قَالَ الله تَعَالىٰ: {وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَير فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيم} [البقرة 215] ، وقَالَ الله تَعَالىٰ: {وَيَٰقَومِ أَوفُواْ ٱلمِكيَالَ وَٱلمِيزَانَ بِٱلقِسطِۖ وَلَا تَبخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشيَآءَهُم} [هود 85] ، وقال تَعَالىٰ: {وَيل لِّلمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَستَوفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُم أَو وَّزَنُوهُم يُخسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبعُوثُونَ * لِيَومٍ عَظِيم * يَومَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ} [المطففين 1_6].
1) الحث علىٰ السماحة في البيع والشراء، فهذا من الخير الَّذي يُعطىٰ عليه العبد أفضل الجزاء.
2) التهديد والوعيد للمطفِّفين؛ الذين يطلبون الزيادة فيما يتعاملون به لصالحهم، وينقصون ما هو صالح الناس.
3) إن الأمر بالعدل في التعامل بالبيع والشراء هو وصية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأُمَمِهم.
1/1367ــ وعَنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رجُلاً أتىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ، فأغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ به أصحابُهُ، فَقَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «دعُوهُ، فإنَّ لصَاحب الحَقِّ مَقَالاً» ثُمَّ قَالَ: «أعْطُوهُ سنّاً مثلَ سِنِّه» قالوا: يارسولَ الله لا نَجدُ إلَّا أمْثَلَ من سِنِّه، قَالَ: «أعطُوهُ، فإنَّ خَيْرَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفق عليه.
يتقاضاه: يطلب قضاء دينه.
أمثل: أحسن حالاً.
1) بيان حسن تعامل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ صاحب الحق، واحتمال الأذىٰ منه، فإن لصاحب الحق مقالاً.
2) الإرشاد إلىٰ الهدي النبوي في الإحسان لصاحب الدين عند القضاء، فمن زاد في مقدار وفاء دينه دون شرط مسبق كَانَ هذا من حسن القضاء.
3) من أصول التعامل: الصبر علىٰ أذية الناس، وخاصة مع البعيدين عَنِ الأدب والخلق الحسن، فعلىٰ المسلم الداعية أن يصبر علىٰ مَا يجده من أذىٰ الناس.
2/1368ــ وعَنْ جابر رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَحمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحاً إذَا باع، وإذا اشْتَرَىٰ، وإذَا اقْتَضَىٰ». رواه البخاري.
1) السماحة في البيع والشراء سبب لنيل العبد رحمة الله تَعَالىٰ.
2) الحث علىٰ العفو عَنِ الناس في بيعهم وشرائهم، وعدم التضييق في التعاملات المالية.
3/1369ــ وعَنْ أبي قتادَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أن يُنْجِّيَهُ اللهُ مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، فلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أوْ يَضَعْ عَنْهُ». رواهُ مسلمٌ.
يضع عَنْهُ: يعفيه من الدين ويسامحه.
1) الجزاء من جنس العمل؛ فمن فرّج كربة أخيه في الدنيا، فرّج الله عَنْهُ من كرب يوم القيامة.
2) الحث علىٰ المسامحة في وفاء الدين، بالتخفيف أو العفو الكامل.
4/1370ــ وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ رجُلٌ يُداينُ النَّاسَ، وكانَ يقُولُ لفتَاهُ: إذَا أتَيْتَ مُعْسِراً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أنْ يَتَجَاوَزَ عنَّا، فَلَقيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ». مُتَّفَقٌ عليهِ.
5/1371 ــ وعَنْ أبي مسعود البَدْريِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «حُوسبَ رَجُلٌ ممَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجدْ لَهُ منَ الخَيْر شيءٌ، إلَّا أنَّهُ كَانَ يُخالطُ النَّاسَ، وكانَ مُوسراً، وكانَ يأمُرُ غلمَانَهُ أنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ المُعْسِر. قَالَ الله _عز وجل_: نحنُ أحقُّ بذلك منهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ». رواهُ مسلم.
6/1372 ــ وعَنْ حُذيفةَ رضي الله عنه قَالَ: «أُتِيَ اللهُ بعَبْدٍ منْ عبَادِهِ آتاهُ اللهُ مَالاً، فَقَال لَهُ: ماذا عَملْتَ في الدُّنْيَا؟ قَالَ: ولا يَكْتُمُون اللهَ حَديثاً، قَالَ: يا ربِّ آتيْتَني مالَكَ، فكُنْتُ أبايعُ النَّاسَ، وكان من خُلُقي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أتَيَسَّرُ علىٰ المُوسِر، وأُنْظِرُ المُعْسرَ، فَقَال الله تَعَالىٰ: «أنا أحقُّ بذَا منْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدي»، فَقَال عُقْبَةُ بنُ عَامر وأبُو مسعود الأنصاريُّ رضي الله عنهما: هكَذَا سَمعناهُ منْ فيِّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. رواهُ مسلمٌ.
1) فضيلة تأخير المعسر، وهو واجب، ولا يحل لصاحب الحق أن يُلِحَّ علىٰ المعسر في القضاء.
2) الترغيب في مسامحة المعسر والعفو عَنْهُ، وهو سُنة مستحبة، وذلك سبب لنيل عفو الله تَعَالىٰ.
3) العمل القليل مَعَ الإخلاص لوجه الله تَعَالىٰ، سبب لتكفير الذنوب الكبيرة، ونيل رحمة الله تَعَالىٰ.
7/1373ــ وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أنْظَرَ مُعْسِراً، أوْ وَضَعَ لَهُ، أظَلَّهُ اللهُ يومَ القيامة تَحْتَ ظلِّ عَرْشه، يَوْمَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّهُ». رواه الترمذيٌّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
أنظر معسراً: أَخَّرَ وقت سداده.
1) إمهال المعسر أو مسامحته من الخصال التي ينال بها العبد الظلال تحت عرش الرحمن، جزاءً من جنس عمله.
2) كل امرئ يوم القيامة تحت ظل صدقته، ويُجازىٰ المتجاوزون عَنِ الناس أن يكونوا تحت ظل عرش الرحمن.
8/1374ــ وعَنْ جابر رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَىٰ منهُ بَعيراً، فَوَزَنَ لَهُ، فَأرْجَحَ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
9/1375ــ وعَنْ أبي صفوانَ سُوَيْدِ بنِ قَيسٍ رضي الله عنه قَالَ: جلبْتُ أنا وَمَحْرَمَةُ العَبْديُّ بزّاً من هَجَرَ، فَجَاءَنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَسَاوَمَنَا بسَرَاويلَ، وَعندي وزَّانٌ يَزنُ بالأجْر، فَقَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للوَزَّان: «زنْ، وَأرْجحْ». رواه أبو داودَ، والترمذيٌّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
بزاً: نوع من الثياب.
فساومنا: المساومة: المراجعة في الثمن حتىٰ يتفقا علىٰ سعر.
1) إظهار حسن تعامله صلى الله عليه وسلم في البيع والشراء، وهو قدوة المؤمنين، فكان يزيد لصاحب الحق زيادة علىٰ حقه.
2) جواز المساومة في الثمن عند الشراء، دون أن يبخس المشتري الحاجة.
3) من سماحة نفس المشتري أن يطلب من البائع أن يرجح في الوزن، بما فيه مصلحة ونفع للبائع.