قَالَ الله تَعَالىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} إلىٰ قوله: {شَهرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلقُرءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلهُدَىٰ وَٱلفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَىٰ سَفَر فَعِدَّة مِّن أَيَّامٍ أُخَرَ} الآية [البقرة 183 – 185].
1) صيام رمضان من أصول الإسلام، وخصال التقوىٰ، وتركه من كبائر الذنوب .
2) إظهار فضيلة هذه الأمة، لمّا شرع الله لها من الفرائض مَا تنافس به الأمم السابقة، ليعظم أجرها وقدرها.
3) من أعظم الحِكَم في فرض الصوم حصول التقوىٰ للصائمين، فالله لا يريد أن يعذب العباد بترك مَا يشتهون ويألفون {وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقوَىٰ مِنكُم}.
4) الترغيب في قبول رخصة الشارع في مشروعية إفطار المريض والمسافر، والله تَعَالىٰ يحب أن تُؤتىٰ رخصه كما يحب أن تُؤتىٰ فرائضه.
فقد تقدمت في الباب الذي قبله.
1/1215ــ وَعَنْ أَبي هُريرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ _عز وجل_: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلاَ الصِّيَامَ، فَإنَّهُ لي وأنا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإذا كَانَ يَوْمُ صَوْمٍ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يصخَبْ، فَإنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إذا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِه». متفقٌ عليه.
وهذا لفظ روايةِ الْبُخَاري.
وفي روايةٍ له: «يَترُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِنْ أجْلي، الصِّيَامُ لي وَأنا أَجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا».
وفي روايةٍ لمسلم: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ؛ الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلىٰ سَبْعِمِائةِ ضِعْف. قال الله تعالىٰ: إلَّا الصَّوْمَ فَإنَّهُ لي وَأَنا أَجْزي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَان؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
جُنة: مَا يستتر به، أي الصوم وقاية وستر من النار.
يرفث: يتكلم الكلام الفاحش.
يصخب: من الصخب وهو: رفع الصوت واللغط فيه.
خلوف: تغير رائحة الفم من أثر الصيام.
1) الصيام من أعظم العبادات إخلاصاً لله تَعَالىٰ، فإنه سرٌّ بين العبد وربِّه، ولذلك اختصه الله تَعَالىٰ من بين سائر الأعمال.
2) اشتمل الصوم علىٰ أنواع الصبر كلها؛ صبر علىٰ طاعة الله، وصبر عَنْ معصية الله، وصبر علىٰ أقدار الله تَعَالىٰ ، فلما اشتمل علىٰ أنواع الصبر كلها كَانَ أجره بغير حساب.
3) المؤمن يفرح بإتمام فريضة من فرائض الله تَعَالىٰ، وبما أحل الله لَهُ من محبوبات النفوس، وهذا هو شأن المؤمن يفرح بالطاعة إذَا أتمها .
4) الحث علىٰ امتثال الوصية النبوية في عدم مقابلة المسيء بالإساءة، بل يكرم الصائمُ نفسَه، ويرفعها عَنْ السبّ والشتم.
هذا الحديث فيه نوعان من أنواع الحديث: ألفاظ قدسية: من كلام الله تَعَالىٰ، وألفاظ نبوية: من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمع فيه وصف الحديث القدسي والحديث النبوي.
2/1216ــ وعنه أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن أنْفَقَ زوجيْن في سبيلِ اللهِ نُودي من أبواب الجَنَّة: يا عَبْدَ الله، هذا خيرٌ ، فَمَنْ كَانَ من أهل الصَّلاة دُعيَ من باب الصَّلاة، ومن كَانَ من أهلِ الجهادِ دُعيَ من باب الجهَاد، ومَنْ كَانَ من أهْل الصِّيَام دُعيَ من باب الرَّيَّان، ومن كَانَ من أهل الصدَقَة دُعي من باب الصَّدَقة» قَالَ أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنتَ وأُمي يارسول الله! مَا علىٰ مَنْ دُعيَ من تلك الأبواب من ضرورَة، فهلْ يُدعىٰ أحدٌ من تلك الأبواب كلِّهَا؟ قَالَ: «نعم، وأرجُو أن تكونَ منهم». متفق عليه.
1) الحث علىٰ الإكثار من نوافل العبادات، ليُدعىٰ العبد من أيِّ باب من أبواب الطاعات.
2) فتح أبواب رحمة الله تَعَالىٰ للعباد، حَتَّىٰ يتنافس أهل الإيمان في العبادات.
3) إن باب الريان الذي يَروي الصائمين أحد أبواب الجنة الثمانية.
4) فضيلة خاصة لأبي بكر الصِّدِّيق؛ فقد بشّره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنه ممن يُدعىٰ من هذه الأبواب كلها، إكراماً لَهُ رضي الله عنه، لأنه حاز أبواب الخير كلها.
3/1217 ــ وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ في الجَنَّة باباً يُقالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدخل منهُ الصائمونَ يومَ القيامةِ، لا يدخلُ منهْ أحدٌ غيرُهُم، يقال: أينَ الصَّائمون؟ فيقومون لا يدخلُ منهُ أحدٌ غيرهُم، فإذا دَخلُوا أُغلقَ، فلم يدخل منه أحدٌ». متفق عليه.
1) من رحمة الله تعالىٰ وإكرامه للصائمين أن فتح لهم باباً لا يشاركهم فيه غيرهم.
2) الجزاء من جنس العمل؛ فكما أَخلص الصائمون لله تَعَالىٰ صومهم، أَخلص ربهم لهم ثوابهم.
4/1218ــ وعَنْ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوماً في سَبِيلِ الله إلَّا بَاعَدَ الله بِذلكَ اليَومِ وَجْهَهُ عَنِ النّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفقٌ عليه.
1) من أعظم الأعمال أجراً، قرْنُ الصيام مع الجهاد في سبيل الله، لأنه يجمع بين الفضيلتين.
2) فضيلة الإخلاص لله تَعَالىٰ في صوم النافلة، لأن العبد لا يصوم في أيام الجهاد إلا لتمام إخلاصه لله تَعَالىٰ.
5/1219ــ عَنْ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صامَ رَمَضَانَ إيماناً واحتساباً ، غُفرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ». متفق عليه.
1) بيان الأجر العظيم في صيام رمضان فهو سبب لغفران الذنوب.
2) إن الإيمان بالله تَعَالىٰ واحتساب الأجر، مع تمام الإخلاص لله سبحانه، من أجلّ الطاعات.
6/1220ــ وعنه رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا جاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنَّة ، وغُلِّقت أبوابُ النَّار، وصُفِّدَت الشَّيَاطينُ». متفق عليه.
صُفِّدت الشَّياطين: قُـيِّدَت وحُبِسَت.
1) من خصائص شهر رمضان أنه تُفتح فيه أبواب الجنة، ترغيباً للعاملين في الإكثار من الطاعات، وتُغلق فيه أبواب النيران لكثرة الطائعين من المؤمنين، وتقييدِ الشياطين عَنْ الشرور.
2) إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الأمة بذلك، نصحاً لها، وترغيباً في الخير، وتحذيراً من الشر.
3) وجوب التصديق بخبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الغيبي، لأنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰٓ * إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَىٰ}.
7/1221ــ وعنهُ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «صُوْمُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإن غَبِي عَليكم فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثين». متفقٌ عليه وهذا لفظ البخاري.
وفي روايةِ مسلم: «فَإن غُمَّ عَليكم فَصُوموا ثَلاثِينَ يَوْماً».
غَبِي: بفتح الغين وكسر الباء، بمعنىٰ خفي.
غُم: حال بينكم وبينه غيم فلم تروه.
1) إن وجوب صوم شهر رمضان يكون برؤية هلال الشهر، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، والخروج من الصيام يحصل برؤية هلال شوال، أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً. حتىٰ نطرح الشك، ونبني العبادة علىٰ يقين تام أو ظن راجح.
2) إذا خفي هلال رمضان وجب إتمام شهر شعبان ثلاثين يوماً، ولا يجوز صيام يوم الشك قبل رمضان، ومن صامه فقد عصىٰ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
إن اتباع السنة يكون بإتمام العدة، وليس بصيام يوم الشك. بزعم أنه أحوط وأكمل، بل كل الخير في متابعة هدي النبي المرسل. ولو كان في صوم يوم الشك خيراً لدلَّ الأمة علىٰ ذلك. فالزم تعليمه، هُديت أرشد المسالك.