قالَ الله تعالىٰ: {فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ} [الذاريات: 50].
المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر علىٰ أذاهم أفضل من المؤمن الذي لايخالط الناس، ولا يصبر علىٰ أذاهم، ولكن أحياناً تحدث أمور تكون العزلة فيها خيراً من الاختلاط بالناس، كأيام الفتن.
1/597ــ وعن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبدَ التَّقِيَّ الغَنيَّ الخَفِيَّ». رواه مسلم.
والمُرَاد بـ «الغَنِيِّ»: غَنِيُّ النَّفْسِ، كما سَبَقَ في الحديث الصحيح.
1) فضل اعتزال الناس، مع لزوم طاعة الله، عند خوف الفتنة، وفساد الناس.
2) إثبات صفة المحبة لله، وأنه يحب عبده الطائع. فليجتهد العبد في فعل ما ينال به محبة الله تعالىٰ.
3) خير الأعمال ما كان خفياً لا يُظهره العبد خشية الرياء، إلا أن يكون في إظهار العمل مصلحة.
2/598 ــ وعن أبي سعيد الخُدرِيِّ رضي الله عنه قالَ رَجُلٌ: أَيُّ النَّاسِ أفضَلُ يا رسُولَ الله؟ قال: « مُؤْمِنٌ مجَاهِدٌ بِنَفسِهِ ومَالِهِ في سبِيلِ الله» قال: ثم من؟ قال: «ثم رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ في شِعْبٍ مِن الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ».
وفي رواية: «يَتَّقِي الله، وَيَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّهِ». متفقٌ عليه.
شِعب: طريق في الجبل، وما انفرج بين الجبلين، ومسيل الماء.
1) إن اعتزال الناس عند وقوع الفتنة من أفضل أحوال العبد؛ لأنه يسلم من الأذىٰ لنفسه وغيره.
2) شرط الاعتزال الشرعي المحمود أن يكون في عبادة الله تعالىٰ، لا أن يكون العبد مستتراً في المعاصي معتزلاً عن أن يراه الناس.
3/599ــ وعنه قالَ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرَ مَال المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَواقعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ». رواه البخاري.
و«شَعَفُ الجِبَالِ»: أعْلاهَا.
مواقع القطر: مواضع العشب التي ينزل فيها المطر.
1) الفرار من الفتن سبيل المؤمنين، لأنّ فيه صيانةً للدنيا، وسلامةً للدين.
2) العزلة راحة من خلطاء السوء.
3) عند كثرة الفتن تكون صحبة البهائم خيراً من صحبة أشرار الناس!
4/600 ــ وعَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبيّاً إلَّا رَعَىٰ الْغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُه: وَأَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلىٰ قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ». رواه البخاري.
قراريط: جمع قيراط: وهو نوع من المال يومئذٍ.
1) رعاية الغنم تعوِّد الراعي التوَّجهَ إلىٰ ما فيه الصلاح، كالمراعي الحسنة مثلاً. فكذلك علىٰ من يرعىٰ شؤون العباد الدينية أو الدنيوية، أن يرشدهم إلىٰ مافيه مصالحهم، وينهاهم عما يضرهم.
2) خُصَّ الأنبياء برعي الغنم؛ لأن صاحب الغنم متصف بالسكينة والهدوء والاطمئنان، والغنم أضعف من غيرها، وهي أسرع انقياداً. فهذه دروس مستفادة من هدي الأنبياء عليه الصلاة والسلام.
3) إن اشتغال الإنسان بالحِرَفِ المباحة والكسب الحلال، ولو برعي الغنم خيرٌ له من الوقوع في العمل الحرام.
5/601 ــ وعنه عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنـَّهُ قال: «مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سَبِيلِ الله، يَطِيرُ عَلىٰ مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طارَ عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْلَ أَو المَوْتَ مَظَانَّه، أَوْ رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ في رَأْسِ شَعَفَةٍ مِن هذهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطنِ وادٍ مِن هذهِ الأَودِيَةِ، يُقِيم الصَّلاةَ، وَيُؤتِي الزَّكاةَ، ويَعْبُد رَبَّهُ حَتَّىٰ يَأْتِيَهُ اليَقِينُ، ليسَ مِنَ النَّاسِ، إلَّا في خَيْرٍ». رواه مسلم.
«يَطِيرُ»: أي يُسْرع. «وَمَتْنُهُ»: ظَهْرُهُ. «والهَيْعَةُ»: الصوتُ للحربِ. «وَالفَزعَةُ»: نحوهُ. وَ«مَظَانُّ الشَّيءِ»: المواضع التي يُظَنُّ وجودُه فيها. «وَالغُنَيْمَةُ»، بضم الغين، تصغير الغنم. «وَالشَّعَفَةُ» بفتح الشين والعين: هي أَعْلىٰ الجَبَل.
عِنان: سير اللجام الذي تُمسك به الدابة.
اليقين: الموت.
1) العزلة خير، بشرط ألا تمنع العبد من القيام بالأحكام الشرعية علىٰ وجهها الصحيح.
2) علىٰ العبدِ أن يعتزل مَن مخالطتهم داءٌ للقلوب، كأصحاب الفسوق والمحدثات والبدع، أما مَن عشرتهم غذاء القلوب، كأهل العلم والسنة و الصلاح، فإنه يحرص علىٰ دوام صحبتهم، ومحبتهم.