اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

60ــ باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى

قال الله تعالىٰ: {وَمَآ أَنفَقتُم مِّن شَيء فَهُوَ يُخلِفُهُ} [سبأ: 39] ، وقال تعالىٰ: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن خَير فَلِأَنفُسِكُم وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبتِغَآءَ وَجهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِن خَير يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لَا تُظلَمُونَ} [البقرة: 272] ، وقال تعالىٰ: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن خَير فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} [البقرة: 273].

فائدة:

الكرم: اسم جامع لأبواب الإحسان، وهو أنواع، منها:

كرم البذل، وكرم النفس عما في أيدي الناس، وكرم العفو عن إساءة الناس.

هداية الآيات:

1) حث أهل الإيمان علىٰ النفقة ابتغاء وجه الله تعالىٰ.

2) المؤمن يثق بما عند الله تعالىٰ بأنه يخلفه، ويعوضه خيراً مما أنفق.

1/544 ــ وعَنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ حَسَدَ إلاَ في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلىٰ هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتاه اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفقٌ عليه. معناه: يَنْبَغِي أَلاّ يُغبَطَ أَحَدٌ إلَّا علىٰ إحدَىٰ هَاتَينِ الخَصْلَتَيْنِ.

غريب الحديث:

هلكته في الحق: إنفاقه في وجوه الخير.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ التنافس في أعمال الخير، فما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخير إلا ليتنافس فيه المؤمنون.

2) النعم كلها من الله تعالىٰ، والواجب شكرها؛ وذلك بأن يضعها العبد حيث أمره صاحب النعمة سبحانه وتعالىٰ.

3) الإنفاق عام يشمل نفقة المال ونفقة العلم.

فائدة:

الناس في الحكمة والعلم ينقسمون أربعة أقسام.

القسم الأول: من لم يُؤتَ الحكمة إطلاقاً، فهو الجاهل.

القسم الثاني: من آتاه الله الحكمة، فبخل بها حتىٰ علىٰ نفسه فلم يعمل بها، فهو الغافل، رُزق العلم وحُرم العمل. لكن أرفع رتبة من الأول.

القسم الثالث: من آتاه الله الحكمة، فعمل بها في نفسه دون أن يعلمها غيره من الناس، فهو علىٰ خير قاصر.

القسم الرابع: من آتاه الله الحكمة، فعمل بها في نفسه، وعلمها غيره لينتفع الجميع بها، وهو الفاضل. فاحرص يا أخي أن تكون من هذا القسم الموفَّق.

2/545 ــ وعنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إليه مِن مَالِهِ؟» قالُوا: يا رسولَ الله، مَا مِنَّا أَحَدٌ إلَّا مَالُه أَحَبُّ إليه. قال: «فَإنَّ مَالَه ما قَدَّمَ، وَمَالَ وَارِثِهِ ما أخّرَ». رواه البخاري.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ تقديم المال في وجوه الخير، لينتفع به في الدنيا والآخرة.

2) إن تصحيح المفاهيم الخاطئة في حياة الناس، من مهمة العلماء وطلاب العلم.

3/546 ــ وعَن عديِّ بنِ حاتمٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمرَةٍ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) إن أبواب الخير منوعة كثيرة، ولن يعدم المؤمن الخير، ولو تصدق بشق تمرة تنجيه من عذاب النار.

2) تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته طرق النجاة من العذاب.

4/547 ــ وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: ما سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيئاً قَط،ُّ فقالَ: لا. متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) بيان كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، فكان لايرد سائلاً، بل كان عطاؤه عطاء من لايخشىٰ الفقر.

2) الموفَّق من عباد الله مَنْ يسعىٰ لتحقيق القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه المبارك، ومن ذلك هذا الخُلق الفاضل.

5/548 ــ وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهم أَعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهم أَعطِ مُمْسِكا تَلَفاً». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) الدعاء للمنفقين بالعِوض المبارك، والدعاء علىٰ المُمسِكين بالتلف المُهلك.

2) الملائكة تدعو للمؤمنين الصالحين، وهذه بشرىٰ لأهل الإيمان.

فائـدة :

التلف نوعان:

1_ التلف الحسي: أن يَتلفَ المالُ بنفسه، وذلك بأن تأتيه آفة تفسده؛ كأن يُحرق، أو يُسرق، أو يغرق.

2_ التلف المعنوي: أن تنزع بركته، بحيث لا يكاد يستفيد صاحبه منه في حياته.

6/549ــ وعنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «قالَ الله تعالىٰ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ». متفق عليه.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ الإنفاق في سبيل الله، لأنّه سبب لسعة الرزق.

2) إعطاء الله عبدَه علىٰ حسب إعطاء العبد الفقراءَ والمحتاجين.

7/550 ــ وعنْ عبد الله بن عَمْرو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإسلامِ خَيْرٌ ؟ قال: « تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلىٰ مَنْ عَرَفتَ وَمَن لَمْ تَعْرِفْ ». متفقٌ عليه.

هداية الحديث:

1) حرص الصحابة علىٰ العلم بالخصال التي تنفع في الدنيا و الآخرة، وإتباع ذلك بالعمل.

2) الحث علىٰ البذل والعطاء بإطعام الطعام.

فائـدة:

هذا العموم في قوله: «وتقرأ السلام...» مخصوص بالمسلمين، فلا يُسلِّم ابتداءً علىٰ غير المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبدؤوا اليهود والنصارىٰ بالسلام ..»الحديث.

فائـدة:

الفرق بين الجواد والمسرف: أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه ، والمسرف: كثيراً ما لا يصادف عطاؤه موضعه.

فالجواد من يتوخىٰ بماله أداء الحقوق الواجبة والمستحبة، حسب مقتضىٰ الشريعة، وباعثِ المروءة، من النفقة، وقرىٰ الضيف، ومكافأة المهدي، وما يقي به عرضه علىٰ وجه الكمال، طيبةً بذلك نفسُه، راضيةً، مُؤملةً للخلف في الدنيا والآخرة.

وأما المبذر فينفق لحكم هواه وشهوته، من غير مراعاة مصلحة خاصة ولا عامة، قد ضيع الحقوق الواجبة والمستحبة.

8/551 ــ وعنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعُونَ خَصلَةً أَعلاهَا مَنِيحَةُ العَنْز،ِ ما مِن عَامِلٍ يَعمَلُ بخَصلَةٍ منها، رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلا أَدْخَلَهُ الله تعالىٰ بهَا الجَنَّةَ». رواه البخاري. وقدْ سبق بيانُ هذا في باب بيان كَثرَةِ طُرق الخَيْرِ.

هداية الحديث:

1) تنوعُ أبواب الخير، وفتْحُها للعاملين. والمحروم من حُرم دخولها والعمل بها.

2) الإنفاق المستحب شرعاً، والذي يعظم أجراً، مشروط بالإخلاص لله تعالىٰ؛ {وَمَن يَفعَل ذَٰلِكَ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجرًا عَظِيما} [النساء: 114].

9/552 ــ وعن أبي أُمَامَةَ صُدَيِّ بنِ عَجْلانَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ أَن تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وأن تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلا تُلامُ عَلىٰ كَفَافٍ، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ، واليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَىٰ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) إن بذل المعروف الزائد عن الحاجة خير للعبد؛ لأن في ذلك صلة لإخوانه المحتاجين، وتصديقاً بموعود ربِّ العالمين.

2) كل عبد مطلوب منه البذل بما يستطيع دون كلفة {وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُۥ فَليُنفِق مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ}.

10/553 ــ وعن أنس رضي الله عنه قال: ما سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلىٰ الإسْلامِ شَيْئاً إلَّا أَعْطاه، وَلَقَد جَاءه رجُلٌ، فَأَعطَاه غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ، فَرَجَعَ إلىٰ قَومِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا؛ فَإنَّ مُحَمَّداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لاَ يَخْشَىٰ الفَقْرَ، وإنْ كانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يَلبَثُ إلاَ يَسِيراً حَتَىٰ يَكُونَ الإسْلامُ أَحَبَّ إلَيه منَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْها. رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) إن بذل المال، وحسن الخلق، سبب عظيم في تأليف قلوب العباد.

2) جواز إعطاء ضعفاء الإيمان من الزكاة تأليفاً لقلوبهم، فالإنسان قد يدخل الإسلام للدنيا، ولكن إذا ذاق طعم الإيمان رغب فيه، وحسن إسلامه.

11/554ــ وعن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَسْماً، فَقُلْتُ: يا رسولَ الله، لَغَيْرُ هؤُلاءِ كَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْهُم؟ قالَ: «إنَّهُمْ خَيَّرُوني أن يَسْأَلُوني بالْفُحْشِ، أَوْ يُبَخِّلُوني، ولَسْتُ بِبَاخِلٍ». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) بيان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق، والصبر، والحلم، والإعراض عن الجاهلين.

2) البخل ليس من شيم الأنبياء ولا الصالحين، فالمؤمن جواد كريم.

12/555 ــ وعن جُبَيْرِ بنِ مُطعِمٍ رضي الله عنه أنه قال: بَيْنَما هُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَقْفَلَهُ مِن حُنيْنٍ، فَعَلِقَهُ الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّىٰ اضْطَرُّوهُ إلىٰ سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «أَعْطُوني رِدَائي، فَلَوْ كَانَ لي عَدَدُ هذِهِ العِضَاه نَعَماً لَقَسَمْتُهُ بَيْنكُمْ، ثم لا تَجِدُوني بَخِيلاً وَلا كَذَّاباً وَلا جَبَاناً». رواه البخاري.

«مَقْفَلَه» أَيْ: حَال رُجُوعِهِ. و«السَّمُرَةُ»: شَجَرَةٌ. وَ«العِضَاهُ»: شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.

هداية الحديث:

1) إمام المسلمين مُنزَّه أن تكون فيه خصلة مذمومة، وهذا هو شأن مَن يكون قدوة الناس؛ عليه أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم.

2) بيان ما كان عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من التعليم بالقدوة، فكان يتبع العلم بالعمل.

3) أثر الهدي الصالح، والخُلق الحسن، على قلوب الخَلق.

13/556 ــ وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَما زَادَ الله عَبْداً بِعَفْوٍ إلَّا عِزّاً، وَما تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إلَّا رَفَعَهُ اللهُ _عز وجل_». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الصدقة لا تُنقص المال؛ لأن الله يبارك فيه، ويعوِّض ما ذهب منه.

2) حال المؤمن الثقة بموعود الله تعالىٰ؛ بأن يعوض بالخير والبركة.

14/557ــ وعن أبي كَبشَةَ عُمرَ بنِ سَعدٍ الأَنمَارِيِّ رضي الله عنه أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: « ثَلاَثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبدٌ مَظْلِمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إلا زَادَهُ اللهُ عِزّاً، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ بَابَ فَقْرٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ قال: إنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:

عَبْدٍ رَزَقَه اللهُ مَالاً وَعِلْماً، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لله فِيهِ حَقّاً، فَهذَا بِأَفضلِ المَنَازِل. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله عِلْماً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ بِنيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً، فَهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَيرِ عِلمٍ، لا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعلَمُ لله فِيهِ حَقّاً، فهذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ.وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُما سَوَاءٌ». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

غريب الحديث:

نفر: مابين الثلاثة إلىٰ العشرة.

هداية الحديث:

1) الخبر الصادق عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة لا تُنقص المال، بل تزيده وتنميه.

2) العلم ميزان الأمور كلها؛ فمَن رزقه الله علماً نافعاً عرف كيف يدير أموره، ومن حُرم العلم تخبَّط في أمره، فكان فرطاً، وفي هذا الحث علىٰ طلب العلم النافع.

15/558 ــ وعن عائشة رضي الله عنها أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بقِيَ مِنْها؟» قالت: ما بقي مِنها إلَّا كَتِفُهَا، قال: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا». رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

ومعناه: تَصَدَّقُوا بها إلَّا كَتِفَهَا، فقال: بقيتْ لَنَا في الآخِرَةِ إلَّا كَتِفَهَا.

هداية الحديث:

1) بيان كرم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأهل بيته رضي الله عنهم.

2) مال العبد الباقي هو ما يقدمه ويدّخر ثوابه عند الله تعالىٰ.

8) طريقة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في تصحيح الاعتقادات، والمقاييس الخاطئة في حياة الناس.

16/559ــ وعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنهما قالت: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُوكِي فَيُوكَىٰ عَلَيكِ».

وفي روايةٍ: «أَنْفِقِي، أَو انْفَحِي، أَوِ انْضَحِي، وَلا تُحْصي فَيُحْصي الله عَلَيْك، وَلا تُوعِي فَيُوعِي الله عَلَيْكِ». متفقٌ عليه.

و«انْفَحِي» بالحاءِ المهملة: وهو بمعنىٰ: «أَنفِقِي» وكذلك: «انْضحِي».

غريب الحديث:

لا توكي: لا تمنعي وتَشُدِّي ما عندك.

ولا توعي: لا تمنعي مافضل عنك وتشحي به، فهما بمعنىٰ متقارب.

هداية الحديث:

1) النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فذلك من سوء الظن بالله تعالىٰ.

2) الجزاء من جنس العمل؛ فمن منع حق الله الواجب عُوقب بأن يضيق الله عليه.

17/560 ــ وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِما جُنَّتَانِ مِن حَدِيدٍ مِن ثُدِيِّهِمَا إلىٰ تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ؛ فَلا يُنْفِقُ إلَّا سَبَغَتْ، أَوْ وَفَرَتْ عَلىٰ جلدِهِ حتىٰ تُخْفِيَ بَنَانَهُ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمّا البَخِيلُ؛ فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيئاً إلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ». متفقٌ عليه.

و«الجُنَّةُ» الدِّرعُ وَمَعنَاهُ: أن المُنْفِقَ كُلَّمَا أَنْفَقَ سَبَغَتْ، وطَالَت حتىٰ تجُرَّ وَرَاءهُ، وتُخْفِي رِجْلَيْهِ وأَثرَ مَشيِهِ وخُطُوَاتِهِ.

غريب الحديث:

ثُديهما: مثنى ثُدي بالضم، وهو للرجل. وأما الثَدي: بالفتح، فهو للمرأة.

تراقيهما: جمع ترقوة، وهو: العظم الذي بين النحر والعاتق.

سبغت: امتدت وغطت.

بنانه: أصابعه.

تعفو أثره: تغطي أثره حتىٰ لاتظهر.

هداية الحديث:

1) الصدقة تستر الخطايا، كما يستر الثوب الذي يجر علىٰ الأرض أثر صاحبه إذا مشىٰ.

2) بذل المال والإنفاق، من أعظم أسباب انشراح الصدرِ، وطيب النفس.

18/561 ــ وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يَقْبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، فَإنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيها لصَاحِبِهَا، كما يُرَبِّي أحَدُكمْ فَلُوَّهُ حتَّىٰ تكونَ مثلَ الجبلِ». متفقٌ عليه.

«الفَلُوُّ» بفتحِ الفاء وضَمِّ اللام وتشديد الواو، ويقال أيضاً: بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو: وهو المُهْر.

هداية الحديث:

1) إن الله طيب لايقبل إلا طيباً، فليحرص المتصدق علىٰ طيب صدقته.

2) بيان موعود الله تعالىٰ؛ بأن يضاعف الصدقة من الكسب الطيب، حتىٰ تصبح كالجبل. وهذا من ثمرة المال الحلال.

19/562 ــ وعنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاةٍ مِن الأَرْضِ، فَسَمعَ صَوتاً في سَحَابَةٍ: اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّىٰ ذلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوعَبَتْ ذلِكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فإذا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحَاتِهِ، فقال له: يَا عَبْدَ الله، ما اسْمُكَ؟ قال: فُلانٌ للاسْمِ الَّذي سَمعَ في السَّحَابَةِ، فقال له: يا عَبْدَ الله، لِمَ تَسْألُني عَنِ اسْمِي؟ فَقَال: إنِّي سَمِعْتُ صَوتاً في السَّحَابِ الذِي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاسمِكَ، فما تَصْنَعُ فِيها؟ فقال: أَمّا إذْ قُلْتَ هذَا، فإنِّي أَنْظُرُ إلىٰ ما يخْرُجُ مِنْها، فَأتَصَدَّقُ بثُلُثِه، وآكُلُ أَنا وعِيالي ثُلُثاً، وأَرُدُّ فيهَا ثُلثهُ». رواه مسلم.

(الحَرَّةُ) الأَرْضُ المُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَودَاءَ. و(الشَّرجَةُ) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء وبالجيم: هِي مَسِيلُ الماءِ.

هداية الحديث:

1) الإنفاق علىٰ العيال والمحتاجين من الأعمال التي يحبها الله تعالىٰ ويرضاها.

2) يختص الله تعالىٰ عبده المؤمن الصادق برحمة خاصة دون باقي الناس.

3) إثبات كرامات الأولياء في هذه الأمة، وفي الأمم الماضية، الذين وَصَفُهم الله تعالىٰ بقوله: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}.