اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

244 ــ باب فضل الذكر والحث عليه

قَالَ الله تعالىٰ: {وَلَذِكرُ ٱللَّهِ أَكبَرُۗ} [العنكبوت: 45] ، وقال تعالىٰ: {فَٱذكُرُونِيٓ أَذكُركُم} [البقرة: 152] ، وقال تعالىٰ: {وَٱذكُر رَّبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعا وَخِيفَة وَدُونَ ٱلجَهرِ مِنَ ٱلقَولِ بِٱلغُدُوِّ وَٱلأٓصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلغَٰفِلِينَ} [الأعراف: 205] ، وقال تعالىٰ: {وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرا لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [الجمعة: 10] ، وقال تعالىٰ: {إِنَّ ٱلمُسلِمِينَ وَٱلمُسلِمَٰتِ} إلىٰ قوله تعالىٰ: {وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغفِرَة وَأَجرًا عَظِيما} [الأحزاب: 35] ، وقال تعالىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكرا كَثِيرا * وَسَبِّحُوهُ بُكرَة وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41 ـ 42]، والآيات في الباب كثيرة معلومة.

فائدة:

ذِكرُ الله تعالىٰ يكون بالقلب، واللسان، والجوارح.

ــ أما ذكر الله بالقلب: فهو عبادة التفكّر، التي تورث العبد التذكّر والخشية.

ــ وذكر الله باللسان: يشمل كل قول يقرّب إلىٰ الله _عز وجل_؛ من التهليل، والتسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقراءة العلم ونشره، ونحو ذلك.

ــ وذكر الله بالجوارح: يشمل كل فعل يقرّب إلىٰ الله تعالىٰ؛ كالصلاة، وقضاء حاجة العباد، وغير ذلك.

هذا الذكر بمعناه الشرعي الشامل، لكن إذَا أُطلق الذكر في عادة الناس وعرفهم فالمراد به ذكر الله تعالىٰ بالتسبيح والتحميد والتكبير... فهو ذكر اللسان الخاص.

هداية الآيات:

1) الحث عَلَىٰ اغتنام الأوقات أول النهار وآخره بذكر الله تعالىٰ، لما يترتّب عَلَىٰ الذكر من الفلاح، والأجر، والنجاة من الغفلة، وجلب محبة الله تعالىٰ للعبد، وأن يذكر الله تعالىٰ عبده الذاكر في الملأ الأعلىٰ.

2) أفضل الذكر مَا اشترك فيه القلب مَعَ اللسان، وأورث العبد الخشية وزيادة الإيمان.

1/1408ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كلمَتَان خَفيفتان عَلَىٰ اللِّسانِ، ثقيلتان في الميزانِ، حَبيبَتَان إلىٰ الرَّحمنِ: سُبْحَانَ اللهِ وبحمدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) هاتان الكلمتان من أسباب محبة الله للعبد، ومن أسباب رجحان ميزانه يوم الحساب.

2) الموفَّق من عباد الله من اغتنم العمل القليل، لينال به الأجر العظيم.

فائدة:

معنىٰ سُبْحَان الله وبحمده: أنزّه الله تعالىٰ عن كل عيب ونقص، قارناً التسبيح بالحمد الدال عَلَىٰ كمال الله تعالىٰ وتمام حكمته.

ومعنىٰ سُبْحَان الله العظيم: تنزيه الله تعالىٰ ذي العظمة والقوة والجلال، فهو عظيم بذاته، عظيم بصفاته .

2/1409ــ وعنه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقولَ: سُبْحَانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، أحبُّ إليَّ مما طلَعَتْ عليه الشَّمسُ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) أربع كلمات من ذكر الله تعالىٰ هُنَّ أحب إلىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا كلها، وهذا دليل عَلَىٰ عظم هذه الكلمات عند الله تعالىٰ.

2) الشيطان يغر العبد ويكسله ويثبّطه عن الخير والذكر، وإلا فهل يغفل العبدُ عن شيء هو خير من الدنيا وما فيها؟

3) هذه الكلمات هن الباقيات الصالحات الواردة في قوله تعالىٰ: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } [الكهف: 46].

3/1410 ــ وعنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ لا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، ولهُ الحَمْدُ، وهُو عَلَىٰ كل شيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائةَ مرَّة كانت لَهُ عَدْلَ عَشرْ رِقَابٍ، وكُتبَتْ لَهُ مائةُ حسنةٍ، ومُحيَتْ عَنْهُ مائةُ سيِّئةٍ، وكانت لَهُ حرزاً من الشَّيطان يومَهُ ذلك حتىٰ يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضَلَ ممَّا جاء به إلَّا رجلٌ عملَ أكثَرَ منه» وقال: «من قَالَ: سُبْحَان الله و بحمده في يومٍ مئةَ مرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وإنْ كانَتْ مثلَ زبَدِ البَحْرِ». متفق عليه.

غريب الحديث:

زبد البحر: رغوة البحر.

عدل عشر رقاب: مَا يعادل في الثواب.

حرزاً: حصناً.

هداية الحديث:

1) تعظيم قدر الفضائل الخمسة لمن قَالَ الذكر الوارد، لأن معناه: تهليل الله تعالىٰ وتوحيده.

2) ذكر الله تعالىٰ بالتهليل سبب لعصمة الإنسان من مداخل الشيطان.

3) قول: «سُبْحَان الله وبحمده مائة مرة» سبب لغفران الذنوب كلها، ولو عظمت!.

4) الحث عَلَىٰ التنافس في الخيرات والمسابقة في الطاعات.

4/1411 ــ وعن أبي أيّوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ المُلك، وله الحَمْدُ، وهُوَ عَلَىٰ كلِّ شيءٍ قديرٌ، عشرَ مرَّات، كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أربعةَ أنْفُسٍ منْ ولدِ إسماعيلَ». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) تهليل الله تعالىٰ عشر مرات يعادل في الأجر كمن أعتق أربع رقاب من أشرف الناس نسباً، وهم بنو إسماعيل.

2) بيان فضيلة هذا الذكر، والموفَّق من أعانه الله تعالىٰ في المحافظة عليه.

5/1412ــ وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلا أُخبرُكَ بأحبِّ الكَلام إلىٰ الله»؟ «إنَّ أحبَّ الكلام إلىٰ الله: سُبْحَانَ اللهِ وبِحمدِهِ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) تنزيه الله وحمده من أحب الكلام إلىٰ الله تعالىٰ، لأنه يتضمن تعظيم الربِّ والثناء عليه.

2) التوحيد أعظم مَا يتقرّب به العباد إلىٰ ربّهم سبحانه، فأين الدعوة إلىٰ التوحيد يا دعاة الإسلام؟!

6/1413ــ وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ، والحمدُ للهِ تملآن ــ أوْ تملأ ــ مَا بينَ السَّماواتِ والأرْضِ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) حمد الله تعالىٰ من أعظم الذكر، حتىٰ إن فضل الحَمْد يملأ الميزان يوم الجزاء لعظم ثواب الحَمْد.

2) إن فضل تسبيح الله تعالىٰ المقرون بالحمد يملأ مَا بين السماوات والأرض.

7/1414ــ وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: جاء أعرابيٌّ إلىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: علِّمني كلاماً أقولُهُ. قَالَ: «قُل: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ ربِّ العالمين، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله العزيزِ الحكيمِ» قَالَ: فهؤلاء لربِّي، فما لي؟ قَالَ: «قُل: اللّهم اغفرْ لي، وارحمْني، واهدِني، وارزقْنِي». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الثناء عَلَىٰ الله بالتهليل، والتكبير، والتحميد، والتسبيح، من أفضل مَا يقوله العبد، ويشغل به وقته.

2) حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم؛ إذ علّم الأعرابي مَا يقوله لله تعالىٰ، وما يقوله لنفسه من الخير.

3) بيان الأدب في الدعاء؛ أن يقدم الداعي الثناء عَلَىٰ الله تعالىٰ، ثُمَّ يدعو لنفسه بما شاء.

8/1415ــ وعن ثوبانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا انصرفَ من صَلاتِهِ اسْتغفَرَ ثلاثاً، وقال: «اللّهم أنتَ السَّلامُ، ومنكَ السَّلامُ، تباركْتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ». قيل للأوزاعي، وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قَالَ: تقول: أستغفرُ اللهَ، أستغفرُ اللهَ. رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) مناسبة الاستغفار بعد الصلاة، هي لطلب العفو عما قد يكون في الصلاة من النقص والتقصير والخلل.

2) التوسل إلىٰ الله باسم (السلام)، معناه: أن تسلم لي صلاتي، حتىٰ تكون مكفِّرةً للسيئات، ورافعةً للدرجات.

3) صفة الاستغفار عند الانصراف من الصلاة أن يقول المصلِّي: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله»، فهذا هو هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يغترّ المسلم بما يراه في بعض المساجد من الزيادة في الصيغة، مع تأدية الاستغفار بشكل جماعي، فهذا خلاف السنة النبوية.

9/1416ــ وعن المغيرةِ بنِ شعبةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا فَرَغَ من الصَّلاة وسلَّم قَالَ: «لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، وله الحَمْدُ، وهُوَ عَلَىٰ كل شيءٍ قديرٌ. اللّهم لا مانعَ لِمَـا أعْطَيتَ، ولا مُعطيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منكَ الجَدُّ». متفق عليه.

10/1417ــ وعن عبد الله بن الزُّبير رَضيَ الله تعالىٰ عنهما أنَّه كَانَ يقول دُبُرَ كلِّ صلاةٍ حين يسلّم: «لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وهو عَلَىٰ كلِّ شيءٍ قديرٌ. لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله، لا إلهَ إلَّا الله، ولا نعبُدُ إلَّا إيَّاهُ، لَهُ النِّعمةُ، وله الفضلُ، ولهُ الثَّناءُ الحسنُ. لا إلهَ إلَّا الله، مُخلصينَ لَهُ الدِّينَ، ولو كَرِهَ الكافرونَ». قَالَ ابن الزبير: وكان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يهلِّلُ بهنَّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ. رواه مسلم.

غريب الحديث:

دبر كل صلاة: المراد هنا: بعد كل صلاة.

ذا الجَد منك الجَد: الجَدُّ: الحظ في الدنيا من مال أوْ جاه أوْ ولد، والمعنىٰ: لا ينفع صاحب الحظ والمنزلة مكانته، لأنك يا ربنا أنت المعطي حقيقة، ولا يُلتفت إلىٰ غيرك.

هداية الأحاديث:

1) الذكر بعد الصلاة يتضمن الإقرار بتوحيد الله تعالىٰ وحمده، وتفويض الأمر كله إليه سبحانه وتعالىٰ.

2) العلم بأن المعطي والمانع هو الله تعالىٰ، يجعل العبدَ قرير العين، فلا يعلّق رجاءه إلَّا بالله تعالىٰ.

3) التزام هذا الذكر دبر الصلوات هو هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي الغفلة عَنْهُ، والكلام بأمر الدنيا بعد الصلاة مباشرة.

11/1418ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ فُقراءَ المُهاجرينَ أتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهبَ أهلُ الدُّثُور بالدَّرَجَاتِ العُلىٰ والنَّعيمِ المُقيمِ، يصلُّون كما نصلِّي، ويصُومون كما نصومُ، ولهم فضلٌ من أموال: يحُجُّون، ويعتَمرُون، ويُجاهدون، ويتصدَّقون، فَقَالَ: «ألا أعلِّمُكُمْ شيئاً تُدركُون به من سَبَقَكُمْ، وتسبقُون به من بَعْدَكُمْ، ولا يكونُ أحدٌ أفضلَ منكُمْ إلَّا من صَنَعَ مثل مَا صنعتم؟» قالوا: بلىٰ يارسولَ الله، قَالَ: «تُسبِّحُون، وتحمدُون، وتُكبِّرُون خلفَ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين» قَالَ أبو صالح، الرَّاوي عن أبي هُرَيْرَة لما سئلَ عن كيفيَّة ذكرهنَّ، قَالَ: يقول: سُبْحَانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، واللهُ أكبرُ، حتىٰ يكونَ منْهُنَّ كلَّهنَّ ثلاثاً وثلاثين. متفق عليه.

وزاد مسلم في روايته: فَرَجَعَ فقراء المهاجرين إلىٰ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمع إخوانُنا أهلُ الأموال بما فعلْنَا، ففعلُوا مثلَهُ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «ذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاءُ».

«الدثور»: جمع دَثر بفتح الدال وإسكان الثاء، وهو المال الكثير.

هداية الحديث:

1) إنَّ جعل التسبيح والتحميد والتكبير جملة واحدة، تُكرَّر ثلاثاً وثلاثينَ مرةً دبر الصلاة؛ هي إحدىٰ الصيغ الواردة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

2) فضيلة مجتمع الصحابة رضي الله عنهم في تسابقهم للخيرات وتنافسهم في القربات، سواءٌ الأغنياء منهم والفقراء.

3) إظهار سعة صدر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورحمته بالصحابة عَلَىٰ المراجعة في مسائل العلم.

12/1419ــ وعنه عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سبَّحَ اللهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحَمدَ اللهَ ثلاثاً وثلاثين، وكبّرَ اللهَ ثلاثاً وثلاثين، وقال تَمَامَ المائة: لا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، وله الحَمْدُ، وهو عَلَىٰ كل شيءٍ قديرٌ، غُفرتْ خطَايَاهُ وإن كانَتْ مثلَ زَبَد البَحْر». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) من الصيغ المأثورة عقب كل صلاة مفروضة؛ التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والحمد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين، وإكمال المائة بالتهليل مرة واحدة.

2) استحباب عقد الذكر الوارد باليد اليمنىٰ، لثبوت ذلك من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «فقد كان يعقد التسبيح بيمينه» رواه أبو داود.

13/1420ــ وعن كعب بن عجرةَ رضي الله عنه عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مُعَقِّبَاتٌ لا يخيبُ قائلُهُنَّ ــ أوْ فاعلُهُنَّ ــ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ: ثلاثٌ وثلاثون تسبيحةً، وثلاثٌ وثلاثون تحميدةً، وأربعٌ وثلاثون تكبيرةً». رواه مسلم.

غريب الحديث:

معقبات: مَا يفعل عقب الصلاة.

هداية الحديث:

1) إنَّ الذكر الوارد هو إحدىٰ الصيغ الواردة في الأذكار دبر الصلوات.

2) التسبيح والحمد والتكبير هُنَّ الباقيات الصالحات، وقائلهن موعود بالخير.

فائدة:

تنوّعُ الصيغ في الأذكار دبر المكتوبة من سعة رحمة الله بعباده، ورفع الحرج عنهم. والعبد الموفَّق من يأتي كل مرة بصيغة منها؛ ليكون لَهُ تمام الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وليحفظ بذلك جميع الصيغ المأثورة، ويكونَ أقرب للحضور والخشوع في العبادة.

14/1421ــ وعن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ دبرَ الصَّلَوات بهؤلاء الكلمات: «اللّهم إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، وأعوذُ بك من أنْ أُرَدَّ إلىٰ أرْذَل العُمُرِ، وأعوذُ بكَ مِن فتْنةِ الدُّنْيا، وأعوذ بكَ مِن فتْنةِ القَبْرِ». رواه البخاري.

غريب الحديث:

دبر الصلوات: المقصود هنا: آخر التشهد قبل السلام.

أرذل العمر: أخس العمر، عندما يضعف الإنسان في قواه البدنية، وقواه العقلية.

هداية الحديث:

1) الدعاء الوارد في الحديث يكون قبل السلام، يستعيذ بالله تعالىٰ من هذه الأربع.

2) إن تكرار الاستعاذة من هذه الأربع في كل صلاة مفروضة دليل علىٰ عظم فتنتها، ومَن عصمه ا لله تعالىٰ منها فقد أفلح في الدنيا والآخرة.

15/1422ــ وعن معاذ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أخَذَ بيَده، وقال: «يا معاذُ، واللهِ إنِّي لأحبُّكَ» فَقَالَ: «أوصيكَ يا معاذُ؛ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صَلاةٍ تقولُ: اللّهم أعنِّي عَلَىٰ ذكرِكَ وشكرِكَ، وحُسنِ عبادَتِكَ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.

هداية الحديث:

1) الوصية الخالصة من قلب المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم لمن يحبه أن يقول: «اللّهم أعني عَلَىٰ ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، فدل عَلَىٰ عظم هذه الوصية، وأنها من أنفع الوصايا للعبد، لأن المحب لا يدّخر لحبيبه إلَّا مَا هو خير وأبقىٰ.

2) حسن العبادة معناه: أن تكون العبادة خالصة لله تعالىٰ، وموافقة لسُنّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

3) إظهار حسن خلق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وطيب معاشرته لأصحابه رضوان الله عليهم، فقد كَانَ يلاطفهم بالقول والفعل.

تنبيـه:

مَا ورد في الأحاديث المتقدمة من قوله: «دُبرَ الصلاة»، فإذا كَانَ الوارد ذكراً وثناءً، كالتسبيح والتحميد والتكبير فإنه يكون بعد السلام، وإذا كَانَ المذكور دعاءً فإنه يكون قبل السلام، لأن دبر الصلاة يُطلَق عَلَىٰ آخرها، ويُطلَق عَلَىٰ مَا يكون بعدها مباشرة، وبذلك تجتمع النصوص النبوية ولا تختلف.

16/1423 ــ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا تشَهَّدَ أحَدُكُم فَلْيَسْتَعذْ بالله من أرْبعٍ، يقولُ: اللهم إنِّي أعُوذُ بك مِن عذابِ جَهَنَّمَ، ومِن عذابِ القَبرِ، ومِن فتنةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِن شرِّ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الحرص عَلَىٰ هذه الدعوات قبل السلام في التشهد الأخير، لأنها مما أمر به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، حتىٰ قَالَ بعض العلماء: إنها واجب من واجبات الصلاة.

2) فتنة المحيا والممات تشمل كل مَا يُفتتَن به الإنسان في حياته، من الشهوات المغرية أوْ الشبهات المضلَّة.

3) رحمة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالأمة؛ أن أمرهم أن يستعيذوا بالله من كبار الفتن والشرور.

17/1424 ــ وعن عليٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا قامَ إلىٰ الصلاة يكونُ من آخر مَا يقولُ بين التَّشَهُّد والتَّسليم: «اللّهم اغفرْ لي مَا قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنْتُ، وما أسرفْتُ، وما أنتَ أعلمُ به منِّي، أنتَ المقدِّمُ، وأنتَ المؤخِّرُ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الذنب والتقصير في حق الله تعالىٰ أمر لازم للعبد، ولذلك استُحب له أن يجدد التوبة دائماً.

2) استحباب التقرب إلىٰ الله تعالىٰ بهذا الدعاء قبل السلام، لأنه من جوامع الأدعية.

فائدة:

يُستحب للمصلِّي قبل السلام أن يتخيَّر من الدعاء مَا شاء، لكن إن دعا بما ورد في المأثور الوارد ففيه الخير والبركة، لأنه من جوامع الدعاء في هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كمثل مَا ورد في حديث سعد بن أبي وقاص، وحديث معاذ، وحديث أبي هُرَيْرَة، وحديث علي رضي الله عنهم أجمعين.

18/1425ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يكثرُ أن يقول في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: «سبحانكَ اللّهم ربَّنَا وبحمدِكَ، اللّهم اغْفرْ لي». متفق عليه.

19/1426ــ وعنها أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقولُ في ركوعه وسجوده: «سُبُّوحٌ قدُّوسٌ، ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ». رواه مسلم.

هداية الأحاديث:

1) إن من أدب الدعاء تقديم الثناء عَلَىٰ الله _عز وجل_ بكمال صفاته ــ فهو منزَّه عن أي نقص ــ ثُمَّ سؤاله المغفرة.

2) الإكثار من قول: «سُبْحَانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» في الركوع تأسّياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

3) من أذكار الركوع والسجود المتضمنة لمعاني التعظيم والتمجيد قول المصلِّي: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح». ومن فقه العبد: أن يستغني في صلاته بالأذكار النبوية المأثورة، ولا يأتي بشيء من عنده.

20/1427ــ وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فأمَّا الرُّكوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ _عز وجل_، وأمَّا السُّجودُ فاجتَهدُوا في الدُّعاء، فَقَمنٌ أن يُستجابَ لكُمْ». رواه مسلم.

21/1428ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أقرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ من ربِّه وهُوَ ساجدٌ، فأكثرُوا الدُّعاءَ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

قَمِنٌ: حَرِيٌّ وجديرٌ.

هداية الأحاديث:

1) لا يجوز أن يُقرأ القرآن في الركوع أو السجود، لكن محل الركوع للتعظيم والثناء عَلَىٰ الله تعالىٰ، والسجود للدعاء والمسألة.

2) أقرب مَا يكون العبد من ربه وهو ساجد، فَلْيغتنمْ فرصة الدعاء، وَلْيكثرْ منه.

3) الركوع فيه كمال التعظيم لله تعالىٰ، والسجود فيه كمال الذل لله سبحانه، فيجتمع للمصلِّي ذلُّ الهيئة مَعَ ذلِّ المسألة للمعبود.

22/1429ــ وعنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقولُ في سُجُوده: «اللّهم اغفرْ لي ذَنبي كلَّهُ؛ دِقَّهُ وجِلَّهُ، وأوَّلَهُ وآخرَهُ، وعلانيَتَهُ وسرَِّهُ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

دقّه وجلّه: صغيره وكبيره.

هداية الحديث:

1) الحرص عَلَىٰ الأدعية الواردة عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها من أجمع الدعاء وأنفعه.

2) التفصيل في الدعاء مستحب ومحمود، لأن الدعاء عبادة، وكلما كرّره العبد زادت عبوديته لله _عز وجل_.

3) الحكمة في أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فصّل الدعاء بعد الإجمال؛ ليستحضر العبد الذنوب كلها، ويطلب من الله غفرانها.

23/1430ــ وعن عائشةَ رضي الله عنها قَالَت: افتقَدْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ، فَتَحَسَّسْتُ، فإذا هُو راكعٌ ــ أوْ ساجدٌ ــ يقولُ: «سبحانَكَ وبحَمدِكَ لا إلهَ إلَّا أنتَ». وفي رواية: فَوَقَعت يدي عَلَىٰ بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وهوَ في المسْجدِ، وهما مَنْصُوبَتَان، وهو يقولُ: «اللّهم إنِّي أعُوذُ برضَاكَ من سَخَطكَ، وبمُعافاتِكَ من عُقُوبَتِكَ، وأعوذُ بكَ منكَ، لا أحْصي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أثنيتَ عَلَىٰ نفْسِكَ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

تحسست: بمعنىٰ تلمّست وتطلّبْت.

هداية الحديث:

1) الاستعاذة بالله _عز وجل_ بالأعمال الصالحة من الأعمال السيئة؛ لأن الأعمال السيئة توجب الغضب والسخط، والأعمال الصالحة توجب الرضا، والشيء إنما يداوىٰ بضده.

2) من أشمل الدعاء وأعمّه أن يتعوَّذ العبد بالله تعالىٰ، ويلجأ إليه من عذابه وعقوبته، وهذا هو معنىٰ «وأعوذ بك منك».

3) محبة عائشة رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحب الناس إليه، فهي الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق رضي الله عنهما، وواللهِ لا يصح إيمان عبد حـتىٰ يعظِّم أمهات المؤمنين، ويحترمهنّ طاعةً لله، وطاعةً لرسوله صلى الله عليه وسلم.

فائدة:

استدل بعض العلماء بحديث عائشة علىٰ أن الساجد يستحب لَهُ أن يضم قدميه بعضهما إلىٰ بعض في السجود ولا يفرقهما، فهذه هيئة السجود، لأنه لا يمكن أن تقع يد عائشة رضي الله عنها عَلَىٰ قدمَيْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم معاً إلَّا إذَا كانتا مضمومتَيْن غير مفرقتَيْن، فمن السُّنَّة رَصُّ العقبين في السجود.

24/1431ــ وعن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا عندَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أيعجزُ أحدُكم أن يَكْسبَ في كلِّ يومٍ ألفَ حَسَنَةٍ!» فسألَهُ سائلٌ من جُلسائه: كيفَ يكسبُ ألفَ حسنَةٍ؟ قَالَ: «يسبِّحُ مائةَ تسبيحةٍ، فيُكْتبُ لَهُ ألفُ حسنةٍ، أوْ يحطُّ عَنْهُ ألفُ خطيئَةٍ». رواه مسلم.

قال الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم: «أو يحط» قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيىٰ القطان عن موسىٰ الذي رواه مسلم من جهته فقالوا: .. «ويحط» بغير ألف.

هداية الحديث:

1) الحث عَلَىٰ فضائل الأعمال، لأنها سبب لنيل المكارم والقربىٰ من الله تعالىٰ.

2) الذكر فيه عمل يسير وأجر كبير، وهذا من فضل الله تعالىٰ عَلَىٰ الذاكرين.

3) حرص الصحابة رضي الله عنهم عَلَىٰ فعل الخيرات والمسارعة إليها. فأين حالنا اليوم من همَّة الصحابة رضي الله عنهم؟!

25/1432ــ وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُصبحُ عَلَىٰ كلٍّ سُلامىٰ من أحدكمْ صَدَقَةٌ؛ فكلُّ تسبيحةٍ صدَقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكلُّ تكبيرَةٍ صَدقَةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقَةٌ، ونهيٌ عَنِ المنكرِ صدقةٌ. ويجزئُ من ذلك ركعتان يركَعُهُما منَ الضُّحىٰ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

سلامىٰ: المفاصل.

هداية الحديث:

1) أبواب الخير كلِّها صدقات؛ فكل قول أوْ عمل يقرب إلىٰ الله تعالىٰ فإنه صدقة.

2) تسبيح الله، وحمده، وتهليله، وتكبيره، ونحو ذلك من الأذكار، صدقاتٌ، يتقرب بها العبد إلىٰ ربِّه.

26/1433ــ وعن أم المؤمنين جُويريَةَ بنتِ الحارثِ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِن عندِها بُكرةً حينَ صلَّىٰ الصُّبحَ، وهي في مسجدها، ثُمَّ رجعَ بعدَ أن أضْحىٰ وهي جالسةٌ، فَقَالَ: «مَا زلتِ عَلَىٰ الحَالِ التي فارقتُكِ عليها؟» قَالَتْ: نعمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لقد قلتُ بعدَك أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ، لو وُزنتْ بما قلتِ منذُ اليومِ لوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وبحَمْدِهِ، عددَ خلْقِهِ، ورضىٰ نفسِهِ، وزَنَةُ عَرْشِهِ، وَمدادَ كلماتِهِ». رواه مسلم.

وفي رواية لَهُ: «سُبْحَانَ الله عددَ خلْقِهِ، سُبْحَانَ الله رضَىٰ نفسِهِ، سُبْحَانَ الله زنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله مدادَ كلماتِهِ».

وفي رواية الترمذي: «ألا أعلِّمك كلماتٍ تقُولينَهَا؟ سُبْحَانَ الله عددَ خلقِهِ، سُبْحَانَ الله عددَ خلقِهِ، سُبْحَانَ الله عددَ خلقِهِ، سُبْحَانَ الله رَضىٰ نفسِهِ، سُبْحَانَ الله رضىٰ نفسِهِ، سُبْحَان الله رضىٰ نفسِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عرشِهِ، سُبْحَانَ الله زنَةَ عرْشِهِ، سُبْحَانَ الله زنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله مدَادَ كلماتِهِ، سُبْحَانَ الله مدَادَ كلمَاتِهِ، سُبْحَان الله مدَادَ كلمَاتِهِ».

غريب الحديث:

أضحىٰ: دخل وقت الضحىٰ.

هداية الحديث:

1) لزوم الأذكار النبوية في حياة العبد فيه كل البركة، فيعمل قليلاً ويؤجر كثيراً. أما من أتىٰ بالأذكار المحدَثة؛ فمثَلُه كمن حمل زاداً من حجارة ثقيلة، في سفر طويل، أتعبته ولم تنفعه.

2) حث الرجل أهل بيته عَلَىٰ الأذكار المأثورة، ووصيتهم بذكر الله تعالىٰ، لأن الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته.

3) فضيلة هذا الذكر الخاص؛ لما تضمَّن من تنزيه الله سبحانه وتعظيمه، عدد مخلوقاته، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته.

27/1434 ــ وعن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الَّذي يذكُرُ ربَّهُ، والذي لا يذكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ والميِّتِ». رواه البخاري.

ورواه مسلم فقال: «مَثَلُ البيتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يُذكَرُ اللهُ فيه، مَثَلُ الحَيِّ والميِّتِ».

هداية الحديث:

1) الغفلة عن ذكر الله تعالىٰ سبب لقسوة القلب وموته.

2) إنَّ الذكر حياة للقلوب وانشراح للصدور، ونسيان الذكر موت للقلب وضيق للصدر.

28/1435ــ وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يقولُ اللهُ تعالىٰ: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا مَعَهُ إذَا ذَكَرَني؛ فإنْ ذَكرَني في نفسِهِ ذَكرتُهُ في نفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملأ ذَكرتُهُ في ملأ خيرٍ منْهُمْ». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) إذَا ذكر العبدُ ربَّه في ملأٍ كَانَ هذا أفضل مما إذَا ذكره في نفسه، إلَّا أن يخاف السمعة والرياء.

2) كلما أحسن العبد ظنَّه بربِّه عامله الله بما يستحق من الإكرام، وإن أساء الظن بربِّه وَكَلَه الله إلىٰ المضيعة والخسران، فلْيظنَّ العبد بربِّه ظنَّ الخير.

29/1436 ــ وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ» قالوا: وَمَا المُفَرِّدُونَ يا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «الذَّاكرونَ اللهَ كثيراً والذَّاكراتُ». رواه مسلم.

روىٰ «المفردون» بتشديد الراء وتخفيفها، والمشهور الذي قاله الجمهور: التشديد.

هداية الحديث:

1) الذاكرون الله تعالىٰ لهم السبق عَلَىٰ غيرهم، لأنهم عملوا أكثر من غيرهم، فكانوا أسبق إلىٰ الثواب والنعيم.

2) بالذكر يرتفع العبد في الدرجات، ويسبق أهل الطاعات.

30/1437ــ وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أفضلُ الذِّكر: لا إلهَ إلَّا الله». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

هداية الحديث:

1) إن كلمة التوحيد، ومفتاح الإسلام، ومفتاح الجنة، قول العبد: «لا إله إلَّا الله»، فهي أفضل الذكر.

2) توحيد الله تعالىٰ لا يعادله شيء من العبادات، فالتوحيد رأس الأمر في هذا الدين.

31/1438ــ وعن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه أنَّ رجُلاً قَالَ: يا رسولَ الله، إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كَثُرَت عليَّ، فأخبرْني بشيءٍ أتَشَبَّثُ به قَالَ: «لايزالُ لسانُكَ رطباً من ذكر الله». رواه الترمذي: وقال: حديث حسن.

غريب الحديث:

أتشبَّث: أتمسَّك وأتعلَّق به.

هداية الحديث:

1) المراد بشرائع الإسلام مَا سوىٰ الفرائض، لأن أداء الفرض لابد منه، أما النوافل إن صعبت عَلَىٰ العبد، فالذكر يغني عما يحصل من الخلل.

2) ذكر الله تعالىٰ يلين لسان العبد ويحيي القلب، وذكر الناس بالغيبة والنميمة يجفو اللسان، ويميت القلب.

3) الذكر المشروع ما كانَ منطوقاً باللسان، واستحضره العبد بقلبه، أما ذكر القلب المجرد فليس من الهدي النبوي.

32/1439ــ وعن جابر رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وبحمدِهِ، غُرسَتْ لَهُ نَخْلةٌ في الجَنَّة». رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

33/1440ــ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْرِيَ بي، فَقَالَ: يا محمَّدُ، أقرئْ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ، وأخبرْهُمْ أنَّ الجَنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ، عذْبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غراسَها: سُبْحَانَ الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ». رواه الترمذي: وقال: حديث حسن.

غريب الحديث:

قيعان: المكان المستوي الواسع.

هداية الحديث:

1) إنَّ ذكر الله تعالىٰ غراسٌ للعبد في الجنة، فَلْيكثِّرِ العبد غراسه أو يُقلّ!

2) فضل هذه الأمة المرحومة؛ إذ بلّغها إبراهيم صلى الله عليه وسلم السلامَ، وأوصاها بالكلم الطيب، لأنه غراس الجَنّة.

34/1441 ــ وعن أبي الدَّرداءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنُبئُكُم بخيرِ أعْمالكم، وأزْكَاها عند مليككُم، وأرْفَعهَا في دَرَجَاتكمُ، وخير لكُمْ من إنفاقِ الذَّهبِ والفضَّةِ، وخير لكم من أن تلْقَوْا عَدُوَّكُم، فتضربُوا أعْنَاقَهُم ويضْربُوا أعْنَاقَكُم؟» قالوا: بَلَىٰ، قَالَ: «ذكرُ اللهِ تعالىٰ». رواه الترمذي، وقال الحاكم أبو عبد الله: إسناده صحيح.

غريب الحديث:

أنبئكم: أخبركم وأعلمكم، والنبأ: هو الخبر المهم.

هداية الحديث:

1) أفضل الأعمال ذكر الله تعالىٰ، الذي يستحضره العبد بقلبه ولسانه، ويؤثِّر عَلَىٰ جوارحه خشيةً وتعظيماً، بل هو أفضل من إنفاق المال والجهاد في سبيل الله تعالىٰ.

2) جميع الأعمال الشرعية إنما شرعت لإقامة ذكر الله تعالىٰ، فذكر الله غاية المطلوب ومنتهىٰ المحبوب.

35/1442ــ وعن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه أنَّهُ دخلَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ امرأةٍ، وبينَ يدَيْها نَوًىٰ ــ أوْ حَصَىٰ ــ تُسبِّح به، فَقَالَ: «أخبرُكِ بما هُوَ أيسرُ عليك من هذا ــ أوْ أفضَلُ ــ» فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ، وَسُبْحَانَ الله عددَ مَا خلقَ في الأرض، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا بَيْنَ ذلك، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا هُوَ خالقٌ، واللهُ أكبرُ مثل ذلك، والحمدُ لله مثل ذلك، ولا إلهَ إلَّا اللهُ مثل ذلك، ولا حول ولا قوَّةَ إلَّا بالله مثل ذلك». رواه الترمذي، وقال: حديث حسن[2].

[2]() الحديث إسناده ضعيف.

هداية الحديث:

1) إن التزام الذاكر الهدي النبوي في صفة الذكر أيسر كلفةً، وأفضل ثواباً.

2) كل خير يحصله العبد موقوف على اتباع السنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تنبيـه:

الحديث تقدم معناه في قصة أم المؤمنين جويرية، رقم: (1433)، دون ذكر التسبيح بالحصىٰ، وهو الصحيح في رواية الحديث، أما ذكر التسبيح بالحصىٰ فإسناده ضعيف لا يثبت به حكم شرعي، ثُمَّ إن هذه الطريقة في الذكر باستخدام الحصىٰ، أوْ مَا يُسمىٰ اليوم: المسبحة أوْ العدّادة، ليس هدياً مستحباً لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يرشد الأمة إليه، فمن كَانَ حريصاً عَلَىٰ السنة راجياً اتباع القدوة صلى الله عليه وسلم فعليه أن يعقد التسبيح بيمينه، فإن الأنامل ناطقات مستنطَقات، كما صح ذلك في السنة النبوية.

36/1443ــ وعن أبي موسىٰ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدُلُّكَ عَلَىٰ كَنْزٍ من كُنُوزٍ الجَنَّةِ؟» فقلت: بلىٰ يارسولَ الله، قَالَ: «لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) هذه الكلمة: (لاحول ولا قوة إلَّا بالله) هي كلمة براءة واستعانة، لأن فيها التبرؤ من عجز العبد وضعفه، واللجوء إلىٰ الله _عز وجل_ توكّلاً واستعانة.

2) فضيلة خاصة لهذا الذكر، فهو كنز من تحت العرش، وإنما اختُص بذلك لأن فيه إظهارَ ضعف المخلوق لربِّه، وأنه لا يقوىٰ عَلَىٰ فعل شيء، كالتحول من حال إلىٰ حال، إلَّا إذَا استعان بربِّه تعالىٰ.