قَالَ الله تَعَالَى: {مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} [غافر: 18] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِير} [الحج: 71].
1ــ ظلم يتعلق بحقوق الله _عز وجل_: كالشرك، والبدع، والكبائر، والصغائر.
2 ــ ظلم يتعلق بحقوق العباد: في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم.
فمنها حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة.
1/203 ــ وَعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْم ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَىٰ أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلّوا مَحَارِمَهُمْ». رَوَاهُ مُسْلِم.
اتقوا الظلم: احذروه.
الشح: الحرص علىٰ المال مع البخل.
1) الظلم والشح من كبائر الذنوب، التي تسبب الهلاك في الدنيا، والكربات الشديدة يوم القيامة.
2) البخل ليس صفةً لأهل الإيمان، فإن من صفات المؤمنين الكرم والجود.
2/204 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَىٰ أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّىٰ يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ». رَوَاهُ مُسْلِم.
يُقاد: يُقتص.
الجلحاء: التي لاقرن لها.
القرناء: التي لها قرن.
1) وجوب أداء الحقوق لأهلها.
2) حقوق العباد لا يتجاوز عنها، حتىٰ تؤدىٰ إلىٰ أصحابها.
3) كمال عدل الله _عز وجل_، حتىٰ في وفاء الحقوق بين البهائم. فَلْيَتَّقِ الله من يظلمِ الناس!
3/205 ــ وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نتَحَدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ، حَتَّىٰ حَمِدَ اللهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وأَثْنَىٰ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَأطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إلَّا أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ: أَنْذَرَهُ نُوح والنَّبيونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ إِنْ يَخْرُجْ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَىٰ عَلَيْكُمْ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنبَةٌ طَافِيَةٌ، أَلا إِنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، فِي بلدِكُم هذَا، فِي شَهْرِكُمْ هذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللهم اشْهَدْ ــ ثَلاثاً ــ وَيْلَكُمْ، أَوْ ويْحَكُمْ، انْظُرُوا: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَرَوَىٰ مُسْلِم بعْضه.
أطنب: بالغ.
طافية: بارزة.
1) خطر فتنة الدجال علىٰ الناس، وتحذير الأنبياء جميعاً منه.
2) تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، والاعتداء عليها من الظلم المحرم.
3) النهي عن الاقتتال، فذلك من أعمال الكفر، وهو من ظلم العباد بعضهم بعضاً.
4/206 ــ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
قيد شبر: قدر شبر.
طوقه من سبع أرضين: أن يجعل له طوقاً في عنقه، يحمله أمام الناس، يُخزىٰ به يوم القيامة.
1) غصب الأرض من الكبائر، وهو من الظلم المتوعد عليه بالعقوبة.
2) الجزاء من جنس العمل؛ فمن ظلم عاقبه الله تعالىٰ من جنس ظلمه.
من ملك أرضاً ملكاً صحيحاً ملك ما تحتها، فليس لأحدٍ أن يضع نفقاً تحت أرضه إلا بإذنه، وما وجده في باطن أرضه، فهو له.
5/207 ــ وَعَنْ أَبِي مُوسَىٰ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ}» [هود: 102] مُـتَّفَقٌ عَلَيْه.
يملي: يمهل ويُؤخر.
1) علىٰ الظالم ألَّا يغتر بنفسه، ولا بإمهال الله له.
2) يستدرج الله الظالمين ليزدادوا إثماً، فيضاعف لهم العذاب.
6/208 ــ وعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إنَّكَ تَأْتِي قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فادْعُهُمْ إِلَىٰ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلهَ إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَة تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَىٰ فُقَرائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ. وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله حِجَابٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
كرائم: نفائس.
1) إن أول ما يُدعىٰ إليه الناس هو: شهادة أن لا إله إلا الله. فالتوحيد أول واجب علىٰ العبيد.
2) أهمية الصلاة والزكاة، فهما أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين.
3) تحريم الظلم؛ فلا يجوز للساعي علىٰ الزكاة أن يأخذ أكثر من الواجب.
4) دعوة المظلوم مستجابة، مسلماً كان أو كافراً، لأن الله حرَّم الظلم بين العباد.
7/209 ــ وَعَنْ أَبِي حُمَيْد عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَزْد يقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَىٰ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هذَا لَكُمْ، وَهذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ الْمِنْبرِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَىٰ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَىٰ الْعَمَلِ مِمَّا ولاَّنِي اللهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هذَا لَكُمْ، وَهذَا هَديَةٌ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بيْتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُ هَدِيَتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً؟ وَاللهِ لا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللهَ تَعَالَى، يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلا أَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ الله يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَو بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّىٰ رؤيَ عُفْرَةُ إِبْطَيْهِ فَقالَ: «اللهم هَلْ بَلَّغْت» ثلاثاً. مُـتَّفَقٌ عَلَيْه.
رغاء: صوت الإبل.
خوار: صوت البقرة.
تَيْعَر: تصيح، واليعار هو صوت الشاة.
عفرة إبطيه: بياضهما الذي ليس بالناصع.
1) هدايا العمال غلول ورشوة، ولا يحق للعامل أن يستغل منصبه لمنفعة خاصة.
2) ما من ظالم إلا ويأتي بما ظلم به يوم القيامة، فالظلم مرتع مبتغيه وخيم.
3) الأسلوب النبوي في النصيحة والتذكير هو التعميم لا التشهير؛ لأن هذا أبلغ في عموم الفائدة، وعدم افتضاح الناس.
8/210 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلله مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيَئَّاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيّ.
1) يجب علىٰ العبد أن يتحلل من ظلم أخيه، مهما كان الظلم يسيراً.
2) أمر الظلم خطير، وحقوق الناس لابد أن تُعطَىٰ لهم، إما في الدنيا وإما في الآخرة.
قال بعض العلماء في مسألة الطعن في العرض: إن كان المظلوم لم يبلغه الطعن فلا حاجة أن يعلمه، لئلا يترتب علىٰ الإخبار مفسدة. ولكنْ يستغفرُ الطاعنُ له، ويدعو له، ويثني عليه بالخير في المجالس التي كان يسبه فيها، وبذلك يتحلل منه.
9/211 ــ وَعَنْ عَبْد الله بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاص رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَىٰ اللهُ عَنْهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
1) المسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده؛ فلا يسبُّهم، ولا يلعنهم، ولا يغتابهم، ولا يعتدي عليهم بالضرب أو الأذية أو ما أشبه ذلك.
2) الظلم يكون باللسان والجوارح، وصاحبه علىٰ خطر عظيم.
10/212 ــ وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عَلَىٰ ثَقَل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هُوَ فِي النَّارِ»، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. رَوَاهُ البُخَارِي.
ثقل: ما يثقل حمله من الأمتعة والعيال.
الغلول: الخيانة، وهو الأخذ من الغنائم قبل قسمتها.
1) تحريم قليل الغلول وكثيره، وهو ما أخذ من الأموال بغير حق.
2) خيانة أموال المسلمين العامة من كبائر الذنوب، سواءٌ كانت قليلة أم كثيرة.
11/213 ــ وَعَنْ أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ: السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَة، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّم، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَىٰ وَشَعْبَانَ، أيُّ شَهْرٍ هذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّىٰ ظَنَنَّا أنهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «ألَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ بَلَد هذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّىٰ ظَنَنَّا أَنّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَليْسَ الْبَلْدَةَ؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّىٰ ظَنَنَّا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، فِي بَلَدِكُمْ هذَا، فِي شَهْرِكُمْ هذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعمَالِكُمْ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُه أَنْ يَكُونَ أَوْعَىٰ لَه مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَه» ثُمَّ قَالَ: «أَلا هَلْ بَلَّغْت؟ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، قَال: «اللهم اشْهَدْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
استدار: فسرت الاستدارة بقوله: «السنة اثنا عشر شهراً».
رجب مضر: أضيف إلىٰ قبيلة مضر؛ لأنها كانت أكثر القبائل محافظة علىٰ حرمته.
1) تحذير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أمته من قتال بعضهم بعضاً.
2) إشهار المشهد العظيم يوم حجة الوداع، وفيه: الوصية بأداء الحقوق، والكف عن الظلم. والموفَّق من حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3) دم المسلم وماله وعرضه حرام علىٰ أخيه المسلم ، وانتهاك هذا الحق من الظلم الكبير.
12/214 ــ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ إِيَاسِ بْنِ ثَعْلَبةَ الْحَارِثِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَقَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: «وَإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ». رَوَاهُ مُسْلِم.
أراك: شجر معروف يستاك بأعواده.
1) حرمة اغتصاب حقوق العباد، والحرص علىٰ أدائها لأهلها، ولو كانت شيئاً يسيراً.
2) حقوق العباد تمنع مغتصبها من دخول الجنة، حتىٰ تؤدىٰ إلىٰ أصحابها.
13/215 ــ وَعَنْ عَدِي بْنِ عُمَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «من اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَىٰ عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَنْصَارِ، كَأنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قال: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «وَأنَا أَقُولُه الآنَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَىٰ عَمَلٍ فَلْيَجِىءْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى». رَوَاهُ مُسْلِم.
مخيطاً: الإبرة الغليظة.
اقبل عني عملك: أَعْفِني من العمل الذي ولّيتني عمله.
1) من أؤتمن علىٰ أموال المسلمين، فعليه أن يحافظ عليها، ويوصلها إلىٰ مستحقيها.
2) الحرص علىٰ البعد عن الإمارة والوظائف العامة، فإنها مظنة التقصير.
14/216 ــ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلانٌ شَهِيدٌ، حَتَّىٰ مَرُّوا عَلَىٰ رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، فَقال النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم: «كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا ــ أوْ عَبَاءَةٍ ــ». رَوَاهُ مُسْلِم.
غلّها: كتمها.
1) لا يجوز إطلاق لفظ الشهيد علىٰ شخص معين؛ لأن الشهيد عند الله تعالىٰ هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يطلع علىٰ ما في القلوب إلا الله _عز وجل_.
2) القتل في سبيل الله لا يكفر حقوق العباد.
15/217 ــ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ، فَذَكَرَ لَهُم أنَّ الْجِهَادَ فِي سَبيلِ الله وَالإيمَانَ بِالله أَفْضَلُ الأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ الله، تكفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ الله، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيل الله، أَيكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، وَأنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذلِكَ». رَوَاهُ مُسْلِم.
1) الشهيد هو من مات في سبيل الله صابراً، مخلصاً، مقبلاً غير مدبر، فهذا يُرجىٰ له تكفير خطاياه إلا الدَّين.
2) الاهتمام بحقوق العباد وأدائها، فإنَّ منْعَها يحول بين العبد وتكفير خطاياه.
16/218 ــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالوا: الْمُفْلِسُ فِيْنَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاع، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هذَا، وَقَذَفَ هذَا، وَأَكَلَ مَالَ هذَا، وسَفَكَ دَمَ هذَا، وَضَرَبَ هذا، فَيُعْطَىٰ هذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». رَوَاهُ مُسْلِم.
قذف: رماه بالزنىٰ وما يقدح في عرضه.
1) التحذير من العدوان علىٰ الخَلْقِ وظلمهم، ووجوب أداء هذه الحقوق قبل الممات.
2) معاملة الله للخلق قائمة علىٰ العدل مع المسيء، والفضل مع المحسن.
3) الوعيد الشديد بذهاب الحسنات بظلم العباد. فَلْيحرصِ المؤمن علىٰ حفظ حسناته ليوم مَعاده.
17/219 ــ وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ؟ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُم تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيه فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه. «أَلْحَنَ» أَيْ: أَعْلَمَ.
ــ ألحَنَ: من اللَّحْن، وهو الميل عن جهة الاستقامة، وأراد في الحديث: إن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره.
1) الوعيد الشديد لمن يأكل حقوق العباد ظلماً وعدواناً.
2) الرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم الغيب؛ فلا يجوز لنا أن ندعوه أو نرجوه لكشف الضر أو لجلب الخير. فهذا ينافي شهادة التوحيد؛ لأن الله _عز وجل_ هو المتفرد بعلم الغيب، فلا نسأل إلا الله، ولا نرجو جلب الخير ودفع الضر إلا من عنده سبحانه.
3) إن حكم الحاكم لا يبيح الحرام، ولا يحرم الحلال.
4) يجب علىٰ القاضي أو الحاكم ألا يحكم قبل سماع الخصمين علىٰ السواء.
18/220 ــ وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً». رَوَاهُ البُخَارِي.
1) إصابة الدم الحرام من كبائر الذنوب.
2) الاعتداء علىٰ دماء المسلمين من أعظم الظلم، وهو مستوجب لفساد دين العبد.
19/221 ــ وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ عَامِرٍ الأنصَارِيَّةِ، وَهِيَ امْرأَةُ حَمْزةَ رضي الله عنهما، قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رَوَاه البُخَاري.
يتخوضون: يتصرفون تصرفاً سفيهاً غير مبني علىٰ أصول شرعية.
1) تحريم التصرف في الأموال العامة بغير أصول شرعية؛ لأنه من الظلم.
2) التحذير من بذل المال في غير ما ينفع والتخوّض فيه، فهذا مما يوجب الوعيد يوم القيامة.