اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

19ـ باب فيمن سن سُنّة حسنة أو سيئة

قال الله تعالىٰ: {وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] ، وقال تعالىٰ: {وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا} [الأنبياء: 73].

هداية الآيات:

1) علىٰ العبد أن يسارع ويسابق إلىٰ الخيرات والطاعات، وأن يكون إماماً يُقتدىٰ به في أبواب الخيرات. فهذا من أفضل نعم الله علىٰ عبده.

2) الإمامة في الدين لابد معها من الصبر علىٰ ما سيصيب العبد من التعب والأذىٰ والشهوات، ولابد له من اليقين وهو العلم الراسخ فلا تزعزعه الشبهات؛ فإنه (بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين).

1/171ــ عَنْ أبي عَمْروٍ جَرِيرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه قال: كُنَّا في صَدْر النَّهَارِ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءهُ قَوْمٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، أَو الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأىٰ بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بلالاً فَأَذَّنَ وَأَقامَ، فَصَلَّىٰ ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: « {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ} إلَىٰ آخِرِ الآية: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا}، وَالآيَةُ الأُخْرَىٰ الّتِي في آخِر الْحَشْرِ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّىٰ قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَل قَدْ عَجَزَتْ، ثمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّىٰ رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّىٰ رَأَيْتُ وَجْهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أوزارهم شَيْءٌ». رواه مسلم.

قَوْلُهُ: «مُجتَابي النِّمَارِ» هُوَ بالجِيمِ وبعد الألِفِ باءٌ مُوَحَّدَةٌ. والنِّمَارُ: جَمْعُ نَمِرَةٍ، وَهِيَ: كِسَاءٌ مِن صُوفٍ مُخَطَّطٌ، وَمَعْنَىٰ «مُجْتَابيها» أي: لابِسِيهَا قَدْ خَرَقُوهَا في رُؤُوسِهِم.

وَالْجَوبُ: الْقَطْعُ، وَمِنهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ} أَيْ: نَحَتُوهُ وقَطَعُوهُ. وَقَوْلُه «تَمَعَّرَ» هو بالعين المهملة، أَيْ: تَغَيَّرَ. وَقَوْلُهُ: «رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ» بفتحِ الكافِ وضمِّها أيْ: صُبْرَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: «كَأَنَّهُ مُذهَبَةٌ» هو بالذالِ المعجمةِ، وفتحِ الهاءِ والباءِ الموحدة. قَالَهُ الْقَاضي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: «مُدهُنـَةٌ» بِدَالٍ مهملةٍ وضم الهاءِ وبالنونِ، وَكَذَا ضبَطَهُ الْحُمَيْديُّ، وَالصَّحيحُ الْمَشْــهُورُ هُوَ الأُوَّلُ. وَالْمُراد بِهِ عَلَىٰ الْوجْهَيْنِ: الصَّفَاءُ والاسْتِنَارة.

غريب الحديث:

صدر النهار: أوله.

الفاقة: شدة الفقر.

هداية الحديث:

1) حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وشفقته علىٰ أمته، واهتمامه لحالهم.

2) علىٰ ولاة الأمور تفقّد أحوال رعيتهم والاهتمام بمصالحهم.

3) فضل الصدقات، فعلىٰ العبد أن يكثر منها؛ لأن فيها منفعةً له ولغيره.

4) الترغيب في فعل السنن التي تُركت وهُجرت؛ لأن في إحيائها إحياء للسنَّة.

5) التحذير من السنن السيئة، فمن سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من تابعه عليها.

تنبـيــه:

استدل بعض الناس الراغبين في الخير وفعل الحسنات بهذا الحديث علىٰ جواز فعل بعض البدع، وقالوا: إنها بدع حسنة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة..». وهذا غلط في الفهم؛ لأن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قد قال قولاً شاملاً: «كل بدعة ضلالة»، ولم يستثنِ من البدع شيئاً، فكلها ضلالة وسيئة وليس فيها حسنة.

لكن المراد من الحديث الحث علىٰ المسابقة إلىٰ الخيرات، والإسراع في فعلها، كما هو ظاهر في سبب ورود الحديث. فالسنة الحسنة لها أصل في التشريع، لكن قد تخفىٰ أو تغيب أحياناً، فيأتي من ينشرها بين الناس فيكون قد سن سنة حسنة. أما البدعة فليس لها دليل في الشرع أصلاً. وما أحسن كلمة قالها إمامنا الشافعي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ: «من استحسن فقد شرع». وأخرىٰ قالها إمام دار الهجرة مالك ابن أنس ــ رحمه الله تعالىٰ ــ : «وما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً».

2/172ــ وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إلاّ كَانَ عَلَىٰ ابْنِ آدَم الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دِمِهَا؛ لأَنّهُ كَان أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». متَّفَقٌ عليه.

غريب الحديث:

ابن آدم الأول: هو قابيل لما قتل أخاه هابيل.

كفل: نصيب.

هداية الحديث:

1) من سن سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر كل َمن عمل بمثل عمله إلىٰ يوم القيامة.

2) من عقوبة السيئة أن تجر السيئات علىٰ صاحبها إلا أن يتوب.

3) القتل بغير حق من الذنوب العظيمة التي عُصي الله تعالىٰ بها.