اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

25 ـ باب الأمر بأداء الأمانة

قال الله تعالىٰ: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا} [النساء: 58] ، وقال تعالىٰ: {إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} [الأحزاب: 72].

هداية الآيات:

ــ الأمانة نوعان:

1) أمانة في حقوق الله، مثل: (عبادات الله _عز وجل_ وأجلها: التوحيد والصلاة...).

2) أمانة في حقوق البشر، مثل: (بر الوالدين وصلة الأرحام وتربية الأبناء...).

1/199ــ عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «آيَةُ الـمُنـَافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». متفقٌ عليه.

وفي رواية: «وَإنْ صَامَ وَصَلَّىٰ وَزَعَمَ أنهُ مُسْلِمٌ».

غريب الحديث:

آية: علامة.

أخَلَفَ: لم يفِ بالوعد.

هداية الحديث:

1) خبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث تضمن أمرين: معرفة المنافقين وصفاتهم، والحذر من الوقوع في هذه الصفات، فهو خبر وإرشاد.

2) الصدق في الحديث، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة، من صفات أهل الإيمان. وهي من الأمور الواجبة.

3) المسلم يطابق فعلُه قولَه {كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} [الصف: 3].

2/200 ــ وعن حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأنا أنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَال، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرآنُ فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآن، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ، فَقَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلّ أثرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهْ عَلَىٰ رِجْلِكَ فَنَفِط،َ فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ» ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهُ عَلَىٰ رِجْلِهِ «فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتبَايَعُونَ، فَلا يَكَادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ حَتَّىٰ يُقَالَ: إنَّ في بَنِي فُلانٍ رَجُلاً أَمِيناً، حَتَّىٰ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ. وَلَقَدْ أتَىٰ عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً ليَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيّاً أَوْ يَهُودِياً لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايعُ مِنْكُمْ إلَّا فُلاناً وَفُلاناً». متفقٌ عليه.

قوله: «جَذْرُ» بفتحِ الجِيم وَإسْكَانِ الذَّالِ الْمُعَجَمَةِ: وَهُوَ أَصْلُ الْشيءِ. و«الْوَكْتُ» بالتَّاءِ الْمُثَـنَّـاة مِنْ فَـوْقُ: الأثرُ الْيَسِيرُ. «وَالْمَجْلُ» بفتحِ الميم وإسكانِ الجيم، وَهُوَ تَنَفُّطٌ في الْيَدِ وَنَحْوِها مِنْ أثَرِ عَمَلٍ وَغَيْرِه. قوله: «مُنْتَبِراً»: مُرْتَفِعاً. قوله: «سَاعِيهِ»: الْوَالي عَلَيْهِ.

هداية الحديث:

1) إن الأخلاق في الإسلام أعمق من مفهوم الإنسانية المعاصرة؛ لأنها تتجاوز المظاهر والمرئيات إلىٰ أعمال القلوب، وسرائر النفوس.

2) الأخلاق الإسلامية تنبع من الكتاب والسنة، ففيهما كمال الخلق والتربية.

3) إن الأخلاق قابلة للتغيير، وإلا لما نفعت التربية.

4) الأخلاق والإيمان قرينان، إذا رُفع أحدهما، رُفع الآخر.

5) من أشراط الساعة رفع الأمانة، حتىٰ يُخَوَّن الأمين، ويُؤتَمن الخائن.

3/201ــ وعن حُذَيْفَةَ وأَبي هريرةَ رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَجْمَعُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا اسْتَفْتحْ لَنَا الْجَنَّة، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ ! لَسْتُ بِصاحِبِ ذلِكَ، اذْهَبُوا إلَىٰ ابْنِي إبْراهِيمَ خَلِيلِ الله. قال: فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ إبْرَاهِيمُ: لستُ بصَاحِبِ ذلِكَ، إنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمَدُوا إلَىٰ مُوسَىٰ الَّذي كَلَّمَهُ الله تكْلِيماً. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ ؟ اذْهَبُوا إلَىٰ عِيسَىٰ كَلِمَةِ الله وَرُوحِهِ. فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم ، فَيَقُومُ فَيؤْذَنُ لهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ والرَّحِمُ، فَيَقُومَانِ جَنْبَتَي الصِّرَاطِ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أوَّلُكُمْ كالْبَرْقِ، قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قال: ألَمْ تَرَوْا كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُم كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وشدِّ الرِّجالِ، تَجْرِي بِهمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَىٰ الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّىٰ تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّىٰ يجيءَ الرَّجُلُ لا يَسْتَطِيعُ السَّيرَ إلَّا زَحْفاً، وَفي حَافَتَي الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بأخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدوشٌ نَاجٍ، ومُكَرْدَسٌ في النَّارِ» وَالذي نَفْسُ أَبي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إنَّ قَعْرَ جَهَنَّم لَسَبْعُون خَرِيْفاً. رواه مسلم.

قوله: «وَرَاءَ وَرَاءَ» هُو بالْفَتْحِ فِيهمَا. وَقيلَ: بِالضَّمِّ بِلا تَنْوينِ، وَمَعْنَاهُ: لَسْتُ بتِلْكَ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَهِي كَلِمَةٌ تُذْكَرُ عَلَىٰ سَبِيل التَّوَاضُعِ. وَقَدْ بَسَطْتُ مَعْنَاهَا في شَرْحِ صحيحِ مسلمٍ، والله أعلم.

غريب الحديث:

تُزْلَفَ: تقرَّب .

شد الرجال: الجري السريع.

تعجز أعمال العباد: أي تضعف أعمالهم الصالحة عن المرور بهم.

كلاليب: جمع كَلُّوب: خشبة في رأسها عقافةِ حديد.

مكردس: معناه كون الأشياء بعضها علىٰ بعض.

مخدوش: مجروح وممزق.

الخريف: السنة.

هداية الحديث:

1) الجنة لا تفتح إلا باستفتاحٍ من الشفيع عليه الصلاة والسلام.

2) تواضع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكلٌّ منهم يحيل الأمر إلىٰ الآخر.

3) تعظيم شأن الأمانة والرحم، فإنهما تقومان علىٰ جانبي الصراط.

4) مجاوزةُ العباد الصراط تكون بحسب الأعمال الصالحة. فلْيَسْعَ امرؤ في أعمال صالحة يمر بها علىٰ الصراط.

4/202ــ وعن أبي خُبَيْبٍ ـ بضم الخاءِ المعجمة ـ عبدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قال: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إلَىٰ جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهُ لا يُقْتَلُ الْيَومَ إلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإنِّي لا أُرَانِي إلَّا سأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُوماً، وَإنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتَرَىٰ دَيْنَنَا يُبْقي مِنْ مَالِنَا شَيْئاً ؟ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ بعْ مَالَنَا وَاقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَىٰ بالثُّلُثِ وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ، يَعْنِي لِبَنِي عَبْدِ الله بن الزُّبَيْر ثُلُثُ الثُّلُث. قَالَ: فَإنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ لِبَنِيكَ، قال هشامٌ: وكانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْد الله قَدْ وازَىٰ بَعْضَ بَني الزُّبَيْرِ خُبيبٍ وَعَبَّادٍ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنينَ وَتِسْعَ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ الله: فَجَعَلَ يُوصِينِي بدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ إنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمَوْلايَ. قَالَ: فَوَالله مَا دَرَيْتُ مَا أرَادَ حَتَىٰ قُلْتُ: يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلاكَ؟ قَالَ: الله. قال: فوَالله مَا وَقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَىٰ الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيَهُ. قَالَ: فَقُتِلَ الزُّبيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَاراً وَلا دِرْهَماً إلَّا أرَضِينَ، مِنْهَا الْغَابَةُ وَإحْدَىٰ عَشَرَةَ دَاراً بالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بالْبَصْرَةِ، وَدَارَاً بالْكُوفَة، وَدَاراً بِمِصْرَ. قال: وَإنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذي كَانَ عَلَيْهِ أنَ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بالمالِ، فَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لا وَلكِنْ هُوَ سَلَفٌ إنِّي أخْشَىٰ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. وَمَا ولِيَ إمَارَةً قَطُّ وَلا جِبَايَةً ولا خَراجاً وَلا شَيْئاً إلَّا أنْ يَكُونَ في غَزْوٍ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أوْ مَعَ أبي بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم، قَالَ عَبْدُ الله: فَحَسَبْتُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ ألْفَي ألْفٍ وَمَائَتَي ألْفٍ . فَلَقِيَ حَكِيم بن حِزَامٍ عَبْدَ الله بْن الزُّبـَيْرِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أخِي كَمْ عَلَىٰ أخِي مِنَ الدَّيْنِ ؟ فَكَتَمْتُهُ وَقُلْتُ: مَائَةُ ألْفِ. فَقَالَ حَكيمٌ: وَالله مَا أرَىٰ أمْوَالَكُمْ تَسعُ هذِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الله: أرَأيْتَكَ إنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ ألْفٍ؟ قَالَ: مَا أرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذا، فَإنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بي. قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ قَدِ اشتَرَىٰ الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ ومَائَة أَلْفٍ، فَبَاعَهَا عَبْدُ الله بِألْفِ ألْفٍ وَسِتِّمَائَةِ أَلْف، ثُمَّ قَامَ فقال: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَىٰ الزُّبـَيْرِ شَيْءٌ فَلْيُوافِنَا بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَىٰ الزُّبَيْرِ أرْبَعُمَائَةِ ألْفٍ، فَقَالَ لعَبْدِ الله: إنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ؟ قَالَ عَبْدُ الله: لا، قال: فَإنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُموهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إنْ أخَّرْتُمْ، فقال عَبْدُ الله: لا، قال: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، قال عَبْدُ الله: لَكَ مِنْ هاهُنا إلَىٰ هاهُنا. فَبَاعَ عَبْدُ الله مِنْهَا، فَقَضىٰ عَنْهُ دَيْنَه، وَأَوْفَاهُ وَبقِيَ مِنْهَا أرْبَعَةُ أسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدِمَ عَلَىٰ مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْن عُثْمَانَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْن زَمْعَةَ، فقال لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَت الْغَابَةُ ؟ قال: كُلُّ سَهْمٍ بِمائَةِ ألْفٍ قال: كَمْ بَقِي مِنْهَا؟ قال: أرْبَعَةُ أسْهُمٍ ونِصْفٌ، فقال الْمُنْذرُ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ أخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمائَةِ ألْفٍ، قال عَمْرُو بْنُ عُثْمَان: قَدْ أخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمَائَةِ أَلْف. وقال ابْن زمْعَةَ: قَدْ أخَذْتُ سَهْماً بِمَائَةِ ألْف، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قال: سَهْمٌ ونصْفُ سَهْمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ ومائَةِ ألْفٍ. قَالَ: وبَاعَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتَّمَائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضاءِ دَيْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيراثَنَا. قَالَ: والله لا أَقْسِمُ بَيْنكُمْ حَتَّىٰ أنادِيَ بالْمَوسِمِ أَرْبَع سِنِين: أَلا مَنْ كَان لَهُ عَلَىٰ الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ. فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي في الْمَوسِمِ، فَلَمَّا مَضىٰ أَرْبَعُ سِنينَ قَسم بَيْنَهُمْ ودَفعَ الثلُث. وكَان للزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوةٍ، فَأَصاب كُلَّ امْرأة أَلْفُ أَلْفٍ ومَائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَاله خَمْسُونَ ألْف ألْفٍ ومَائَتَا أَلْف. رواه البخاري.

غريب الحديث:

يوم الجمل: وقعة مشهورة بين المسلمين، كان طرفاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنهما.

الغابة: أرض شهيرة من عوالي المدينة النبوية.

الضيعة: الضياع والهلكة.

هداية الحديث:

1) الترغيب في المحافظة علىٰ أداء الأمانات.

2) شدة أمر الدَّين، والإسراع في أداء الديون قبل الممات.

3) من قرع أبواب السماء بالدعاء، والتجأ إلىٰ الله، وجعله مولاه كفاه وأغناه، فإنه سبحانه لا يخيب عبداً رجاه.

فائــدة:

ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم من القتال له توجيه وتأويل صحيح. قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله تعالىٰ ــ في رسالة (العقيدة الواسطية):

«ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها: ما هو كذب، ومنها: ما زيد فيه ونقص، وغُيِّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، ...ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم ــ إن صدر ــ حتىٰ إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم... ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتىٰ بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم... أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه... ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور، في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما مَنَّ الله عليهم به من الفضائل، عَلِم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، ولا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها علىٰ الله». انتهىٰ ملخصاً.