اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

17ـ باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دُعي إلى ذلك وأُمر بمعروف أو نُهي عن منكر

قال الله تعالىٰ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} [النساء: 65] ، وقال تعالىٰ: {إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [النور: 51].

وَفِيهِ مِنَ الأحَادِيثِ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَة الْمَذْكُورُ في أَوَّلِ الْبَابِ قَبْلَهُ، وَغَيرُهُ مِنَ الأحَاديثِ فيه.

1/168ــ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ} الآيَة [البقرة: 284]، اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَىٰ أصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَىٰ الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رسولَ الله كُلّفْنَا مِنَ الأعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلاةَ وَالْجِهَادَ وَالصّيَامَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا. قال رسولُ صلى الله عليه وسلم : «أَتُرِيدُونَ أَن تَقُولُوا كَمَا قَالَ أهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ»، قالوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا و إليك المصير. فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أنْزَلَ الله تَعَالَىٰ في إثْرِهَا: {ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} [البقرة: 285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ الله _عز وجل_: {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ} قَالَ: «نَعَمْ» {رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ} ، قَالَ: «نَعَمْ» {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} ، قَالَ: «نَعَمْ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

اقترأها: قرأها.

ذلّت: أي انقادت بالاستسلام.

إصراً: أي أمراً يثقل علينا حمله.

هداية الحديث:

1) يجب علىٰ المسلم إذا سمع أمر الله تعالىٰ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقابله بالامتثال.

2) فضيلة الصحابة في امتثال أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فكانوا لا يقدِّمون عليه آراءهم وأهواءهم.

3) ثناء الله _عز وجل_ علىٰ رسوله صلى الله عليه وسلم وعلىٰ المؤمنين، لامتثالهم أوامره وتركهم نواهيه.

4) من رحمة الله تعالىٰ بعباده ألا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به، ولا يكلفهم إلا وسعهم.

5) الخواطر الرديئة في صدورنا إذا لم نركن إليها ولم نأخذ بها فإنها لا تضرّ.

فائــدة:

في الحديث صورة مشرقة لما كان عليه الأصحاب ــ رضي الله عنهم أجمعين ــ من التربية الإيمانية، والنفسية المستسلمة لله تعالىٰ، مع الانقياد للشرع المنزل، فالواجب عليناً إذا أردنا الفلاح والسعادة، والتمكين والسيادة، أن نعود لما كان عليه الرعيل الأول.