قَالَ الله تعالىٰ: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا} [الأحزاب: 56].
1) استحباب دوام الصَّلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر الله تعالىٰ، واقتداء بالملائكة الكرام.
2) تجب الصَّلاة عَلَىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في مواطن، منها: عند ذكر اسمه عليه الصلاة والسلام.
3) معنىٰ الصَّلاة من العبد عَلَىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: الدعاء له بأن يثني الله عليه في الملأ الأعلىٰ، أمّا السَّلام عَلَىٰ رَسُول الله فمعناه: الدعاء له بالسلامة من كل آفة في حياته وبعد مماته، ومن ذلك أن تسلم شريعته، وتسلم سُنّته من كل زيادة أو تحريف.
لا يجوز إفرادُ غير الأنبياء بالصلاة عليهم، وجعلُ ذلك شعاراً ملتزماً على بعض الأئمة، كَمَا تفعله بعض الطوائف الضالة من علامة أهل البدع، والصحيح أن الأنبياء يُفرَدون بالصلاة فحسب، أما غير الأنبياء فتكون الصلاة عليهم تبعاً، كَانَ نقول: «اللهم صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآله» أو «اللهم صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وصحبه».
1/1397ــ وَعَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما أنهُ سمعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صلَّىٰ عليَّ صلاةً صلَّىٰ اللهُ عليه بها عَشْراً». رواه مسلم.
1) فضيلة الصلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، لما فيها من مضاعفة الأجر للعبد.
2) الصلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سبب لرحمة الله تعالىٰ لعباده.
2/1398 ــ وَعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أولىٰ النَّاسِ بي يومَ القيامة أكثرُهُم عليَّ صلاةً». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
1) إظهار فضيلة خاصة لأهل الحديث المتّبعين للسنة النبوية، المستمسكين بها، لأن أهل الحديث هم أكثر الناس صلاة علىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم دون سائر الناس.
2) الترغيب في كثرة الصلاة عَلَىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك سبب للقرب منه صلى الله عليه وسلم.
3/1399ــ وَعَنْ أوس بن أوس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أفضل أيَّامِكُمْ يومَ الجُمُعةِ، فأكْثرُوا عليَّ منَ الصَّلاة فيه، فإنَّ صلاتَكُمْ معروضَةٌ عليَّ» فقالوا: يارسول الله، وكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقدْ أرَمْتَ؟! قَالَ: يقول: بليتَ، قَالَ: «إنَّ الله _عز وجل_ حَرَّمَ عَلَىٰ الأرْضِ أجْسادَ الأنْبياءِ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1) فضيلة خاصة للصلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والإكثار منها يوم الجمعة، ليتوافق فضل العبادة مع فضل الزمان.
2) الصلاةُ عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تُعرض عليه بوساطة الملائكة السّياحين، الذين جعلهم الله لإبلاغ صلوات أمته له، وليس معنىٰ الحديث أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يسمعنا مباشرة .
3) وجوب التسليم لخبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم تدركه العقول، فإن للعقل حداً ينتهي إليه في الأفهام، كَمَا أن للعين حداً لا تتعداه في الإبصار.
4/1400ــ وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رغمَ أنفُ رجُلٍ ذُكرتُ عندَهُ فلَمْ يُصَلِّ عليَّ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
رغم أنف: دعاء بأن يُجعل أنفه في الرغامة، وهي الأرض الترابية، ومعنىٰ الدعاء: أنَّ لصقَ أنفه ــ وهو أعلىٰ ما في وجه الإنسان ــ بالتراب، دلالةٌ عَلَىٰ الذل والحقارة.
1) الدعاء بالذل والمهانة لمن أدام ترك الصلاة والسلام عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عامداً عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم.
2) الإكثار من عبودية الصلاة والسلام عَلَىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سبب لعزّ المؤمن ورفعته. فالناس يفتخرون بعظمائهم في الدنيا، والمسلمون يفاخرون بمن جاءهم بخير الدنيا والآخرة.
5/1401ــ وعنهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَجْعَلُوا قَبْري عيداً، وصلُّوا عليَّ، فإنَّ صلاتَـكُمْ تبْلُغُني حيثُ كُنْتُمْ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
عيداً: اسم لما يعود من الاجتماع العام علىٰ وجه معتاد، فالعيد: اسم لمجموع اليوم، والعمل فيه. ويطلق أيضاً علىٰ المكان الذي يقصد الاجتماع فيه.
1) استحباب الصلاة والسلام عَلَىٰ رَسُول الله أينما كَانَ الرجل في الأرض، فإن الصلاة تبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم.
2) لا يجوز أن يُشدَّ الرحل ويُخصَّ لزيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، لكن يشد الرحل إلىٰ المسجد النبوي فإذا وصله العبد جاز له أن يسلِّم عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عند قبره.
6/1402 ــ وعنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ما مِن أحدٍ يُسلِّم عليَّ إلَّا ردَّ اللهُ عليَّ رُوحي حَتَّىٰ أرُدَّ عليه السلام». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1) حياة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في قبره أكمل حياة برزخية أكرم الله تعالىٰ بها نبيّاً في قبره، وهو سبحانه أعلم بصفة هذه الحياة، لكنها لا تشبه حياة الدنيا؛ فلا نعتقد أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في قبره كحال حياته في الدنيا.
2) الحث عَلَىٰ الصلاة والسلام عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لينال العبدُ فضيلةَ رَدِّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليه.
7/1403ــ وَعَنْ عليٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «البَخيلُ مَن ذُكرتُ عندَهُ فلم يُصَلِّ عليَّ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1) استحباب الصلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه، ليخرج العبد عن صفة البخل، فالبخيل حقاً من حُرم الصلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
2) البخل صفة مذمومة، وخاصة بخل العبد بما يستطيع أن يبذله، فَلْيحرصِ المؤمن أن يزكّي نفسه ويطهرها من صفة البخل، ليكون من المفلحين {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ}.
8/1404 ــ وَعَنْ فضالةَ بنِ عبيدٍ رضي الله عنه قَالَ: سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجُلاً يدعُو في صلاته لم يُمجِّدِ اللهَ تعالىٰ، ولمْ يُصلِّ عَلَىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عجلَ هذا» ثُمَّ دعاهُ، فقال لهُ ــ أو لغيره: «إذَا صلَّىٰ أحدُكُم فَلْيبدأ بتحميد ربِّه سُبحانهُ والثَّنَاءِ عليه، ثُمَّ يُصلِّي عَلَىٰ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يدعُو بعدُ بما شاءَ». رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1) من أدب الدعاء في الصلاة وخارجها البداءة بحمد الله تعالىٰ وتعظيمه، ثُمَّ الصلاة والسلام عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يدعو العبد بما شاء.
2) الاستعجال في الدعاء سبب لردّه وعدم استجابته.
3) استحباب تعليم الجاهل إذَا أخطأ. فَلْيحرصِ المؤمن، وخاصة طلاب العلم، عَلَىٰ تعليم الناس السنة النبوية الصحيحة.
9/1405 ــ وَعَنْ أبي مُحَمَّدٍ كعب بن عجرةَ رضي الله عنه قَالَ: خرجَ عليْنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقُلنا: يارسولَ الله، قد علمنا كيفَ نسلِّمُ عليكَ، فكيفَ نصلِّي عليكَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهم صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، وَعَلىٰ آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَىٰ آلِ إبراهيم، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ. اللَّهم باركْ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ،وَعَلىٰ آل مُحَمَّدٍ،كَمَا باركتَ عَلَىٰ آلِ إبراهيمَ، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ». متفق عليه.
1) فضيلة الصحابة رضي الله عنهم في حرصهم على المسألة عن العلم النافع والاستزادة منه، وهذا شأن المسلم؛ يسأل عما ينفعه في أمر دينه، ويدع ما سواه.
2) الصلاة المذكورة في الحديث هي أفضل صيغة يقولها العبد في الصلاة وخارجها وهي الصيغة الكاملة، وإن اقتصر عَلَىٰ قوله: «اللهم صَلِّ وسلِّم عَلَىٰ مُحَمَّدٍ» فهي صيغة جائزة.
3) ما يفعله بعض الناس من تكلف صيغ للصلاة عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مخالف للسنة النبوية، وهدي الصحابة رضي الله عنهم، وكل خير في اتباع الهدي المعصوم المأثور.
10/1406ــ عن أبي مسعودٍ البَدْريِّ رضي الله عنه قَالَ: أتانا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ونحنُ في مجْلسِ سعدِ بنِ عُبادةَ رضي الله عنه، فقال لهُ بشير بن سعد: أمَرَنا اللهُ تعالىٰ أنْ نُصلِّي عليكَ يارسولَ الله، فكيفَ نُصلِّي عليْكَ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّىٰ تَمَنَّيْنا أنه لم يَسألْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قولُوا: اللّهم صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، وَعَلىٰ آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَىٰ آلِ إبراهيمِ، وباركْ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، وَعَلىٰ آل مُحَمَّدٍ، كَمَا باركتَ عَلَىٰ آلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مجيدٌ، والسَّلامُ كَمَا قد علمتُمْ». رواه مسلم.
11/1407 ــ وَعَنْ أبي حَميدٍ الساعديِّ رضي الله عنه قَالَ: قالوا: يا رسولَ الله، كيفَ نُصلِّي عليكَ؟ قَالَ: «قولوا: اللّهم صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، وَعَلىٰ أزواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْت عَلَىٰ آلِ إبراهيمَ، وباركْ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، وَعَلىٰ أزواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كَمَا باركتَ عَلَىٰ آلِ إبراهيمَ، إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ». متفق عليه.
1) لا يجوز للمسلم فعل عبادة حَتَّىٰ يسأل: كيف كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يفعلها؟ فهؤلاء صحابة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلِّي عليك؟
2) صيغ الصلوات الإبراهيمية اشتملت عَلَىٰ طلب الصلاة من الله تعالىٰ عَلَىٰ نبيِّه وآله، وطلب البركة عليه وعلىٰ آله، والتوسل إلىٰ الله بأنه كَمَا صلَّىٰ وبارك عَلَىٰ إبراهيمَ وآله، فكذلك نطلب منه أن يصلِّي ويبارك عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآله، فهذا من التوسل المشروع، وهو التوسل إلىٰ الله تعالىٰ بأفعاله السابقة، علىٰ حصول أفعاله اللاحقة.
لو أن رجلاً نذر أنه يصلِّي عَلَىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بأفضل صيغة، فماذا يفعل؟
قَالَ العلماء: «لا يكون موفياً بنذره إلا إذَا أتىٰ بالصيغة النبوية الواردة في أحد الأحاديث المأثورة، كنحو الأحاديث المتقدمة. لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دلّ الأمّة عَلَىٰ خير ما يعلمه لها، ولو كَانَ هناك صيغة أفضل من هذه الصيغ لحث النبي صلى الله عليه وسلم الأمة عليها».
كتاب الأذكــار