اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

23 ـ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال الله تعالىٰ: {وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [آل عمران: 104] ، وقال تعالىٰ: {كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ} [آل عمران: 110]، وقال تعالىٰ: {خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وقال تعالىٰ: {وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ} [التوبة: 71]، وقال تعالىٰ: {لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ * كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} [المائدة: 78 ــ 79] ، وقال تعالىٰ: {وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ} [الكهف: 29] ، وقال تعالىٰ: {فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} [الحجر: 94] ، وقال تعالىٰ: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۢ بَ‍ِٔيسِۢ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} [الأعراف: 165] ، وَالآياتُ في الباب كَثِيرَة مَعلومَةٌ.

فائدة:

ــ المعروف: ما عُرف حسنه شرعاً، وعقلاً، وعرفاً. والمراد بالعُرْف: عُرْف أهل الخير والصلاح، الذين هم أوساط الناس دون أهل التشديد أو التساهل.

ــ المنكر: ما عُرف قبحه شرعاً، وعقلاً، وعرفاً. وكل ما أنكره الشرع ومنعه من أنواع المعاصي، كالكفر والبدع والفسوق.

هداية الآيات:

1) لا بد عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من استخدام الحكمة، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والحلم والصبر.

2) وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست خاصةً بالرجال فقط، بل تشمل النساء أيضاً.

3) وجوب التناهي عن المنكر؛ فترك النهي سبب اللعن والطرد عن رحمة الله تعالىٰ.

4) الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، سبب لنجاة الأمة وعصمتها، من النكبات والعقوبات.

وأما الأحاديث:

1/184 ــ فالأوَّلُ: عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَن رَأَىٰ مِنْكُم مُنكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإن لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ، وَذلِكَ أَضْعَفُ الإيمانِ». رواه مسلم.

2/185ــ الثاني: عنِ ابنِ مسْعُودٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ نَبيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أمَّةٍ قَـبْـلي إلَّا كـان لَـه مِـن أُمَّتِهِ حَوارِيُّون وَأصْحابٌ يَأَخُذُون بِسُنَّتِهِ ويَقْتَدُون بِأمْرِهِ، ثُمَّ إنها تخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُون مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُون مَا لا يُؤْمَرُون، فَمَنْ جَاهَدَهُم بِيدهِ فَهُو مُؤمِنٌ، ومَن جَاهَدهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وليس وراء ذلِكَ مِن الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدلٍ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

حواريون: خلصاء الأنبياء وأصفياؤهم وأنصارهم المجاهدون.

خلوف: جمع خَلْف بسكون اللام، وهو: الخالف بِشَرٍّ، وأما خَلَفَ بفتح اللام، فهو: الخالف بخير. والمعنى: تحدث خلوف بشِرّ.

خردل: حبٌّ صغير معروف.

هداية الأحاديث:

1) إنكار المنكر مراتب، بحسب الاستطاعة والقدرة، ورعاية المسؤولية.

2) من أراد النجاة فعليه باتباع منهج الأنبياء في الدعوة إلىٰ الله _عز وجل_.

3) الحث علىٰ مجاهدة المخالفين للشرع، كلٌّ بما يستطيع؛ لأن ترك ذلك بالكلية دليل علىٰ ذهاب الإيمان من قلب المرء.

4) خير الناس بعد الأنبياء هم أصحابهم.

5) الحذر من أن يقول العبد ما لا يعمل، أو يفعل مالا يُؤمَر.

3/186ــ الثالثُ: عن أبي الوليدِ عُبـَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: « بَايَعْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلىٰ السَّمْعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمنشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلىٰ أثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَىٰ أَنْ لاَ نُنَازعَ الأمْرَ أهْلَهُ إلاَ أنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ الله تَعَالىٰ فِيهِ بُرْهَانٌ، وَعَلَىٰ أَنْ نَقُولَ بالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخافُ في الله لَوْمَةَ لائمٍ». متفق عليه.

«المَنْشَط والمَكْره» بِفَتْحِ مِيميهما: أَيْ: في السَّهْلِ والصَّعْبِ. «والأثَرةُ»: الاخْتِصاصُ بالمُشْتَركِ، وقَدْ سَبَقَ بَيَانُها. «بَوَاحاً» بفَتْحِ الْبَاءِ المُوَحَّدَة بَعْدَهَا وَاوٌ ثمَّ أَلِفٌ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ: أَيْ ظَاهِراً لاَ يَحْتَمِلُ تَأوِيلاً.

هداية الحديث:

1) وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور في المنشط والمكره، والعسر واليسر، إلا في معصية الله فلا طاعة لهم.

2) إن النصح لأَئمة المسلمين وهدايتهم بالتي هي أحسن هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

3) الحث علىٰ قول الحق وفعله، وألاّ تأخذك في الله لومة لائم، فأين أهل الإيمان اليوم؟!.

4/187ــ الرَّابع: عن النعْمانِ بنِ بَشير رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ القَائمِ في حُدودِ الله وَالْوَاقِع فيها كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلىٰ سَفِينَةٍ، فَصَارَ بَعْضهُمْ أعْلاهَا وَبَعضُهُمْ أسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ في أسْفَلِهَا إذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلىٰ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعاً، وإنْ أخَذُوا عَلىٰ أيْدِيهِمْ نجَوْا ونجَوْا جَميعاً». رواهُ البخاري.

«القَائمُ في حُدُودِ الله تَعالى» مَعْنَاهُ: المُنْكِرُ لها، القَائمُ في دفْعِهَا وإزالتِهَا، والمُرادُ بِالحُدُودِ: ما نَهَىٰ الله عَنْهُ. «اسْتَهَمُوا»: اقْتَرعُوا.

غريب الحديث:

الواقع فيها: أي الفاعل للمحرم أو التارك للواجب.

استقوا: طلبوا السقيا (سقيا الماء).

خرقاً: ثقباً.

هداية الحديث:

1) إذا أخذ أهل العلم والدين علىٰ أيدي الجهال والسفهاء نجوا جميعاً، فإن لم يفعلوا هلكوا جميـعاً.

2) يستحب لمعلم الناس أن يضرب لهم الأمثال؛ ليقرب لهم المعقول بصورة المحسوس.

3) إثبات القرعة عند تزاحم الحقوق ولا مرجح في تعيينها، ومنه قوله تعالىٰ عن يونس –عليه السلام_: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُدۡحَضِينَ} [الصافات: 141].

4) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سفينة النجاة في الأمة؛ مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّف عنها غرق. وإن حالنا الأليم الذي نعانيه اليوم هو عقوبة ترك الهدي النبوي في الأمر والنهي، فهل من توبة وإنابة!!

5/188ــ الخامسُ: عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِين أُمِّ سَلَمَةَ هِنْدٍ بنتِ أَبي أُمَيّةَ حُذيْفَةَ رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمن كَرِهَ فَقَدْ بَرِئ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ». قالوا: يَا رَسُولَ الله أَلا نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ: «لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ». رواه مسلم.

مَعْنَاهُ: مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَسْتَطعْ إنْكَاراً بِيَد وَلَا لِسَانٍ فَقَدْ بَرِئ مِنَ الإثمِ، وَأَدَّىٰ وَظِيفَتَهُ، وَمَنْ أَنْـكَرَ بحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ المَعْصِيَةِ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعْلِهِمْ وَتَابَعَهُمْ فَهُوَ العَاصي.

هداية الحديث:

1) الإنكار علىٰ ولاة الأمور بحسب الحال، مع مراعاة المصالح والمفاسد.

2) مشروعية قتالهم إذا لم يقيموا الصلاة، شريطة انتفاء المفسدة، وحصول المصلحة.

3) تعظيم قدر الصلاة، فمن تركها فقد كفر.

4) إنكار المنكر سبيل السلامة والنجاة. فأين القائمون بهذه الشعيرة العظيمة؟!

6/189ــ السَّادِسُ: عَن أُمِّ المُؤْمِنِين أُمِّ الْحَكَمِ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ: «لا إلهَ إلَّا الله، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتحَ الْيَوْمَ مِن رَدْمِ يأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بأصْبُعَيْهِ الإبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، فَقُلْتُ: يَا رسول الله، أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قال: «نَعَم إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». متفقٌ عليه.

غريب الحديث:

الردم: السد. تقول: ردمت إذا سددت.

الخبث: الفسوق والفجور وأنواع المعاصي.

هداية الحديث:

1) الترغيب في ذكر الله عند الفزع والخوف ، تثبيتاً للتوحيد وتطميناً للقلوب.

2) الإخبار عن فتنة يأجوج ومأجوج للحذر منها، فهي من شر الفتن.

3) إذا كثرت الأعمال الفاسدة في المجتمع دون إنكار، فإن ذلك سبب للهلاك ولو كان الصالحون موجودين؛ لأن العبرة بعمل المصلحين في الأمة. قال تعالىٰ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ} [هود: 117].

7/190ــ السَّابعُ: عَنْ أبي سَعيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ »، فَقَالُوا: يَا رَسولَ الله مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدّ، نتَحَدَّثُ فِيهَا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « فَإذَا أبَيْتُم إلاَ الْمَجْلِسَ فَأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قالوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ الله؟ قال:« غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَر». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) النهي عن الجلوس في الطرقات؛ لأنها تؤدي إلىٰ مفاسد واضحة.

2) غض البصر من العبادات الواجبة في حق من جلس في الطريق.

3) وجوب كف الأذىٰ عن الناس، سواء الأذىٰ القولي أو الفعلي.

4) إفشاء السلام بين المسلمين يورث المحبة في قلوبهم.

5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مستلزمات الجلوس في الطرقات.

8/191ــ الثَّامنُ: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأىٰ خَاتماً مِنْ ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: « يَعْمِدُ أحَدُكُمْ إلَىٰ جَمْرَةٍ مِنْ نَارِ فَيَجْعَلُهَا في يَدهِ!» فَقِيلَ لِلرَجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ، انْتَفعْ بِهِ، قَالَ: لا وَاللهِ لا آخُذُهُ أبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) تحريم لبس الذهب علىٰ الرجال؛ وأن ذلك موجب لعذاب النار.

2) من الحكمة: استعمال الشدة في تغيير المنكر إذا دعت الحاجة إلىٰ ذلك. فالحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب.

3) تعظيم الصحابة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان صدق إيمانهم بسرعة امتثالهم. فأين المقتدون بهم؟

9/192ــ التَّاسعُ: عَنْ أبي سَعيدٍ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّ عَائِذَ بن عَمْرٍو رضي الله عنه دَخَلَ عَلَىٰ عُـبَيْدِ الله بن زيَادٍ، فَقَالَ: أيْ بُنيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « إنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَة» فَإيَّاكَ أن تكُونَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإنَّمَا أنتَ مِنْ نُخَالَةِ أصْحَاب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، فقالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ، إنَّمَا كَانتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي غَيْرِهِمْ . رَواه مسلم.

غريب الحديث:

الرعاء: بكسر الراء والمد، جمع راع.

الحطمة: العنيف في رعيته، لا يرفق بها بل يحطمها.

نخالة: نخالة الدقيق هي قشوره، والمراد: التعبير عن الشيء الذي لا يعبأ به.

هداية الحديث:

1) التزام الصحابة الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم خوفهم من قول الحق.

2) الصحابة كلهم سادة وأفاضل ، وهم خير قرون الأمة.

3) خير الناس من كان هيِّناً ليِّناً، خاصة إذا كان من أهل المسؤولية.

10/193ــ الْعَاشرُ: عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفسي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْروفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنكَرِ، أوْ لَيُوْشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ، ثُمَ تَدعُونهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حَسَنٌ.

هداية الحديث:

1) جواز القسم في الأمور ذات الأهمية.

2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الواجبات.

3) الوعيد الشديد لترك الأمة الأمرَ بالمعروف، والنهي عن المنكر. فهل عرفنا لِمَ حَلَّت بنا النكبات؟!

4) ترك التواصي بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، سبب لرد الدعوات وعدم إجابتها.

11/194ــ الْحَادي عَشَرَ: عَنْ أبي سَعِيد الْخُدرِي رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أفضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عنْدَ سُلطَانٍ جَائرٍ». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسنٌ.

12/195ــ الثَاني عَشَرَ: عَنْ أبي عبدِ الله طَارِقِ بن شِهَابٍ الْبَجَلِيِّ الأَحْمَسِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَه في الْغَرْزِ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كَلمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِر». رواه النسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.

«الْغَرْز» بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاء سَاكِنَةِ ثُمَّ زَايٍ، وَهُوَ رِكَابُ كَورِ الْجَمَلِ إذَا كَانَ مِنْ جِلدٍ أَوْ خَشَبٍ، وَقِيلَ: لَا يخْتَصُّ بِجِلْدٍ وَخَشَبٍ.

غريب الحديث:

جائر: ظالم.

هداية الأحاديث:

1) من أعظم الجهاد كلمة الحق عند السلطان الظالم، فإنها تردعه عن ظلمه.

2) وجوب مناصحة الحكام الظلمة، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

فائـدة:

الإنكار علىٰ السلطان له أربع حالات:

1) كلمة حق عند سلطان عادل، وهذه سهلة.

2) كلمة باطل عند سلطان عادل، وهي خطيرة لفتنتها لهذا السلطان ولقائل الكلمة.

3) كلمة حق عند سلطان جائر، وهذه أفضل الجهاد.

4) كلمة باطل عند سلطان جائر، وهذه مضلة للأمة.

13/196ــ الثَّالِثَ عَشَرَ: عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَىٰ بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَىٰ الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هذَا اتَّقِ اللهَ وَدعْ مَا تَصْنَعُ، فَإنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَدِ وهُو عَلَىٰ حَالِهِ، فَلا يَمْنَعُهُ ذلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ ضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ» ثُمَّ قال: {لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ * كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ * تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ} ، إلىٰ قولِهِ: {فَٰسِقُونَ} [المائدة: 78 ــ81] ثُمَّ قَالَ: «كَلاَّ، وَاللهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولَتَأخُذُنَّ عَلَىٰ يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطِرُنَّه عَلَىٰ الْحَقِّ أَطْراً، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَىٰ الْحَقِّ قَصراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَىٰ بَعْض، ثُمَّ لَيَلْعَنَنّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن[1].

[1](1) الحديث إسناده ضعيف.

هَذا لفظ أَبي داود، وَلفظ الترمذي: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لـمَّا وَقَعَتْ بَنُو إسْرَائيلَ في الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِم بِبَعْضٍ، وَلَعَنَهمْ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَىٰ ابنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» فَجَلَسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ مُتكِئاً، فَقَالَ: «لا وَالَّذي نَفْسي بِيَده حَتَّىٰ تَأْطِرُوهُمْ عَلَىٰ الحَقِّ أطْراً». قَوْلُهُ: «تَأْطِرُوهم» أيْ تَعْطِفُوهُمْ. «ولْتَقْصُرُنَّهُ» أيْ: لَتَحْبِسُنَّهُ.

هداية الحديث:

1) الحذر من خصال اليهود، الذين جمعوا بين فعل المنكر والجهر به وعدم التناهي عنه.

2) السكوت عن فعل المعاصي هو تحريض علىٰ فعلها، وسبب لانتشارها. وما انتشرت المنكرات في الأمة إلا بسبب السكوت عنها.

3) حرمة الجلوس مع من باشر المنكر، إلا لأجل الإنكار عليه.

4) الأخذ علىٰ يد الظالمين والعاصين موجب للفلاح واجتماع كلمة الأمة، وترك ذلك موجب للعن الله _عز وجل_ وللفرقة والشتات.

5) إنكارُ القلبِ المنكرَ يقتضي البعد عن أهله.

14/197ــ الرَّابعَ عَشَرَ: عن أَبي بكْرٍ الصّدِّيق رضي الله عنه قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ لَتَقْرَؤُونَ هذِهِ الآيَةَ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ} [المائدة: 105]، وإني سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ: «إنَّ النَّاسَ إذَا رَأوُا الظَّالِمَ، فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَىٰ يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ». رواه أَبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحيحةٍ.

هداية الحديث:

1) وجوب العناية بفهم كتاب الله _عز وجل_، وفهم سُنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم. ففيهما معدن العلم.

2) حرمة القول في القرآن بالرأي، فكثير من الجهال يستدلون بآيات علىٰ غير وجهها الصحيح.

3) عقاب الله يشمل الظالم لظلمه، وغير الظالم لإقراره عليه.

4) علىٰ الأمة أن تتعاون فيما بينها علىٰ البر والتقوىٰ، وتتواصىٰ بالحق وبالصبر.