اللغات المتاحة للكتاب Indonesia English

71 ــ باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين

قال الله تعالىٰ: {وَٱخفِض جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ} [الشعراء: 215]، وقال تعالىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِۦ فَسَوفَ يَأتِي ٱللَّهُ بِقَوم يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلمُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلكَٰفِرِينَ} [المائدة: 54] ، وقال تعالَىٰ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَٰكُم شُعُوبا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ ٱللَّهِ أَتقَىٰكُم} [الحجرات: 13] ، وقال تعالىٰ: {فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۖ هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰٓ} [النجم: 32] ، وقال تعالىٰ: {وَنَادَىٰٓ أَصحَٰبُ ٱلأَعرَافِ رِجَالا يَعرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُم قَالُواْ مَآ أَغنَىٰ عَنكُم جَمعُكُم وَمَا كُنتُم تَستَكبِرُونَ * أَهَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقسَمتُم لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحمَةٍ ٱدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ لَا خَوفٌ عَلَيكُم وَلَآ أَنتُم تَحزَنُونَ} [الأعراف: 48 ـ 49].

هداية الآيات:

1) التواضع وخفض الجناح للمؤمنين خاصة، أما الكافر فلا تواضع له، بل يُعلىٰ عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يعلو ولا يُعلىٰ». رواه الدارقطني.

2) إظهار وصف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فهم: أشداء علىٰ الكفار، رحماء فيما بينهم.

3) إثبات المحبة لله _عز وجل_، فهو يُحِبُّ ويُحَبُّ {فَسَوفَ يَأتِي ٱللَّهُ بِقَوم يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُۥٓ}.

4) بيان الحكمة من أن الله جعلنا شعوباً وقبائل؛ من أجل أن يعرف بعضنا بعضاً، لا من أجل أن يفخر بعضنا علىٰ بعض، فالفضل في الإسلام بالتقوىٰ والعمل الصالح.

1/602 ــ وعن عِيَاضِ بن حِمَارٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أَوحَىٰ إليَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حتىٰ لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلىٰ أَحَدٍ، وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ علىٰ أَحَدٍ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

لا يبغي: لا يظلم ولا يعتدي.

هداية الحديث:

1) علىٰ الإنسان أن يتصف بالتواضع لله _عز وجل_ ولإخوانه من المسلمين، فينظر لمن هو أكبر منه نظرة إكرامٍ وإجلالٍ، وإلىٰ من هو دونه نظرة رحمة وإشفاقٍ، وإلىٰ من هو مثله نظرة مساواة، فالتواضع لأهل الإيمان من أسباب انتشار العدل والإحسان.

2) السنّة النبوية وحيٌ من الله تعالىٰ، وهي تتنزل كما ينزل القرآن.

3) الكِبْر يولد التفاخر، والتفاخر يولد البغي والقطيعة. فليحذر العبد من خصال المتكبرين.

2/603 ــ وعَنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ من مالٍ، وما زادَ اللهُ عَبداً بِعَفْوٍ إلَّا عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لله إلاّ رَفَعَهُ الله». رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) الحث علىٰ العفو، لكنه عفو مقيّد بما يترتب عليه إصلاح؛ لقول الله تعالىٰ: {فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ}.

2) مَن تواضع لله رفعه الله _عز وجل_ في الدنيا والآخرة، فالجزاء من جنس العمل.

3/604 ــ وعن أنس رضي الله عنه أنَّهُ مَرَّ عَلىٰ صِبيانٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وقال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. متفق عليه.

هداية الحديث:

1) استحباب السلام علىٰ الصغار؛ لتربيتهم علىٰ الآداب الشرعية، وتعويد النفوس علىٰ التواضع.

2) حرص الصحابة رضي الله عنهم علىٰ متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا حال كل مؤمن موفق، يبتغي في عمله الإخلاص لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

3) إن سلوك التواضع مع الصغار يشعر الصبيان بالرفعة والمنزلة العالية، وينمي في أنفسهم توقير الكبير واحترامه.

4/605 ــ وعنه قال: إنْ كانَتِ الأَمَةُ مِن إمَاءِ أَهْلِ المَدينَةِ لتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ. رواه البخاري.

غريب الحديث:

الأَمة: الجارية الصغيرة.

هداية الحديث:

1) كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم؛ بوقوفه مع الضعفاء وذوي الحاجة، وهو أشرف الخلق، عليه الصلاة والسلام.

2) إن من الهدي النَّبويِّ المرغب فيه بذل العون لكل محتاج، وقضاء حاجات الناس، قَرُب مكانها أو بَعُد.

5/606 ــ وعن الأسوَدِ بن يَزيدَ قال: سُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: ما كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَصنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالت: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أَهْلِهِ ـ يَعني: خِدمَةِ أَهلِهِ ـ فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، خَرَجَ إلىٰ الصلاةِ. رواه البخاري.

هداية الحديث:

1) كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم وإحسانه بأهله، فمساعدة الأهل في مهنتهم فيه مصلحة منوعة، من دوام الألفة والمحبة، واتباع هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

2) الأعمال الدنيوية يجب ألا تلهي العبد عن الصلاة، فالواجبات الدينية مقدمة علىٰ الدنيوية.

3) العبودية التامّة هو أن يقوم العبد بكل طاعة في وقتها المخصوص.

6/607 ــ وعن أبي رِفَاعَةَ تَميمِ بن أُسَيدٍ رضي الله عنه قال: انْتَهَيْتُ إلىٰ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَخْطُبُ، فقلتُ: يا رسولَ الله، رجُلٌ غَرِيبٌ جاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ، لا يَدرِي مَا دِينُهُ؟ فَأقْبَلَ عَليً رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حتىٰ انْتَهىٰ إليَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، فَقَعَدَ عَلَيهِ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه الله، ثم أَتَىٰ خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا. رواه مسلم.

هداية الحديث:

1) كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين، وبيان حكمته، حيث كان في تعليمه تأليفاً للقلوب علىٰ الإسلام.

2) إن العناية بالمهم الذي قد يفوت وقته من الحكمة المطلوبة، وهذا من رعاية (وظيفة الوقت) ولذلك قدّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المصلحة في قطع الخطبة، وتعليم الرجل.

7/608 ــ وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثّلاثَ، قال: وقال: «إذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْها الأذىٰ، ولْيَأْكُلْها، وَلا يَدَعْها للشّيْطَانِ». وَأَمَرَ أَنْ تُسْلَتَ القَصعةُ، قالَ: «فَإنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أَيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». رواه مسلم.

غريب الحديث:

لعق أصابعه: لَحَسَهَا.

فلْيُمِط: فلْيُزِل.

تُسْلَت: أي تتبع ما علق فيها من طعام بأصابعك وتلعقها.

القصعة: إناء يأكل منه الجماعة.

هداية الحديث:

1) حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان إذا ذكر الحُكمَ ذكر الحِكْمة منه، وهذا يفيد فائدتين عظيمتين:

الأولىٰ: بيان سموّ الشريعة، فهي مبنية علىٰ جانب المصالح، ودفع المفاسد، فما من شيء أُمرنا به إلا والمصلحة في وجوده، وما من شيء نُهينا عنه إلا والمصلحة في عدمه.

الثانية: زيادة اطمئنان النفس، فإذا ذُكرت الحكمة ازداد العبد إيماناً ويقيناً، ونشِط علىٰ فعل المأمور، أو ترك المحظور.

2) الشيطان قد يشارك العبد في طعامه وشرابه، إذا لم يحترز منه بالوسائل الشرعية.

3) إن المحافظة علىٰ الطعام الساقط فيه تعليمٌ علىٰ حفظ المال، مهما كان قليلاً.

فائـدة:

لعق الأصابع بعد الطعام فيه فائدتان:

ــ شرعية : وهي الاقتداء بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ــ وصحية طبية: ذكرها بعض الأطباء، وهي: أن الأنامل تفرز عند مباشرة الأكل بها شيئاً يعين علىٰ هضم الطعام، والله أعلم.

8/609 ــ وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما بَعَثَ اللهُ نبيّاً إلَّا رَعَىٰ الغَنَمَ»، قالَ أصحابُه: وَأَنْتَ؟ فقال: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلىٰ قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ». رواه البخاري.

غريب الحديث:

قراريط: جمع قيراط، وهو مقدار من المال.

هداية الحديث:

1) رعي الغنم فيه تربية علىٰ التواضع ونبذ الكبر.

2) علىٰ الذي يتصدر لتعليم الناس وتربيتهم، أن يتأسىٰ بأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام في تواضعهم وحُسن أخلاقهم.

9/610 ــ وعنهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَو دُعِيْتُ إلىٰ كُرَاعٍ أو ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إليَّ ذِراعٌ أو كُراعٌ لَقَبلْتُ». رواه البخاري.

غريب الحديث:

الكُراع: في البقر والغنم، مستدق الساق من الرِّجْل.

الذِراع: من رؤوس الأصابع إلىٰ المرفق في اليد.

هداية الحديث:

1) الترغيب في إجابة الدعوة ولو إلىٰ شيءٍ يسير من الطعام، وقبول الهدية مهما قلّت، لما في ذلك من التواضعِ وإيجاد الألفة بين المسلمين.

2) كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم وجبره قلوبَ الناس، وخاصة الضعفة من القوم.

10/611 ــ وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَتْ نَاقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم العَضْبَاءُ لاَ تُسْبَقُ، أَوْلا تكَادُ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أعْرابِيٌّ عَلىٰ قَعُودٍ لَهُ، فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذلِكَ عَلىٰ المُسْلِمِين حَتَّىٰ عَرَفَهُ، فَقَالَ: «حَقٌّ عَلىٰ الله أَلاَ يَرْتَفعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ». رواه البخاري.

غريب الحديث:

قَعود: هو الفَتِيُّ من الإبل الذي استحق أن يُركب عليه.

هداية الحديث:

1) بيان هوان الدنيا علىٰ الله، والترغيب في ترك المباهاة والمفاخرة، والحث علىٰ التواضع وطرح رداء التكبر.

2) كل ارتفاع في الدنيا فإنه لا بد أن يؤول إلىٰ انخفاض.

3) ما ارتفع من أمور الآخرة فإن الله تعالىٰ لا يضعه {يَرفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ دَرَجَٰت}.