اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

كتاب الجهاد

234 ــ باب فضل الجهاد

قال الله تعالىٰ: {وَقَٰتِلُواْ ٱلمُشرِكِينَ كَآفَّة كَمَا يُقَٰتِلُونَكُم كَآفَّة وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلمُتَّقِينَ} [التوبة 36]، وقال تعالىٰ: {كُتِبَ عَلَيكُمُ ٱلقِتَالُ وَهُوَ كُره لَّكُمۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكرَهُواْ شَي‍ٔا وَهُوَ خَير لَّكُمۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَي‍ٔا وَهُوَ شَرّ لَّكُم وَٱللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ} [البقرة 216]، وقال تعالىٰ: {ٱنفِرُواْ خِفَافا وَثِقَالا وَجَٰهِدُواْ بِأَموَٰلِكُم وَأَنفُسِكُم فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [التوبة41]، وقال تعالىٰ: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشتَرَىٰ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلجَنَّةَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَۖ وَعدًا عَلَيهِ حَقّا فِي ٱلتَّورَىٰةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلقُرءَانِ وَمَن أَوفَىٰ بِعَهدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ فَٱستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعتُم بِهِۦ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ} [التوبة 111]، وقال الله تعالىٰ: {لَّا يَستَوِي ٱلقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ غَيرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَموَٰلِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلمُجَٰهِدِينَ بِأَموَٰلِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى ٱلقَٰعِدِينَ دَرَجَة وَكُلّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلحُسنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلقَٰعِدِينَ أَجرًا عَظِيما * دَرَجَٰت مِّنهُ وَمَغفِرَة وَرَحمَة وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيمًا} [النساء 95_96]، وقال تعالىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَل أَدُلُّكُم عَلَىٰ تِجَٰرَة تُنجِيكُم مِّن عَذَابٍ أَلِيم * تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَموَٰلِكُم وَأَنفُسِكُم ذَٰلِكُم خَير لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ * يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُدخِلكُم جَنَّٰت تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَة فِي جَنَّٰتِ عَدن ذَٰلِكَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ * وَأُخرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصر مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتح قَرِيب وَبَشِّرِ ٱلمُؤمِنِينَ} [الصف 10_13]، والآياتُ في الباب كثيرةٌ مَشْهُورةٌ.

هداية الآيات:

1) إغراء المؤمنين بقتال عامة الكافرين، لإعلاء كلمة الله، وإذلال الكفر وأهله.

2) الجهاد، وإن كان من مكروهات النفوس، فإن فيه من المصالح العظيمة ما يجعله خيراً للمؤمنين، فالله تَعَالىٰ قد يجري بقضائه وقدره وحكمته شيئاً تكرهه النفوس، ثُمَّ تكون العاقبة خيراً.

3) الجهاد المأمور به هو الجهاد بالنفس والمال، لإعلاء دين الله تَعَالىٰ، لا رياء ولا عصبية.

4) إظهار صفقة الجهاد العظيمة: المشتري هو الله سبحانه، والبائع هم أهل الإيمان، والعِوض من المؤمنين الأنفس والأموال، والعوض من الله الجنة، والوثيقة المثبتة للبيع والشراء هو وعد من الله في أعظم الكتب المنزلة، فما أعظمها من صفقة! فأين التجار الراغبون في الربح؟

5) المعذورون في تخلفهم عن الجهاد هم أولو الضرر،من الضعفاء والعاجزين بأبدانهم أو أموالهم، أو من قعد للتفقه في دين الله، فمن ترك مصلحة الجهاد الكفائي لمصلحة العلم والدعوة إلىٰ الله تَعَالىٰ، فهو علىٰ خير.

6) الجهاد هو التجارة الرابحة التي ينال العبد بها كل مطلوب، ويدفع عَنْهُ كل مرهوب، لكن لا يعقلها إلَّا العالمون!.

فائدة نفيسة:

ذكر العلماء ــ رحمهم الله تَعَالىٰ ــ أن الجهاد ثلاثة أقسام:

جهاد النفس، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار المحاربين.

فالمقدَّم منها جهاد النفس والهوىٰ والشيطان، فإن نال العبد ذلك، ووفّقه الله تَعَالىٰ لتحقيقه ينبني عليه جهاد المنافقين وجهاد الكافرين، وإن عجز عَنْ جهاد نفسه وهواه والشيطان فهو عن باقي الأنواع أشد عجزاً، فلْيحرصِ المؤمن علىٰ جهاد نفسه، وذلك بحملها علىٰ القيام بالواجبات، وترك المحرمات، وهذا يحتاج منه إلىٰ علم وبصيرة، ثم مثابرة ومرابطة، ومعاناة ومجاهدة، حَتَّىٰ تأتي نفسه راغبةً في الخير وتاركةً للشر، فإن صَدَقَ في هذا الجهاد أكرمه الله تَعَالىٰ بجهاد الكافرين، ووعده بالنصر العظيم، وأما من عجز عَنِ المرابطة علىٰ صلاة الجماعة مثلاً، وخان أمانة (حي علىٰ الصلاة)، فكيف يلبّي (حي علىٰ الجهاد)؟

وأما الأحاديث في فضل الجهاد فأكثر من أن تحصر، فمن ذلك:

1/1285ــ عَنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: سُئل رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قَالَ: «إيمانٌ بالله ورسوله» قيل: ثُمَّ ماذا؟ قَالَ: «الجهادُ في سبيل الله» قيل: ثُمَّ ماذا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه.

2/1286 ــ وَعَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إلىٰ الله تَعَالىٰ؟ قَالَ: «الصّلاةُ عَلىٰ وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبِيلِ الله». متفقٌ عليهِ.

3/1287 ــ وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قلتُ: يارسولَ الله، أيُّ العَمَل أفضلُ؟ قَالَ: «الإيمانُ باللهِ، والجهادُ في سبيلِهِ». متفق عليه.

هداية الأحاديث:

1) الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ من أحب وأفضل الأعمال إلىٰ الله تَعَالىٰ.

2) تنوع أعمال الخير والبر لأهل الإيمان، فكلٌّ ينافس فيما يقدر عليه من الطاعات. وهذا من كمال هذه الشريعة.

4/1288ــ وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَغدْوَةٌ في سبيلِ اللهِ، أوْ روحةٌ، خيرٌ من الدُّنْيا وما فيها». متفق عليه.

غريب الحديث:

غدوة: الخروج أول النهار.

روحة: الخروج آخر النهار.

هداية الحديث:

1) الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ من أفضل القُرَب، فهو خير من الدنيا وما فيها من أنواع النعيم.

2) الترغيب في إخلاص الجهاد لله تَعَالىٰ؛ بأن يكون في سبيل الله، لا في سبيل العصبية وأنواع الجاهلية.

5/1289 ــ وعَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتىٰ رَجُلٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبيلِ الله». قال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: «مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّه». متفق عليهِ.

هداية الحديث:

1) الجهاد المطلوب هو الجهاد بالنفس والمال، وذلك أعز ما يملكه الإنسان.

2) إن العزلة في زمن الفتن والشرور والخوف من الوقوع في المعاصي خير من الخلطة.

6/1290ــ وَعَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبيلِ الله خَيْرٌ من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، والرَّوْحَةُ يَرُوحُها العَبْدُ في سَبيلِ الله تَعَالىٰ، أَوِ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) إظهار فضيلة عظيمة للمرابطة والجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ.

2) الدنيا بما فيها لا تعدل عند الله شيئاً، ولا خير فيها، إلَّا ما كان سبباً يقرِّب إلىٰ الله تَعَالىٰ، فأيسر قدر من الجهاد أعظم من جميع ما في الدنيا.

3) إن سبب التخلف عَنِ الجهاد هو التعلق بالدنيا والتثاقل إليها، فهل عرفنا لماذا هجرنا الجهاد؟!.

7/1291 ــ وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رِباطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإنْ ماتَ فيهِ جَرَىٰ عَلَيْه عَمَلُهُ الَّذِي كانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفتَّانَ». رواهُ مُسلمٌ.

8/1292ــ وعَنْ فضَالَة بن عُبَيْد رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلىٰ عَمَلِهِ إلَّا المُرَابِطَ في سَبِيلِ الله، فإنَّهُ يَنْمِي لَهُ عَمَلُهُ إلىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ من فِتْنَةِ القَبر». رواه أبو دَاود، والترمذيُّ وقَالَ: حديث حسنٌ صحيحٌ.

غريب الحديث:

الفتان: هو ما يُفتن به الإنسان في القبر من سؤال الملكين له عن معبوده، ودينه، ونبيِّه.

هداية الأحاديث:

1) فضيلة خاصة للمرابط في سبيل الله؛ أنه يُنَمَّىٰ له عمله ولا ينقطع، وهذا مما يشوق النفوس المؤمنة إلىٰ الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ.

2) إثبات فتنة القبر وأن المرابط في سبيل الله يعصمه الله تَعَالىٰ منها.

9/1293 ــ وعن عثمان رضي الله عنه قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من ألْف يومٍ فيما سواهُ من المَنازل». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

هداية الحديث:

1) بيان مضاعفة الحسنات للمرابط في سبيل الله، وهذا من شرف الجهاد وفضيلته.

2) الموفَّق مَن وفّقه الله تَعَالىٰ لأن يكون علىٰ رتبةٍ من رتب الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ.

10/1294ــ وَعَنْ أَبِي هُريرةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ في سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلا جِهَادٌ في سَبِيلي وَإِيمانٌ بي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلي، فهوَ ضامنٌ عليَّ أَن أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ إلىٰ مَنْزِلِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ بِما نَالَ مِنْ أَجْرٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، ما مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبِيلِ الله إلَّا جاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ كُلمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ. وَالَذِي نَفْسُ مُحَمَدٍ بِيَدِهِ، لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلىٰ المُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبِيلِ الله أَبَداً، ولكِنْ لا أَجِدُ سَعَةً فأَحْمِلَهُمْ، وَلا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَن يَتَخَلَّفُوا عَنِّي. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّد بِيدهِ، لَوَدِدْتُ أَني أَغْزُو في سَبِيلِ الله فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو، فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو، فَأُقتَلُ». رواهُ مسلم، وروىٰ البخاريُّ بَعْضَهُ.

«الكَلْمُ»: الجرحُ.

هداية الحديث:

1) إنَّ تحقق الإخلاص في الجهاد أمر عظيم مقصود، حَتَّىٰ يفوز العبد بالأجر الموعود.

2) المجاهد له إحدىٰ الحسنيَيْن، إما الشهادة، وإما الظفر بالنصر، والعود سالماً إلىٰ أهله.

3) تمنىٰ الرسول صلى الله عليه وسلم الشهادة في سبيل الله، وذلك لما يعلم من عظم مرتبة الشهيد عند الله تَعَالىٰ!.

4) جواز الحلف بقول الرجل: «والذي نفسي بيده»، لأنه قسم بالله تَعَالىٰ، أما الحلف بغير الله تَعَالىٰ وأسمائه وصفاته وكلامه فهو حرام لا يجوز، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفاً فَلْيحلفْ بالله أوْ لِيصمُتْ»، رواه البخاري.

11/1295ــ وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مَكلومٍ يُكلَمُ في سبيل الله إلَّا جاءَ يومَ القيامَة، وكَلْمُهُ يَدْمَىٰ: اللونُ لونُ دم، والريحُ ريحُ مسْك». متفق عليه.

12/1296ــ وعن معاذ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ في سبيلِ اللهِ مِنْ رجُلٍ مُسلِمٍ فُواقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ له الجَنَّةُ، ومَنْ جُرحَ جُرحاً في سبيل الله أوْ نُكبَ نَكبَةً، فإنَّها تجيءُ يومَ القيامة كأغزَر ما كانت: لونُها الزَّعْفرانُ، وريحُها كالمسكِ». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

غريب الحديث:

مكلوم: مجروح، والكلم هو الجرح. كلمه يَدمىٰ: جرحه يسيل دماً.

فُواق ناقة: وقت ما بين الحلبتين من الراحة، والمعنىٰ: ولو بجهاد قليل.

نكب نكبة: ما يصيب الإنسان من المصائب ولو كانت يسيرة.

هداية الأحاديث:

1) لمّا شهد الشهيد أن دين الله تَعَالىٰ أغلىٰ عنده من روحه؛ شهدت علىٰ صدقه جوارحه، فانبعث دمه يشهد علىٰ صدقه، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، فكان الجزاء من جنس العمل.

2) ما يحل بالشهيد من جراحة أوْ مصيبة إلَّا كتب الله تَعَالىٰ بها الأجر، وشهدت له بذلك.

13/1297ــ وَعَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِشِعْبٍ فيهِ عُيَيْنَةٌ مِن مَاءٍ عَذبَةٌ، فَأَعْجَبتهُ، فَقَال: لو اعتَزَلتُ النَاسَ فَأَقَمْتُ في هذا الشّعبِ، ولَنْ أَفعَلَ حَتىٰ أسْتأذِنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكَرَ ذلِكَ لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «لا تفعلْ، فإنَّ مُقامَ أحَدِكُمْ في سَبِيلِ الله أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ في بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَاماً، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ؟ اغزُوا في سبيلِ الله، مَنْ قَاتَلَ في سَبِيلِ الله فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ له الجَنَّةُ». رواهُ الترمذي وقَالَ: حديثٌ حَسَنٌ.

«والفُوَاق»: مَا بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ.

هداية الحديث:

1) تعظيم قدر الجهاد؛ لأن نفعه عام للأمة والأفراد، أما العبادة الخاصة فنفعها قاصر علىٰ العبد غالباً.

2) إن الغزو في سبيل إعلاء كلمة الله، مع الصدق في النية، موجب لدخول الجنة.

3) فضيلة صحابة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، حَيْن امتنعوا عن أي عمل ديني دون إذن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

14/1298ــ وعَنْهُ قالَ: قِيلَ: يا رَسُولَ الله، مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ في سَبِيلِ الله ؟ قَالَ: «لا تَسْتَطِيعُونَهُ»: فَأَعَادُوا عليهِ مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثاً، كُلُّ ذلِكَ يَقُولُ: «لا تَسْتَطِيعُونَه»! ثمَّ قالَ: «مَثَل المُجَاهِدِ في سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصائِمِ القَائمِ القَانِتِ بآياتِ الله، لا يَفْتُرُ مِنْ صِيامِ ولا صَلاةٍ، حَتىٰ يَرجعَ المجَاهِدُ في سَبِيلِ الله». متفقٌ عليه، وهذا لفظُ مسلِمٍ.

وفي روايةِ البخاريِّ: أَنَّ رَجلاً قَالَ: يا رَسُولَ الله، دُلَّني عَلىٰ عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قالَ: «لا أَجِدهُ».

ثمَّ قالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إذا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدخُلَ مَسجِدَكَ، فَتَقُومَ وَلا تَفتُرَ، وتَصُومَ ولا تُفْطِرَ؟» فقال: ومَنْ يَستطيعُ ذلكَ؟!.

هداية الحديث:

1) أجر المجاهد في سبيل الله يعادل أجر المنقطع للعبادة انقطاعاً تاماً.

2) فضائل الأعمال هي إحسان من الله تَعَالىٰ لمن شاء من عباده، فالعبد لا يبلغ بعلمه وعمله فقط، ولكن برحمة الله تَعَالىٰ وفضله.

15/1299ــ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: «مِنْ خَيرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُم رَجُلٌ مُمسِكٌ بِعنَانِ فَرَسِهِ في سَبِيلِ الله، يَطِيرُ عَلىٰ مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمعَ هَيعةً أوْ فَزعَةً طَارَ عليه، يَبْتَغِي القتلَ والمَوْتَ مَظَانَّهُ، أَوْ رَجُلٌ في غُنيْمَةٍ في رأسِ شَعَفَةٍ مِن هذه الشعَفِ، أَو بَطنِ وادٍ من هذِهِ الأودِيَةِ، يقِيمُ الصَّلاةَ ، وَيُؤْتي الزَّكَاةَ، وَيَعْبَدُ رَبَّهُ حَتَّىٰ يَأْتِيَهُ اليقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إلا في خَيْرٍ». رواهُ مسلمٌ.

غريب الحديث:

عنان فرسه: الحبل الَّذي يشد به الفرس.

متنه: ظهره.

هيعة أوْ فزعة: الصوت ينادي للحرب.

مظانه: مظان الشيء: المواضع التي يغلب وجوده فيها.

شعَفَة: أعلىٰ الجبل.

هداية الحديث:

1) إن طلب الموت في سبيل الله تَعَالىٰ وترقّبه والاستعداد له من خير أحوال العباد.

2) العزلة عند فساد الناس لابد أن تكون مع القيام بالواجبات الشرعية، ولا تُجعل سبباً في ترك الطاعات، كما يغلط بعض الناس؛ فيعتزل الجماعة والجمعة، بحجة فساد الزمان.

16/1300ــ وعنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ في الجَنَّة مائةَ دَرَجَةٍ أعدَّها اللهُ للمُجاهدينَ في سبيل الله، ما بَيْنَ الدَّرجَتَيْن كَمَا بَيْنَ السَّماء والأرْض». رواهُ البخاري.

17/1301ــ وعَن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: «مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّاً، وَبالإسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» فَعَجِبَ لهَا أبو سَعِيدٍ، فَقَال: أَعِدْها عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأخْرَىٰ يَرْفَعُ اللهُ بِهَا العَبْدَ مِئَةَ دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، ما بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّماءِ والأرْض» قالَ: وما هِيَ يا رسولَ الله؟ قال: «الجِهادُ في سَبِيلِ الله، الجِهَادُ في سَبِيلِ الله». رواهُ مُسلم.

هداية الأحاديث:

1) بيان عظم سعة الجنة، وما فيها من أنواع النعيم والدرجات العلىٰ لأهل الجهاد.

2) تفاوت أهل الجنة بحسب تفاوتهم في الإيمان والعمل الصالح، والموفَّق السعيد من كان في الدنيا من أهل الرتب العالية في العبودية، ليفوز في الجنة بالدرجات العلية. {أُوْلَٰٓئِكَ يُجزَونَ ٱلغُرفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّونَ فِيهَا تَحِيَّة وَسَلَٰمًا}.

18/1302ــ وعَنْ أَبي بكْرِ بنِ أَبي مُوسىٰ الأشْعَرِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أبي رضي الله عنه، وَهُوَ بِحَضْرَةِ العَدُوِّ، يقول: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَبْوَابَ الجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ» فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الهَيْئَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَىٰ، أَأَنْتَ سَمِعْتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قالَ:نَعَمْ، قَالَ: فَرَجَعَ إلىٰ أصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ، ثُم كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ، ثُمّ مَشَىٰ بسَيْفِهِ إلىٰ العَدُوّ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّىٰ قُتِلَ. رواه مسلمٌ .

غريب الحديث:

رث الهيئة: بالي الثياب.

جفن سيفه: غمد السيف.

هداية الحديث:

1) فضيلة الصحابة رضي الله عنهم في امتثالهم العلم بالعمل، فقد مارسوا الجهاد علماً وعملاً.

2) وجوب التثبت في صدق النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3) جواز إظهار الشجاعة والإقدام والخيلاء في ساحات القتال.

19/1303 ــ وعن أبي عبس عبد الرحمن بن جَبْر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما اغْبرَّتْ قَدَمَا عبْدٍ في سَبيلِ اللهِ فَتَمَسَّه النَّارُ». رواه البخاري.

20/1304ــ وعن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلجُ النَّارَ رجُلٌ بَكَىٰ من خَشْية الله حَتَّىٰ يعودَ اللَّبنُ في الضَّرعِ، ولا يجتمعُ علىٰ عَبْد غُبَارٌ في سبيل الله ودَخَانُ جَهَنَّمَ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

21/1305ــ وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «عَيْنَان لا تَمَسُّهُما النَّارَ؛ عينٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ اللهِ، وعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سبيلِ اللهِ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

غريب الحديث:

لا يلج: لا يدخل.

يعود اللبن في الضرع: بمعنىٰ استحالة الشيء، أي: كما يستحيل أن يعود اللبن بعد حلبه من الضرع، فكذلك يستحيل أن يدخل النارَ رجلٌ بكىٰ من خشية الله.

هداية الأحاديث:

1) فضل الحراسة والجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ، فَلْيهنأ القائمون بواجب المرابطة دفاعاً عن حرمات المسلمين.

2) فضل البكاء من خشية الله تَعَالىٰ، وهذا لا يكون نافعاً إلَّا من صادق إيمان، صاحب هدي وسنة، حاضر دمعة.

22/1306ــ وعن زَيْدِ بنِ خَالدٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً في سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». متفقٌ عليهِ.

23/1307 ــ وَعَنْ أَبِي أمَامَةَ، رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ في سَبِيلِ الله، وَمَنِيحَةُ خادِمٍ في سبِيلِ الله، أو طَروقةُ فَحْلٍ في سبيلِ الله». رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

24/1308 ــ وَعَن أنس رضي الله عنه أَنَّ فَتىٰ مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رسولَ الله، إنِّي أُرِيدُ الغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِي مَا أتجَهَّزُ بِهِ، قَالَ: «ائْتِ فُلاناً، فَإنَّهُ قَدْ كانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ». فَأَتاهُ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقْرِئُكَ السَّلامَ، ويقولُ: أَعْطِني الذي تَجَهَّزتَ بِه، قالَ: يَا فُلانَةُ، أَعْطِيْهِ الذي كُنْتُ تَجَهَّزْتُ بِهِ، وَلا تَحْبِسي عَنْهُ شَيْئاً، فَوَاللهِ لا تَحْبِسي مِنْهُ شَيْئاً فَيُبَارَكَ لَكِ فِيه. رَوَاه مسلمٌ.

25/1309 ــ وَعن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إلىٰ بَني لَحيَانَ، فَقَالَ: «لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا». رواهُ مسلمٌ.

وفي روايةٍ لهُ: «لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ» ثُمَّ قَالَ لِلقَاعِدِ: «أَيُّكُمْ خَلَفَ الخَارِجَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الخَارِجِ».

غريب الحديث:

ظل فسطاط: بيت من شعر.

منيحة خادم: ما تمنح علىٰ سبيل العطية والهبة.

طروقة فحل: الناقة التي بلغت سناً بحيث يأتيها الفحل.

هداية الأحاديث:

1) وجوب التعاون بين المسلمين علىٰ تجهيز جيوش الجهاد، فمن جهّز الغازي فله مثل أجره.

2) حسن تدبير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فالعاجز عَنْ الجهاد ينوب عَنْهُ القادر عليه.

3) إن القيام بحوائج أسر المجاهدين في سبيل الله لمن أعظم الطاعات التي تعدل أجر الجهاد.

26/1310 ــ وَعَنِ البَراءِ رضي الله عنه قال: «أتىٰ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله أُقاتِلُ وأُسْلِمُ ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ» فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عَمِلَ قَلِيلاً، وَأُجِرَ كَثِيراً». متفقٌ عليه، وهذا لفظُ البخاريّ.

غريب الحديث:

مقنع بالحديد: مغطىٰ بالسلاح، أوْ علىٰ رأسه ما يشبه الخوذة.

هداية الحديث:

1) الإسلام شرط لكل عبادة، ولا تصح أي عبادة إلَّا بالإسلام.

2) حُرْمة الاستعانة بالمشركين في قتالٍ أبداً، حَتَّىٰ ولو كان قتالاً ضد المشركين، فكيف بمن يستعين بالمشركين الحاقدين علىٰ قتال إخوانه المؤمنين؟

3) العمل اليسير مع صدق النية له ثواب كبير.

27/1311 ــ وَعَنْ أنسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إلىٰ الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلىٰ الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إلَّا الشَّهِيْد، يَتَمَنَّىٰ أَنْ يَرْجِعَ إلىٰ الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِما يَرَىٰ مِنَ الكَرَامَة».

وفي روايةٍ: «لِمَا يَرَىٰ مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَة». متفقٌ عليهِ.

هداية الحديث:

1) إن الجزاء العظيم الذي يراه الشهيد مُقدَّماً، يُنسيه مرارة القتل، وكراهية النفوس للموت.

2) إنَّ الغفلة عَنْ ثواب الله تَعَالىٰ تصرف العبد عن العبادات والمقامات العالية.

3) لو علم العبد ما له من ثواب الله تَعَالىٰ لسارع إلىٰ الجنة، وخطبها بغالي الأثمان.

28/1312ــ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَغْفرُ اللهُ للشَّهيدِ كلَّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّينَ». رواه مسلم.

وفي رواية له: «القَتْلُ في سبيل الله يُكَفِّر كلَّ شيءٍ إلَّا الدَّيْنَ».

29/1313ــ وَعَنْ أَبي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فِيهمْ، فَذَكَرَ «أَنَّ الجِهَادَ في سَبِيلِ الله وَالإيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَال»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبِيلِ الله، أَتكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبِيلِ الله، وَأَنْتَ صَابِرٌ، مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبِيلِ الله، أتكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ ، وَأَنْتَ صَابِرٌ، مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلَّا الدَّيْنَ، فَإنَّ جِبْرِيلَ –عليه السلام_ قالَ لي ذلكَ». رواهُ مسلمٌ.

غريب الحديث:

محتسب: الاحتساب: طلب الثواب من الله تَعَالىٰ.

هداية الأحاديث:

1) تحذير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الأمة من الدَّين، فهو يمنع العبد من دخول الجنة حَتَّىٰ يؤدي حق الناس.

2) الشهادة في سبيل الله تَعَالىٰ تكفِّر ذنوب العبد كلها، بشرط احتساب الثواب والصبر.

30/1314ــ وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رجلٌ: أين أنا يارسولَ الله إنْ قُتلتُ؟ قَالَ: «في الجَنَّة»، فألقَىٰ تَمَرَات كُنَّ في يَده، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّىٰ قُتلَ. رواه مسلم.

31/1315ــ وعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، حَتَّىٰ سَبَقُوا المشرِكينَ إلىٰ بَدرٍ، وَجَاءَ المُشرِكُونَ، فَقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقدمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إلىٰ شَيْءٍ حَتَىٰ أَكُونَ أَنا دُونَهُ» فَدَنَا المُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا إلىٰ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالأَرْضُ» قال: يَقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأَنصَارِيُّ رضي الله عنه: يا رسولَ الله جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاواتُ وَالأرْضُ؟ قالَ: «نَعَم» قالَ: بَخٍ بَخٍ! فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما يَحمِلُكَ علىٰ قَولكَ بَخٍ بَخٍ ؟» قالَ: لا وَاللهِ يا رَسُولَ الله إلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قال: «فَإنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا»، فَأَخْرَجَ تَمَراتٍ مِنْ قَرَنهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنا حَيِيتُ، حتَّىٰ آكُلَ تَمَراتي هذِهِ، إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلةٌ، فَرَمَىٰ بمَا كانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثم قَاتَلَهُمْ حَتَّىٰ قُتِل. رواه مسلمٌ.

«القَرَن» بفتح القاف والراء:هو جُعْبَةُ النَّشَّابِ.

غريب الحديث:

بخٍ بخٍ: كلمة تُقال عند المدح والرضىٰ بالشيء، وتُكرر للمبالغة، ومعناها: تعظيم الأمر وتفخيمه.

هداية الأحاديث:

1) من طلب الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء، و«إنما يدرك الرجل علىٰ حسب صدق نيته».

2) فضيلة الصحابة رضي الله عنهم في حرصهم علىٰ الخير والتسابق إليه، فأين أهل الهمم؟!

3) استحباب تحريض المؤمنين علىٰ القتال وطلب الشهادة.

4) شأن القائد المخلص أن يكون في مقدم الجيش، ليحرّض المجاهدين علىٰ القتال.

32/1316ــ وعنه قال:جَاءَ ناسٌ إلىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنِ ابْعَث مَعَنَا رِجَالاً يُعَلِّمُونَا القُرآنَ وَالسُّنَةَ،فَبَعَثَ إلَيْهِمِ سَبعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُمُ:القُرَّاءُ، فِيهِم خَالي حَرَامٌ، يَقْرَؤُونَ القُرآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وكانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بالمَاءِ، فَيَضَعُونَه في المَسْجِدِ، وَيَحتَطِبونَ فَيَبِيعُونَه، ويَشتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ، ولِلفُقَرَاءِ، فَبَعَثهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَضُوا لهُم، فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا المَكانَ، فَقَالُوا:اللّهم بَلِّغْ عَنَّا نَبِيّنَا أَنّا قَدْ لَقِينَاكَ، فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، وأتىٰ رَجُلٌ حَرَاماً ــ خَالَ أنسٍ ــ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّىٰ أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إخْوَانَكُمْ قَد قُتِلُوا، وإنَّهُم قَالُوا: اللّهم بَلَغْ عَنَّا نَبِيَّنا أنّا قَدْ لَقِينَاكَ، فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا». متفقٌ عليه، وهذا لفظ مسلم.

هداية الحديث:

1) للشهيد عند الله تَعَالىٰ حياة برزخية ينعم بها قبل نعيم الآخرة {أَحيَآءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ}.

2) «فزت ورب الكعبة»؛ كلمة إيمانية، خرجت من قلبٍ ذاق طعم الإيمان، فكان الموت عندهم، دفاعاً عَنْ دين الله تَعَالىٰ، فوزاً عظيماً، فرضي الله تَعَالىٰ عَنْ صحابة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

33/1317ــ وعنْهُ قالَ: غَابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَضْرِ رضي الله عنه عن قِتَالِ بَدرٍ، فقالَ: يا رسولَ الله غِبتُ عن أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللهُ أَشْهَدَني قِتَالَ المُشرِكِينَ ليُرِيَنَّ اللهُ مَا أَصنَعُ. فَلَمَّا كانَ يَومُ أُحُدٍ انكَشَفَ المُسلِمُونَ، فقالَ: «اللهم إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاَءِ ــ يَعْني أَصْحَابَهُ ــ وَأَبْرَأُ إليْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاَء ــ يعني المُشرِكِينَ ــ ثم تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سعدُ بنُ مُعَاذٍ فقال: يَا سَعدُ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَربِّ النَّضْرِ، إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ! قالَ سعدٌ: فمَا استطَعتُ يا رَسُولَ الله مَا صَنَعَ! قالَ أنسٌ: فَوَجَدنَا بِهِ بِضعاً وَثَمَانِينَ ضَربةً بالسَّيفِ، أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهمٍ، وَوَجَدْناهُ قد قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشرِكُونَ، فَمَا عرَفَهُ أَحَدٌ إلَّا أُختُهُ بِبَنَانِه.قال أنسٌ: كُنَّا نُرَىٰ أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هذِه الآية نَزَلَتْ فِيهِ وَفي أَشْبَاهِهِ: {مِّنَ ٱلمُؤمِنِينَ رِجَال صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيهِۖ فَمِنهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ} إلىٰ آخرها [الأحزاب23] متفقٌ عليه، وقد سَبَق في (باب المجاهَدَةِ).

غريب الحديث:

بضعاً: يُستعمل من الثلاثة إلىٰ التسعة.

ببنانه: البنان: أطراف الأصابع.

هداية الحديث:

1) من الكرامات التي يكرم الله تَعَالىٰ بها مَنْ شاءَ مِنْ عباده أن يجد العبد ريح الجنة وهو في الأرض، والجنة في السماء.

2) إنَّ المغامرة والخوض في صفوف الكفار لإعمال القتل فيهم من مواقف البطولة والشجاعة الإيمانية.

3) فضل الصحابة رضي الله عنهم في صدق إيمانهم. وهذا يدل دلالة واضحة أن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وأنه لا كان ولا يكون مثل الصحابة، فرضي الله عنهم.

34/1318 ــ وعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتيانِي،فصَعدَا بِيَ الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلاني دَاراً هِي أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْها، قالا: أَمَّا هذِه الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ». رواه البخاري وهو بعضٌ من حديثٍ طويلٍ فيه أنواع العلم، سيأتي في (باب تحريمِ الكذِب) إنْ شاءَ الله تَعَالىٰ.

35/1319ــ وعن أنس رضي الله عنه أنَّ أمَّ الرُّبيع بنتَ البراء، وهي أمُّ حارثةَ ابنِ سُراقَةَ، أتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يارسولَ الله، ألَّا تُحَدِّثُني عَنْ حارثَةَ ـ وكانَ قُتلَ يومَ بدْر ـ فإنْ كانَ في الجَنَّة صَبَرْتُ، وإنْ كانَ غيرَ ذلكَ اجْتَهَدْتُ عليه في البُكاء؟ فقال: «يا أمَّ حارثَةَ، إنَّها جنانٌ في الجَنَّة، وإنَّ ابنَكِ أصابَ الفردَوْسَ الأعْلىٰ». رواه البخاري.

36/1320ــ وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: جيء بأبي إلىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد مُثِّلَ به، فوُضعَ بينَ يَدَيْهِ، فذهبتُ أكشفُ عَنْ وجْهِهِ، فَنَهَاني قَوْمي، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما زَالَت الملائكةُ تُظلُّهُ بأجْنحَتِها». متفق عليه.

هداية الأحاديث:

1) إنَّ العلم بما أعد الله تَعَالىٰ للشهداء من أصناف النعيم في الجنان مما يُهوِّن مصائب الموت علىٰ المؤمنين.

2) فضيلة خاصة لعبد الله والد جابر رضي الله عنهما أن الملائكة أظلته بأجنحتها.

3) جواز البكاء علىٰ الميت من غير نياحة ورفع صوت، وإنما يكون حزن القلب ودمع العين، مع الرضا والتسليم لقضاء الله تَعَالىٰ وقدره.

37/1321ــ وعن سهل بن حُنيْف رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَألَ اللهَ تَعَالىٰ الشَّهادةَ بصدْقٍ بلَّغهُ اللهُ مَنَازلَ الشُّهداءِ، وإنْ ماتَ علىٰ فِراشِهِ». رواه مسلم.

38/1322ــ وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً أُعطِيَها، وَلو لم تُصِبْهُ». رواه مسلم.

هداية الأحاديث:

1) نيّة المؤمن الصادقة تقوم مقام العمل ــ إن حبسه عنه حابس ــ وكأنه قام بالطاعة.

2) سؤال العبدِ الشهادةَ بصدق من الأدعية المستحبة في حياة المؤمن.

39/1323ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ القتلِ، إلَّا كما يَجِدُ أَحَدُكمْ مِنْ مَسِّ القَرصَةِ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

هداية الحديث:

1) يسهّل الله تعالىٰ علىٰ الشهيد القتل، وهذا من إكرام الله إياه، وعاجل البشرىٰ له.

2) روح الشهيد لمّا بُشرت برضوان من الله _عز وجل_ سهل عليها الخروج.

40/1324 ــ وعن عبد الله بن أوفىٰ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العَدُوَّ، انتظر حَتَّىٰ مالَتِ الشَّمسُ، ثُمَّ قام في النَّاس، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فإذا لقِيتُمُوهُم فاصْبِرُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السيوفِ». ثُمَّ قَالَ: «اللَّهم مُنزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهم». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) الجنة تحت ظلال السيوف، ومُختصرُ طريقِ الجنة: نيل الشهادة بصدق نية.

2) إن سؤال العافية والثبات عند الممات؛ من أحسن ما يسأل العبدُ ربَّه.

3) الالتجاء إلىٰ الله تَعَالىٰ بالدعاء في مواطن الاضطرار؛ دليل علىٰ فقه العبد والتزامه هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

41/1325ــ وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثِنْتانِ لا تُرَدَّانِ، أوْ قلَّمَا تُرَدَّانِ؛ الدُّعاءُ عندَ النِّداءِ، وعندَ البَأْسِ حينَ يُلْحِمُ بعضُهُمْ بعضاً». رواه أبو داود بإسناد صحيح.

غريب الحديث:

النداء: الأذان.

البأس: القتال.

يلحم بعضهم بعضاً: يشتد القتال حَتَّىٰ تلتحم الصفوف.

هداية الحديث:

1) من مواطن الإجابة: الدعاء عند القتال، وعند النداء إلىٰ الصلاة.

2) بيان تفاضل الأوقات والأحوال في إجابة الدعاء، ومن ذلك: عند الاضطرار، واشتداد القتال.

42/1326ــ وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: كان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا غَزَا قَالَ: «اللهم أَنتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقاتِلُ». رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ وقالَ: حَدِيث حَسَن.

43/1327ــ وعن أبي موسىٰ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا خَافَ قَوماً قَالَ: «اللهم إنَّا نَجعلُكَ في نُحُورِهِمْ، ونعوذُ بك من شُرورِهِمْ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.

غريب الحديث:

عضدي: من العضد، وهو موضع القوة من الإنسان، والمعنىٰ: أنت نصيري.

أَحُولُ: من الحول وهو التغير، والمعنىٰ: لا قدرة لي علىٰ الحركة إلَّا بك.

أَصُولُ: صال عليه إذَا هجم عليه.

هداية الأحاديث:

1) الإلحاح علىٰ الله تَعَالىٰ في الدعاء، والاعتصام به سبحانه، من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الدائم، في حال الرخاء أو البلاء.

2) إن تفويض العبدِ أمره إلىٰ الله سببٌ عظيم للنجاة؛ فالله سبحانه لا يخذل عبداً أقبل عليه، وفوّض أمره إليه.

44/1328ــ وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيْهَا الخَيرُ إلىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ». متفقٌ عليه.

45/1329ــ وعَن عُرْوَةَ البَارِقِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيْهَا الخَيرُ إلىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

نواصيها: الناصية: مقدم الرأس.

هداية الأحاديث:

1) الخير في الخيل عامة، ويدخل فيها خيل الجهاد، إذ جعل الله سبحانه فيها الخير إلىٰ قيام الساعة.

2) الجهاد ماض إلىٰ يوم القيامة، لأن الخير الَّذي منه: الأجر والمغنم، لا يكون إلَّا مع الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ.

3) بشرىٰ لأهل الإيمان ببقاء عزّ هذا الدين ورفعته إلىٰ يوم القيامة.

46/1330ــ وَعَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ احتَبَسَ فَرَساً في سَبِيلِ الله، إيمَاناً بِالله، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدهِ، فَإنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ في مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَة». رواه البخاريُّ.

غريب الحديث:

احتبس: اتخذه وقفاً للجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ.

ريّه: الري: الشرب حَتَّىٰ الشبع.

روثه: الفضلات الخارجة.

هداية الحديث:

1) إظهار الأجر العظيم لمن جعل الخيل وقفاً للجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ.

2) إنَّ المؤمنَ صادقُ النيّة، يُؤجرُ علىٰ العمل الصالح، وعلىٰ ما يترتب علىٰ عمله من الآثار والعاقبة.

47/1331 ــ وعَن أبي مَسْعُود رضي الله عنه قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فقالَ: هذه في سَبِيلِ الله، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لكَ بِهَا يَومَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلُهَا مَخطُومَةٌ». رواهُ مسلم.

غريب الحديث:

مخطومة: جُعل في رأسها الخطام، وهو الحبل الَّذي تُشدّ به الناقة.

هداية الحديث:

1) إن تضاعفَ الحسنات إلىٰ سبعمائة ضعف، فضلٌ من الله تَعَالىٰ يؤتيه من يشاء.

2) الجزاء من جنس العمل، فضاعف الله أجر نفقة الجهاد، لعظيم نفعه في الأمة.

48/1332ــ وعن أبي حَمّاد ــ ويُقال: أبو سُعاد، ويُقَالُ: أبو أَسَدٍ، ويُقال: أبو عامِرٍ، ويُقالُ: أبو عَمْرو، ويُقال: أبو الأسْوَدِ، ويُقالُ: أبو عَبْسٍ ـ عُقْبةَ بنِ عامِرٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلىٰ المِنبَرِ، يقولُ: «وَأَعِدُّوا لَهُم ما استَطَعْتُم من قُوَّةٍ، أَلا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، أَلا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، أَلا إنَّ القوَّةَ الرَّمْيُ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الرمي نوع من أنواع القوة الواجب أن يعدها أهل الإيمان في إرهاب أهل الكفر والطغيان، وهو من أصول التربية الجهادية.

2) يتفاوت الرمي بحسب الوقت الَّذي يكون فيه أهل الإيمان، فالواجب اليوم مقابلة الرمي الحديث المتطور بمثله، وهذا من إرشادات القرآن بحسب الزمان والمكان.

49/1333ــ وعنه قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَتُفتَحُ عليكُمْ أرَضُونَ، ويكْفيكُمُ اللهُ، فلا يَعْجزْ أحَدُكُمْ أن يَلْهُوَ بأسْهُمِهِ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الجهاد في سبيل الله من أعظم أسباب كفاية المؤمنين في أمور معاشهم وسعة أرزاقهم، لأن رزق هذه الأمة جعل تحت ظل الرماح، ويوم تخلفت الأمة عَنْ الجهاد أذلّها الله تَعَالىٰ وأفقرها. فهل عقل المسلمون اليوم لماذا تنزل بهم الضائقات المالية؟!

2) الإسلام يحث المؤمنين علىٰ الإعداد والاستعداد أبداً، ولو بعد النصر وأداء الفرض، فلا يُلقىٰ السلاح إخلاداً إلىٰ الأرض.

50/1334ــ وعنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عُلِّمَ الرَّميَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فليْسَ منَّا، أوْ فَقَدْ عَصَىٰ». رواه مسلم.

51/1335ــ وعنهُ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ اللهَ يُدخِلُ بِالسَّهمِ الوَاحِدِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ؛ صَانِعَهُ يحتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيرَ، وَالرَّامِي بِهِ، وَمُنْبِلَهُ. وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرمُوا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، ومَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عُلِّمَهُ رَغْبَةً عنه، فَإنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا». أَوْ قال: «كَفَرَهَا». رواهُ أبو داود[4].

[4]() الحديث إسناده ضعيف.

غريب الحديث:

مُنبله: الَّذي يمد الرامي بالنبل، لما ورد في رواية عند ابن ماجه: «صانعه.. والرامي به، والمُمِدّ به».

هداية الأحاديث:

1) الحث علىٰ تعلم فنون القتال والرماية، لأن هذا من أكبر أنواع القوة المأمور بها لمقاتلة الكفار.

2) ترك الرماية من المعاصي التي يأثم بها العبد، لأنه نوع من الخذلان والضعف.

3) الترغيب في التعاون بين أهل الإيمان علىٰ البر والتقوىٰ ،فالسهم الواحد يدخل بسببه الجنة ثلاثة.

52/1336ــ وعن سلمةَ بنِ الأكوعِ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم علىٰ نَفَرٍ يَنْتَضلُون، فقال: «ارْموا بَني إسماعيل فإنَّ أبَاكم كانَ رَامياً». رواه البخاري.

غريب الحديث:

ينتضلون: يترامون بالسهام أيُّهم يسبق.

هداية الحديث:

1) حثّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جماعة الصحابة علىٰ تعلُّم الرمي، ومدحهم بذلك لما فيه من القوة.

2) استحباب اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها.

53/1337ــ وعن عمرو بن عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ رَمَىٰ بسَهْمٍ في سَبيل اللهِ فَهُوَ لَهُ عدْلُ مُحَرَّرةٍ». رواه أبو داودَ، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

54/1338ــ وعن أبي يحيىٰ خُرَيمِ بنِ فاتكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أنْفق نَفَقَةً في سبيل الله كُتبَ لهُ سبعُمائةِ ضعْفٍ». رواهُ الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.

غريب الحديث:

عدل محررة: مثل من حرر رقبة من الرّقّ.

هداية الأحاديث:

1) تعظيم أجر الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ، وتنوع الثواب فيه لتنشط النفوس عليه.

2) النفقة في سبيل الجهاد تضاعف إلىٰ سبعمائة ضعف.

55/1339ــ وعن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن عبدٍ يَصومُ يَوْماً في سبيل الله إلَّا باعَدَ اللهُ بذلكَ اليوم وجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعينَ خَريفاً». متفقٌ عليه.

56/1340ــ وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صامَ يوماً في سبيل الله جَعَلَ اللهُ بيْنَهُ وبينَ النَّار خَنْدَقاً، كَمَا بينَ السَّمَاءِ والأرضِ». رواهُ الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

غريب الحديث:

خريفاً: الخريف فصل من فصول السنة، والمراد بذلك سَنة.

هداية الأحاديث:

1) الأجر العظيم لمن صام يوماً في الجهاد، شريطة ألَّا يؤثر ذلك علىٰ قوته البدنية ونشاطه في القتال.

2) مباشرة الأعمال الصالحة زمن الشدة والمعارضات النفسية، سبب لمضاعفة الثواب والمباعدة عَنِ النار.

57/1341ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ ولمْ يَغْزُ، ولم يُحَدِّثْ نفسَه بغَزْوٍ، ماتَ علىٰ شُعْبةٍ منَ النِّفَاق». رواهُ مسلمٌ.

هداية الحديث:

1) ترك الجهاد بمراتبهِ المختلفة، وعدم تحديث النفس به، سبب لمرض القلب بالنفاق، وسوء الخاتمة.

2) نية المؤمن الصادقة تقوم مقام العمل عند العجز.

58/1342ــ وعَنْ جابر رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فَقَال: «إنَّ بِالمَدِينَةِ لَرِجَالاً ما سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِياً إلاّ كانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ المَرضُ».

وفي رواية: «حَبَسَهُمُ العُذْرُ». وفي روايةٍ؛ «إلَّا شَركُوكُمْ في الأَجْرِ». رواهُ البخاري من روايةِ أنسٍ، ورواهُ مُسلمٌ من روايةِ جابرٍ واللفظ له.

هداية الحديث:

1) من اجتهد في القيام بالعمل الصالح، ثُمَّ حُبس عنه لعذر، فإن الله يكتب لَهُ الأجر كاملاً لصدق نيته.

2) بيان رحمة الله تَعَالىٰ بالمؤمنين، حيث اعتُبرت النية الصالحة مقام العمل.

59/1343ــ وعنْ أبي مُوسىٰ رضي الله عنه أنَّ أَعْرَابياً أَتَىٰ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يارسولَ الله، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَالرَّجُلُ يقَاتِلُ لِيُرَىٰ مَكانُهُ؟.

وفي روايةٍ: يقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً.

وفي رواية: وَيُقَاتِلُ غَضَباً، فَمَنْ في سَبِيلِ الله ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ في سَبِيلِ الله». متفقٌ عليهِ.

هداية الحديث:

1) الجهاد في سبيل الله تَعَالىٰ لإعلاء كلمة الله هُوَ الجهاد الشرعي، وما عداه فإنه قتال في سبُل الشيطان والنفس والعصبيات الجاهلية.

2) لا يؤجَر العبد علىٰ العمل ولو تكلَّفه وقام به إلَّا إذَا كَانَ خالصاً لله تَعَالىٰ، وكان علىٰ طريقة السنة النبوية، ومن عمل طاعة علىٰ غير ذلك فقد أتعب نفسه، بعمل غير مأجور ولا مشكور.

60/1344ــ وعَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو، فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ، إلَّا كانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أُجورِهِمْ، وَمَا مِنْ غازِيةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخفِقُ وَتُصَابُ إلا تَمَّ أُجُورُهُمْ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الغنيمة التي يأخذها المجاهدون جزء من أجر غزوهم، ولو حلَّت لهم!.

2) من أُصيب في سبيل الله، أو سَلِمَ ولم يأخذ من المغنم شيئاً، فقد تمّ أجره كاملاً.

61/1345ــ وعَنْ أبي أمامةَ رضي الله عنه أنَّ رجُلاً قَالَ: يارسولَ الله، ائْذنْ لي في السِّيَاحَة، فَقَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ سيَاحَةَ أمَّتي الجهادُ في سَبيل الله _عز وجل_». رواه أبو داود بإسناد جيد.

هداية الحديث:

1) خروج هذه الأمة المنصورة المؤيَّدة يكون بالمرابطة دفاعاً عَنْ حمىٰ الدين، وغزواً لإظهاره على الدِّين كله في العالمين.

2) الإسلام يغيّر المفاهيم الخاطئة في حياة الناس، ويحملهم علىٰ أحسن الأحوال والعادات، أما مجرد الخروج في الأرض، من غير هدف أو مقصد شرعي، فهو من أعمال أهل اللهو وأهل الدنيا المتلعبين.

62/1346ــ وعَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَفْلةٌ كَغَزْوَة». رواه أبو داود بإسناد جيد.

«القَفْلَةُ»: الرُّجُوعُ، والمراد: الرُّجُوعُ مِنَ الغَزْوِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، ومعناه: أنه يُثابُ في رُجُوعِهِ بعد فَرَاغِهِ مِنَ الغَزْوِ.

هداية الحديث:

1) من خرج للطاعة فإنه يثاب في ذهابه وإيابه، وهذا من فضل الله تَعَالىٰ علىٰ عباده المؤمنين.

2) كل مَا ترتب علىٰ العمل الصالح فهو داخل في أجر هذا العمل.

63/1347ــ وعنِ السائِبِ بنِ يزيدَ رضي الله عنه قالَ: لمَا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَلَقَّاه النَّاسُ، فَتَلَقَّيْتُهُ مَعَ الصِّبْيانِ عَلىٰ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ. رواه أبو داود بإسنادٍ صَحِيحٍ بهذا اللفظ.

ورَوَاه البخاريُّ قالَ: ذَهَبْنَا نتَلَقَّىٰ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَعَ الصِّبيَانِ إلىٰ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ.

غريب الحديث:

ثنية الوداع: الثنية: مَا ارتفع من الأرض، وثنية الوداع: محل قريب في المدينة النبوية، يقع شماليها من جهة الشام، سُمي بالوداع لأن المسافر شمالاً كَانَ يُودّع عندها.

هداية الحديث:

1) استحباب استقبال المجاهدين عند رجوعهم من الجهاد، تكريماً لهم، ومشاركة للفرح بنصر الله.

2) وصف الحياة الإيمانية التي عاشها المجتمع المسلم في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكان همَّ الجميع نصرُ دين الله، حَتَّىٰ النساء والصبيان يفرحون بالجهاد وأخباره، فما هو اهتمام نسائنا وأطفالنا اليوم؟

تنبيـه:

شاع بين بعض الناس أنشودة تذكر في الهجرة النبوية، وهي: أنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرج النساء والأطفال ينشدون ويضربون بالدف: «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع...».

وهذه القصة ليس لها سند صحيح عند علماء السيرة والحديث.

ثُمَّ هي غير صحيحة من حيث الواقع، والحديث الذي معنا يدل علىٰ بطلانها؛ لأن ثنية الوداع هي خارج المدينة من ناحية الشام، والقادم من مكة إلىٰ المدينة ــ كحال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند هجرته ــ لا يمرّ بها إلَّا إذَا توجه إلىٰ الشام، فكيف يأتيها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو قادم من جهة مكة؟

64/1348ــ وعَنْ أبي أمَامةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لمْ يَغْزُ، أو يُجهِّزْ غازياً، أو يَخْلُفْ غازياً في أهلِهِ بخَيرٍ، أصابَهُ اللهُ بقَارعةٍ قبلَ يوْمِ القيَامةِ». رواه أبو داودَ بإسناد صحيح.

غريب الحديث:

قارعة: مصيبة كبيرة، ويُحتمل أن معناها مَا ورد في الحديث المتقدم: «مات علىٰ شعبة من النفاق».

هداية الحديث:

1) المجتمع المسلم متعاونٌ بمجموعه علىٰ البر والتقوىٰ، فالقاعدون عَنِ الجهاد يحمون أعراض أهل المجاهدين، فهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

2) بيان الوعيد الشديد للأمة لمَّا تتخلف عَنِ الجهاد، فيحلّ بها العذاب الأليم، بقوله تَعَالىٰ: {إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبكُم عَذَابًا أَلِيما}.

65/1349ــ وعَنْ أنسٍ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُم وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلسِنَتِكُم». رواهُ أبو داود بإسناد صحيحٍ.

هداية الحديث:

1) تنوع أبواب الجهاد بالمال، والنفس، واللسان، وهذا من رحمة الله تَعَالىٰ بعباده، فـكــلٌّ يجاهد بما يستطيعه.

2) الدفاع عَنِ الإسلام ونصرة الدِّين، ولو بالكلمة الصادقة، والرأي السديد، نوع من الجهاد في سبيل الله، وخاصة: لما كثر الناعقون اليوم ضد الإسلام وأهله، ورموهم بالفظائع والألقاب المنفّرة.

3) من فقه الجهاد: أن يعلم العبد أن إبلاغ السنة النبوية إلىٰ الناس أجمعين، لا ينزل رتبة عن إبلاغ السهام إلىٰ الكفار المحاربين.

66/1350 ــ وعَنْ أبي عَمْرو ـ ويقال: أبو حَكيم ـ النُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهدتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، إذَا لمْ يُقاتلْ مِنْ أوَّلِ النَّهارِ أخَّرَ القتالَ حَتَّىٰ تزُولَ الشَّمسُ، وتهبَّ الرِّياحُ، وينزلَ النَّصْرُ. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

هداية الحديث:

1) يُستحب اختيار الأوقات المناسبة للقتال، لتكون النفوس في كمال النشاط والقوة.

2) من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم القتال أول النهار، فهو أبلغ إغارة، أو تأخير القتال إلىٰ ما بعد الزوال.

67/1351 ــ وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَأسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فإذا لَقِيتُمُوهُم فَاصْبِرُوا». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) وصية أهل الإيمان ألا يتمنوا البلاء، بل يسألوا الله العافية.

2) إذَا لقي المسلمون أعداء الله وجب عليهم الثبات والصبر والمصابرة.

3) العافية مَعَ الإيمان أحسن مَا يُعطاه المؤمن.

68/1352ــ وعنه وعَنْ جابر رضي الله عنهما أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الحَرْبُ خَدْعةٌ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) الترغيب في مخادعة الكفار في الحروب، للإيقاع بهم ومفاجأتهم بالغارة أو الكمين ونحوه.

2) الإسلام دين المسامحة والرحمة، وهو دين القوة والملحمة، ولكل مقام مَا يناسبه.