1/1657 ــ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «المَيِّتُ يُعَذَّبُ في قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ».
وَفي روايةٍ: «مَا نِيحَ عَلَيْهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
النياحة: البكاء علىٰ الميت مع ارتفاع الصوت، وذكر أوصاف الميت علىٰ سبيل الافتخار.
1) تحريم النياحة علىٰ الميت لأنها تنافي الصبر.
2) النياحة فيها نوع اعتراض علىٰ قدر الله _عز وجل_، والواجب التسليم لأقدار الله المؤلمة.
يُنزل هذا الحديث علىٰ من كان النوح طريقته، أو من أوصىٰ أهله بذلك، أو من أهمل نهي أهله عن النياحة، فواجب علىٰ العبد أن يوصي أهله بالتزام هدي السنة عند وفاته، ويرشدهم إلىٰ مجانبة ما نهت عنه الشريعة في أحكام الموت؛ لأنه بذلك يكون قد أبرأ ذمته، وبلّغ أهله، ونجا من الوعيد، والله أعلم.
2/1658 ــ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَىٰ الجَاهِلِيَّةِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
1) تحريم دعوىٰ الجاهلية في النياحة والندب ونحوهما، لأنها ليست من سيما المسلمين.
2) بيان فضل الصبر والاحتساب عند المصائب، وإظهار الرضا بقضاء الله وقدره.
3/1659ــ وَعَنْ أبي بُرْدَةَ قال: وَجِعَ أَبُو مُوسَىٰ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَأْسُهُ في حِجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَقْبَلَتْ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئاً، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئ مِنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَرِيءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالحَالِقَةِ، والشَّاقَّةِ، متَّفقٌ عليه.
«الصَّالِقَةُ»: الَّتي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنِّيَاحَةِ والنَّدْبِ. «والحَالِقَةُ»: التي تَحْلِقُ رَأسَهَا عِنْدَ المُصِيبَةِ. «والشَّاقَّةُ»: الَّتي تَشُقُّ ثَوْبَهَا.
حِجر: حضن.
الرنّة: صوتٌ من البكاء فيه ترجيع وتحزين.
1) إنَّ النياحة، وحلق شعر الرأس، وشق الجيوب عند نزول المصائب؛ من المنكر الذي يجب إنكاره، لبراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فاعله.
2) علىٰ العبد الاقتداء بسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفعل الصحابة رضي الله عنهم.
4/1660ــ وَعَنِ المُغِيرةَ بْنِ شُعْبةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». متفقٌ عليه.
1) تحريم النياحة علىٰ الميت، لأن ذلك سبب للعذاب يوم القيامة.
2) إنَّ الميت يعذَّب في قبره ويوم القيامة بما نيح عليه إذا كان سبباً في النياحة.
5/1661 ــ وَعَنْ أُمِّ عَطِيّةَ نُسَيْبةَ ــ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا ــ رضي الله عنها قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ البَيْعَةِ أنْ لاَ نَنُوحَ. متَّفقٌ عليْه.
1) النياحة من أخلاق الجاهلية التي ينبغي علىٰ المسلم أن يخلعها عندما يدخل حمىٰ الشريعة وهديها.
2) بيان صفة مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم النِّساءَ، فقد اشترط عليهن ترك عادات الجاهلية.
6/1662ــ وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُغْمِيَ عَلَىٰ عَبْدِ الله بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: وَاجَبَلاهُ، وَاكَذَا، وَاكَذَا؛ تُعَدِّدُ عَلَيْهِ. فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئاً إلَّا قِيلَ لِي: أَنْتَ كَذلِكَ؟ رَوَاهُ البُخَارِيّ.
1) تحريم الندب علىٰ الميت، لأنه يؤذي الميت.
2) تحريم ادعاء صفات ليست في المرء، سواءٌ من قِبَل نفسه أو من قِبَل غيره.
7/1663ــ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اشْتكَىٰ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه شَكْوَىٰ، فَأتَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم، فَلَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَجَدَهُ في غَشْيةِ فَقَالَ: «أَقضَىٰ؟» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ الله؛ فَبَكَىٰ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَما رَأَىٰ الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بكَوْا، قَالَ: «أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ إنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، ولَكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا ــ وَأَشَارَ إلَىٰ لِسَانِه ــ أَوْ يَرْحَمُ». متَّفقٌ علَيه.
غشية: حال إغماء وغشيان.
أقضىٰ؟: أي أمات؟
1) جواز الحزن علىٰ الميت، والبكاء دون نياحة، فهذا من رحمة العباد بعضهم ببعض.
2) التسخط باللسان والنياحة من أسباب العذاب يوم القيامة.
8/1664ــ وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ». رواهُ مسلم.
سربال: قميص.
قطران: سائل أسود منتن يساعد علىٰ إشعال النار.
درع: ما يلبس علىٰ الصدر.
جرب: داء يصيب الجلد ويترك فيه ندب.
9/1665ــ وَعَنْ أَسِيْدِ بْنِ أَبِي أَسِيْدٍ التَّابِعِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ المُبَايِعَاتِ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في المَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لاَ نَعْصِيَهُ فِيهِ: أَنْ لاَ نَخْمِشَ وَجْهاً، وَلاَ نَدْعُوَ وَيْلاً، وَلاَ نَشُقَّ جَيْباً، وَأَنْ لاَ نَنْثُرَ شَعْراً.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بإسْنَادٍ حَسَنٍ.
نخمش: نجرح.
جيباً: ما يكون علىٰ الصدر ليستره.
ننثر شعراً: ننفش ونمزق الشعر.
1) تحريم الخمش، والندب، ونثر الشعر، عند المصائب، لأنها من أعمال الجاهلية التي حرمتها الشريعة.
2) صفة البيعة الواقعة زمن النبوة: بايع أهل الإيمان علىٰ ترك المحرمات مطلقاً، وعلىٰ فعل الطاعات ما أمكنهم إلىٰ ذلك سبيلاً.
10/1666 ــ وَعَنْ أَبِي مُوسَىٰ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ، فَيَقُولُ: واجَبَلاهُ، وَاسَيِّدَاهُ، أوَ نَحْوَ ذلِكَ، إلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزانِهِ: أهكَذَا كُنْتَ؟!». رَواهُ التّرْمِذِي وقَالَ: حَدِيث حَسَنٌ.
«اللَّهزُ»: الدَّفْعُ بِجُمْعِ الْيَدِ في الصدْرِ.
1) تحريم الندب علىٰ الميت ووصفه بما ليس فيه.
2) زجر الملائكة للميت إذا لم يكن أوصىٰ حال حياته عدمَ النياحة عليه.
11/1667ــ وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ في النَّاسِ هُمَا بِهِم كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلىٰ المَيِّتِ». رواهُ مسلم.
1) النهي عن النياحة علىٰ الميت، لأنها من أعمال الكفر وأخلاق الجاهلية.
2) لا يلزم من كون العمل من شعب الكفر أن يكون فاعله كافراً.
الخلاصة من الأحاديث:
إن البكاء الذي يأتي بمجرد الطبيعة لابأس به، وأما النوح، والندب، ولطم الخد، وشق الثوب، ونتف الشعر أو حلقه أو نفشه؛ فكل هذا حرام منهيٌّ عنه، وهو مما تبرأ منه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، والميت يعذَّب بهذا النوح إذا لم ينهَ عنه في حياته، ويوصي أهله بتركه والتحذير منه.