1/1668ــ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أناسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: «لَيْسُوا بِشَيءٍ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَاناً بِشَيءٍ، فَيَكُونُ حَقّاً؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مائَةَ كَذْبَةٍ». مُتفقٌ عليْهِ.
وفي رِوايَةٍ للبُخَارِيِّ عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَّنها سَمِعَتْ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ المَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ ــ وهو السَّحَابُ ــ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْعَ، فَيَسْمَعُهُ، فَيُوحِيهِ إلىٰ الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ».
قَوْلُهُ: «فَيَقُرّها» هو بفتحِ الياءِ، وضم القاف والراءِ: أي: يُلْقِيهَا. «وَالْعَنَانُ» بفتح العين.
1) تحريم إتيان الكهان، وأن «من أتىٰ كاهناً أو عرّافاً، فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل علىٰ محمد صلى الله عليه وسلم » كما جاء في الحديث الصحيح.
2) إن الكهان لو صدقوا بكلمة فإنهم يكذبون معها مائة كذبة، فهم كذَّابون بخبر الصادق المصدوق، فَلِمَ يُقبِلُ عليهم كثير من الخلق؟!.
2/1669 ــ وعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَىٰ عَرَّافاً فَسَألَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَصَدَّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْماً». رَواهُ مُسْلِم.
1) النهي الشديد، والوعيد الأكيد، عن إتيان الكُهّان والعرّافين، فتصديقهم حرام يوجب عدم قبول الصلاة من العبد عقوبة علىٰ إتيانهم.
2) تحريم إتيان العرافين مطلقاً، سواءٌ صدَّقَهم الشخص أو لم يصدِّقْهم، إلا أن يأتيهم ليفضحهم.
3/1670ــ وعَنْ قَبِيْصَةَ بنِ المُخَارِقِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْعِيَافَةُ، وَالطِّيَرَةُ، وَالطَّرْقُ، مِنَ الجِبْتِ». رَوَاهُ أبو دَاودَ بإسنادٍ حَسَن[1]، وقالَ: الطَّرْقُ، هُوَ الزَّجْرُ، أَيْ: زَجْرُ الطَّيْرِ، وهُوَ أنْ يَتَيَمَنَ أوْ يَتَشَاءم بِطَيَرَانِهِ، فَإنْ طَارَ إلىٰ جِهَةِ الْيَمِينِ، تَيَمَّنَ، وَإنْ طَارَ إلىٰ جهةِ الْيَسَارِ تَشَاءمَ، قَالَ أبو داود: و«الْعِيَافَةُ»: الخَطُّ.
قالَ الجَوْهَرِيُّ في «الصِّحَاح»: الجِبْتُ: كَلِمَةٌ تَقَعُ عَلىٰ الصَّنَمِ وَالْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ وَنَحْوَ ذلكَ.
1) نهىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور، لئلا يتعلق العبد بأحد سوىٰ الله _عز وجل_.
2) تحريم هذه الأمور؛ لأنها من أبواب الشرك بالله _عز وجل_، ومنافية لأصول التوحيد.
حين نهىٰ الشرع عن الأمور المذكورة، أرشد المسلم إلىٰ الهدي المشروع فيما يشكل عليه من الأمور، ومن ذلك صلاة الاستخارة، وهي صلاة ركعتين من غير الفريضة، ثم التوجُّه إلىٰ الله تعالىٰ بالدعاء المأثور: «اللهم إني أستخيركَ بعلمكَ...» إلىٰ آخره.
وأرشده إلىٰ الاستشارة، بأن يستشير أهل الخير والخبرة، وما ندم من استخار الله تعالىٰ، وشاور أهل الرشد والعقل، وتثبت في الأمر.
4/1671ــ وَعَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زادَ مَا زَادَ». رَوَاهُ أبو دَاود بإسناد صحيح.
اقتبس: استفاد وأخذ.
1) تحريم السحر لأنه من الموبقات المهلكات، ويُوقع في الشرك بالله تعالىٰ.
2) النهي عن التنجيم علىٰ اختلاف أشكاله، والنهي عن تصديق المنجمين لأنهم سحرة مشركون.
التنجيم يختلف عن علم الفَلَك، الذي هو من العلوم النافعة، فبه يُعرف سير الكواكب، وما يترتب عليه من اختلاف الليل والنهار، ومولد الهلال، وكسوف الشمس والقمر، وغير ذلك من الأطوار التي تتعلق بها أحكام شرعية، ومصالح للناس مرعية، في أمور معاشهم.
أما التنجيم الذي هو ادعاء الغيب، وأثر النجوم علىٰ الأرض، وتعاون بين شياطين الإنس والجن، فهو المنهي عنه في الأحاديث.
5/1672ــ وَعَنْ مُعَاوِيةَ بْنِ الحَكَمِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالىٰ بِالإسْلامِ، وَإنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ؟ قَالَ: «فَلاَ تَأْتِهِمْ» قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قالَ: «ذلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدُّهُمْ» قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذاكَ». رواه مسلم.
1) تحريم إتيان الكهان وسؤالهم عن أمور غيبية لا يعلمها إلا الله _عز وجل_.
2) إن الطيرة لا تمنع المسلم من أداء العمل المُقدم عليه، فإذا عزم المسلم علىٰ أمر ــ بعد استخارة واستشارة ــ فَلْيتوكلْ علىٰ الله، ولَيأخذْ بأسباب نجاحه.
6/1673ــ وعَنْ أَبي مَسْعُودٍ البَدْرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَىٰ عَنْ ثَمنِ الْكَلْب، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. متفقٌ عليه.
مهر البغي: ما تُعطىٰ الزانية علىٰ الزنىٰ.
حلوان الكاهن: ما يُعطاه الكاهن علىٰ كهانته.
1) تحريم إعطاء الكاهن الأجر علىٰ كهانته، لأن ما كان حراماً فالتعويض عليه حرام.
2) كل مُفسدٍ في جماعة المسلمين ــ كالكهان المشعوذين ــ فالواجب إهانتهم وعدم إكرامهم.
من تاب عن هذه الأعمال فإن المال المكتسب ينظر فيه، إن عُلِم أصحابه فيرد عليهم خلاصاً من أكل أموال الناس بالباطل.
وإن جُهلوا فيتصدق بالمال تخلصاً منه، أو ينفق في مصارف مهينة كالمرافق العامة الممتهنة، أو كإطعامه الدواب مثلاً، كما ورد ذلك في سنن أبي داود، عن مُحيصة عن أبيه: أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه، حتىٰ قال: «اعلفه ناضحك، وأطعمه رقيقك». والناضح من الدواب هي التي يُنضح عليها؛ أي يستنبط عليها ويخرج الماء من البئر بواسطتها. وفي رواية للحديث عند أحمد في (المسند): «أنه زجره عن كسبه، فقال: ألا أطعمه أيتاماً لي؟ قال: لا، قال: أفلا نصدَّق به؟ قال: لا، فرخص له أن يعلفه ناضحه».