اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

46 ــ باب فضل الحب في الله والحث عليه ، وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه ، وماذا يقول له إذا أعلمه

قال الله تعالىٰ: {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ} [الفتح: 29] إلىٰ آخِرِ السورة، وقال تعالىٰ: {وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ} [الحشر: 9].

هداية الآيات:

1) محبة المؤمنين بعضهم بعضاً علامة صدق الإيمان، ومن لوازم الأخوة في الله.

2) أكمل المؤمنين إيماناً أحبهم إلىٰ الخلق، وأنفعهم لعباد الله تعالىٰ.

1/375 ــ وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَ حَلاَوَةَ الإيمَان: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة ونابعة من محبة الله سبحانه وتعالىٰ، لقوله في الحديث: «الله ورسوله»، ولم يقل ثم رسوله.

2) حلاوة الإيمان تكون بالشعور بلذة الطاعة والرغبة فيها، وإيثارها علىٰ أهواء النفس.

2/376 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ الله _عز وجل_، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ، فقال: إنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّىٰ لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه.

غريب الحديث:

سبعة: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد، ولكنهم سبعة أصناف، ومن كل صنف عددٌ لا يحصيهم إلا الله _عز وجل_.

الإمام: من ولي شيئاً من أمور المسلمين.

تفرقا عليه: بأجسادهما وأبدانهما لسفر أو موت.

هداية الحديث:

1) المتحابون في الله لايقطع محبتهم في الله شيء من أمور الدنيا، ولا يفرقهم إلا الموت.

2) المعنىٰ الصحيح للمحبة في الله، ألا تبنىٰ هذه المحبة علىٰ مصلحة دنيوية، بحيث إذا زالت أو نقصت هذه المصلحة فاتت المحبة.

3/377 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالىٰ يقولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاّ ظِلِّي». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) فضل الحب في الله، وحث أهل الإيمان علىٰ التحابب في الله تعالىٰ.

2) الجزاء من جنس العمل؛ فمن آثر محبة الله تعالىٰ علىٰ الشهوات، وتَعبَ في الطاعة، آثره الله تعالىٰ بالظل يوم القيامة.

4/378 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّىٰ تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلىٰ شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَينكم». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) لا يكمل إيمان العبد حتىٰ يحب لأخيه مايحب لنفسه من الخير.

2) من أسباب المحبة أن يُظهر المسلم السلام بين إخوانه، يُسلم علىٰ مَن لقيه مِن المسلمين، سواء عرفه أو لم يعرفه.

3) علىٰ العبد أن يسعىٰ لكل سبب يوجب المودة والمحبة بين المسلمين.

4) السلام لا يُلقىٰ إلا علىٰ المسلمين، لقوله عليه الصلاة والسلام: «بينكم»، فلا يجوز البدء بإلقاء السلام علىٰ الكافرين.

5/379 ــ وعنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلىٰ مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً» وذكر الحديث إلىٰ قوله: «إنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبتَهُ فِيهِ». رواه مسلم. وقد سبق بالباب قبله.

غريب الحديث:

مدرجته: طريقه.

هداية الحديث:

1) مَن أحبَّ أهل الإيمان أحبَّهُ الله تعالىٰ.

2) أعظم حظٍّ يناله العبد هو نيل محبة الله تعالىٰ له، فالحظ العظيم هو أن يحب اللهُ تعالىٰ عبدَه بالاتباع والاقتداء، وليس الشأن أن يحب العبدُ ربَّه بالادعاء {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّه}.

6/380 ــ وعن البَرَاءِ بن عَازِبٍ رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأَنْصَارِ: «لا يُحِبُّهُمْ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهم أَبْغَضَهُ اللهُ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) حبّ الأنصار من الإيمان، وبغضهم من شعب النفاق والكفران، فهم الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين. رضي الله عنهم أجمعين.

2) حبّ أولياء الله سبحانه ونصرتهم سبب في حب الله عبدَه.

فائدة:

قال الإمام الطحاوي ــ رحمه الله ــ : «ونُحبُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم. ونبغض مَن يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير. وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان».

7/381 ــ وعن مُعَاذٍ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قَالَ اللهُ _عز وجل_: المُتَحَابُّونَ في جَلاَلِي، لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشّهَدَاءُ». رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحّ.

غريب الحديث:

يغبطهم: يتمنون أن لهم مثلهم من المنزلة والشرف دون زوالها عنهم، وهو المسمّىٰ: حسد الغبطة.

هداية الحديث:

1) للمتحابين في جلال الله منزلة عظيمة ومقام كريم، فهم علىٰ نور في الدنيا ولهم منابر من نور يوم القيامة.

2) التنافس في الخيرات سبيل المؤمنين الصادقين.

8/382 ــ وعن أبي إدريسٍ الخَوْلانيِّ ــ رَحِمَهُ الله ــ قال: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإذَا فَتىٰ بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإذَا النَّاسُ مَعَهُ، فَإذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ أسْنَدُوهُ إلَيْهِ، وَصدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رضي الله عنه، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّىٰ قَضَىٰ صلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ لله، فَقَالَ: آلله؟ فَقُلْتُ: الله، فقال: آلله؟ فَقُلتُ: الله، فَأَخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي، فَجَبَذَني إلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِر، فَإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «قال اللهُ تعالَى: وَجبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتحابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِيْنَ فِيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالمُتبَاذِلِينَ فِيَّ». حديث صحيح رواه مالِك في المُوَطَّأ بإسنادِهِ الصَّحيحِ.

قَوْلُهُ: «هَجَّرْتُ» أَيْ بكَّرْتُ، وَهُوَ بتشديد الجيم. قوله: «آلله، فَقُلْتُ: الله» الأوَّلُ بهمزةٍ ممدودةٍ للاستفهامِ، والثاني بِلا مدّ.

غريب الحديث:

برّاق الثنايا: حسن الثغر، لايرىٰ إلا مبتسماً.

صدروا عن رأيه: رجعوا إليه وأخذوا به.

المتباذلين فيَّ: المتعاونين والمنفقين من أجلي.

هداية الحديث:

1) استحباب إخبار المحب لمن يحبه، فيقول له: إني أحبك في الله.

2) من الأدب لمن قصد إنساناً في حاجة أن يأتِيَه من تلقاء وجهه، حتىٰ لايفزع.

3) لابد للناس من عالم يأخذهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إليه يرجعون، وعن فتواه يصدرون.

4) بيان عظيم فضل المحبة في الله، التي من ثمارها التزاور والتباذل والتعاون، وكلها روابط تقوي عرىٰ المحبة في الله.

9/383 ــ عن أبي كَرِيمَةَ المِقْدَامِ بْن مَعْدِ يَكرِبَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَحَبَّ الرَّجُلُ أخَاهُ فَلْيُخْبِرْه أنّهُ يُحِبُّهُ». رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

هداية الحديث:

1) من أحب أخاه في الله فليخبره، فهذا من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

2) إعلام الرجل أخاه أنه يحبه في الله: سببٌ لتوثيق الأخوة، وزيادة الألفة، وتأكيد عرىٰ المودة.

10/384 ــ وعن مُعَاذٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ ، وقال: «يَا مُعَاذُ، واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ تَقُولُ: اللَّهم أَعِنِّي عَلىٰ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». حديثٌ صحيحٌ، رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.

غريب الحديث:

دُبر كل صلاة: يعني في آخر كل صلاة مفروضة قبل السلام.

هداية الحديث:

1) من السنة إذا أحببت شخصاً أن تقول له: إني أحبك.

2) فضل معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خصّه بهذه الوصية الخالصة لمحبته صلى الله عليه وسلم له.

3) استحباب التزام هذا الدعاء قبل السلام من الصلاة.

فائـدة:

قال أهل العلم: ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: «دُبر كل صلاة» يُنظر في سياقه، فإن كان من باب الثناء والذكر، كالتسبيح والتحميد والتكبير، فمحله بعد الصلاة. وما كان من باب الدعاء، كحديث معاذ فمحله قبل الصلاة.

قال العلَّامة ابن القيم ــ رحمه الله تعالىٰ ــ:

«وبالجملة... فلا ريب أن عامة أدعيته التي كان يدعو بها وعلمها الصدِّيق إنما هي في صلب الصلاة، وأما حديث معاذ بن جبل: لا تنسَ أن تقول دُبر كل صلاة... فدبر الصلاة يُراد به آخرها قبل السلام منها... ويراد به ما بعد السلام كقوله: تسبحون الله وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة...».

وقال أيضاً: «ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده».

(زاد المعاد في هدي خير العباد)

11/385 ــ وعن أنس ٍرضي الله عنه أنَّ رَجُلاً كانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقال: يَا رسولَ الله إنِّي لأُحِبّ هذَا، فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَأَعلَمْتَهُ ؟» قَالَ: لا، قَالَ: «أَعْلِمْهُ» فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّكَ في الله، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.

هداية الحديث:

1) إعلام الشخص بمحبتك له مما يقوي الصلة ويزيد الألفة.

2) من أخبره أخوه أنه يحبه، فليخبره ويدعو له بقوله: أحبك الله الذي أحببتني له.

3) ما من خير إلا ودل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة عليه، ومن ذلك أنّه علّمهم كيف يحبون بعضهم، وكيف تزداد محبتهم. فأين بعض المسلمين اليوم من هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم؟