قَالَ الله تَعَالىٰ: {وَٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشرِكُواْ بِهِۦ شَئاۖ وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنا وَبِذِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلجَارِ ذِي ٱلقُربَىٰ وَٱلجَارِ ٱلجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنبِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت أَيمَٰنُكُم} [النساء 36].
1) الأمر بالإحسان إلىٰ ملك اليمين، وهو العبد المملوك عند سيده، فيحسن إليه بالقول والفعل في جلب المصلحة له، ودفع المضرة عنه.
2) الإحسان إلىٰ المملوك من الحق الواجب علىٰ السيد، فمن أدّاه فقد قام بجزء من عبوديته لله تَعَالىٰ.
1/1360ــ وعَنِ المَعْرُورِ بنِ سُوَيدٍ قَالَ: رأيتُ أبا ذَرٍّ رضي الله عنه وعليه حُلَّةٌ، وعلىٰ غُلامِهِ مثلُهَا، فسألْتُهُ عَنْ ذلكَ، فَذَكَرَ أنَّهُ سابَّ رجُلاً علىٰ عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فعيَّرَهُ بأمِّهِ، فَقَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّكَ امرؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ، هُمْ إخوانُكُم وخَوَلُكُمْ، جَعَلَهُم اللهُ تحتَ أيديكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تحتَ يَده فَلْيُطعمْهُ ممَّا يأكُلُ، وَلْيُلْبسْهُ ممَّا يلبسُ، ولا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغلبُهُم، فإن كَلَّفْتُمُوهُم فأعينُوهُم عليه». متفقٌ عليهِ.
الحلة: ثوب لَهُ بطانة مكونة من إزار ورداء، ولا تُسمىٰ حلة إلَّا للثوبين معاً.
فيك جاهلية: خلق وخصلة من خصال أهل الجاهلية.
خولكم: خدمكم ومن يقومون بشأنكم.
1) النهي الشديد عَنْ مشابهة أهل الجاهلية حَتَّىٰ بمجرد الألفاظ، بل شأن المؤمن أن تكون لَهُ شخصية منصبغة بمنهج القرآن الكريم، وهدي النَّبيِّ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
2) بيان هدي الإسلام في الحث علىٰ الإحسان إلىٰ المملوك؛ بإطعامه وكسوته، وعدم تكليفه مَا لا يطيق، وهذا من منطلق منهج الرحمة في الشريعة، فأحرار اليوم في البلاد الظالمة، يتمنَّوْن حياة العبيد في النظام الإسلامي العادل!.
3) فضيلة للصحابي أبي ذر رضي الله عنه في استجابته لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حرص علىٰ أن يكفّر عَنْ خطئه بالإحسان إلىٰ مملوكه.
2/1361 ــ وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أتىٰ أحَدَكُمْ خَادمُهُ بطَعَامِهِ، فإنْ لَمْ يُجْلسْهُ مَعَهُ، فَلْيُناولْهُ لُقْمَةً أو لُقْمَتَيْن، أو أُكلَةً أو أُكلَتَيْن، فإنَّهُ وليَ علاجَهُ». رواه البخاري.
«الأكلَةُ» بضم الهمزة: هيَ اللُّقمةُ.
ولي علاجه: تجهيزه وتحضيره.
1) الحث علىٰ التواضع مع عموم المؤمنين، حَتَّىٰ مَعَ الخادم، وهذا من هدي الإسلام الشامل.
2) إن جبرَ النفوسِ المنكسرة، وتطييبَ خاطرِ الضعفاء، من هدي النبوة، فالمملوك تطمع نفسه للطعام أو الشراب الذي أعدّه لسيده، فأمرت الشريعة بجبر نفوسهم المنكسرة.
3) الترغيب في بذل الأسباب في تزكية المسلم نفسه، واحترام من دونه في المنزلة، لأن هذا يبعد عنه أثر التكبر والترفع الذي يحرم صاحبه من دخول الجنة .
وردت رواية للحديث المتقدم في (صحيح مسلم)، فيها تقييد ذلك الإطعام: «لقمة أو لقمتين» فيما إذا كان الطعام قليلاً، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً، فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين» ومعنىٰ مشفوهاً: أي كثرت عليه الشفاه.
ومقتضىٰ ذلك أن الطعام إذا كان كثيراً؛ فإما أن يجلسه معه، وإما أن يجعل حظه منه كثيراً. وقد امتثل الصحابة رضي الله عنهم عَهدَ نبيهم صلى الله عليه وسلم في الإحسان إلىٰ مماليكهم، وما حدث في بعض الوقائع، فله واقعُ حالٍ مخصوص، كأن يكون ناتجاً عن الفقر وقلة الطعام، ولذلك قال صفوان بن أمية لعمر رضي الله عنهما: «أماوالله ما نرغب عنهم، ولكنا نستأثر عليهم، لا نجد والله من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم».
فما يحدث اليوم من بعض الناس، تجده يأنف من مجالسة خادمه، أو الإحسان إليه قولاً وفعلاً، فإنه من أثارة الكبر في النفوس.
فاحذر كمائنَ نفسِكَ اللاتي متىٰ خرجتْ عليكَ، كُسرتَ كَسرَ مُهان
«من مظاهر الإحسان في تشريع الإسلام المتعلق بـ (نظام الرق) أنه التفت إلى علاج الرق... بروافع ترفع ضرر الرق، وذلك بتقليله عن طريق تكثير أسباب رفعه، وبتخفيف آثار حالته، وذلك بتعديل تصرف المالكين في عبيدهم.
فمن الأول، وهو تكثير أسباب رفعه: جعل مصارف الزكاة في شراء العبيد وعتقهم... وجعل العتق من وجوه الكفارات الواجبة في قتل الخطأ... وأمره بمكاتبة العبيد إن طلبوا المكاتبة... ومن أعتق جزءاً له في عبد قُوِّمَ عليه نصيب شريكه فدفعه وعَتَق العبدُ كلُّه، ومن أولد أمته صارت كالحرة... والترغيب في عتق العبيد... وكان الترغيب في عتق من يتنافس فيه أقوىٰ...
ومن الثاني: وهو تخفيف آثار حالته: النهي عن التشديد علىٰ العبيد في الخدمة.. والأمر بكفاية مؤنتهم وكسوتهم... ونهىٰ عن ضربهم الضرب الخارج عن الحد اللازم، فإذا مثَّل الرجل بعبده عُتق عليه... فمن استقراءِ هاته التصرفات ونحوها حصل لنا العلم بأن الشريعة قاصدة بث الحرية» ا. هـ ملخصاً من كلام العلامة الطاهر بن عاشور ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في كتابه: (مقاصد الشريعة الإسلامية).