُ: «إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذىً، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمنْدِيلِ حَتَىٰ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإنَّهُ لا يَدْرِي في أَيّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ».

وفي رواية له: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عنْدَ كُلِّ شَيْء مِنْ شَأْنِهِ حَتَّىٰ يَحْضُرَهُ عنْدَ طَعَامِهِ، فَإذَا سَقَطَتْ مِنْ أحَدِكُم اللقْمَةُ فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا منْ أَذىً، فَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ».

غريب الحديث:

الصّحفة: الوعاء.

فَلْيُمِطْ: فَلْيُزِلْ.

يلعق: يلحس.

هداية الحديث:

1) وجوب التزام الهدي النَّبويّ في كل شيء، سواءٌ عرفنا الحكمة في ذلك أم لم نعرف.

2) التزام آداب الأكل والشرب النبوي فيه هداية، منها: الامتثال لأمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والتواضع، وحرمان الشيطان من المشاركة في أكلنا وشربنا.

3) إن ترك الطعام إذا سقط علىٰ الأرض، فيه نوع من التكبر، والمخالفة لهدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، بل المستحب للآكل أن يمسح ما علق بها من الأذىٰ ويأكلها.

10/165ــ الْعَاشِرُ: عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قَامَ فينَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَوْعِظَةٍ، فقال: «يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إلَىٰ الله تَعَالىٰ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعۡدًا عَلَيۡنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ} [الأنبياء: 104] ، ألا وَإِنَّ أوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسىٰ يَوْمَ الْقِيَامةِ إبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم ، أَلا وَإنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمالِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابي، فَيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُوُل كَما قَالَ الْعَبدُ الصَّالحُ: {وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ} إلىٰ قوله: {ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} [المائدة: 117، 118] ، فَيُقَالُ لي: إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَىٰ أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ». متفقٌ عليه.

«غُرْلاً» أيْ: غَيْرَ مَخْتُونِينَ.

هداية الحديث:

1) علىٰ الإنسان من قاضٍ أو مفتٍ أو عالم أو داعية، أن يخطب بالناس ويعظهم فيما يحتاجون إليه من بيان الشرع، مما يعود عليهم بالخير والنفع، في الدنيا والآخرة.

2) قد يخصّ الله أحداً من الأنبياء أو غيرهم بخصيصة يتميز بها عن غيره، ولا يوجب ذلك الفضل المطلق، كما خُصّ إبراهيم –عليه السلام_ بأنه أول من يُكسىٰ يوم القيامة، فهذا لايدل علىٰ أنه أفضل الرسل، وإنما أفضل الرسل علىٰ الإطلاق هو نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم .

3) الحذر من مخالفة سُنة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك سببٌ لحرمان العبد من ورودِ حوض النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وللحرمان من شفاعته يوم القيامة.

تنبيــه:

قد تمسك أقوام من المبتدعة الضالين بظاهر هذا الحديث للطعن في الصحابة رضي الله عنهم، وهذا يَنُمُّ عن سوء قصدهم وشدة جهلهم بفضل أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم . ثم إنَّ هذا كذب وبهتان عظيم؛ لأنّ عامة الصحابة رضي الله عنهم لم يرتدوا بإجماع المسلمين. إلا قوم من الأعراب لما مات النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام افتتنوا، وارتدوا علىٰ أدبارهم، وامتنعوا من أداء الزكاة، حتىٰ قاتلهم الخليفة الراشد أبو بكر رضي الله عنه، وعاد أكثرهم إلىٰ الإسلام، والذين ماتوا علىٰ ردتهم هم المقصودون في الحديث.

فالطاعنون علىٰ الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ تضمن طعنهم أربعة محاذير عظيمة:

1) الطعن في الصحابة.

2) الطعن في الشريعة؛ لأن الصحابة هم الذين بلّغوا الشرع للأمة.

3) الطعن في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ كيف يثني علىٰ صحابته، وهم أصحاب ردة علىٰ زعم هؤلاء؟!

4) الطعن في ربِّ العالمين تبارك وتعالىٰ، كيف يأمر الأمة بسلوك سبيل الصحابة، إذا كان هذا حالهم؟!.

11/166ــ الْحَادِي عَشَرَ: عَن أَبي سعيدٍ عبدِ الله بنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: نَهَىٰ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن الخَذْفِ، وقالَ: «إنَّهُ لا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِر السِّنَّ». متفقٌ عليه.

وفي رواية: أنَّ قَريباً لاِبْن مُغَفَّلٍ خَذَفَ، فَنَهَاهُ، وقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَىٰ عن الخَذفِ، وَقالَ: «إنَّهَا لا تَصيدُ صَيْداً»، ثُمَّ عادَ. فقالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَىٰ عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ ! لا أُكَلِّمُكَ أَبَداً.

غريب الحديث:

الخَذْف: معناه أن يضع الإنسان حصاة بين السبابة والإبهام، ويدفعها بالسبابة، أو يضعها علىٰ السبابة ويدفعها بالإبهام.

هداية الحديث:

1) تعظيم الصحابة رضي الله عنهم أمر السُّنة والتزامهم بها.

2) علىٰ الإنسان إذا جاءه حكم الله تعالىٰ أو حكم رسولِه صلى الله عليه وسلم أن يقول: سمعنا وأطعنا، ولا يجعل للشيطان مدخلاً عليه، بأن يقول: لا نعرف الحكمة من ذلك الدليل، فلا يلزمنا العمل به!!

3) تجنب كل الأسباب التي تجلب الأذىٰ للمسلمين .

4) جواز هجر المسلم لأخيه المسلم إذا خالف الشرع، وغلب علىٰ ظنِّه أن هذا الهجر ينفع المهجور، ويرده إلىٰ اتباع السنة والحق، وإلا فالأصل ألاّ يهجر المؤمن أخاه المؤمن فوق ثلاث. ومن ارتكب ذنباً ثم تاب منه تاب الله عليه.

12/167ــ وعن عابِسِ بنِ ربيعةَ قال: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه يُقَبِّلُ الْحَجَرَ ـ يَعْنِي الأَسْوَدَ ـ وَيَقُولُ: إنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلا تَضُرُّ، وَلَوْلا أنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) شرع الله _عز وجل_ لعباده تقبيل الحجر الأسود؛ لكمال الذل والعبودية لله تعالىٰ في امتثال شرعه.

2) كمال التعبد لله تعالىٰ أن ينقاد العبد للأمر الشرعي، سواءٌ عرف السبب والحكمة في الأمر المشروع أم لم يعرف ذلك.

3) إن تقبيل الحجر الأسود من صور إتباع السُّنة النَّبوية، وأما الحجر نفسه فلا يضرّ ولا ينفع.