اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

كتاب العلم

241 ــ باب فضل العلم

قَالَ الله تعالىٰ: {وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلما} [طه 114] ، وقال تعالىٰ: {قُل هَل يَستَوِي ٱلَّذِينَ يَعلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ} [الزمر 9] ، وقال تعالىٰ: {يَرفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ دَرَجَٰت} [المجادلة 11] ، وقال تعالىٰ: {إِنَّمَا يَخشَى ٱللَّهَ مِن عِبَادِهِ ٱلعُلَمَٰٓؤُاْ} [فاطر 28].

هداية الآيات:

1) العلم الذي وردت النصوص في فضله، هو العلم المتلقّىٰ من الوحيين.

2) طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله تعالىٰ، بل علىٰ منهج العلم المؤصل، يُبنىٰ الجهاد وسائر أحكام الشرع المنزل، فالعلم حاكم لا محكوم.

3) العبد إذَا سأل ربَّه شيئاً، كالزيادة في العلم مثلاً، فعليه أن يسعىٰ في الأسباب الموصلة لذلك الشيء.

4) العلم والإيمان سبب لرفع العبد في الدنيا والآخرة، وبحسب ما معه من الإيمان والعلم ترتفع درجته، وهذا من شرف العلم وأهله.

5) تحدّىٰ الله تعالىٰ البشر جميعاً أن يزعم أحدٌ استواءَ العالم والجاهل، فإذا انتفت المساواة، كيف يرضي العبد بالبقاء علىٰ الجهل؟! بل المتعيّن عليه أن يرفع الجهل عن نفسه بالتعلم، ويرفع الجهل عن غيره بالتعليم.

1/1376ــ وَعَنْ معاويةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُردِ اللهُ بِهِ خيراً يُفْقِّهْهُ في الدِّينِ». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) علامة خيرية العبد وتوفيقه أن يفـقه في دين الله تعالىٰ، وعلامة خذلانه وعدم توفيقه أن يُحرَم الفقه.

2) الفقه في الدين، هو: العلم النافع المُورِث للعمل الصالح، فمن علم ولم يعمل فليس بفقيه.

3) يريد الله تعالىٰ بعباده الخير، لكنّ العبد لظلمه وجهله يحرم نفسه هذا الخير {فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم}.

2/1377 ــ وَعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا حَسَدَ إلَّا في اثنَتَيْن؛ رجُلٌ آتاهُ اللهُ مالاً فَسَلّطه علىٰ هَلَكَتِهِ في الحقِّ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ الحكمةَ فهو يَقْضي بها، ويُعَلِّمُهَا». متفق عليه. والمراد بالحسد: الغِبْطة، وهو أن يتمنىٰ مثله.

غريب الحديث:

علىٰ هلكته في الحق: إنفاقه في الحق ووجوه الخير.

الحكمة: هي العلم النافع، المُورِّث للعمل الصالح، أو السداد في القول والعمل.

هداية الحديث:

1) بيان فضل العلم؛ فمن أتاه الله العلم النافع وعمل به فهو علىٰ خير حال.

2) من رزقه الله مالاً فأنفقه في وجوه الخير فهو علىٰ خير.

3) تحريم الحسد، وهو تمني الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم.

3/1378ــ وَعَنْ أبي موسىٰ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مثلُ ما بَعَثَني اللهُ به من الهُدَىٰ والعلْم كَمَثل غَيْث أصابَ أرْضاً؛ فكانت منْها طائفةٌ طيّبةٌ قَبلَتِ المَاءَ، فأنْبَتَت الكَلأَ والعُشْبَ الكثيرَ، وكانَ منْهَا أجادبُ أمسَكتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللهُ بها النَّاسَ، فشربُوا منْهَا وسَقَوْا وَزَرَعُوا، وأصَابَ طَائفةً منْهَا أُخرىٰ إنَّما هيَ قيعَانٌ، لا تُمْسكُ ماءً، ولا تُنْبتُ كلأً، فذلكَ مثلُ مَنْ فَقُهَ في دينِ اللهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَني اللهُ به، فَعَلمَ وَعَلَّمَ، ومثل من لَمْ يَرْفَعْ بذلك رأساً، ولم يَقْبَلْ هُدَىٰ الله الذي أُرسلْتُ به». متفق عليه.

غريب الحديث:

غيث: مطر.

الكلأ: المرعىٰ.

أجادب: الأرض التي لا تنبت.

قيعان: المستوية الواسعة، وقد فُسرت في الحديث: «لاتمسك ماءً ولا تنبت كلأً».

هداية الحديث:

1) بالغيث تحيا الأرض الميتة، وبالوحي ونور العلم تحيا القلوب الهامدة المظلمة، فَلْيحرصِ العبد علىٰ حياة قلبه بالعلم والإيمان.

2) من عَلِمَ وفَقِهَ وعَلَّم الناس فأرض قلبه طيبة، قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فنفع وانتفع.

3) من عَلِمَ ولم يُعلِّم، بل حبس العلم لنفسه، فأرض قلبه أجادب تمسك الماء ولا تنبت الكلأ.

4) من أعرض عن العلم والعمل، فأرض قلبه قيعان، لم تقبل هدىٰ الله تعالىٰ، فهو في أدنىٰ المنازل، فَلْينظرِ العبد إلىٰ أرض قلبه، من أيِّ الأرضين الثلاثة يرضىٰ لها؟!

4/1379ــ وَعَنْ سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعليٍّ، رضي الله عنه: «فَواللهِ، لأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلاً واحداً خيرٌ لكَ مِن حُمْر النَّعَمِ». متفق عليه.

غريب الحديث:

حُمْر النعم: بسكون الميم جمع حمراء، أي: النوق الحمراء، وهي من نفائس أموال العرب.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ العلم، لأنه زاد الداعية إلىٰ الله تعالىٰ.

2) فضيلة هداية الناس ودعوتهم إلىٰ الحق، ولكن لا يمكن للإنسان أن يدعو إلىٰ الله إلا بنور العلم، فالعلم أساس الدعوة وزادها. {وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا}.

5/1380ــ وَعَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي ولوْ آيةً، وَحَدِّثُوا عن بني إسرائيلَ ولا حَرَجَ، ومَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّداً فلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ منَ النَّار». رواه البخاري.

غريب الحديث:

بني إسرائيل: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارىٰ.

فليتبوأ: يتخذ مَباءة، وهي المحل والمنزل.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ إبلاغ العلم النافع للناس، ولو كَانَ قليلاً، فمن رزقه الله تعالىٰ علماً مبنياً علىٰ الوحي فَلْينشرْه بين الناس، فإنه صدقة.

2) التحذير الشديد من الكذب علىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم برواية الأحاديث المكذوبة، ولو كَانَ معناها صحيحاً، ففي الحديث الصحيح ما يغني عن المكذوبات والموضوعات.

تنبيه:

تنتشر بين بعض الناس أوراق كثيرة، فيها أحاديث وروايات في الترغيب والترهيب مكذوبة علىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فمنها مثلاً: ورقة (عقوبة تارك الصلاة)؛ أنه يعاقب بخمس في الدنيا، وخمس في القبر، وخمس في الحشر، ونحو ذلك، فهذه الأوراق يجب الحذر والتحذير منها، لأنه لا يجوز أن نعظ الناس بما هو كذب علىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يفعل ذلك عامداً فهو متوعَّد بالنار، وفيما صحّ من السنة النبوية من الحكمة والهدىٰ ما يغني عن الأحاديث المكذوبة واتباع الهوىٰ.

6/1381ــ وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَمَنْ سَلَكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً سهَّلَ اللهُ لهُ به طريقاً إلىٰ الجَنَّة». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) كلما ازداد العبد حرصاً علىٰ سلوك طريق العلم النافع، أعانه الله تعالىٰ في طريقه إلىٰ الجنة.

2) تحصيل العلم النافع سبب عظيم لدخول الجنة.

فائدة:

الطريق المسلوك لطلب العلم نوعان:

1 ــ الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام، مثل أن يأتي الإنسان إلىٰ مجلس العلم، أو يرتحل من بلده إلىٰ بلد آخر لطلب العلم.

2 ــ الطريق المعنوي الذي تطرقه الأفهام، كَأن يسأل العلماء بوسيلة اتصال، أو يراجع الكتب، فإنه سالك لطريق العلم ولو كَانَ جالساً في بيته.

7/1382 ــ وعنه أيضاً رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلىٰ هدىٰ كَانَ له من الأجْر مثلُ أجُور مِنَ تَبعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلك منْ أجُورِهِمْ شَيئاً». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) كثرة أجور من دعا إلىٰ علم نافع، أو حث علىٰ عمل صالح، فاقتدىٰ الناس بكلامه أو فِعاله، وأعظم من له نصيب من ذلك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه ما من خير أصابنا إلا وهو الذي أرشد الأمة إليه، صلوات الله وسلامه عليه.

2) الأجر التام للفاعل، وللداعي إلىٰ الخير، لا ينقص منه شيئاً.

3) فضيلة خاصة للعلم، لأن بالعلم تكون الدلالة علىٰ الهدىٰ.

8/1383ــ وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ؛ صَدَقَةٍ جاريةٍ، أو علْمٍ يُنْتفَعُ به، أو ولَدٍ صالحٍ يَدْعُو لَهُ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته فهو صدقة جارية.

2) الحث علىٰ تعلّم العلم وتعليمه، لأنه الميراث الدائم بعد موت الإنسان.

تنبيـه:

إن دعاء الولد لوالديه بعد الموت من أفضل الأعمال التي ينتفع بها الميت، لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد إليه وحث عليه، ولا يمكن أن يدل أمته إلا علىٰ خير ما يعلمه لهم، فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ لزوم ما هدانا إليه رسول الهدىٰ صلى الله عليه وسلم، ويهجرْ ما سوىٰ ذلك مما يحدثه الناس علىٰ غير أثارة من العلم.

9/1384ــ وعنهُ قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، ملعُونٌ ما فيهَا، إلَّا ذكْرَ الله تعالىٰ وَمَا والاهُ، وَعَالماً أو مُتَعَلِّماً». رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قوله: «وماوالاه» أي: طاعة الله.

هداية الحديث:

1) بيان فضل العلم وطلابه، لأنه هو الشيء المستثنىٰ من الدنيا الملعونة.

2) معرفة قدر الدنيا، وأنه لا خير فيها إلا ما قرّب إلىٰ الله تعالىٰ من ذكر وعلم.

3) العالم والمتعلم علىٰ سبيل نجاة، فَلْيحرصِ المؤمن أن يغدو عالماً أو متعلماً، أو مستمعاً، ولا يكن جاهلاً، فيهلك.

10/1385 ــ وَعَنْ أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خرَجَ في طَلَبِ العلم كَانَ في سبيل الله حَتَّىٰ يَرجعَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

هداية الحديث:

1) الخروج في سبيل طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله.

2) طالب العلم له من الله تعالىٰ الرعاية والحفظ، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله تعالىٰ حَتَّىٰ يرجع.

11/1386ــ وَعَنْ أبي سعيد الخُدْريّ رضي الله عنه عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَنْ يشْبَعَ مؤمنٌ من خير حَتَّىٰ يكونَ منْتَهاهُ الجَّنَّةَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن[5].

[5]() الحديث إسناده ضعيف.

هداية الحديث:

1) طالب العلم لا يشبع من طلب العلم والازدياد في الخير حَتَّىٰ يلقىٰ ربَّه.

2) همة المؤمن عالية لاترضىٰ دون الجنة منزلاً.

فائدة:

قيل للإمام أحمد ــ رحمه الله تعالىٰ ــ: إلىٰ متىٰ تطلب العلم؟ فقال: «من المَحْبَرَةِ إلىٰ المَقْبَرَةِ»!. ذكره الخطيب البغدادي في كتابه: (شرف أصحاب الحديث).

12/1387 ــ وَعَنْ أبي أمامةَ رضي الله عنه أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فضلُ العالم علىٰ العَابدِ كفضلِي علىٰ أدْنَاكم»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ وملائكتَهُ وأهلَ السماواتِ والأرضِ، حَتَّىٰ النَّمْلَةَ في جُحْرهَا، وَحَتَّىٰ الحُوتَ، لَيُصلُّون علىٰ مُعَلِّمي النَّاس الخَيْرَ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

غريب الحديث:

ليصلون: يدعون، فالصلاة بمعنىٰ الدعاء.

هداية الحديث:

1) فضيلة معلم الناس الخير؛ فالكائنات كلها حَتَّىٰ الحيوانات تدعو له، لأن العالم نفعه عام لكل المخلوقات.

2) بيان التفاضل بين العلماء وغيرهم في الرتبة، وهذا فيه حث للعبد علىٰ التعلم، والتعليم، ليكون ممن لهم الرفعة في الدنيا والآخرة.

13/ 1388ــ وَعَنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ سَلَكَ طريقاً يبتغي فيه علماً سهَّل اللهُ له طريقاً إلىٰ الجنَّةِ، وإنَّ الملائكَةَ لتَضَعُ أجْنحَتَهَا لطالبِ العلمِ رَضىً بما يصنعُ، وإنَّ العالمَ لَيسْتغفرُ له مَن في السماوات ومَنْ في الأرض، حَتَّىٰ الحيتَانُ في الماء، وفضْلُ العالم علىٰ العَابد كَفَضْلِ القَمَرِ علىٰ سائرِ الكَواكبِ، وإنَّ العُلمَاءَ ورثَةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لمْ يُورِّثُوا ديناراً ولا درهماً، وإنَّمَا ورَّثُوا العلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بحظٍّ وافرٍ». رواه أبو داود والترمذي.

هداية الحديث:

1) إنَّ العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا مهمة الأنبياء في العلم والعمل، وفي دعوة الخلق إلىٰ الحق، ونصيحتهم في جلب كل خير، ودفع كل شر.

2) العلم خير ميراث يرثه العبد، فهو الكنز الذي لا يفنىٰ، ومَن فاز به ربح، ولو لم يكن من فضل العلم إلا متابعة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لكفىٰ وشفىٰ.

3) الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم تواضعاً له وتكريماً لما يحمله من ميراث النبوة، وهذا يدل علىٰ المحبة والتعظيم. فشيءٌ هذا فضله وشأنه كيف يرغب الناس عَنْهُ ويتركوه إلىٰ حطام الدنيا؟!.

14/1389ــ وَعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقولُ: «نَضَّرَ اللهُ امرأً سمعَ منَّا شيئاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سمعَهُ، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوْعَىٰ مِن سامِعٍ». رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

غريب الحديث:

نضّر: حَسَّن، فهو دعاء بالنضارة، وهي: الحسن والبهاء.

هداية الحديث:

1) أهل الحديث الحريصون علىٰ تبليغ هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم للناس لهم النضارة في وجوههم، لقاء حملهم العلم ونشره.

2) أفهام الناس متفاوتة؛ فربَّ مبلِّغ أوعىٰ من سامع، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه.

3) التنبيه علىٰ وجوب تبليغ العلم كَمَا سُمع، أما من يزيد في بلاغ الشريعة، بحجة دعوة الناس وجمعهم علىٰ الخير، فليس له من هذا الدعاء نصيب، لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فبلّغه كَمَا سمعه».

15/1390ــ وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سُئلَ عنْ علمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجمَ يوْمَ القيَامةِ بلجَامٍ منْ نَارٍ». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

غريب الحديث:

أُلجم: وضع علىٰ فمه لجام، وهو ما يكون علىٰ الدابة تُشدّ به.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ تبليغ العلم وعدم كتمانه.

2) الممتنع عن بذل العلم لمستحقيه، والإجابة عن سؤال مسترشديه، يعاقَب بإلجامه بلجام من نار، وهذا فيه وعيد شديد علىٰ كاتم العلم النافع عن أهله.

فائدة:

ليس كل من كتم علماً لحقه هذا الوعيد، بل من العلم ما ينبغي كتمه عن بعض الناس، ونشره لآخرين، كَأنَ تكون المسألة تسبب مفسدة لبعض الناس، فلا ينبغي إبلاغها إياهم، وفي هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يدل علىٰ ذلك، فقد ذكر البخاري في صحيحه: (باب: من خصّ بالعلم قوماً دون قوم كراهيةَ أن لا يَفهموا)، وأورد حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «ما مِن أحدٍ يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمداً رسولُ الله صدقاً من قلبه إلا حرّمه اللهُ علىٰ النار» قال: يارسول الله! أَفَلا أخبرُ به الناسَ فيستبشروا؟ قال: «إذاً يتّكلوا»! وفي رواية: «لا، إني أخاف أن يتّكلوا». ا. هـ.

فمَنْعُ البلاغِ عند خوف الفتنة ليس من كتمان العلم، بل هو من (صيانة العلم) قال العلَّامة حافظ حكمي في منظومته (الميمية في الآداب والوصايا العلمية):

في لعنة الله والأقوام كلِّهم

والكتمُ للعلمِ فاحذرْ إن كاتمَه

ماذا بكتمانٍ بل صونٌ، فلا تَلُمِ

وصائنُ العلمِ عمن ليس يحملُه

من مستحقٍ له فافهمْ، ولا تَهِمِ

وإنما الكتم منعُ العلمِ طالبَه

16/1391ــ وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تعلَّمَ علماً ممَّا يُبْتغىٰ به وجهُ الله _عز وجل_ لا يتعلَّمُهُ إلا ليُصيبَ به عَرَضاً من الدُّنيا لم يجد عَرْفَ الجَنَّة يومَ القيامةِ» يَعني: ريحَها. رواه أبو داود بإسناد صحيح.

غريب الحديث:

عَرَضاً من الدنيا: شيئاً من الدنيا.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ الإخلاص في طلب العلم، ويتحقق الإخلاص بأن يقصد الطالب بالعلم رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن غيره، وحماية شريعة الله تعالىٰ بالدفاع عنها.

2) مَن جعلَ العلم الشرعي ــ الذي هو أجلُّ العبادات ــ سلماً لنيل عرض من الدنيا توعّده الله تعالىٰ بحرمانه من الجنة.

17/1392ــ وَعَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعاً ينتزعُهُ من النَّاس، ولكن يقبضُ العلمَ بقبض العُلَماء، حَتَّىٰ إذَا لم يُبْقِ عالماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فسُئلوا، فأفْتَوا بغيرِ علْمٍ، فَضَلُّوا وأضلُّوا». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) بيان صفة قبض العلم، وذلك بموت أهله، وهم العلماء الذين يُستضاء بهم في ظلمات الجهل، فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ الاستفادة من حياة العلماء قبل فقدهم!

2) الحث علىٰ طلب العلم، فقد أخبرنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر لنحذر قبض العلم، فالإخبار بالواقع لا يعني إقراره، بل من أجل التحذير منه، فهو إخبار تحذير وإرشاد، لا إخبار تقرير وإشهاد.

فائدة:

ذكر المصنف النووي ــ رحمه الله تعالىٰ ــ (كتاب العِلم) بعد (كتاب الجهاد) مباشرة، وهذا فيه إشارة واضحة إلىٰ أن العلمَ، حملَه وإبلاغَه، نوعٌ من الجهاد في سبيل الله تعالىٰ.

* قال أبو الدرداء رضي الله عنه:

«من رأىٰ الغدو والرواح إلىٰ العلم ليس بجهاد فقد نقص عقله ورأيه». رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله).

* وقال ابن مفلح ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في (الآداب الشرعية):

«قال المروزي: قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: رجل له خمسمائة درهم، ترىٰ أن يصرفه في الغزو والجهاد أو يطلب العلم؟ قال: إذا كان جاهلاً يطلب العلم أحب إليَّ».

* وقال ابن قيم الجوزية ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في (جلاء الأفهام):

«... وتبليغُ سُنة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلىٰ الأمة أفضل من تبليغ السهام إلىٰ نحور العدو، لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالىٰ منهم بمنِّه وكرمه».