قَالَ الله تَعَالىٰ: {وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلبَيتِ مَنِ ٱستَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلعَٰلَمِينَ} [آل عمران 97].
هذه الآية نزلت في العام التاسع من الهجرة، وهو عام الوفود، وفيه فُرِض الحج علىٰ الناس جميعاً، مؤمنهم وكافرهم، لكن الكافر نخاطبه بالإسلام أولاً، ثُمَّ بالحج، وشرط وجوب الحج استطاعة الوصول إلىٰ البيت، وهذا يختلف بحسب الزمان والمكان.
1/1271ــ وَعَنِ ابنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُنِيَ الإسْلامُ علىٰ خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلهَ إلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ الله، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفقٌ عليهِ.
2/1272ــ وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قالَ: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا» فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسولَ الله؟ فَسَكَتَ، حَتَّىٰ قَالَها ثَلاثاً. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قالَ: «ذَرُوني مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلافِهِمْ عَلىٰ أَنْبِيَائِهِمْ، فَإذَا أَمَرْتكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، وَإذَا نَهَيْتكُم عَن شَيءٍ فَدَعُوهُ». رواه مسلمٌ.
1) الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، التي لا يتم إسلام عبد حَتَّىٰ يأتي بها.
2) الحج لا يجب في العمر إلَّا مرة واحدة، وهذا من رحمة الله تَعَالىٰ بعباده، فقد أمرهم بما يطيقون، كل ذلك لرفع الحرج والمشقة علىٰ العباد {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي ٱلدِّينِ مِن حَرَج}.
3) إن كثرة المسائل والاختلاف سبب من أسباب الهلاك.
4) يجب علىٰ العبد أن يفعل ما استطاع من الأوامر الشرعية، أما المناهي الشرعية فيجب تركها كلياً، ولا يجوز التساهل فيها.
3/1273ــ وعنه قَالَ: سُئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، أيُّ العَمَل أفضلُ؟ قَالَ: «إيمانٌ بالله ورسوله» قيل: ثُمَّ ماذا؟ قَالَ: «الجهادُ في سبيل الله» قيل: ثُمَّ ماذا؟ قَالَ: «حجٌّ مبْرُورٌ». متفق عليه.
«المَبْرُورُ»: هُوَ الَّذِي لا يَرتكِبُ صَاحِبُهُ فِيهِ مَعْصِيَةً.
1) تفاضل الأعمال والطاعات بحسب قدرة العامل، فكلٌّ يخاطَب بما يليق بحاله.
2) الحج المبرور هو الَّذي يكون الحاج مخلصاً لله تَعَالىٰ فيه، متبعاً لهدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في صفة الحج، مجتنباً الرفث والفسوق والجدال، فهذا الحج من أفضل الأعمال عند الله تَعَالىٰ.
4/1274ــ وعنه قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ حجَّ فلم يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رجَعَ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أمُّهُ». متفق عليه.
1) الحج سبب لغفران الذنوب جميعاً.
2) رحمة الله تَعَالىٰ بعباده، فقد شرع لهم من الطاعات ما تغفر معها الذنوب والخطيئات.
5/1275ــ وعنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «العُمرةُ إلىٰ العُمْرةِ كفَّارةٌ لما بينَهُمَا، والحَجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلَّا الجنَّةَ». متفق عليه.
6/1276ــ عَنْ عائشةَ رضي الله عنها قَالَت: قلْتُ: يارسولَ الله، نَرَىٰ الجهادَ أفضلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهدُ؟ فقالَ: «لَكُنَّ أفضلُ الجهادِ حجٌّ مبرورٌ». رواه البخاري.
1) الحج نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، لمن فاته شرف الجهاد بعذر.
2) تعظيم أجر الحج لما أتىٰ به علىٰ صفته الشرعية ظاهراً وباطناً.
3) الخطاب بقوله: «لكُنَّ أفضل الجهاد..» موجه إلىٰ جماعة النساء، فالحج هو جهاد النساء من غير قتال.
7/1277 ــ وعنها: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ». رواه مسلم.
1) فضيلة يوم عرفة، لكثرة العتقاء فيه من النار.
2) رحمة الله تَعَالىٰ بالمؤمنين، إذ خصَّ هذه الأمة بمواسم الخير والمغفرة.
8/1278 ــ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «عُمرَةٌ في رَمَضَانَ تَعدِلُ حَجَّةً» وفي لفظ: «أوْ حَجَّةً مَعي». متفق عليه.
1) العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب والجزاء، وليس في إسقاط الفرض والإجزاء.
2) ثواب العمل يزيد بفضيلة الوقت، فالعمرة عَظُم أجرها لـمّا وقعت في رمضان.
9/1279ــ وعنه أَنَّ امْرَأَةً قالَتْ: يَا رسُولَ الله، إنَّ فَريضَةَ الله عَلىٰ عِبَادِهِ في الحَجِّ أَدْرَكتْ أَبي شَيخاً كَبِيراً، لا يَثبتُ عَلىٰ الرَاحِلَةِ، أَفأَحُجُّ عَنْهُ؟ قالَ: «نَعَم». متفقٌ عليهِ.
10/1280 ــ وعن لقيط بن عامر رضي الله عنه أنَّه أتىٰ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحجَّ ولا العمرةَ ولا الظَّعَنَ؟ قَالَ: «حجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ».
رواهُ أبو داود، والترمذيُّ وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الظعن: الارتحال والسير.
1) الإنسان إذَا عجز عَنِ الحج عجزاً لا يُرجىٰ زواله، كمرض دائم أوْ كِبَر سِنّ، فإنه يُحَجّ عَنْهُ حجة بدل.
2) يجوز للمرأة أن تحج عَنِ الرجل، وللرجل أن يحج عَنِ المرأة.
11/1281ــ وعَنِ السّائِبِ بنِ يزيدَ، رضي الله عنه قالَ: حُجَّ بي مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في حَجةِ الوَدَاعِ، وأنا ابنُ سَبْعِ سِنِينَ. رواه البخاريُّ.
12/1282 ــ وَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ رَكْباً بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ ؟» قَالُوا: المُسْلِمُونَ. قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: «رسولُ الله»، فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيّاً فَقَالَتْ: أَلِهذا حَجٌّ ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلكِ أَجْرٌ» رواهُ مُسلم.
الروحاء: موضع بين مكة والمدينة.
1) صحة حج الصبيان، ولو كان الصبي صغيراً دون التمييز.
2) للصبي أجر حجِّه، ولوليه مثل أجره، لأنه سبب في حج الصغير، فالدالُّ علىٰ الخير كفاعله.
الصبي في الحج يفعل ما يفعله الكبير، وإن عجز عَنْ شيءٍ لصغر سنه، كالرضيع مثلاً، فله أحوال:
1) إن كان مما تدخله النيابة مثل رمي الجمرات، فإن الكبير ينوب عَنْهُ في ذلك.
2) وإن كان مما لا تدخله النيابة ويستطيع الصغير فعله، كالطواف والسعي، فإنه يحمل فيها.
13/1283 ــ وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حجَّ علىٰ رحْلٍ، وكانت زاملتَهُ. رواه البخاري.
الزاملة: البعير الَّذي يُحمل عليه الطعام والمتاع.
1) بيان ضيق العيش، وقلة الحال، الَّذي كان عليه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الزاد والمتاع محمولاً علىٰ الراحلة، ومع ذلك كان أوسع الناس صدراً، وأعظمهم صبراً صلى الله عليه وسلم، فالسعيد من اقتدىٰ به وتخلّق بأخلاقه وشمائله.
2) جواز التنقل في مشاعر الحج راكباً، ولا يُنقص ذلك الأجر.
14/1284ــ وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكاظُ ومَجِنَّة وَذو المَجَازِ أَسْوَاقاً في الجَاهِلِيَّةِ، فَتَأثَّمُوا أن يَتَّجِرُوا في المَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: {لَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُم} [البقرة 198] في مَوَاسِمِ الحَجِّ. رواه البخاريُّ.
تأثموا: تحرَّجوا وخافوا من الوقوع في الإثم.
1) التجارة في الحج من المنافع التي لا حرج علىٰ الحاج في فعلها، مع كون مقصوده الأول هو أداء الحج.
2) فضيلة صحابة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في تورّعهم عن فعل الشيء، ولو فيه منفعة، حَتَّىٰ يعلموا حكم الله تَعَالىٰ فيه.